راقب أدريان رحيل أنيس ثم وجه احتجاجاً جباناً نحو جيروم:
“هل ستتركها تذهب هكذا؟ إذا فعلتَ ذلك واكتُشف تورطي في هذا الأمر—”
“اخرس.”
تسللت ابتسامة مريبة على شفتي جيروم:
“لقد جاريتك بما فيه الكفاية. هل تظن أنني سأقضي وقتي في تنظيف القاذورات التي خلفتها وراءك؟”
لم يكن جيروم وينتربولت بالشخص المتفرغ أو المتسامح ليرضي أحداً.
لم يكن مساعدته لأدريان الذي اقتحم مكانه متشبثاً بطرف ثوبه طلباً للنجاة نابعة من نية حسنة، بل لأنه وجد فيه “لعبة” تسليه في وقت فراغه.
كان الحصول على سلطة التحقيق مع ريبلت مكافأة كافية لتحركه.
أما أنيس وتجارة باردو، فهاتان ورقتان لا تزالان مفيدتين لعرقلة ليونيل، لذا كان من الحكمة التوقف عند هذا الحد؛ فمن الخسارة تدميرهما تماماً الآن.
“ومع ذلك، هذا المشهد ممتع حقاً.”
اخترقت نظراته الذهبية الشبيهة بنظرات المفترس ظهر ليونيل.
كان جيروم واثقاً بأنه لا يوجد من يعرف ليونيل أكثر منه؛ لذا أدرك فوراً مدى كثافة نظرات ليونيل التي تتبع أثر أنيس، ومدى الحذر الشديد في أطراف أصابعه وهي تسندها.
“…… لقد زوّجتك إياها لتكون إهانة لك.”
انسابت ضحكة منخفضة من أنفه:
“لكن يبدو أنها ستصبح قيدك يا ليونيل.”
لمعت عينا جيروم الذهبيتان بوضوح.
لقد وُجدت نقطة ضعف لليونيل، رغم أن المعنيّ بالأمر يبدو وكأنه لم يدرك ذلك بعد.
ساد صمت خانق داخل العربة المتجهة إلى قصر الدوق.
كان ليونيل ينظر من النافذة بوجه لا يمكن تمييز ما إذا كان غاضباً أم غارقاً في التفكير.
بدا جانب وجهه المنعكس على زجاج العربة هادئاً وصلباً، وبدا أكثر برودة لصعوبة قراءة مشاعره.
قبل ركوب العربة، سألها ليونيل عما إذا كانت تريد العودة للمستشفى، فهزت أنيس رأسها نفياً.
شعرت بالحرج من الاستلقاء على سرير المرض وجرحها ليس بليغاً، والأهم من ذلك أنها كانت تخشى أن يقتحم الجنود غرفتها مجدداً في أي لحظة.
قبضت أنيس على أطراف أصابعها، وتجعد رداء المستشفى الأبيض تحت كفيها.
شعرت بضآلة شديدة وهي لا تزال ترتدي ثياب المشفى بسبب اقتيادها بسرعة، فحاولت تغطية كتفيها بذراعيها، لتلحق بها نظرة زرقاء حادة من المقعد المقابل.
جفلت أنيس وحاولت خفض بصرها، لكنها فتحت فمها قائلة:
“قد لا تصدقني، لكن لا علاقة لي بهذا الإرهاب إطلاقاً.”
“أعرف.”
كان رداً قاطعاً ولامبالياً.
“ولهذا تدخلتُ.”
“…… حقاً؟”
اندهشت أنيس كثيراً؛ فقد كانت تظن أن ليونيل يشك بها أيضاً.
هل يصدق كلماتها حقاً؟
نظرت إلى وجهه محاولةً سبر أغواره، لكن ملامحه الجامدة لم تمنحها أي جواب.
التعليقات لهذا الفصل " 33"