كانت دِيليا، التي اعتادت التفاعل مع عدد قليل من الأشخاص، تعض شفتيها بسبب الحشد المفاجئ.
وعلى الرغم من أن الناس لم يكونوا مهتمين بها، فإن اهتماماتهم كانت موجهة نحو كاليوس دون تغيير.
حافظت دِيليا على ابتسامتها طوال الوقت، محاولةً ألا ترتكب أي خطأ. وبعد مرور حوالي عشر دقائق، بدأ صوت ضحكة خفيفة يتردد من مكان ما، ثم سُمِعَت شائعة غير متوقعة.
“بالمناسبة، هل سمعتم جميعًا الأخبار؟”
“ماذا؟ أي أخبار تقصدين…؟”
لم تكن النساء يبدين أي نية لخفض أصواتهن، بل واصلن الحديث بصوت عالٍ في وسط قاعة الحفل وكأنهن يتعمدن ذلك.
“لقد سمعت هذا من مكان ما، لكن يُقال إن الدوقة تصرفت ببذخ في غياب زوجها عندما كان على وشك الموت، بل إنها اشترت منجمًا دون إذنه!”
تجمدت دِيليا في مكانها عند سماع كلام المرأة مجهولة الهوية.
‘أنا تصرفتُ ببذخ بينما كان كاليوس يصارع الموت؟! أي هراء هذا؟!’
عندما أُصيب كاليوس بدلاً عنها، كانت تبكي كل ليلة لأنها لم تستطع فعل أي شيء من أجله.
‘لو كان الأمر كذلك، فالأفضل لو كنت أنا من سقط من الشرفة بدلًا من ذلك…’
شعرت بالغضب من هؤلاء النسوة اللواتي لا يعرفن شيئًا عن مشاعرها، ومع ذلك يصورنها على أنها زوجة طائشة.
“إذًا، الأمور قد وصلت إلى هذا الحد…”
نظرت دِيليا نحو كاليوس، لكنه كان مشغولًا بالنبلاء الذين التفّوا حوله، ولم تكن تعلم إن كان قد سمع ما قيل أم لا.
وإن كان قد سمع، فلم تكن متأكدة مما إذا كان سيتصرف من أجلها في هذه اللحظة.
تماسكت دِيليا، رافعةً رأسها، إذ كانت تدرك أنه بغض النظر عما يقوله الآخرون، فهي من جاءت إلى الحفل برفقة كاليوس.
‘طالما أظهرتُ أننا لسنا على خلاف، فسأتمكن من الصمود’
ولكن في تلك اللحظة، قال كاليوس فجأة بصوت هادئ:
“انتظري هنا قليلًا”
اتسعت عينا دِيليا في دهشة، ولكن كاليوس استدار وكأنه لم يقل شيئًا غير اعتيادي، ثم همس لها بهدوء: “سأراكِ بعد قليل.”
“انتظر، عزيزي…!”
مدَّت دِيليا يدها نحو كاليوس، لكنه كان قد اختفى بالفعل بين الحشود الكثيفة في قاعة الحفل.
‘كنتُ أتمنى، ولو لمرة واحدة، أن أبقى مع كاليوس في قاعة الحفل هذه’
لكن، ربما… ربما حقًا، قد تكون هي نفسها مصدر الإزعاج للجميع، بما في ذلك كاليوس. تسللت إليها هذه الفكرة الكئيبة، مما جعل شعور الإهانة يغمرها.
لقد حضرت الحفل الإمبراطوري بصفتها زوجة كاليوس، ولكن بدلاً من أن تكون بجانبه، أصبحت مجرد موضوع حديث للآخرين.
في تلك اللحظة، وبينما كانت الأفكار السلبية التي لم تخطر لها من قبل تتسلل إلى عقلها، سمعت صوت كعب حذاء يقرع الأرض من بعيد، تلاه صوت مزعج مألوف.
“أوه، ما الذي تفعلينه هنا؟”
“…الآنسة سيلشستر”
عندما استدارت نحو مصدر الصوت، رأت إيفلين واقفة في وسط مجموعة من الفتيات النبيلات.
كانت قد أسدلت شعرها المموج على كتفيها، وارتدت فستانًا أخضر داكنًا يكشف نصف صدرها، مما جعل الرجال القريبين يبتلعون ريقهم بصعوبة. حتى دِيليا، رغم كونها امرأة، وجدت نفسها تنظر إليها بدهشة دون أن تتمكن من إخفاء تعبيراتها.
“يبدو أنكِ متزوجة منذ فترة، ولكن لا أحد يود التواصل معكِ. فمن الواضح أن لا أحد يتحدث إليكِ في هذا الحفل المليء بالنبلاء …”
لكن هذه الدهشة لم تدم طويلًا.
سرعان ما استعادت دِيليا وعيها عندما أدركت أن إيفلين تحاول إثارة غضبها مجددًا.
لم تكن دِيليا مهتمة بالمجتمع الأرستقراطي، لذا كان لديها عدد قليل من الأصدقاء. لكن هذا لا يعني أنها تفتقر إلى القدرة على التفاعل أو أنها أقل شأنًا من غيرها.
كانت دِيليا على دراية تامة بهذه الحقيقة، ولهذا ضحكت بسخرية على كلام إيفلين، مما جعل الأخيرة ترفع حاجبيها غضبًا، بينما كانت تعض شفتيها الحمراء.
يا لها من مفارقة! إيفلين التي كانت تستمتع بمضايقتها طوال الوقت، بدأت تكشف عن وجهها الحقيقي بمجرد أن شعرت بأي مقاومة.
“أنا سأذهب الآن.”
لم ترغب دِيليا في إضاعة المزيد من الوقت في الحديث معها.
وبما أن الوقت قد مر بما يكفي، فمن المؤكد أن كاليوس قد أنهى حديثه. لذا ، استدارت متجهة إلى المكان الذي كان كاليوس فيه.
لكن، تمامًا في تلك اللحظة …
في مكان ما، سُمِعَ صوت رشقة سائلة، وبالتزامن مع ذلك، شعرت دِيليا بثقل مفاجئ في جزء من فستانها.
في مواجهة هذا الموقف غير المتوقع، انحنت بسرعة لتتفقد الأمر، لتكتشف أن فستانها الأرجواني الفاخر قد تلطخ بالنبيذ.
“هاه…”
لم تكن تتوقع أن يصل بها الأمر إلى أن تُسكب عليها الخمر أيضًا.
بينما كانت تحدق في النبيذ المتساقط من الفستان قطرةً بعد أخرى، رفعت رأسها ببطء.
وهناك، رأت امرأة تحمل كأسًا من النبيذ في يدها، وتبدو متوترة وغير قادرة على التصرف.
“يا إلهي، أنا آسفة جدًا! كنت أحاول تقديم كأس النبيذ لكِ ، لكن فستاني تعثر بقدمي… لا أعرف حقًا كيف أعتذر لكِ. أنا آسفة من أعماق قلبي!”
تصاعد الغضب في داخلها حتى بلغ ذروته.
لكنها أدركت أنه لو أظهرت غضبها أمام الجميع ، فسوف تتضرر سمعة عائلة هيلدبراندت في الحال.
لذلك، كان كل ما يمكنها فعله هو رسم ابتسامة لطيفة، متظاهرة بأنها بخير.
في حين كانت همسات الاستهزاء تتردد من حولها، سارعت دِيليا إلى زاوية القاعة، وأخذت منديلًا من أحد الخدم المارين، وبدأت بمسح النبيذ عن فستانها.
لحسن الحظ، كان النبيذ فاتح اللون، فلم يتسبب في تدمير الفستان بالكامل.
تنفست الصعداء، ثم شكرت الخادم بلطف.
وبعد فترة وجيزة، ارتفع صوت التصفيق الحار في القاعة، معلنًا بدء خطاب الإمبراطور، تلاه عزف موسيقي فخم يملأ المكان.
كان من المعتاد أن يراقص الأزواج مع بعضهم البعض في الرقصة الأولى للحفل الإمبراطوري.
لذلك، بعد أن رتبت فستانها قدر المستطاع، أسرعت دِيليا إلى وسط القاعة.
لم تكن قد رقصت مع كاليوس منذ زمن طويل، فشعرت بوجنتيها تشتعلان خجلًا، لكنها أسرعت في خطواتها نحوه.
إلا أنها لم تصل إليه بعد، حينما سمعت وقع خطوات متحمسة تتجه نحوه بسرعة، قبل أن تراه يُختَطَف أمام عينيها.
كانت إيفلين، ولا أحد غيرها.
نظر كاليوس إليها بوجه مصدوم، وبدت عليه الرغبة في قول شيء ما، لكن في تلك اللحظة، أشار قائد الفرقة الموسيقية بيده، فبدأ العزف على الفور.
وبدون أي تردد، أمسكت إيفلين بيد كاليوس، وبدأت تتمايل معه بخفة، وكأنها زوجته.
شعرت دِيليا بصدمة هائلة جعلتها غير قادرة على التفوه بأي كلمة.
حتى لو كانت هي وكاليوس قد تحدثا عن الطلاق، فإنهما لا يزالان زوجين رسميًا أمام القانون.
ومع ذلك، ها هو الآن يراقص امرأة أخرى أمام الجميع، وكأنها غير موجودة.
بدأت رؤيتها تصبح ضبابية…
بينما كانت دِيليا تتراجع خطوةً بعد خطوة إلى الخلف، لاحظت إيفلين، التي كانت برفقة كاليوس، وجودها وهي واقفة في مكانها بذهول.
وبدا أنها في غاية السعادة، حيث تعمدت الاتكاء بجسدها على صدر كاليوس.
‘لو كنتُ أنا في مكانها، لكان قد غضب مني وأمرني بعدم الإزعاج بلا شك’
لكن الأمر كان مختلفًا مع إيفلين.
لم يقتصر الأمر على أن كاليوس لم يبعدها عنه، بل قام أيضًا بمساعدتها على الوقوف بشكل صحيح، كما لو كان يعتني بها بحنان.
بدت ملامحهما و كأنهما زوجان على وشك الزواج.
ولم يكن هذا الشعور مقتصرًا على دِيليا فقط، بل بدا واضحًا للجميع، حتى إن الحاضرين في القاعة تبادلوا نظرات الإعجاب، وابتسموا بلطف وكأنهما يشكلان ثنائيًا مثاليًا.
بينما كانت دِيليا غارقة في إحساسها بالإحباط والخذلان، سمعت ضحكات مكتومة خلفها، تلاها صوت نسائي مليء بالسخرية والشفقة.
“يا للأسف، دوقة هيلدبراندت فقدت زوجها أمام امرأة ذات مرتبة أدنى منها”
“لكنها جنت على نفسها. أليس من واجب الزوجة أن تحافظ على زوجها؟”
“بالطبع، ولهذا يمكن القول إن الدوقة قد فشلت كامرأة”
لو كان الموقف مختلفًا، لتجاهلت دِيليا هذه الكلمات بسهولة.
لكن رؤية كاليوس وإيفلين يرقصان معًا أمام الجميع جعلت من الصعب عليها أن تحافظ على رباطة جأشها.
وفي اللحظة التي بلغ فيها عزف الموسيقى ذروته، لم تستطع دِيليا احتمال رؤية هذا المشهد أكثر، فاستدارت بسرعة، و غادرت القاعة على عجل.
شعرت بعيون الحاضرين تتبعها أثناء خروجها، لكنها لم تهتم بذلك.
الشيء الوحيد الذي كانت تفكر فيه هو الفرار من هذا المكان ، ومحو هذا الواقع الذي أصبح كابوسًا.
لكنها كانت تدرك الحقيقة جيدًا…
“حتى لو هربت، فلن يتغير شيء”
لكنها لم تعد تمتلك القوة الكافية لمواجهة الأمر.
مشاهدة كاليوس وهو يرقص مع إيفلين وكأنهما خلقا لبعضهما البعض، جعلتها تشعر برغبة في الصراخ بأعلى صوتها.
كانت تكافح للتغلب على شعورها بالغثيان، وهي تسرع في مغادرة القاعة.
وبمجرد أن خرجت، سقطت على ركبتيها، وضغطت على شفتيها المرتعشتين بيدها، محاولةً تهدئة أنفاسها المضطربة.
على عكس صخب القاعة الصاخبة، كان المكان الذي فرت إليه هادئًا تمامًا، بلا أي وجود للبشر، ولا حتى ضوضاء تُذكر.
تنفست دِيليا بعمق، محاوِلةً استجماع نفسها، ثم نظرت حولها بهدوء.
كان ضوء القمر الخافت ينعكس على درابزين الشرفة المرتفع حتى مستوى الخصر.
كانت هناك مساحة فاصلة بين أضواء الحفل الباهرة، وظلال الليل الحالمة تحت ضوء القمر الباهت.
وكان ذلك المكان… هو التِراس الذي كانت تحاول تجنبه.
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل "34"