تساءلت داليا وهي تعض شفتيها، وقد احمرّ وجهها في لحظة.
كان كاليوس يراقبها بصمت، ثم أطلق ضحكة ساخرة وكأنّ الأمر لا يُصدّق.
“إذا كنتُ سأنتظر إجابتك، فسيستغرق الأمر دهرًا.”
ألقى كاليوس نظرة على الشاطئ حيث كانت ديليا جاثية على ركبتيها. ثم نظر إلى البحر البارد الذي انخفضت درجة حرارته بشكل ملحوظ، وكأنه غير راضٍ عن المكان.
مدّ يده نحوها مرة أخرى وقال:
“هل ستعودين معي إلى القصر؟ أم تفضلين البقاء هنا وحدك؟”
اتسعت عينا ديليا دهشة، ولم تستطع إخفاء صدمتها.
أن يُطلب منها الاختيار بين العودة إلى القصر أو البقاء وحدها هنا؟ لم يكن هذا أحد السيناريوهات التي توقعتها على الإطلاق.
“ألم تكن قد تخلّيت عني بالفعل؟”
“يبدو أنكِ معتادة على اتخاذ القرارات وحدك والتفكير بمفردك.”
رفع كاليوس يده ليلمس وجهها بلطف ، ثم قال بصوت أعمق من المعتاد، وكلماته لم تكن متوقعة: “في الحقيقة، السبب الذي دفعني للقدوم إلى هنا … هو أن جزءًا من ذاكرتي قد عاد”
“ماذا؟ هل تقول إن ذاكرتك … عادت؟”
“نعم، ولكنها مجرد أجزاء بسيطة”
ساعدها كاليوس على النهوض من الأرض، ثم نظر إلى ركبتيها المغطاة بالرمال، فأخرج منديلًا من جيبه وبدأ بتنظيفها.
“عندما كنتُ أنزف من يدي في الماضي ، كنتِ أنتِ من أخرج المنديل ولففته حول إصبعي.”
اهتزت عينا ديليا عند سماع كلماته، فقد كان صوته يوحي وكأنه يتذكر تلك اللحظة بوضوح تام.
بعد رؤيتها لقربه الجسدي من إيفلين، لم تكن متأكدة مما إذا كان عودة جزء من ذاكرته أمرًا جيدًا أم سيئًا. و لكن … على الأقل، لم تذهب كل جهودها في مساعدته سدى.
رؤيته يجثو على ركبته أمامها، ينظف الرمال عن جسدها، جعلها ترغب في تصديقه. لا أحد يعرف ما إذا كان هذا القرار سيقودها إلى الجحيم أم إلى الجنة، ولكن ما دامت ذاكرته قد بدأت بالعودة، فقد أرادت أن تبقى بجانبه حتى النهاية.
سمعت صوتًا في داخلها يأمرها بالهروب ، لكنها تجاهلته.
رفعت يديها و أمسكت بوجه كاليوس بلطف ، ثم اقتربت منه ببطء ، و قبّلته برقة على شفتيه.
بعد تلك القبلة على شاطئ البحر، عاد الاثنان إلى القصر.
خلال صعودهما إلى الطابق الثاني، شعرت ديليا بنظرات الخدم تلاحقهم ، لكنها لم تهتم. لم يكن هناك شيء أكثر أهمية من حقيقة أن كاليوس بدأ يستعيد ذاكرته.
حتى وإن لم تكن ذاكرته قد عادت بالكامل بعد، فإن مجرد عودتها تدريجيًا يعني أنه سيستعيدها كاملة في نهاية المطاف.
ولهذا، عقدت ديليا عزمها.
حتى لو دفعها بعيدًا، فإنها لن تتوقف عن الاقتراب منه.
بهذه القناعة الراسخة، دخلت غرفة النوم.
دفعها كاليوس برفق على السرير ، ثم مدّ يده ليزيح خصلات شعرها الطويلة المتشابكة إلى جانب واحد.
نظر إلى ديليا المرتبكة و الخوف يكسو عينيها ، ثم همس عند أذنها بصوت خافت:
“في ذاكرتي… كنتِ جميلة للغاية.”
“حقًا؟ هل هذا صحيح؟”
“نعم، أنا لا أكذب. كنت أعتقد أن كلامكِ مجرد هراء، لكن يبدو أنني في الماضي كنت أراكِ بالفعل شخصًا جميلًا.”
مرّر كاليوس يده برفق على عنق ديليا الناصع البياض. وبينما كانت تحاول استيعاب إحساس لم تجربه من قبل، اقترب فجأة وترك علامة واضحة على بشرتها.
“آه…!”
شعرت ديليا بإحساس غريب في الموضع الذي ترك فيه أثرًا، وشعرت بأنفاسها تتسارع بينما كان يمرر لمسته بلطف فوقه.
هذا التصرف، الذي بدا وكأنه طقس غريزي، جعلها تشعر بإرتباك شديد.
انحنى كاليوس نحوها، عينيه تراقبان ردود أفعالها بانتباه. و في اللحظة التي شعرت فيها بشفتيه تلامسان عنقها، احمرّ وجهها بالكامل.
“ان-انتظر لحظة …!”
أحست بدفء أنفاسه و هي تسير ببطء على بشرتها، مما جعلها تشعر بوخز خفيف، فغطت فمها بيدها في محاولة لكبح صوتها.
لكن كاليوس أمسك بيدها بلطف، ثم همس بصوت خافت:
“لا بأس، لستِ بحاجة إلى كتمان صوتك.”
“ماذا… ماذا تعني بذلك…؟”
شعرت ديليا بأن حرارة جسدها ترتفع، ولم تستطع مواجهة نظراته، فحاولت إخفاء وجهها بيديها. إلا أن كاليوس ضحك بهدوء وأمسك بمعصميها، مانعًا إياها من الاختباء.
كل مرة كان يقترب أكثر، كانت تشعر بإنقباض في قلبها.
لم تكن متأكدة مما إذا كان السبب هو لمسته أم ارتباكها من هذا القرب المفاجئ. لم تستطع كبح أنفاسها المرتجفة، وبلا وعي، أمسكت برقبة كاليوس.
“تتصرفين وكأنها المرة الأولى لكِ”
“لأنها … بالفعل كذلك”
اتسعت عينا كاليوس في دهشة.
حدّق بها وكأنه لم يستوعب ما قالته لتوها.
“لكننا متزوجان …!”
تجنبت ديليا النظر إليه ، و وجهها يزداد احمرارًا.
“لم يكن الأمر ممكنًا … لقد كنتُ خائفة”
“خائفة …؟”
لم تُجِب ديليا ، فقط أطبقت شفتيها ولم ترفع نظرها إليه.
نظر إليها كاليوس لثوانٍ قبل أن يرفع كتفيه في استسلام، ثم بدأ بهدوء في تمرير يده على كتفها وسحب القماش برفق.
شعرت ديليا برجفة تسري في جسدها، لكنها أغلقت عينيها بإحكام، محاولة أن تهدئ من تسارع أنفاسها.
عندما أحاطها كاليوس ، شعرت بحرارة جسده تمتزج بها ، مما جعلها تتوتر.
“ا-انتظر لحظة…!”
بمجرد أن لامست شفاه كاليوس بشرتها، شعرت وكأن أنفاسها قد انقطعت، وتحول نظرها إلى بياض نقي.
ارتجفت ديليا ، ونهضت بسرعة وهي تدفع كتف كاليوس بعيدًا عنها.
“أنا… آسفة، لا أعتقد أنني أستطيع فعل هذا.”
نظر إليها كاليوس للحظات قبل أن يسأل ببرود:
“لا تستطيعين؟”
قالت ديليا بتردد: “أنا… أريد أن أفعل ما تريده، ولكن…”
بمجرد أن شعرت بتلك القشعريرة غير المألوفة، انتابها إحساس غريب بأن ما يحدث غير صحيح.
تراجعت بسرعة، وغطت نفسها بالملاءة البيضاء، بينما تعابير وجهها تعكس الصراع الداخلي الذي تعيشه. سمعت فوقها تنهيدة عميقة.
“هل تجدين الاقتراب مني أمرًا مقززًا؟”
اتسعت عيناها بدهشة، وحدقت في وجهه لترى تعبيرًا جامدًا، لكنه لم يستطع إخفاء أثر الخيبة التي انعكست في عينيه.
“لا، ليس كذلك أبدًا!”
“قلتِ إنكِ ستفعلين أي شيء من أجلي، لكن يبدو أن هذا كان مجرد كلام.”
أمسك بقميصه الذي سقط على الأرض وارتداه ببطء. بدا كما لو أنه على وشك المغادرة، مما جعل ديليا تصاب بالذعر.
“إلى أين أنت ذاهب؟”
“بما أنك رفضتني ، فلا يوجد سبب لبقائي هنا”
“انتظر! أرجوك، انتظر!”
حاولت النهوض بسرعة ، لكنه كان قد ارتدى ملابسه بالفعل ونهض من السرير. تجاهل صوتها المرتجف وغادر الغرفة دون أن ينظر خلفه.
بالرغم من أنه كان بجانبها قبل لحظات فقط، إلا أن الغرفة بدت فجأة باردة وفارغة بدونه. حدقت في السرير الذي لا يزال يحمل أثر دفئه، وشعرت بشعور عميق من الحزن يسيطر عليها.
جلست على السرير، تحدق في السقف المعتم، ثم غطت عينيها بمعصميها، لتسقط دموعها بصمت.
بعد رحيله، انتظرته طويلًا، لكن الإرهاق تمكن منها في النهاية، فأغلقت عينيها واستسلمت للنوم.
عندما استيقظت، كان الوقت قد تجاوز الصباح ودخلت أشعة الشمس الغرفة. حدقت ديليا في السقف للحظات قبل أن تجلس ببطء، وعيناها تتجهان إلى الجانب الفارغ من السرير.
مدت يدها، لكن لم يكن هناك أي دفء متبقٍ. أدركت أنه لم يعد خلال الليل، مما جعلها تطلق ضحكة مريرة.
“انتهى كل شيء الآن…”
رغم أنه بدأ يتذكر بعض الأجزاء من ماضيه، شعرت بأنها قد أضاعت الفرصة الأخيرة التي كانت تملكها.
عانقت ساقيها، وخفضت رأسها بين ركبتيها، وهي تستعيد لحظات الأمس. كانت قد حاولت جاهدة من أجله، ومع ذلك، في اللحظة الحاسمة، انهار كل شيء.
بعد لحظات من الشعور بالندم، نهضت من السرير ببطء، واتجهت نحو المرآة الكبيرة. رأت في انعكاسها آثار الليلة الماضية، مما جعل تعابيرها تمتلئ بالحزن.
“لماذا أفعل هذا بنفسي دائمًا؟”
لقد أرادت أن تحظى بحبه، ولكن عندما سنحت لها الفرصة، استسلمت للشكوك والمخاوف. عضت شفتيها بقوة، وبدأت تهمس لنفسها بعتاب:
“غبية… حمقاء…!”
في اللحظة التي كانت تغرق فيها في أفكارها، سمعت خطوات تقترب، تلاها صوت فتح الباب فجأة.
تفاجأت ديليا ، وسرعان ما سوّت ملابسها في ارتباك.
في تلك اللحظة، سمعت صوتًا مألوفًا منخفضًا يسألها:
“هل ما زلتِ في السرير حتى هذا الوقت؟”
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل "25"