منذ أن بدأا تناول الطعام معًا، لم يسبق لكاليوس أن بادر بالكلام أولًا. لم تستطع ديليا إخفاء تعابير الفرحة التي ارتسمت على وجهها، فأومأت برأسها سريعًا.
“سمعت أنكِ أعدتِ الهدايا التي أرسلتها لكِ.”
“…آه.”
لم تكن تتوقع أنه سيسأل عن ذلك.
تجمد جسد ديليا كما لو أنها تحولت إلى تمثال.
بينما كانت تحاول تجنب الإجابة، وضع الطاهي طبقًا جديدًا أمامها، مما منحها بضع لحظات لالتقاط أنفاسها. بعد أن هدأت قليلاً، فتحت شفتيها لتجيب.
“لأنني لم أكن أرغب في تلقي مثل تلك الهدايا … لا أريد أن يُساء فهمي وكأنني شخص مسرف.”
“إذن، ما الذي ترغبين فيه؟”
“…ما الذي أريده؟”
اتسعت عينا ديليا بدهشة.
بدا لها و كأنه على استعداد لمساعدتها في تحقيق ما تريده … فمسحت شفتيها بمنديل ، و أجابت بحذر.
“هل ستستمع إليَّ … حقًا؟”
“هل من الممكن أنكِ تشكين بي الآن؟”
“لا، ليس الأمر كذلك. فقط… بصراحة، لا أستطيع فهمك. فقد كنتَ مشغولًا بتجاهلي بعد أن فقدتَ ذاكرتك. لم تكن ترسل لي هدايا، ولم تكن تنتظرني في قاعة الطعام على الإطلاق.”
لو أنه كان لطيفًا معها منذ البداية، لكان الأمر مختلفًا. ولكن بعد فقدانه لذاكرته، بدأ كاليوس يعتبرها مجرد مصدر إزعاج، فكيف لا تشكّ في نواياه الآن؟
نظرت ديليا إليه بحذر، ثم تحدثت مجددًا.
“لهذا أريد التأكد … هل من الممكن أنك تشعر بالشفقة تجاهي؟”
“بعد كل ما طلبته مني ، هل هذا هو السؤال الوحيد الذي تريدين إجابته؟”
كلما استمر كاليوس في الحديث ، شعرت وكأن مئات الإبر تخترق قلبها. احمر وجهها من شدة القهر، لكنها واصلت المحادثة بصعوبة.
“ليس هذا ما قصدت… أنا وأنت…”
“إن كنتِ تقصدين أنه مجرد شفقة؟”
توقفت ديليا عن التنفس للحظة.
ظلت تحدق في وجه كاليوس، وبتوتر ظاهر في صوتها، سألت مجددًا: “هل … هل كان الأمر حقًا مجرد شفقة؟”
“بصراحة، لم يكن بإمكاني النظر إليكِ وأنتِ على تلك الحال فقط”
في لحظة، انهارت كرامة ديليا تمامًا.
ربما كان من الأفضل ألا تسأله من الأساس، بل فقط أن تطلب قضاء المزيد من الوقت معه. لكن كاليوس ظل كما هو، وكأنها كانت تتحدث إلى جدار. بالرغم من أنه لم يمر وقت طويل على تسليمها الخاتم له، إلا أن ثقتها بنفسها تحطمت بالكامل.
مجرد فكرة أن كاليوس قد رأى حالتها على أنها مثيرة للشفقة جعلتها غير قادرة على رفع رأسها.
“أهذا كل شيء؟ حتى مجرد تلقي الشفقة أمر لا تستطيعين تحمله؟”
عند سماع كلمات كاليوس، فتحت ديليا يدها ثم قبضتها مرارًا. بدأ العرق البارد يتصبب منها بسبب نظرات كاليوس التي كانت تحمل ازدراءً واضحًا.
“يبدو أنكِ أضعف مما توقعت. ربما هذا أفضل”
“ماذا…؟”
التقط كاليوس الورقة الموضوعة على الطاولة ، ثم نهض من مقعده و مدّها نحو ديليا.
“…ما هذا؟”
“اقرئيها بنفسكِ ، سيكون ذلك أفضل بكثير”
بيدين مرتجفتين، تناولت ديليا الورقة.
كان محتواها بمثابة وثيقة قانونية تطلب منها الموافقة على الطلاق الذي كانت ترفضه. لم تصدق عينيها و هي تقرأ وثيقة دعوى الطلاق لأول مرة في حياتها.
نظرت إلى كاليوس بعينين غارقتين في الحيرة، وتحدثت بصوت مضطرب: “هل تطلب مني أن أوافق على الطلاق بسرعة وأرحل؟”
“أقصى ما يمكنني منحه لكِ هو الشفقة. إن كنتِ لا تستطيعين تحمل ذلك، فلا يوجد خيار آخر”
كم كان ذلك مؤلمًا … بل كان الأمر أكثر من مجرد مؤلم.
للحظة قصيرة، اعتقدت أن كاليوس ربما كان يسايرها فقط عندما طلبت منه منحها فرصة. و لكن ماذا كانت تتوقع منه حقًا؟ ولماذا كان يختبرها طوال ذلك الوقت؟
قبضت على الورقة بإحكام وقالت:
“سأتظاهر أنني لم أرَ هذا. ماذا تريد مني أن أفعل؟”
“من يدري؟ يبدو أنكِ مستعدة لفعل أي شيء بمجرد أن أقول ذلك.”
“أي شيء … أي شيء عدا الطلاق. فقط لا تطلب ذلك … سأفعل أي شيء آخر”
إن كان هناك أي شيء قد يعيد إليه مشاعره ، فقد كانت ديليا مستعدة للقيام به. بالنسبة لها ، كان الواقع أشبه بجحيم مشتعل، ولم يكن أمامها سوى التخلي عن آخر ذرة من كرامتها.
ظل كاليوس صامتًا لبعض الوقت، وكأنه يفكر، ثم فجأة أشرق وميض في عينيه، وكأنه خطرت له فكرة جيدة.
نظر إلى ديليا بنظرة غامضة ، ثم ابتسم و قال: “إذن، سأؤجل دعوى الطلاق، لكن في المقابل، عليكِ أن تقومي بواجبات الزوجة”
“ماذا؟ واجبات الزوجة؟”
ارتسمت على وجه ديليا ملامح الحيرة و الارتباك.
واجبات الزوجة؟ ماذا يمكن أن يعني بذلك؟ هل يقصد إعداد الطعام؟ التنظيف؟ أم ربما … الحب؟ لم تستطع استيعاب الأمر تمامًا.
“أيمكنكَ توضيح الأمر أكثر؟ ما الذي تعنيه بواجبات الزوجة؟”
“أهذا يثير فضولكِ إلى هذا الحد؟”
لسببٍ ما، شعرت بشعورٍ غامضٍ ينذر بالسوء.
صحيح أن إيقاف الطلاق كان أمرًا جيدًا، لكن ما كان يقلقها هو ماهية “الواجبات” التي يتحدث عنها كاليوس.
لكنها لم تستطع التهرب إلى الأبد. لذا، وبعد تردد، عقدت حاجبيها قليلًا وأومأت برأسها ببطء.
بعد لحظات، مدّ كاليوس يده وأحاط خصرها بإحكام. شعرت بيده وهي ترتفع ببطء على امتداد ضلوعها، ثم توقفت عند صدرها. كان واضحًا تمامًا ما يريده، فتوسعت عيناها على الفور.
“فكري جيدًا… ماذا يفعل الأزواج الجدد كل ليلة؟”
“… لا يمكن …!”
شهقت ديليا و هي تحدق فيه بذهول.
ما كان يقصده كان واضحًا تمامًا—المسألة تتعلق بالعلاقة الحميمة بين الزوجين. كان طلبه صريحًا إلى حدٍ مربك ، فاحمرّت وجنتاها على الفور.
بالطبع، كان من الطبيعي أن يقيم الأزواج علاقة جسدية، لكن الوضع كان مختلفًا تمامًا عندما يتعلق الأمر بكاليوس.
فهو كان دائمًا يحترم مخاوفها من العلاقة الجسدية ، ولم يجبرها عليها مطلقًا. ولهذا، منذ زواجهما، لم يكن بينهما أي تواصل حميمي.
لم يسبق لها حتى أن رأت جسده العاري، مما جعلها تشعر بالحرج والارتباك. لكن كاليوس، الذي لم يكن على دراية بمشاعرها، هزّ كتفيه غير مكترث، وتابع حديثه.
“من يدري… ربما لو حملتِ بطفلي، فلن يكون هناك طلاق.”
في تلك اللحظة، ظهر وجه جيريمي في مخيلتها، متداخلًا مع ملامح كاليوس. فقد كان جيريمي أيضًا يلمّح إلى أن إنجاب طفل قد يمنع وقوع الطلاق.
كان التفكير في تقديم جسدها كوسيلةٍ للتوسل من أجل استمرار العلاقة أمرًا مثيرًا للاشمئزاز والمهانة.
الرجل الذي وقف أمامها لم يكن يشبه كاليوس الذي عرفته سابقًا بأي شكلٍ من الأشكال. لم يكن يريد منها سوى جسدها.
أدركت تلك الحقيقة فجأة، فظهر على وجهها تعبيرٌ يائسٌ بائس.
“إذن… هذا هو السبب وراء معاملتكَ الجيدة لي مؤخرًا…؟”
نعم ، هكذا إذن.
لم يكن ما يريده سوى جسد امرأة ، لا أكثر.
أخيرًا، فهمت سبب إغراقه لها بالهدايا طوال الفترة الماضية. بينما كان كاليوس ينظر إليها بلا اكتراث، عضّت ديليا على أسنانها بغضبٍ مكتوم.
“أعطني وقتًا للتفكير.”
ثم نظرت إليه بكل ما في قلبها من مرارةٍ و حقد. كانت نظرتها تحمل مزيجًا من الحب والكره، لكنها كانت تميل أكثر إلى الكراهية.
***
– في حديقة قصر هيلدبرانت.
كانت ديليا تسقي أزهار الليلك هناك عندما أطلقت زفرة مؤلمة. شعرت بالحزن لأن كاليوس لم يعد يحمل أيًّا من ملامح شخصيته التي عرفتها في الماضي.
قبل أن يفقد كاليوس ذاكرته، كان يطمئنها بلطف عندما كانت تخشى فكرة الإنجاب، قائلًا إنهما يستطيعان التفكير في إنجاب طفل لاحقًا، ببطء ودون استعجال.
لم تكن تكره العلاقة معه في حد ذاتها، بل كانت تفكر سرًّا في إمكانية إنجاب طفل منه يومًا ما.
كانت تتخيل اليوم الذي سيعيشان فيه بسعادة كزوجين، و عندما تشعر بأنها مستعدة حقًّا، سيرحبان بطفلهما في جوٍّ من المحبة والفرح.
لكنها لم تتوقع أبدًا أن تجد نفسها في موقفٍ بائسٍ كهذا، حيث تصبح علاقتها به مجرد صفقة للحفاظ على لقب دوقة.
هل كان تمسكها به أمرًا صائبًا؟
ألم يكن من الممكن أن يكون كل هذا مجرد وسيلة للتخلص منها، وليس لأنها تهمه حقًّا؟
تذكرت اللحظة التي سقط فيها من الشرفة أثناء محاولته الدفاع عنها ، ولم تستطع حتى أن تكرهه كما ينبغي.
عندها، غرست أظافرها بقوة في صدرها عند موضع القلب، كما لو كانت تحاول تمزيق الألم الذي بداخلها.
وبينما كانت تغرق في أفكارها المؤلمة، وقع نظرها فجأة على برعم صغير ينبثق من التربة.
جثت ديليا على ركبتيها فوق الأرض، وحدّقت إلى البرعم الصغير بتركيز شديد.
“هذا بالتأكيد هو…”
في الماضي، زرعت ديليا بذور الليلك مع كاليوس. كانت تلك الزهور تحتاج إلى أربع أو خمس سنوات لتنمو وتزهر، لذا كانت تنتظر ظهور البراعم بفارغ الصبر.
لم تكن تتوقع أن تجد أثرًا لها اليوم، بعد كل هذا الوقت. بيدٍ مرتجفة، لمست البرعم بلطف، وغمرها شعور دافئ.
بدا لها وكأن هذه النبتة الصغيرة تمثل ثمرة علاقتها مع كاليوس، وهو ما جعل قلبها يخفق بإحساس غريب.
ظلت محدّقة في البرعم الصغير لفترة طويلة، إلى أن قاطعها صوت خطوات خلفها، تلاه صوت مألوف يتردد في الأجواء.
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل "20"
جميل