كانت تبدو أكثر شحوبًا من أي وقت مضى ، و ليس هذا غريبًا ، فقد عانت طوال الطريق إلى العاصمة من دوار السفر الشديد.
ظنت أن ركوب العربة اليوم سيكون أقل رعبًا، لكنها سرعان ما وجدت نفسها عاجزة عن مقاومة الغثيان الذي اجتاحها فجأة، مما جعلها غير قادرة على التركيز.
أخيرًا، عندما أصبحت “ديليا” شاحبة الوجه وتحدق في السقف بشرود، بدت “رين” التي كانت تجلس بجانبها في الارتباك وتحركت بقلق.
“يا إلهي! سيدتي، هل أنتِ بخير؟”
“…نعم، أنا بخير. أعتذر إذا أقلقتكِ”
“مستحيل! الخطأ خطئي لأنني لم أضع في الاعتبار حالتكِ الصحية.”
يا للأسف، لقد اضطرت “ديليا” إلى إظهار هذا الجانب الضعيف أمام خادمتها الجديدة التي بدأت عملها معها للتو.
زفرت بصوت منخفض، ووجهها ما زال شاحبًا.
في تلك اللحظة ، تذكرت “رين” شيئًا فجأة وقالت بحماس: “آه! الآن تذكرت!” ، ثم بدأت تبحث في جيبها.
و بعد لحظات ، أخرجت زجاجة صغيرة تحتوي على جرعة علاجية أرسلها “كاليوس”.
“كادت أن تفوتني! هذه جرعة علاجية أرسلها السيد، ويُقال إنها فعالة ضد دوار الحركة أيضًا!”
“…هل تعتقدين ذلك حقًا؟”
“لم لا؟ ربما يزول الغثيان فورًا!”
حاولت “ديليا” السيطرة على انزعاجها وأخذت الجرعة من “رين”.
على الرغم من أنها شعرت بالحرج من نظرات الخادمة الثابتة عليها، إلا أن فكرة أن “كاليوس” أرسل هذه الجرعة خصيصًا لها جعلتها تشعر بشيء من الدفء.
نزعت سدادة الزجاجة بسرعة وشربت الجرعة دفعة واحدة.
كانت “رين” تراقبها بصمت، وعندما أنهت “ديليا” شربها، رسمت ابتسامة مشرقة.
“سيدتي ، كيف تشعرين الآن؟”
“…نعم، أعتقد أنها فعالة بالفعل. يبدو أن رؤيتي أصبحت أكثر وضوحًا”
“هذا رائع! لا عجب أن السيد اختار هذه الجرعة، يبدو أنها ممتازة. من الجيد أن دوار السفر قد زال!”
أومأت “ديليا” برأسها، لكن في أعماقها شعرت بالخجل من نفسها لأنها شككت في نوايا خادمتها الطيبة. أخذت “رين” الزجاجة الفارغة منها ثم نزلت من العربة.
لم يكن الربيع قد حل بعد في العاصمة، إذ كانت الرياح الباردة تهب بقوة ، مما جعل “ديليا” تشعر بالقشعريرة.
سحبت شالها حول جسدها وسارت ببطء.
“أعتقد أن المكان في هذا الاتجاه …”
لأنها لم ترغب في جذب الانتباه، طلبت من السائق التوقف بعيدًا عن وجهتها، لكن هذا جعلها تشعر بالارتباك حول موقع الصالون الذي تبحث عنه.
نظرت إلى الخريطة التي تمسك بها في يدها و سرَّعَت خطواتها بحذر. إذا تأخرت أكثر، فقد تُباع جميع الفساتين الجميلة!
بصراحة، لم تكن “ديليا” تهتم كثيرًا بجمال الفساتين، لكن زوجها “كاليوس” كان يهتم بذلك كثيرًا.
إذا ظهرت بمظهر غير لائق في تجمعات النبلاء، فقد يكون ذلك بمثابة وصمة عار لعائلة زوجها. لهذا ، كان عليها أن تعتني بمظهرها أكثر من أي وقت مضى ، فهذا جزء من واجبات زوجة النبيل.
“همم، أعتقد أنه هنا؟”
“نعم، بما أن هناك لافتة عليها صورة ملابس ، فلا شك أنه المكان الصحيح!”
كادت أن تضيع الطريق ، لكن لحسن الحظ ، وصلت أخيرًا.
تنفست “ديليا” براحة ، ثم فتحت باب الصالون.
عندما دخلت، رنّ صوت جرس صغير، مما دفع صاحبة الصالون إلى الظهور بإبتسامة دافئة.
“يا لها من مفاجأة جميلة! دوقة ، لم أركِ منذ فترة!”
“أجل، لا أذكر آخر مرة كنتُ هنا”
“لقد افتقدناكِ كثيرًا! بما أنكِ زبونتنا الدائمة، فقد كنا دائمًا مستعدين لاستقبالكِ.”
أجلست صاحبةُ الصالون “ديليا” على أريكة وثيرة وُضع أمامها طاولة، ثم لم تمضِ لحظات حتى عادت حاملةً بين ذراعيها عددًا كبيرًا من الكتالوجات.
وبينما كانت تفكر فيما ستعرضه أولًا، فتحت الكتالوج الذي كان على أقصى اليسار. لكنها توقفت قليلًا قبل أن تشرع في تقليب الصفحات وسألت بحذر:
“لقد سمعتُ عن المصيبة التي حلّت بعائلة الدوق. هل تحسّن حال سيادته؟”
“آه … بخصوص ذلك …”
ارتسمت على وجه “ديليا” ملامح الحرج. لم تكن ترغب في الحديث عن محنة “كاليوس” في أثناء اختيارها للفستان، بل أرادت أن تركز على المهمة التي جاءت من أجلها.
و حين بدأت تلهو بأصابعها ، أدركت صاحبة الصالون متأخرةً أنها تطرقت لموضوع غير مناسب، فوضعت يدها بسرعة على فمها، ولكن بعد فوات الأوان.
وبما أن “ديليا” لم تكن ترغب في توجيه اللوم لها، فقد رسمت على وجهها ابتسامة متكلفة متظاهرة بأنها لم تنزعج.
عندها، زفرت صاحبة الصالون بإرتياح وسارعت بقلب الصفحات حتى توقفت عند إحداها.
“سيدتي، ما رأيكِ بهذا الفستان؟”
“…ألا يبدو متكلّفًا أكثر من اللازم؟”
كان الفستان ذو اللون الأرجواني الداكن مزدانًا بزخارف من الورود عند منطقة الصدر، وكان تصميمه الفخم يُضفي عليه طابعًا ملكيًا.
أما التنورة، فقد بدت كما لو أنها تتلاطم كموج البحر، مما جعله أكثر زهوًا بكثير من أي فستان اعتادت “ديليا” ارتداءه.
لم تكن تكره الفستان، لكنها لم ترتدِ من قبل شيئًا بهذه الفخامة.
وعندما ترددت ملامح الحيرة على وجهها، فتحت صاحبة الصالون عينيها بدهشة وقالت وكأنها لا تصدق:
“حاليًا، التصميمات الرائجة في العاصمة تعتمد على إبراز الجزء العلوي من الجسد. وبما أن بشرة الدوقة ناصعة البياض، فسيبدو هذا الفستان رائعًا عليها!”
“…أتظنين ذلك حقًا؟”
حدّقت “ديليا” في الفستان المثبّت داخل الكتالوج بشرود.
كان النمط مختلفًا تمامًا عمّا اعتادت عليه، مما جعلها تتردد.
ولكن في الوقت نفسه، راودها شعور غريب بأن هذه الحفلة في القصر قد تكون آخر مناسبة ستحضرها برفقة “كاليوس”
لذا، إذا كان عليها أن تُصلح علاقتها به، فلمَ لا تجرب هذه المرة تصميمًا جريئًا يلفت انتباهه؟
“حسنًا، سأختار هذا الفستان.”
“يا له من اختيار رائع!”
تهللت أسارير صاحبة الصالون، مما جعل “ديليا” تشعر ببعض الإحراج فحكت وجنتها بخفة. لطالما ارتدت فساتين هادئة التصميم، لكن هذه المرة أرادت أن تظهر بشكل مختلف.
و ربما ، و ربما فقط ، قد يكون هذا الفستان مناسبًا لذوق “كاليوس”.
“إذن، متى سيكون جاهزًا؟”
“بصراحة، جدولنا ممتلئ لمدة شهر تقريبًا. لكن بما أنه فستان الدوقة، فالأمر مختلف. سأحرص على إنهائه في أسرع وقت و سأرسله إليكِ قبل أسبوع من احتفالات ذكرى تأسيس المملكة”
لمعت عينا “ديليا” فرحًا عند سماع ذلك.
فمع أنها لم تكن تزور الصالون كثيرًا، إلا أنهم كانوا على استعداد لإنجاز فستانها خصيصًا.
بل والأجمل من ذلك، أنهم سيضمنون إرساله لها بوقت كافٍ قبل الحفل، مما جعلها تشعر بالدفء في قلبها.
بدأت “ديليا” تلامس الأحجار الكريمة المزيّنة على الفستان، وكأنها ترغب في شكر صاحبة الصالون على لطفها. لكن الأخيرة أدركت نواياها بسرعة ، فلوّحت بيديها رافضة بلطف ، و قد بدا عليها الذهول.
“لا داعي لأن تهديني شيئًا بشكل خاص. أنا فقط أريد تقديم المزيد للدوقة بكل سرور”
“إذن، أشكركِ من أعماق قلبي.”
ابتسمت “ديليا” عندما سمعت أسلوب صاحبة الصالون الذي كان يفيض بالإطراء و اللباقة. ثم أمسكت بيدها و عبّرت عن امتنانها بصوت صادق.
لكن صاحبة الصالون صفّقت بيديها بحماس، قائلة إن هذا ليس وقت التراخي ، و إنه ينبغي عليهما تصميم فساتين أخرى لترتديها “ديليا” أثناء إقامتها في القصر الإمبراطوري.
كان هذا الشغف العفوي شيئًا لم تره “ديليا” منذ زمن طويل، لذا لم تستطع إلا أن تبتسم بمرح. فالأشخاص الذين يكرسون أنفسهم لمجال معين كانوا دومًا رائعين بنظرها، ولهذا شعرت برغبة في التصفيق داخليًا لصاحبة الصالون وحماسها المتقد.
“حسنًا، أعتقد أننا انتهينا من اختيار الفساتين … ولكن، هل قررتِ بشأن الأحذية أو الإكسسوارات التي سترتدينها معها؟”
“لا، لم أقرر ذلك بعد.”
“هممم… فهمتُ”
طلبت صاحبة الصالون من “ديليا” الانتظار قليلًا ، ثم وقفت بسرعة و غادرت. و بعد لحظات ، عادت تحمل بين يديها مجموعة مختلفة من الكتالوجات.
“في الواقع ، بدأ صالوننا مؤخرًا في بيع أشياء أخرى إلى جانب الفساتين. فإذا لم يكن لديكِ مانع ، أود أن أريكِ بعضها”
“بالطبع، سيكون ذلك رائعًا.”
كانت “ديليا” مسرورة لسماع ذلك، إذ أن زيارة العديد من المتاجر لأجل التحضيرات كانت ستستنزف طاقتها بالكامل.
وبعد أن أنهت جميع التجهيزات في مكان واحد، غادرت الصالون بخطوات هادئة.
رفعت رأسها نحو السماء الزرقاء الصافية، ثم أطلقت زفرة طويلة.
“هاااه…”
ربما كان السبب هو خروجها من القصر بعد مدة طويلة، لكنها شعرت وكأنها استنفدت طاقتها تمامًا بسبب اليوم الطويل من المجاملات والحديث الرسمي.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل "28"