لم يكن يفعل شيئًا سوى مرافقة إيفلين، ولكن عندما استعاد وعيه، شعر فجأة بشفاه غريبة تلامس شفتيه.
عندما قبّل ديليا ، كان قلبه ينبض بسرعة ، لكن ما إن لامسته هذه الشفاه الغريبة حتى شعر بإنزعاج فوري.
دفع كاليـوس كتف إيفلين بعيدًا عنه على عجل. عندها، ابتسمت إيفلين بلطف وهمست بهدوء في أذنه:
“فكر في اقتراحي مجددًا. سأحصل على فرصة للاقتراب منك ، بينما ستحصل أنتَ بسهولة على منجم الياقوت…”
أنهت كلماتها تلك، ثم ابتعدت عنه مسرعة، وصعدت إلى العربة.
شعر كاليـوس بالاشمئزاز، بل وحتى الاحتقار، من إيفلين التي تجرأت على لمسه دون إذنه.
مسح شفتيه بيده اليمنى، ثم لم يكتفِ بذلك، فأخرج منديله و أخذ يفرك شفتيه بعنف مرة أخرى.
نظر بحدة إلى العربة التي كانت تقلّ إيفلين، ثم استدار بسرعة. وكأن شيئًا لم يحدث، توجه نحو مدخل القصر.
ولكن سرعان ما استقبله مشهد غير معتاد—الخدم في حالة من الفوضى، وجوههم شاحبة، يكادون يبكون، وهم يتساءلون عن كيفية التصرف وكيف سيبررون ذلك لدوقهم.
كان كاليـوس يراقب الموقف من مسافة خطوة ، ثم سرعان ما عبس واقترب من الخدم المرتبكين.
“ماذا تفعلون جميعًا هنا؟”
“آه … ج-جلالتك …!”
عند ظهور كاليـوس، ازداد ارتباك الخدم، وكأنهم تجمدوا من الخوف.
كاليـوس، الذي يكره وقوع أمور غير متوقعة، شبك ذراعيه، ثم نظر إلى أكثرهم خبرة، وسأله بلهجة مباشرة: “ما الذي حدث داخل القصر؟”
“حسنًا…”
تردد الخادم للحظة، لكنه قرر في النهاية البوح بالحقيقة وأومأ برأسه، ثم قال وهو يتصبب عرقًا: “قبل لحظات قليلة … غادرت سيدتي القصر.”
تصلب جسد كاليـوس تمامًا، كما لو أنه صُعق بصاعقة.
بعد أن فتح فمه مترددًا، بالكاد استطاع النطق بكلماته التالية: “تلك المرأة … لا ، هل تقول إن ديليا غادرت القصر؟”
“نعم، لقد حدث ذلك فجأة، ولم ندرك الأمر إلا بعد فوات الأوان.”
كان من الصعب عليه تصديق كلام الخادم.
كيف يمكن لمن كانت تتوسله دائمًا ألا يتركها، وأقسمت أنها ستعيد إليه ذكرياته، أن تغادر بهذه البساطة؟
عبر لمسته القسرية مع إيفلين، أدرك كاليـوس مرة أخرى حقيقة واحدة—المرأة الوحيدة التي لا يشعر بالنفور عند لمسها… هي ديليا.
لذلك، لم يكن بإمكانه السماح لها بالمغادرة بهذه السهولة.
التفت إلى سارا، الخادمة الشخصية لـديليا، التي كانت ترتجف وسط الخدم، وسألها بصوت حاد: “إذن، إلى أين ذهبت؟”
“هـ-هذا …”
أطبقت سارا شفتيها بإحكام.
لا، بل بالأحرى لم يكن بوسعها سوى التزام الصمت.
أدرك كاليـوس أن صمتها لم يكن سوى إجابة واضحة، فتمتم بشتيمة غاضبة. ثم ، بمجرد أن نزل مستشاره على عجل إلى الطابق الأول ، صرخ بأمر واضح:
“ابحثوا فورًا عن زوجتي!”
لم تكن قد مرت سوى بضع ساعات منذ أن غادرت ديليا ، لذا ربما كان هذا هو الوقت الأمثل للبحث عنها.
كانت عيناه محتقنتين بالدماء بينما أخذ يعبئ الفرسان الذين كانوا متأهبين في القصر، محركًا إياهم بكفاءة وانضباط شديدين.
***
“سيدتي ، لقد وصلنا!”
“…آه”
لا تدري كم من الوقت مضى.
كانت ديليا قد انكمشت داخل العربة، مرتعبة بسبب صدمة حادث قديم، لكن صوت السائق جعلها تفتح عينيها ببطء.
التفتت لتنظر عبر النافذة، وعندما رأت المشهد أمامها، اتسعت عيناها بدهشة.
هااااه —
على الرغم من أنها لا تزال داخل العربة، إلا أن رائحة البحر النفاذة ملأت أنفها ، و كانت المياه المتلألئة تتراقص مع الأمواج في مشهد ساحر.
ظلت تحدق في المنظر الذي لم يتغير رغم مرور الزمن، وخرجت منها همهمات إعجاب متتالية.
بحماس، ظلت ديليا تراقب المشهد عبر النافذة قبل أن تسرع بالنزول من العربة. و ما إن لمست قدماها الأرض حتى خلعت حذاءها على عجل و انطلقت مسرعة نحو الشاطئ الرملي.
سمعت صوت السائق يناديها من الخلف محذرًا إياها من التسرع، لكنها لم تعره اهتمامًا. أومأت برأسها دون اكتراث، ثم توجهت نحو حيث تلتقي الأمواج بالشاطئ.
“آه! المياه باردة!”
شعرت بخشونة الرمال تحت قدميها، ولكن بمجرد أن غمرتهما الأمواج، سرت برودة لاذعة في جسدها.
نظرت إلى الأمواج المتراجعة، ثم ابتسمت برضا وهي تراقب الرمال المبتلة التي تختفي تحت الماء ثم تظهر مجددًا.
و بينما كانت تلهو بقدميها في المياه المتلألئة ، قفزت إلى ذاكرتها فجأة لحظة من الماضي—يوم كانت تتراشق المياه مع كاليـوس هنا، ضاحكين بسعادة.
‘… الآن وقد فكرت في الأمر، كنا نأتي إلى هذا المكان كثيرًا، أليس كذلك؟’
عندما غادرت القصر، لم تكن تعلم إلى أين تذهب.
تذكرت البحر فقررت المجيء، ولكنها الآن، بعد أن وصلت، أدركت أن هذا المكان يحمل ذكريات كثيرة مع كاليـوس.
شعرت بغصة تخنقها.
إذن، في النهاية، لا مفر من كاليـوس، أينما ذهبت …
لقد حاولت الهروب منه، ومع ذلك، وجدت نفسها لا تزال تدور في فلكه، داخل حدود عالمه.
ابتسمت بسخرية من هذه المفارقة. ربما لم يعد كاليـوس يتذكر هذا المكان، لكن الذكريات محفورة في عقلها بوضوح.
حتى لو انفصلا يومًا ما، ستظل ذكرياته تلاحقها كقيد لا ينفك عن قدميها. وفكرة كهذه جعلتها تشعر بحزن عميق.
جلست ديليا وسط الرمال، تضم جسدها إلى نفسها.
أغمضت عينيها ببطء، مستمعة إلى صوت البحر وهو يلامس أذنيها برقة.
“…ترى، ماذا يفعل الآن؟”
ربما كان يقضي وقتًا ممتعًا مع إيفلين، مستمتعًا بلقائه مع امرأة جديدة.
خفضت ديليا رأسها مستسلمة، وزفرت تنهيدة عميقة.
إذا استمر الأمر هكذا، فسيكون الطلاق من كاليـوس مجرد مسألة وقت. تخيلته وهو يبدأ حياة جديدة مع إيفلين بعد أن يتخلى عنها، فإنقبض قلبها بقوة.
هل كان هذا ما يريده كاليـوس منذ البداية؟
بل ، بدأت تشك أنه كان يحب إيفلين حتى قبل أن يتزوجها.
“أنا حقًا غبية و ساذجة”
تتخيل الأمور بمفردها، وتحزن بمفردها، ثم تستنتج النهايات بمفردها.
هربت منه بنفسها، لكنها الآن تشتاق إليه … كم كانت حمقاء.
حدقت في البحر بعينين خاويتين، ثم دفنت جسدها في الرمال. لم ترغب في التفكير أكثر. أغمضت عينيها ، مستسلمة للظلام الذي غمرها.
وفجأة، جاءها صوت غير متوقع من فوق رأسها.
“أهذا هو المكان الوحيد الذي استطعتِ الهروب إليه؟”
***
بعد أن غادرت ديليا القصر، جاب كاليـوس أنحاء المقاطعة باحثًا عنها.
لكن لم يكن لها أثر في أي مكان.
ومع مرور الوقت، بدأت أعصابه تنفلت، وغمره الغضب.
في البداية، كان متبجحًا واثقًا.
لم يكن قد مضى على مغادرتها سوى بضع ساعات، فإعتقد أنه سيتمكن من العثور عليها بسهولة.
لكن الوقت مر، ولم يجد لها أي أثر، عندها فقط أدرك مدى غطرسته وغبائه.
لقد رحلت ديليا … رحلت عنه تمامًا.
“هاه… هاها…”
غطى كاليـوس وجهه بيده، ضاحكًا بسخرية من نفسه ومن هذه المهزلة.
ظل يضحك لفترة طويلة، لكنه سرعان ما عض شفتيه بقوة. ثم استدار وضرب الشجرة القريبة بكل قوته.
غاصت قبضته في جذعها، وفي اللحظة نفسها، بدأ الدم يقطر من أطراف أصابعه.
“جلالتك …! يا إلهي!”
كان جيفري ، الذي كان يراقب كاليـوس بحذر من بعيد، قد هرع نحوه، فزعًا من إصابته.
لكن على عكس جيفري، الذي أصابه الهلع، كان كاليـوس غير مكترث تمامًا.
نظر بلا مبالاة إلى الدم الذي كان يسيل من يده، ثم فجأة، اتسعت عيناه.
شعر بصداع حاد، أشبه بوخز إبر تخترق عقله. لم يستطع تحمله، فوقع على إحدى ركبتيه، ممسكًا رأسه بقوة.
وفجأة، دوى صوت في ذهنه، صوت مألوف للغاية.
‘إن البحر جميل حقًا’
توقف … هذا الصوت؟ مستحيل …؟
رفع كاليـوس رأسه بسرعة، وكأن شيئًا قد سحره.
وهناك، أمام البحر المتلألئ، رآها … ديليا ، و هي ترتب خصلات شعرها الفضي المتطاير خلف أذنها.
تجمد كاليـوس في مكانه من هول المفاجأة.
ثم فتحت داليا شفتيها مجددًا ، بصوت عذب هادئ.
‘لقد كنا نأتي إلى هنا كثيرًا عندما كنا نتواعد. لكن بعد الزواج، أشعر أن المكان يبدو مختلفًا بعض الشيء’
…هل كنا نأتي إلى هنا معًا منذ زمن؟
نظر كاليـوس حوله ، في ذهول.
البحر المتلألئ، الرمال الناعمة، والمرأة التي تجلس هناك تستمتع بنسيم البحر—كان مشهدًا مثاليًا لزوجين في موعد رومانسي.
وبينما كان لا يزال في حيرته، تحرك جسده في الذكرى التي كانت تمر في رأسه. رأى نفسه يتجه نحو الأمواج، وكأنه يبحث عن شيء ما. وبعد بضع ثوانٍ، رفع يده، ممسكًا بصدفة بيضاء كبيرة وجميلة.
ثم اقترب من ديليا ، التي تألقت عيناها بإعجاب حين رأت الصدفة.
كانت تحدق بها بذهول، لكن فجأة، وقفت بسرعة، ممسكة بيد كاليـوس التي تحمل الصدفة، وقد ارتسمت على وجهها تعابير جادة للغاية.
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل "23"