عندما نظرت إلى المرآة، لم ترَ نفسها، بل امرأة غامضة وجميلة ترمش بعينيها بدهشة.
“أشعر وكأنني شخص آخر تمامًا.”
لم تكن تدري إن كان ذلك بفضل مهارة الوصيفات في التجميل أم براعة خياطة صانع الفستان، لكن ديليا أصبحت الآن امرأة تخطف الأنظار أينما ذهبت.
بعد فترة وجيزة، سُمع صوت طرق خفيف على باب غرفة الملابس، تبعه صوت أحد الخدم، معلنًا أن كاليوس، الذي أكمل استعداداته، كان ينتظرها في الطابق الأول.
“يبدو أن الوقت قد حان للنزول.”
أمسكت ديليا بيد الخادم ونزلت إلى الطابق الأول، حيث كان كاليوس في انتظارها.
كانت تركز بكل طاقتها حتى لا تتعثر أثناء المشي بسبب الكعب العالي. وفي تلك اللحظة، وقع بصرها على رجل وسيم للغاية، يرتدي ملابس زرقاء، وقد صفّف شعره الأسود إلى الخلف بالكامل—إنه كاليوس.
يُقال عادةً إن “الملابس تُضفي الهيبة على صاحبها”، لكن كاليوس كان عكس ذلك تمامًا. بدا وكأن حضوره هو الذي يضفي على الملابس رونقًا خاصًّا، لدرجة أن ديليا نسيت حتى أن تتنفس للحظة.
وبينما كانت مترددة للحظات، التفت كاليوس نحو مصدر الحركة بعد أن شعر بوجودها. عند رؤيته ديليا في فستانها المتألق، تجمد للحظة.
عيناه تجولتا عليها ببطء، من رأسها حتى قدميها، قبل أن يستعيد هدوءه ويعلق بنبرة غير مبالية:
“فستانكِ يبدو متألقًا اليوم.”
“…نعم. ربما لأنني لم أحضر مناسبة كهذه منذ فترة طويلة.”
أومأ كاليوس برأسه على كلماتها، ثم استدار بصمت وتقدم نحوها.
إن قالت إنها لم تكن تتوقع أي شيء، لكانت كاذبة.
عادةً، عندما تتأنق الزوجة، يبالغ الأزواج في المجاملات، حتى لو اضطروا لاختلاقها، كأن يقولوا: “كأنكِ ملاكًا نزل من السماء!”
لكنها كانت تعلم أن كاليوس لم يعد شخصًا يمكنه قول مثل هذه الكلمات لها، فابتسمت ابتسامة حزينة وهي تتقدم نحوه.
في ذلك الوقت، انحنت الخادمة رين، التي كانت قد ساعدتها في التجهيز منذ الصباح الباكر، مودّعةً إياها باحترام، متمنيةً لها طريقًا آمنًا.
وعلى الرغم من أن رين، الخادمة الجديدة، كانت تعمل لديها منذ بضعة أسابيع فقط، إلا أنها لا تزال محافظة على انضباطها الشديد، مما جعل ديليا تبتسم لا إراديًا.
لوّحت ديليا بيدها إلى رين، قائلة إنها ستعود بسلام، ثم تقدمت نحو كاليوس، الذي كان ينتظرها بصبر منذ لحظات، وأمسكت بذراعه بحذر.
‘…هذه مجرد مرافقة، لا أكثر’
كانت تدرك ذلك جيدًا، ومع ذلك، لم تستطع السيطرة على تسارع دقات قلبها.
لأول مرة منذ فترة طويلة، تشاركا لحظة من التقارب الطبيعي، ولم تستطع منع نفسها من الارتجاف قليلًا.
خشية أن يلاحظ كاليوس هذا الارتباك، ضغطت شفتيها بإحكام، محاولة إخفاء مشاعرها.
بعد ذلك، صعدت ديليا إلى العربة الخاصة بعائلة هيلديبرانت، برفقة كاليوس. وأثناء تحرك العربة، نظرت عبر النافذة إلى القصر الذي بدأ يبتعد بسرعة، وعلا وجهها تعبير غامض.
“…هاه.”
‘عندما صعدت إلى العربة لأول مرة، كنتُ بخير تمامًا…’
لكن بعد مرور ساعة من التحرك، بدأت تشعر بالغثيان.
ديليا كانت تعرف جيدًا أن هذا لم يكن مجرد دوار سفر.
أمسكَت صدرها بإحكام، محاولة تهدئة نبضها المتسارع.
‘يا لي من حمقاء بائسة’
مر وقت طويل منذ وقوع حادث العربة، ومع ذلك، لا تزال تشعر بالضيق كلما ركبت واحدة. مجرد إدراكها لهذا الأمر جعل إحباطها يتزايد.
نظرت ببطء نحو كاليوس، متسائلة كيف يرى حالتها الآن. إذا كانت هي نفسها منزعجة من ضعفها هذا، فكيف به؟
وفي اللحظة التي رفعت رأسها، تلاقت نظراتهما.
كاليوس، الذي لم تكن تعلم منذ متى كان يراقبها، كان يحدق بها بملامح متجهمة.
“لماذا تتصرفين هكذا منذ قليل؟”
“…ماذا تعني؟”
“منذ أن صعدتِ إلى العربة، أنفاسك متقطعة، وقلبك ينبض بسرعة، والآن أنت تحدقين في الفراغ وتتعرقين كأنك مريضة.”
هكذا إذن… هذا هو ما يراه كاليوس فيها.
لم تشعر بالحزن أو الغضب تجاه كلماته، لكنها لم تستطع منع المرارة من التسرب إلى قلبها.
كاليوس، الذي ظل صامتًا للحظة، فجأة فكّ أزرار معطفه الخارجي، ثم مدّه نحوها.
“ارتدي هذا.”
“هل… هل يمكنني ذلك؟”
نظرت إليه ديليا بدهشة. لو كان في الماضي، لكان قد رمى المعطف عليها بخشونة دون اكتراث، لكنه الآن ينظر إليها مباشرة، ويناولها المعطف بلطف.
أخذته ولفّته حول كتفيها. رائحته المألوفة كانت تعبق به، مما جعلها تبتسم بارتياح لا إرادي.
عندما لاحظ كاليوس مدى ارتياحها، بدت على وجهه ملامح غريبة، ثم سألها بصوت غير مصدق:
“أليس لديكِ أي كبرياء؟”
“ولماذا أحتاج إلى الكبرياء أمام عائلتي؟”
حدّق فيها كاليوس للحظة، وكأنه لم يكن يتوقع إجابة كهذه.
كان يظن أن كلماته القاسية ستجرحها مجددًا، لكنه وجدها تتحدث بثقة لم يكن معتادًا عليها.
في عينيه، لمعت لمحة من الدهشة.
“…عائلة؟ هذا تعبير غريب بالنسبة لي.”
“غريب…؟”
كان والداه لا يزالان على قيد الحياة، فلماذا تبدو له كلمة “عائلة” غريبة؟
لكن بدا أنه ليس في مزاج لتفسير الأمر، لذا اختارت ديليا الصمت، تنتظر بصبر أن يتحدث من تلقاء نفسه.
وبعد مرور بضع دقائق، فتح كاليوس فمه أخيرًا، وقال شيئًا غير متوقع.
“سأسألكِ سؤالًا واحدًا فقط، ما معنى العائلة بالنسبة لكِ؟”
عند سماع سؤال كاليوس، بدا على ديليا بعض الارتباك.
فبالنسبة لها، لم يتبقَّ لها أي عائلة سوى جيريمي، سيد عائلة بليك.
لكن ذلك الرجل لم يُخفِ يومًا تحيّزه ضدها، بل كرهها علنًا أمام الجميع. لذلك، بالنسبة لديليا، لم تكن العائلة سوى رابطة الدم… ولا شيء أكثر من ذلك.
‘…نعم، كان الأمر كذلك فعلًا’
على الأقل، كان كذلك حتى يوم جنازة والديها، حتى اللحظة التي التقت فيها بكاليوس لأول مرة.
كاليوس هو من جعلها تدرك كيف يكون الشعور بأن تُحب، و هو من علّمها كيف تحب شخصًا آخر. ولهذا، لم تتردد هذه المرة في الإجابة.
“العائلة… هي الوجود الثمين الذي منحني سببًا للحياة.”
“…..!”
اتسعت عينا كاليوس بصدمة بسبب إجابة ديليا الصريحة.
بعد ذلك، لم يتبادل الاثنان أي كلمات أخرى، لكن ديليا كانت متأكدة من شيء واحد: هذا الحديث سيكون نقطة تحول في نظرة كاليوس للعائلة.
نظرت إلى وجهه، الذي بدا أكثر هدوءًا من ذي قبل، وأدركت أنها تمنت لو توقف الزمن في هذه اللحظة.
عندما نزل كاليوس وديليا من العربة، تشابكت أذرعهما مرة أخرى، منتظرين دخول قاعة الحفل.
كان هذا أول حفل يحضره كاليوس منذ حادث سقوطه من شرفة القصر، مما جعل ديليا غير قادرة على إخفاء توترها، فارتجفت كتفاها قليلًا.
وفجأة، شعرت بكفٍ دافئة تربّت على كتفها، متبوعة بزفرة هادئة من فوق رأسها.
رفعت رأسها بذهول، لتجد كاليوس يحدّق إلى الأمام وكأن شيئًا لم يحدث.
لكنها كانت متأكدة… تلك اللمسة الدافئة كانت يده بالتأكيد.
امتلأت عيناها بالدموع، لكنها أغلقت جفنيها بإحكام لتمنع نفسها من البكاء.
‘…نعم، لستُ وحدي’
ما دام كاليوس بجانبها، فلن تكون وحيدة أبدًا.
وبعد أن استوعبت ذلك مجددًا، ارتسمت على وجهها ابتسامة خفيفة.
ثم، تحت إرشاد الحرس، بدأ الاثنان بالسير نحو القاعة حيث يُقام الحفل.
على الرغم من وصولهما قبل بدء الحفل بعشرين دقيقة، كانت القاعة مزدحمة بالفعل.
كان معظم الضيوف يحملون كؤوس النبيذ، يضحكون ويتحدثون بسعادة، بينما البعض الآخر كان وجهه محمرًا بفعل تأثير الكحول.
رؤية هذا المشهد جعلت ديليا تشعر بالانزعاج، فاقتربت أكثر من كاليوس.
“أوه! الدوق كاليوس!”
“يا إلهي، أخيرًا أتيت! كنا ننتظر بفارغ الصبر!”
ما إن ظهر كاليوس في القاعة، حتى اندفع نحوه الحاضرون كضباع جائعة، متلهفين للتقرب منه.
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل "33"