وضعت الخادمة الوعاء الذي كانت تحمله، ثم اقتربت منها.
جمعت يديها معًا بانضباط وانحنت بإحترام نحوها.
“اسمي رين. بسبب ظروف شخصية، حصلت سارا على إجازة، لذا سأقوم بخدمتكِ بدلاً منها. إذا كان هناك أي إزعاج ، فأرجوكِ أخبريني بذلك فورًا”
“ماذا؟ سارا أخذت إجازة؟”
ارتسمت على وجه ديليا ملامح الدهشة.
ولم يكن ذلك غريبًا، فقد كانت سارا أول خادمة مرافقة لها منذ قدومها إلى القصر. كانت أقرب إليها من باقي الخدم، ولم تتوقع قط أن يتم استبدالها فجأة بين ليلة وضحاها.
وسط ارتباكها من هذا الوضع المفاجئ، قالت ديليا بقلق:
“إذًا، أخبريني أين تعيش سارا الآن. أشعر بالقلق عليها، وأودّ على الأقل أن أرسل لها رسالة”
همّت ديليا بالنهوض من مقعدها لكتابة الرسالة، لكن التي أوقفتها لم تكن سوى الخادمة الجديدة نفسها.
“أنا آسفة، لكن هذا غير ممكن.”
“…ولمَ لا؟ هل من غير المسموح لي حتى إرسال رسالة إلى خادمتي السابقة؟”
في الحقيقة، شعرت ديليا ببعض الغضب.
لم يقتصر الأمر على استبدال خادمتها دون استشارتها، بل إنهم يمنعونها الآن من حتى التواصل معها.
ازداد انزعاجها ، بينما بدأ العرق البارد يتصبب من جبين رين ، التي كانت تبدو متوترة.
“سيدتي ، أنا حقًا آسفة. في الواقع ، والدة سارا مريضة للغاية. لذلك ، لم ترد أن تقلقكِ بهذا الأمر”
“… والدتها مريضة؟”
“نعم، سمعتُ أنها في حالة لا تستطيع حتى النهوض من سريرها. لذا، يبدو أنها عادت إلى مسقط رأسها بهدوء”
تنهدت ديليا بأسى.
بالنسبة لها، كانت سارا كالأخت الصغرى، ولم تستطع إخفاء شعورها بالعجز حيال الأمر. كسيّدتها، لم تكن قادرة على فعل أي شيء لمساعدتها، وهذا ما جعلها تشعر بالذنب الشديد.
أدركت رين مشاعرها، فمدّت يدها بلطف وأمسكت بيد ديليا المرتجفة، وكأنها تحاول تهدئتها. عندها، بدأ قلب ديليا، الذي كان مضطربًا، يهدأ قليلًا.
“شكرًا لكِ… على مواساتي”
“لا داعي للشكر، هذا واجبي كخادمة”
ابتسمت رين وهي تقول ذلك، مما دفع ديليا إلى الابتسام بخفة أيضًا.
ثم، وكأنها تذكرت أمرًا مهمًا، قفزت رين من مكانها قائلة:
“آه، صحيح! لقد نسيتُ أمرًا ما!”
غادرت بسرعة وعادت بعد لحظات حاملة شيئًا يصدر صوتًا خفيفًا عند تحريكه.
“سيدتي ، تفضّلي ، هذا لكِ”
“…ما هذا؟”
ما ناولتها إياه كان زجاجة صغيرة تحتوي على سائل أزرق متلألئ.
بدت ديليا متفاجئة من مظهرها الغريب، لكن رين تحدثت بنبرة طبيعية كما لو أنه لا شيء مميز.
“إنه عقار شفاء أرسله السيّد. قيل إنه فعال جدًا في التخفيف من التعب، لذا إذا تناولتِه يوميًا، فستشعرين بتحسن كبير”
“السيّد؟ هل تقصدين … هو؟”
حدّقت ديليا بالزجاجة الصغيرة في يدها بشك.
رجل غادرها بتلك الطريقة القاسية، والآن فجأة يرسل لها عقارًا لاستعادة طاقتها؟ بدا الأمر مريبًا.
ظلت تحدّق في الزجاجة بصمت، مما دفع رين إلى إظهار ملامح القلق وسؤالها: “هل هناك شيء يزعجكِ، سيدتي؟”
بعد تفكير لوهلة، تنهدت ديليا، ثم هزّت رأسها وكأنها تحاول طمأنة نفسها. أخيرًا، قامت بإزالة سدادة الفلين برفق.
ثم شربت محتويات الزجاجة الصغيرة بحذر.
“…طعمه أسوأ مما توقعت.”
“لا بدّ أن يكون الطّعم مُرًّا إذا كان مفيدًا للجسم. ولكن أليس من المحتمل أن يكون تأثيره جيّدًا بقدر ذلك؟”
وضعت ديليا يدها على بطنها بتعبير قلق. لم يكن لديها خيار سوى شرب ما قدّمه لها كاليُوس ، خاصّة أن الخادمة كانت تراقبها، لكن شعورًا غير مريح اجتاحها.
عندما رأتها تحدّق إلى العقار الذي قدّمه كاليُوس ، بدت رين متفاجئة، ثم سارعت بالخروج، قائلةً إنها ستحضر لها شيئًا حلْو المذاق على الفور.
بعد مغادرة رين ، خيّم الصّمت على الغرفة.
اغتسلت ديليا بماء الإناء، ثم جفّفت وجهها بمنشفة نظيفة.
بعد ذلك، انتقلت إلى غرفة الملابس وارتدت فستانًا يُتيح لها الحركة بسهولةٍ أكبر.
نظرت ديليا إلى انعكاس صورتها في المرآة بتمعّن. و سرعان ما أدركت أنّ العلامات التي تركها كاليُوس على جسدها قد اختفت تمامًا، فإبتسمت بمرارة.
لم تكن تتوقع أن تبقى الآثار طويلًا، ولكن رؤية بشرتها وقد أصبحت نظيفةً تمامًا جعلت مشاعرها تتضارب.
لا تدري كم مضى من الوقت وهي تحدّق في المرآة، إلى أن قاطعها صوت طرقٍ على باب غرفة الملابس، تبعه صوت كبير الخدم العجوز.
“سيّدتي، هل يمكنني الدّخول؟”
“نعم ، تفضّل”
فُتح باب غرفة الملابس، وظهر كبير الخدم مرتديًا بزّة سوداء أنيقة. رفع نظارته أحادية العدسة، ثم اقترب من ديليا.
“صباحٌ جميلٌ عليكِ ، سيّدتي.”
“نعم، شكرًا. و لكن ، ما الأمر؟”
“لقد وصلتكِ دعوة، سيّدتي.”
“دعوة؟ ما الذي تعنيه؟”
بعد حادثة سقوط كاليُوس من الشُّرفة قبل بضعة أشهر، كانت ديليا تتجنب حضور معظم الحفلات ، وكان كبير الخدم يتولى رفض أيّ دعوات تصلها. فهل هذه الدعوة مهمّة لدرجة أنه اضطرّ لإيصالها إليها شخصيًّا؟
بيدين مغطّاتين بقفّاز أبيض، قدّم كبير الخدم الدعوة لها بكل احترام. نظرت ديليا إلى الرسالة بتعبير متوجّس، ثم فتحت عينيها على وسعهما.
“ما هذا بحقّ السماء؟!”
وقفت من مقعدها بسرعة.
كان الختم الذي يزيّن الدعوة هو ختم العائلة الإمبراطورية.
تناولت ديليا سكّين الورق من كبير الخدم، وفتحت الدعوة على الفور.
كان محتوى الدعوة بسيطًا:
في غضون بضعة أسابيع ، سيُقام حفلٌ في قاعة الياقوت داخل القصر الإمبراطوري، احتفالًا بذكرى تأسيس المملكة.
بعد أن قرأت محتوى الدعوة بالكامل، فقدت لونها وجثت على مقعدها، وقد اعتراها الذهول.
لم يكن من الممكن رفض المناسبات التي ينظمها القصر الإمبراطوري، على عكس حفلات النبلاء العادية.
و هذا يعني أن “كاليوس” يجب أن يحضر الحفل، مما جعل “ديليا” تمسك بجبهتها بقلق.
كم مضى من الوقت منذ حادثة الطعن في القصر حتى يقرروا إقامة حفلة جديدة؟ ماذا لو حدثت كارثة أخرى مثل السابقة؟ شعرت بالظلام يحيط بها، ولم تستطع حتى النهوض من مقعدها.
قال كبير الخدم بصوت مطمئن:
“لا تقلقي كثيرًا، لقد عززوا الحراسة في القصر الإمبراطوري بعد الحادث الأخير.”
فأجابت بتردد:
“هل تعتقد حقًا أن هذا كافٍ؟”
لم يكن الأمر أنها لا تثق في القصر الإمبراطوري، لكن بما أن الأمر يتعلق بحياة “كاليوس”، لم تستطع أن تجيب بإيجابية.
عندما لم تجد “ديليا” ما تقوله ، نظر كبير الخدم حوله ثم همس بصوت منخفض: “ربما تكون هذه فرصة لنا”
“فرصة؟ ماذا تعني؟”
“المجرم الذي لم يحقق هدفه سيحاول الظهور مرة أخرى. وبما أن التحقيق في القضية السابقة قد تم التعتيم عليه، فقد تكون هذه فرصة لإعادة تسليط الضوء على القضية.”
اتسعت عينا “ديليا” عند سماع ذلك.
إعادة كشف الحقيقة التي طُمِست منذ فترة؟ ربما يكون هذا خيطًا يساعد “كاليوس” على استعادة ذاكرته. شعرت بدقات قلبها تتسارع.
قامت “ديليا” بفتح درج مكتبها وكتبت ردًا على الدعوة، ثم سلمته بيد مرتعشة إلى كبير الخدم. شعرت أن حفل ذكرى تأسيس المملكة القادم قد يكون نقطة تحول كبرى.
***
في صباح اليوم التالي، استيقظت “ديليا” فور شروق الشمس وبدأت بالتحضير مبكرًا على غير العادة.
لم يتبقَ الكثير من الوقت حتى حفل ذكرى تأسيس المملكة، لكنها لم تجد فستانًا مناسبًا ترتديه.
لم يكن بإمكانها حضور حفل القصر الإمبراطوري بملابسها العادية، لذا لم يكن أمامها خيار سوى الخروج للتسوق.
رغم خوفها من ركوب العربة، لم يكن بإمكانها التهرب من ذلك إلى الأبد، خاصة وهي تحمل لقب دوقة.
كان عليها الحفاظ على مظهرها اللائق في المناسبات الرسمية، لذلك قررت زيارة الصالون لأول مرة منذ فترة.
بعد أن أكملت استعداداتها، خرجت إلى الخارج وانتظرت العربة. ثم نظرت إلى مكتب “كاليوس” في الأعلى.
“كما توقعت… لم يأتِ لرؤيتي”
أرسلت إليه دعوة عبر “رين” ليرافقها إلى الصالون، لكنه رفض ببساطة بحجة الانشغال.
شعرت بالغضب يتصاعد في صدرها.
بصراحة ، لم تستطع إنكار أنها شعرت بالخذلان.
بذلت جهدًا للمصالحة معه، لكنه رفض عرضها دون أي تردد، مما جعلها تشعر أنه يتجنبها عمدًا.
رغم أنها تعهدت بأن تحبه مهما كانت الظروف ، إلا أن معاملته الباردة والمتكررة جعلتها تشعر بعدم الأمان.
بالإضافة إلى ذلك، لم تستطع طرد كلماته السابقة من رأسها:
‘ما زلت لا أفهم لماذا تزوجنا في المقام الأول’
تنهدت “ديليا” مرارًا وهي تحدق إلى مكتب “كاليوس” من الأسفل.
“…عزيزي”
كيف يمكنها تحقيق السعادة؟
هل ستمضي حياتها كلها و هي تتبعه فقط من الخلف؟
لم يكن الأمر مختلفًا كثيرًا عن حياتها السابقة في منزل عائلة “بليك”، مما جعلها تعض شفتيها بقلق.
مدّت يدها نحو الظل الباهت الذي رأته عبر النافذة، لكنها أدركت أنها لن تستطيع الوصول إليه، فإستدارت دون تردد و غادرت.
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل "27"