فتّش كلاين بيده اليسرى في جيب سترته الداخلي بحثًا عن علبة السجائر المحمولة.
أشعل عود ثقاب كان قريبًا، ثم أمال رأسه ليُشعل السيجار.
وبوجه يعتريه الملل، هزّ يده التي تحمل عود الثقاب ليطفئ النار، ثم تناول نفسًا عميقًا من السيجار، وأطلق الدخان ببطء نحو وجه بريتني.
تفرّق الدخان ببطء في الهواء، فانفرجت شفتا بريتني المغلقتان كالجدار، مصدرتين سعالًا خفيفًا: “كح، كح”.
حاولت تهدئة حلقها مرة، لكن سعالًا خافتًا لم تستطع كبته تسرب من فمها.
نظر كلاين إليها ببرود وهو يستمر في تدخين السيجار.
كانت المرأة ترتجف من الخوف. كانت كذلك طوال الوقت.
حتى في العربة، كانت تسترق النظرات إليه خلسة، مرتعشة، دون أن يعرف ما الذي يدور في ذهنها.
حتى نكاته لم تُثر سوى وجه شاحب كالرصاص، دون أي أثر لتخفيف توترها.
ومع ذلك، ها هي تتمرد بهذه الطريقة!
أدار كلاين رأسه وضحك قصيرًا. وبينما يدخن سيجاره لفترة، هدأ من غيظه المتصاعد جراء هذا الموقف غير المتوقع، ثم قال:
“علاقة بين صاحب عمل وموظف. لا، بل نحن أقرب إلى علاقة دائن ومدين. لقد دفعتُ عشرة آلاف جنيه مقابلكِ، وأنا مجرد راعٍ اسمي لكِ، ولستُ راعيًا لأغراض خيرية.”
“…”
“لذا، لا تتجاهلي أوامر سيدكِ دون إذن. ليس لديكِ الحق في تجاهل كلامي.”
أطفأ السيجار، الذي لم يتبقَ منه سوى طرفه، بحذائه، ثم تابع:
“سأسأل مرة أخرى. لماذا لم ترسمي؟”
“لا أعرف كيف أرسم. ولم أكن أعلم أنكَ كنتَ جادًا في طلبكَ مني أن أرسم.”
أنهت المرأة كلامها بصوت ضعيف، متقطع بالسعال بين كلماتها.
“آه، لا تعرفين الرسم؟ ولم تعتقدي أنني جاد في طلبي؟”
“نعم.”
“أتسخرين مني الآن؟”
كان ردًا مذهلًا.
حتى في هذه اللحظة، كانت تنظر إليه بعينين تعكسان الظُلم والحرج.
بدت وكأنها على وشك البكاء، لكنها فتحت عينيها على وسعهما لتمنع نفسها من ذلك، مما جعلها تبدو مثيرة للشفقة.
وبالفعل، بعد لحظات، أطرقت رأسها، وميضت عيناها، وسقطت دمعة.
كان الموقف مذهلًا.
كان هو من يملك الحق في البكاء، لا هي.
فقد أضاع عشرة آلاف جنيه في الهواء، ومعها تلاشت وسيلة تحقيق أمنية والدته، التي أصبحت أمنيته بعد وفاتها: الحصول على لقب نبيل.
كل ذلك ذهب مع عشرة آلاف جنيه.
كانت قيمة المال مهمة في حياته، لكنها لم تكن كذلك في هذه المسألة.
لهذا السبب، استبدل عشرة آلاف جنيه – ربع دخله السنوي، ومبلغ يكفي معظم الناس للعيش برفاهية لعقود – بفنانة مغمورة، بل وتحمل مخاطر تنكرها كرجل، رغم أنها لن تحظى بالتقدير كفنانة.
كان مقتنعًا بأن تمرد بريتني هذا ينبع من جرح كبريائها لقدومها إلى هنا بدلًا من ديون والدها.
وإلا، فما المشكلة؟ ألم يعدها بتوفير أفضل الظروف؟ ألم يطلب منها فقط أن ترسم؟ بالتأكيد، المشكلة هي كبرياؤها.
قرار بيعها، على ما يبدو، أذلّ كبرياء ابنة الكونت.
لكن، هل هذا ظلم كبير إلى هذه الدرجة؟ يطعمها، يؤويها، يوفر لها طبيبًا إن مرضت، ويسمح لها بالرسم.
ألا يفترض أن تكون ممتنة؟ أراد أن يسألها ذلك، لكن ما خرج من فمه كان شتيمة غاضبة:
“إذن، هل تعتقدين أنني أنفقتُ عشرة آلاف جنيه لألعب معكِ لعبة الأطفال؟ لماذا تعتقدين أنني أرعاكِ؟”
“…”
“لا تتجاهلي وأجيبي. لماذا، أنا، أرعاكِ؟ هذه المرة الثانية التي أسأل فيها. لستِ غبية لدرجة أنني بحاجة لتكرار كلامي مرات عديدة. هل كلامي مضحك؟ أم أنكِ فعلًا تفتقرين إلى الإدراك؟”
حتى في هذه اللحظة، كانت تعابيرها تعكس عدم فهمها لماذا تتعرض لهذا الإذلال.
هذا أثار غضبه أكثر. وبينما كان يستجوبها، ردت أخيرًا، كالفأر المحاصر الذي يعض القط، بشفتين مرتجفتين:
“ربما لأن المال يفيض عنكَ. أو ربما لأنكَ أشفقتَ عليّ.”
“نعم، المال يفيض حتى إنه يتعفن. لكن، ليس الأمر متعلقًا بالشفقة. هل أبدو لكِ كشخص يتأثر بمثل هذه العواطف الرخيصة؟”
لم يبدُ كشخص يتأثر بمثل هذه العواطف، لكن بالنسبة لبريتني، بدا وكأنه يسخر منها.
من وجهة نظرها، كان هناك سوء تفاهم في طريقة تعامله معها.
صحيح أنها بيعت لتسديد ديونها، لكن ذلك لا يغير من كون معاملته لها قاسية للغاية.
ألم يأتِ بها فجأة، ويطلب منها الرسم دون أي مقدمات عن رعايته لها؟
لم تفهم بريتني نواياه، ولم تستطع رؤية المسألة من وجهة نظره.
كانت مقتنعة بأن لديه دوافع أخرى. لذلك، لم ترسم.
وحتى عندما سألها لماذا لم ترسم، لم تجد ما تقوله، حتى في هذه اللحظة.
كانت تفضل الموت على أن تتم السخرية من أحلامها وتُداس من شخص لم تكد تلتقيه.
لذلك، هذا النوع من التحريض لم يكن سوى إهانة تزيد من شعورها بالقلق من السخرية ، دون أن يكون تحفيزًا أو تهديدًا.
عندما استمرت بريتني في الصمت بدلًا من الرد، واصل كلاين حديثه:
“هل نسيتِ؟ عشرة آلاف جنيه. هذا هو الثمن الذي دفعته مقابلكِ بدلًا من ديون والدكِ. حتى لو كنتِ جاهلة بالمال، فأنتِ تعلمين أن هذا مبلغ ضخم. إذا كان لديكِ أي إحساس بالمنطق، لما تمردتِ عليّ هكذا.”
“آسفة-”
قاطعها، مشيرًا إلى اللوحة القماشية الفارغة:
“ارسمي. حتى لو لم ترغبي في الرسم، عليكِ أن ترسمي هنا حتى تسددي عشرة آلاف جنيه.”
“أنا… ليس لديّ موهبة. حتى لو رسمتُ، لن أتمكن من تسديد عشرة آلاف جنيه.”
“هذا أنا من يقرره، ليس أنتِ. لذا، ارسمي.”
“…”
“توقفي عن الارتجاف هكذا. لماذا ترتجفين؟ يبدو وكأنني ضربتكِ.”
“اضربني إذن.”
“ماذا؟”
كانت كلماتها، بعد صمت طويل، صادمة بشكل لا يقارن بما سبق.
فرك وجهه بعنف ليحافظ على هدوئه، ومع ذلك، عبس متعجبًا وسأل:
“لماذا يجب أن أفعل ذلك؟”
“لأنني لا أستطيع الرسم، سأسدد الدين بتحمل الضرب حتى ترضى.”
‘هل هذه المرأة مجنونة؟ ما الذي تقوله؟’
كانت قد ركعت بالفعل.
“انهضي.”
“سأتحمل الضرب بهدوء. يمكنني تحمل ذلك دون صوت. لكن الرسم، الرسم لا أستطيعه.”
“انهضي، قبل أن أغضب حقًا.”
على الرغم من توبيخه، هزت رأسها ولم تتحرك. كررت فقط أنها ستسدد الدين بالضرب، وكأنها تمثال.
كان الموقف مذهلًا.
كانت تتصرف كمن قرر استنفاد صبره عمدًا.
بدا وكأنها لا تسمع، أو ربما كانت فعلًا تفتقر إلى الإدراك.
حتى بعد مرور دقائق، وهو يقول:
“ليس لدي هواية ضرب الناس، ولن أكرر كلامي مرتين”، لم تتحرك، كأنها تمثال حجري.
ضحك ضحكة مندهشة.
شعر بصداع يهاجمه، فوضع يده على جبهته، يفرك حاجبيه المعقودين، محاولًا كبح غيظه.
كانت امرأة غريبة. لم يتوقع هذا أبدًا.
أي شخص سيفضل الرسم على الضرب. لا يمكن أن تكون هذه رغبتها الحقيقية. ولو كانت تريد الضرب حقًا، لما ارتجفت بهذا الخوف.
إذن، هذا تمرد.
سخر كلاين ببرود.
كان مقتنعًا بأن كبرياءها لا يسمح لها بقبول بيعها بدلًا من ديون والدها.
نظر إلى أظافره المرتبة، ثم لمس أذنه اليسرى و تمتم بهدوء:
“إذا كنتِ تكرهين الرسم لهذه الدرجة، إذن….”
اقترب منها، وهي لا تزال راكعة، و أمسك بذراعها النحيلة ليرفعها. انتصبت كدمية ورقية بفعل قوته.
“إذا كنتِ تعتقدين أن لديكِ موهبة في شيءٍ آخر أكثر من الرسم، حسنًا، افعلي ذلك.”
دفعها نحو الحائط بعنف. غطّى ظله الطويل، الذي يقارب 189 سم، جسدها. أمسكَ بذقنها، رافعًا رأسها ليجبرها على مواجهته، و ضغط بإبهامه على ذقنها، وسحب خصرها بيده الأخرى بعنف ليلصقها بجسده.
كانت عيناها الذهبيتان المتلألئتان بالدموع ترتجفان، كأنها لا تفهم ما يحدث. حين أدركت وضعها، حاولت التراجع، لكنها كانت محصورة بين الحائط و جسده.
رمش رجفان رموشها الطويلة كجناحي طائر محاصر.
“مالي يجب ألا يضيع هباءً. عليكِ أن تكوني جديرة بالثمن. اختاري: إما هذا أو ذاك. لن أجبركِ.”
مسح دموعها بعدم اكتراث، واقترب من وجهها كما لو كان سيقبلها.
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 10"