“أنا آسفة حقًّا… لأنني لا أستطيع أن أكون عونًا لك…”
“الآن فقط بدأت أفهم. لماذا خبزتِ الكوكيز فجأة وأحضرتِها إليّ؟”
“…”
“في الوقت الحالي، كل ما تستطيعين فعله هو تصرفات تافهة لا قيمة لها.”
أمسك كاليـوس بقطعة كوكي من السلة. وقبل أن تتمكن ديلّيا من قول أي شيء، حطمها تمامًا إلى شظايا متناثرة.
حبست أنفاسها وهي تراقب المشهد. ثم، بلا وعي، ركعت على الأرض، تتابع بأنظارها فتات الكوكيز المتساقط بلا حول لها ولا قوة.
وبدأت تجمع تلك القطع الصغيرة، واحدة تلو الأخرى، تلك التي كانت يومًا ما كوكيز أعدّتها له بنفسها.
وحين كانت قد جمعت نصفها تقريبًا، داس كاليـوس ببساطة ما تبقى تحت مقدمة حذائه الأسود.
“توقفي عن هذه التصرفات العبثية.”
“آه…”
حاولت ديلّيا جهدها أن تتمالك نفسها، لكن كلمات كاليـوس أسقطتها تمامًا.
سقطت بقايا الكوكيز من يديها، وعيناها التائهتان تحدقان في الفراغ.
في البداية، كانت نظراتها خالية من أي مشاعر، ثم امتلأت بالغضب، ثم تبعتها موجة من الحزن، وأخيرًا، طغى عليها الاستسلام.
ظلت على هذه الحال لوقت طويل قبل أن تنهض وحدها بصعوبة. ثم خفضت رأسها أمام كاليـوس وهمست بصوت واهن خالٍ من الطاقة:
“سأحاول أن أصنعها بشكل أفضل في المرة القادمة.”
ثم استدارت وغادرت المكتب بسرعة، متجاوزة جيفري، الذي كان قد أحضر الشاي.
وما بقي خلفها لم يكن سوى صمت ثقيل غامض.
– * * * –
بعد مغادرة ديلّيا، دخل جيفري وهو يحمل صينية الشاي، وقد ارتسمت على وجهه ملامح الدهشة المطلقة.
وضع فنجان الشاي أمام كاليـوس بقوة، ثم سأله بصوت يعكس استغرابه التام:
“جلالتك، ما الذي حدث هنا بالضبط؟”
عندما غادر جيفري المكتب في البداية، بدا أن الأجواء كانت على ما يرام. لكنه تعمّد إحضار الشاي ببطء قدر الإمكان، وفور عودته، كان أول ما رآه هو ديليا تغادر المكتب بملامح يكسوها الجرح العميق.
نادرًا ما كانت ديليا تتخذ الخطوة الأولى للتحرّك، لذا بدا من السخف أنه اعتقد، ولو للحظة، أن علاقتها بـ كاليـوس قد تتحسن.
“لمجرد أنه قيل لها شيئًا ، غادرت هكذا مرة أخرى. هذا أمر مزعج.”
تنهد كاليـوس وهو يضغط على صدغيه. لم يكن من المستغرب أن يشعر بالصداع فورًا بعد شجاره معها.
في الواقع، كان يعلم جيدًا.
حقيقة أن ديليا، التي اعتادت فقط على مراقبته من بعيد، جاءت إليه بنفسها اليوم، لم تكن سوى دليل على رغبتها في إصلاح العلاقة بينهما.
لكن ربما لهذا السبب كان غاضبًا أكثر. فكرة أنها اعتقدت أنه يمكن استعادة علاقتهما بمجرد قطعة كوكيز تافهة، كان ذلك بالنسبة له ضربًا من الغرور.
نظر كاليـوس إلى بقايا الكوكيز المتناثرة على الأرض، ثم زفر بعمق قبل أن يجلس في مقعده. التفت بعدها نحو جيفري، الذي كان لا يزال واقفًا هناك بملامح متحيرة، وقال:
“على أي حال، أنت تعلم ذلك، صحيح؟ أنه قريبًا سيُقام الاحتفال السنوي بمناسبة تأسيس الإمبراطورية في القصر الإمبراطوري.”
“أجل، أنا على دراية بذلك تمامًا، ولكن…”
“المجرم سيظهر هناك مجددًا. وعليَّ استغلال هذه الفرصة. لو تواجدت ديليا هناك دون داعٍ، فقد تفسد الأمور”
“تريد استغلال ذلك، تقصد…؟”
قطّب كاليـوس حاجبيه قليلاً كما لو كان يشعر بالصداع، ثم بدأ بتدليك صدغيه قبل أن يتابع:
“لا أتذكر الأمر بوضوح، لكنني رأيت الجاني. الرجل المسجون حاليًا ليس الجاني الحقيقي”
“هل استعدتَ ذاكرتك؟ إذن … هل تذكرت شيئًا عن السيدة أيضًا؟”
“لا تُبالغ في الأمر. من النادر جدًا أن أتذكر أي شيء عنها.”
إذًا، لم يستعد كاليـوس ذكرياته عن ديليا… فهل هذا يعني أنه زار السجن؟
كان سجن القصر الإمبراطوري مكانًا يُحتجز فيه المجرمون الذين ارتكبوا جرائم جسيمة، ولم يكن حتى النبلاء رفيعو المستوى مسموحًا لهم بزيارته.
حتى كاليـوس، المعروف بلقب “سيف الإمبراطورية”, مُنع سابقًا من دخول السجن، لذا لم يكن أحد يتوقع أنه سيواجه المجرم وجهًا لوجه هناك.
ظل جيفري محدقًا فيه بفم مفتوح من الذهول، بينما واصل كاليـوس حديثه وهو يحدّق في الحديقة التي كانت مزروعة بأزهار الليلك.
“قد تكون ذكرياتي عن زوجتي ضبابية، لكن ما حدث في القصر الإمبراطوري لا يمكنني نسيانه أبدًا. في ذلك الوقت، كان الجاني يرتدي رداءً يخفي وجهه، وكان يحاول التخلص من ديلّيا. لكنه غيّر هدفه فجأة ودفعني خارج الشرفة.”
كان استرجاع تلك الذكرى كفيلًا بأن يجعل ملامح كاليـوس أكثر عبوسًا من المعتاد.
بحركة لا إرادية، بدأ يفرك ذراعه التي كانت قد كُسرت في ذلك الحادث، قبل أن يطلق تنهيدة ثقيلة.
لو لم تكن بنيته الجسدية قوية بشكل وحشي، لكان قد مات فورًا-إما من الطعنة أو من السقوط من الشرفة.
استعاد ذكرى تلك اللحظة المرعبة، ثم نقر لسانه بانزعاج.
“ولكن، كيف تمكنتَ من رؤية وجه الجاني؟”
“حين كنتُ أسقط من الشرفة، التقت أعيننا للحظة. كانت لحظة خاطفة جدًا، لذا لم أتمكن من رؤية وجهه بوضوح… لكنني حصلت على دليل قاطع يمكنني من خلاله استنتاج هوية المجرم.”
أخرج كاليـوس يده من جيب معطفه وهو يتحسس بداخله، قبل أن يستخرج مفتاحًا صغيرًا. ثم أدخله في ثقب صغير في درج مكتبه وأداره بحركة حاسمة.
“الآن، تأكد بنفسك.”
ناول كاليـوس جيفري شيئًا كان ملفوفًا بمنديل. تردد جيفري للحظة، ثم ابتلع ريقه بقلق، وأخذ الشيء بحذر ليكشف عن محتواه.
وما إن رأى ما كان داخل المنديل حتى اتسعت عيناه في صدمة وتجمد في مكانه.
“ه… هذا…”
كان ما في الداخل خصلات شعر ذهبية لامعة، كأنها شظايا شمس منصهرة.
“يبدو أنها سقطت أثناء عراكنا. حتى بعد أن سقطت من الشرفة، لم أتركها من يدي ولو للحظة.”
“يا إلهي… لا يمكن أن يكون هذا صحيحًا!”
لكن السبب الحقيقي لصدمة جيفري كان واضحًا.
في الإمبراطورية الحالية، لم يكن هناك أحد يملك شعرًا ذهبيًا سوى أفراد العائلة المالكة.
مما يعني أن الشخص الذي حاول قتل ديليا و كاليـوس كان أحد أفراد العائلة الإمبراطورية نفسها.
“بخلاف الأميرات، لم يبقَ سوى ثلاثة أمراء في العائلة الإمبراطورية. الأمير الأول: إيدن دي إلبرن فـيـشيون، الأمير الثاني: دانيـال دي إلبرن فـيـشيون، والأمير الثالث: لورين دي إلبرن فـيـشيون. هؤلاء الثلاثة فقط ما زالوا على قيد الحياة.”
“إذن… هل تقصد أن أحدهم هو الجاني؟”
حتى كاليـوس لم يستطع تصديق ذلك في البداية. لكن أثناء سقوطه من الشرفة، تذكر بوضوح كيف تألقت تلك الخصلات الذهبية في الظلام. وعندما استعاد وعيه، كانت تلك الخصلات لا تزال في قبضته-دليلٌ واضح على هوية المجرم.
“قد يكون الجاني قد حاول التخلص من ديليا. وعندما فشل في ذلك، حاول قتلي باعتباري الشاهد الأول.”
“هاه، ما هذه الفوضى بالضبط…؟”
كان الأمر أشبه بكابوس طويل لا نهاية له. أن يكون الشخص الذي حاول قتل سيده أحد أفراد العائلة الإمبراطورية، وليس أي شخص آخر، كان أمراً لا يُصدق.
لو كان أي شخص آخر، لكان قد سخر منه وألقى بالاتهام جانبًا باعتباره مجرد شائعة مغرضة، لكن بالنظر إلى أن قائل هذه الكلمات هو كاليوس، زعيم الفصيل الإمبراطوري، لم يكن هناك خيار سوى تصديق الأمر.
علاوة على ذلك، كانت هناك أدلة دامغة-شعرة ذهبية، رمز العائلة الإمبراطورية، بقيت كدليل مادي.
“جلالتك، ما الذي تنوي فعله الآن؟”
“ماذا تعني بسؤالك هذا؟”
“بما أن الطرف الآخر أحد أفراد العائلة الإمبراطورية، فإن تقديم الأدلة قد يكون بلا جدوى. بل إنك قد تتعرض لعقوبة الإعدام بتهمة إهانة العائلة الإمبراطورية إن لم يحالفك الحظ. ومع ذلك، هل تنوي المضي قدمًا؟”
كان جيفري ينظر إلى كاليوس بعيون متوسلة أكثر من المعتاد. لاحظ كاليوس ملامح تابعه القلقة، لكنه لم يستطع إلا أن يبتسم ابتسامة صغيرة.
“جيفري، أنت جبان حقًا.”
“ماذا؟ أنا جبان؟!”
“أنا لا أتغاضى عن الجرائم لمجرد أن مرتكبها من العائلة الإمبراطورية.”
ارتجف كتفا جيفري لا إراديًا. بدا كاليوس أكثر جدية من أي وقت مضى، فقد قالها بوضوح-حتى لو كان الجاني فردًا من العائلة الإمبراطورية، فلن يمر الأمر دون حساب.
كان جيفري يعرف جيدًا أن كاليوس لا يتراجع أبدًا عن أي شيء يبدأه، فرفع يده إلى جبهته في إحباط.
كان يأمل، ولو لمرة واحدة، أن يتجاهل الأمر، لكنه كان يزداد جرأة بمرور الوقت، مما جعله يطلق تنهيدة ثقيلة.
يجب أن يستعيد جلالته ذاكرته في أسرع وقت ممكن.
لم يكن كاليوس يعرف التراجع أبدًا، كان دائمًا يتقدم بلا توقف. لذا، كانت ديليا ضرورية للسيطرة عليه.
الرجل الذي أحب ديليا في الماضي لم يكن ليتهور بهذه الطريقة من أجلها، ولهذا، لم يكن أمام جيفري سوى الصلاة أن يستعيد كاليوس ذاكرته قريبًا.
***
بعد التوتر الذي نشأ بين ديليا وكايوس، لم يمضِ وقت طويل حتى حلّ يوم الاحتفال بالذكرى السنوية لتأسيس المملكة.
استيقظت ديليا في الصباح الباكر، وانغمست في الماء الممزوج ببتلات الأزهار، بينما كانت تتلقى تدليكًا خفيفًا.
بعد ذلك، ارتدت رداءً حريريًا وانتقلت إلى غرفة الملابس، حيث جلست أمام المرآة، لتتولى وصيفاتها تزيينها بعناية.
كانت بشرة ديليا بيضاء بطبيعتها، وكلما أُضيفت طبقات من المساحيق، ازدادت إشراقًا كالبشرة الطفولية.
بدأت إحدى الوصيفات بوضع لون أساسي خفيف على جفنيها، ثم أضافت تدريجيًا درجات لونية متدرجة على امتداد جفنيها، مبرزة بذلك عينيها برقة.
نظرًا لأن المكياج القوي لم يكن يناسب ديليا، فقد تم رسم خط كحل خفيف للغاية، بينما فُصلت رموشها بعناية لإبراز جمالها الطبيعي.
بعد وضع أحمر الخدود لإضفاء بعض الدفء على وجنتيها، أتمّت مظهرها بأحمر شفاه وردي داكن، تم توزيعه بلطف على شفتيها.
“يا إلهي، إنكِ تبدين رائعة الجمال!”
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل "32"