كيف لي، مهما كنتُ مشوشة الذهن، أن تطأ قدماي شرفة القصر الإمبراطوري مرة أخرى!؟
صفعت ديليا خدها برفق، و هزّت رأسها بسرعة لتنفض عن نفسها شرودها.
كانت ديليا جاثيةً على ركبتيها، وما إن بدأت تنهض مترنحة حتى دوّى صوت طرقٍ على الباب، ليُفتح فجأةً دون أي إنذار، مصدِرًا صريرًا خافتًا.
في لحظة، تجمدت ديليا، و عيناها متسعتان دهشة ، وقد حبست أنفاسها؛ فقد كان الموقف شبيهًا جدًا بما حدث في الماضي.
و بينما كانت تتراجع ببطء نحو سور الشرفة ، دوّى صوت ضحكةٍ غامضة ، تبعها صوت رجلٍ يقول:
“غريبٌ حقًا؟ لماذا تبدين متيبسة هكذا منذ لحظات؟”
“… و من تكون أنت؟”
كان رجلًا ذو شعرٍ ذهبي، وبشرةٍ سمراء محترقة بالشمس، مما زاده جاذبيةً واضحة. لم يكن سوى دانييل داي إلبرن فسيون ، الأمير الثاني للإمبراطورية.
كان معروفًا عنه أنه مستهترٌ، يجوب الأماكن بصحبة النساء، ولا يحمل أي اهتمامٍ بالشؤون السياسية رغم كونه أميرًا.
حياته لم تكن سوى سلسلةٍ من اللهو والمتع، وكأنه لا يعيش إلا لأنه وُلد وحسب.
حتى ديليا، التي قلّما تغادر منزلها، كانت على درايةٍ تامةٍ بسمعته السيئة، لذا قبضت على مروحتها بإحكام، مستعدةً لاستخدامها إن لزم الأمر.
“دانييل داي إلبرن فسيون ، أظن أن هذا تعريفٌ كافٍ عني ، أليس كذلك؟”
“… تشرفت بلقائك، سموّ الأمير. رغم أنها المرة الأولى التي نلتقي فيها، إلا أنني أعرفك جيدًا”
“هاه! توقعتُ ذلك. حتى المتسولون المرتعدون في الطرقات يعرفونني!”
كيف لي أن أهرب ، فأنتهي في الشرفة، لأواجه تحديدًا الأمير المستهتر الثاني؟ لو لم يكن هذا الرجل أمامي الآن، لكنتُ قبضتُ على رأسي إحباطًا و ضربتُ جبيني بقبضتي!
لكن دانييل لم يكن ليشعر مطلقًا بأفكار ديليا المتأججة.
بل على العكس، اقترب منها بخطواتٍ هادئة، يضع يديه خلف ظهره بلا اكتراث.
حدّق إلى شعرها الفضي بدهشةٍ واضحة، ثم أمال رأسه قليلًا وهو يحدق في جزءٍ مكشوف من صدرها ، و ضيّق عينيه.
“تفوح منكِ رائحة زهور … أظن أنني شممتها من قبل؟”
“… هل تقصد رائحة أزهار الليلك؟”
“نعم ، هذا هو العطر!”
لم تستطع ديليا إخفاء اضطرابها للحظة ، لكنها سرعان ما تماسكت. كيف لا ، و هي التي اعتادت قضاء وقتها في حديقة الليلك بمنزلها ، حتى باتت الرائحة تلازمها.
“على العكس، سموّ الأمير … لا أجد أي رائحةٍ تفوح منك”
“لطالما كرهتُ استخدام العطور أو أي شيءٍ مماثل. لهذا لا أضع شيئًا على جسدي، بإستثناء أوقات الاستحمام”
عندما سمعت دانييل يتحدث، أدركت ديليا شيئًا.
الشخص الذي حاول قتلها في الحفلة السابقة لم يكن الأمير الثاني دانييل.
كان ذلك مدعاة للإرتياح ، بل راحة كبيرة بالفعل. لأنه لو كان الرجل الذي أمامها هو الجاني ، لكانت قد اعتُبرت ميتة بالفعل.
تنفّست ديليا بإرتياح و هي تسند جسدها إلى حاجز الشرفة.
عندها مال دانييل برأسه قليلاً ، و كأنّه لا يفهم الوضع.
“لكن، لماذا أنتِ هنا؟”
“هذا …”
“قبل قليل ، كان زوجك يرقص مع ابنة الكونت. هل هربتِ إلى الشرفة الموجودة في هذا الركن بسبب ذلك؟”
تجهم وجهها تلقائيًا بسبب طريقته في الكلام التي لا تراعي مشاعر الآخرين.
مهما كان أميرًا للإمبراطورية، لا بد من وجود حد أدنى من اللياقة. و حين لزمت ديليا الصمت وقد ساء مزاجها، انفجر دانييل ضاحكًا بعد قليل.
“كما توقعت. إذًا، لهذا السبب جاءت سيدة الدوق إلى الشرفة”
“نعم؟ عمّ تتحدث منذ قليل؟”
اقترب دانييل من ديليا ، وأسند جسده إلى الحاجز بجانبها، ثم أخذ يتأمل بشرتها البيضاء ببطء و هو يتابع حديثه.
“يوجد العديد من الشرفات في قاعة الحفل. لكن الشرفة الّتي تقع في منتصف القاعة، قلّما يزورها أحد. هل تعرفين السبب؟”
“…لا، لست أدري حقًا.”
“نعم، وهذا دليل على براءتكِ. لو أن أحدًا لمّح لكِ بذلك، لما أتيتِ إلى هذا المكان أبدًا.”
أصبحت تشعر بالتعب شيئًا فشيئًا و هي تراقب دانييل يتهرّب من صلب الموضوع و يستخدم تعابير معقدة.
أدارت ديليا ظهرها لدانييل و رتبت فستانها الذي قد تبعثر.
عندها تغيّرت ملامح دانييل فجأة وحدّق فيها بنظرة حادة و قال: “ما الأمر؟ لماذا تنهضين بهذه السرعة؟”
“يجب أن أتحرك الآن. فالمقطوعة الأولى قد انتهت، وإن بقيت أكثر من هذا في الشرفة ، سيبدأ زوجي بالبحث عني”
بالطبع، لم تكن تعتقد أن هذا سيحصل، لكن إحساسها كان يخبرها بشيء واحد: يجب عليها أن تتجنب هذا الرجل قدر الإمكان.
و حين همّت بفتح الباب المغلق على مصراعيه ، خرجت فجأة يد سوداء محترقة و أمسكت بخدها في لحظة.
“آه ، ما هذا …!”
“قلت لكِ أن تصغي إلى حديثي حتى النهاية. النساء دائمًا لا يسمعن كلام الرجال أبدًا”
عند سماعها نبرة دانييل الخفيفة و المبتذلة ، المختلفة عن ذي قبل ، فتحت ديليا عينيها على اتساعهما.
عندها انفجر دانييل ضاحكًا و بدأ يتأمل وجه ديليا بهدوء.
“يبدو أنني سأقضي وقتًا ممتعًا اليوم. على أية حال، ذلك المكان أوشك أن تملؤه خيوط العنكبوت”
“أمم … أمممم …!”
في تلك اللحظة فقط أدركت ديليا السبب وراء عزوف الناس عن زيارة هذه الشرفة بالذات من بين كل الشُرَف الأخرى.
حاولت أن تفلت من الأمير بسرعة و بذعر ، فبدأت تتلوى بجسدها ، لكن دانييل ، الذي كان يحافظ دائمًا على لياقته ، لم يكن من السهل الإفلات منه. و بقوتها الجسدية لم يكن بإمكانها مجاراته.
و حين استسلمت ديليا لعدم قدرتها على الهرب ، نظرت إليه بغضب ، فإبتسم مجددًا و همس في أذنها: “لا تنظري إلي هكذا، هذا يجعلني أشعر بالغليان”
…يا له من رجل قذر و همجي!
أدركت أن المقاومة لن تجلب لها سوى الإنهاك ، فعضت شفتيها.
عندها بدأ الرجل يلمس شفتيها برفق ، ثم رسم ابتسامة على وجهه.
“زوجكِ لا يتردد في إبعاد نظره عنكِ ، فلماذا عليكِ أنتِ أن تظلي مخلصة؟ ألا تملين من أكل نفس الطعام في المنزل كل يوم؟”
لم تجد ديليا أي كلمات ترد بها على هذا الكلام.
لم يسبق لها أن واجهت أحدًا يتحدث بمثل هذا الابتذال.
و بصفتها امرأة متزوجة ، لم تتعرض أبدًا لمثل هذا النوع من التحرش.
تساءلت في داخلها: هل يفعل ذلك لأنه أمير ولا يخاف العواقب ، أم لأنه ببساطة لا يهتم بالغد؟
الضحك الهزلي خرج منها دون أن تشعر ، عندما صرّح برغبته في مشاركتها الجسد بشكل مباشر.
“عذرًا، من فضلك تنحَّ جانبًا”
“هاه؟ هل قلتِ لي أن أتنحى؟”
“لم أعد أرغب بالبقاء هنا. لذا أرجوك ، دعني أمر”
عند كلماتها، عبس دانييل، ثم أطلق ضحكة ساخرة كما لو أنه لا يصدق ما يسمعه، ثم لفّ ذراعه حول خصرها بشدة.
“لا تفتعلي هذا التصنّع. لقد تزوجتِ من دوق ، فلا بد أنّكِ فعلتِ ما هو أكثر من هذا بكثير. لما كل هذا التظاهر؟ قد يظن أحدهم أنكِ عذراء لم تمسّ بعد!”
“أرجوك ، قلت لك دع يدي!”
لكن الأمير تجاهل توسلات ديليا بكل برود ، و دفعها نحو الأرض. ثم قرّب أنفه من عنقها الرقيق و أطلق تنهيدة إعجاب ، و كأنّه يشعر بالابتهاج.
“كما توقعت، هذا هو الشعور الحقيقي. لا شيء يثير الحماسة مثل إسقاط امرأة كانت تتدلل فقط”
“أوه ، انتظر …!”
شعور مزعج اجتاح جسد ديليا بسرعة من حيث لامسها جلد دانييل. و بينما كانت تفكر بيأس في كيفية الخروج من هذا الوضع ، لفتت انتباهها فجأة المروحة الصغيرة في يدها اليمنى.
عندما حاول دانييل مدّ يده على فخذها ، هوت ديليا بالمروحة بكل قوتها على وجهه.
“آاااه!!!”
عندما خدشت المروحة الحادة عينه، أطلق دانييل صرخة رهيبة. و رؤية وجهه يتلوّى على الأرض و هو يغطي عينيه بكلتا يديه ، جعلها تشعر بشيء من الرضا.
نهضت ديليا على عجل و حاولت مغادرة الشرفة ، و لكن دانييل أمسك يدها بقوة و هو يصيح: “إلى أين تظنين أنك ذاهبة؟!”
“أرجوك، اتركني …!”
“أيتها العاهرة اللعينة! أشفقتُ عليكِ فقررت التسلية قليلًا ، فكيف تجرؤين على فعل هذا؟!”
كانت عينا دانييل محتقنتين بالدم ، حمراء بشدة ، و كأن الشعيرات انفجرت بداخلهما.
ديليا ، التي كانت تراقبه بصمت و قد بدا كمجرم خطير ، رمت المروحة من يدها على أرض الشرفة.
و عندما عاد دانييل ليبتسم بمكر ، أمسكت ديليا برأسه بكل ما أوتيت من قوة.
دانييل، الذي كان قبل لحظات يحاول تذوق بشرتها بلسانه، أطلق صرخة ألم مدوية مجددًا.
استغلت ديليا الفرصة و نهضت بسرعة و ركضت نحو باب الشرفة. لكن يدًا ضخمة أمسكت بذيل فستانها و بدأ دانييل ينطق الشتائم و البصق.
“تبًا ، أيتها العاهرة القذرة!”
“أترك يدي حالًا!”
و انهمرت دموع الأسى من عينيها دون أن تدري.
لم ترد أبدًا أن تُمسّ بجسد هذا الرجل القذر.
هي ملك لـكاليوس فقط.
جسدها و روحها اللذان حافظت عليهما منذ الصغر ، كانا موجودين من أجله وحده.
ضربت جبهتها بالأرض و مدت يدها نحو الباب المغلق و هي تردد اسم من تحب مرارًا و تكرارًا ، رغم الجرح الصغير على جبينها.
“كاليوس ، كاليوس …!”
“هاه ، يا لكِ من امرأة كثيرة المتاعب”
دانييل ، و قد شعر أخيرًا بأنه امتلك ديليا ، ابتسم برضا.
لكن قبل أن تصل يده إلى خصرها ، سُمعت أصوات قادمة من خلف الباب ، و فُتح باب الشرفة على مصراعيه.
ومن خلال رؤيتها المشوشة، رأت كاليوس واقفًا أمامها، مظهره لم يكن مضطربًا على الإطلاق.
“زوجي …!”
حين تلاقت عيناها بعيني كاليوس ، شعرت ديليا أنها لم تعد بحاجة لشيء آخر. و مع أنها كانت لا تزال تحت دانييل ، مدّت يدها بصعوبة نحوه.
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل "35"