3
الفصل الثالث
لماذا هذا الإنسان هنا؟
قبل أن أستوعب الموقف، رفع هي وون جسدي بخفة. اقترب وجهي من وجهه فجأة حتى كدت أرى انعكاس نفسي في عينيه الباردتين.
“…رئيس سوك، من أين أحضرت هذا؟”
“من الطريق. لماذا؟”
“لا، فقط… إنه يبعث شعورًا غريبًا نوعًا ما.”
قطّب هي وون حاجبيه بوضوح وهو يرمقني بنظرة ضيقٍ ونفور.
ارتجفت وأنا أمدّ قدمي الخلفية لأدفع خده بعيدًا.
‘الآن بعد أن فكّرت… كيف أبدو حقًا الآن؟’
هل يمكن أن ما زال في مظهري أثر من شكلي البشري السابق؟
إن كان الأمر كذلك، فربما يمكن تفسير تلك الكراهية الواضحة في نظرته.
الجد الذي كان يراقبنا بهدوء قال ببرود:
“من الطبيعي أن يشعر بالنفور، فهو يُركل من كلب الآن.”
كان وجه هي وون قريبًا مني إلى حدٍّ مزعج، فرفعت قدمي بارتباك وأبعدتها عن خده ببطء.
‘هل هذا المكان… غرفة المعيشة؟’
استطعت أخيرًا أن ألتفت حولي لأتفحص المكان.
الجد جالس على الأريكة، وبجانبه رجل في منتصف العمر ذو ملامح حادة، وعلى الجهة المقابلة امرأة قصيرة الشعر تبدو في العمر نفسه.
بمجرد أن نظرت إليهم، ضربت ذاكرتي صورة طعامٍ شتوي مألوف.
‘بونغيو بانغ …!’«عجينة علي شكل سمكة بيتم حشوها بنختلف الحشوات»
يا إلهي، حتى ملامحهم متطابقة! هذه العائلة… تشترك في جينات قوية جدًا.
لم يكن هناك حاجة للتفكير كي أدرك أن الرجل والمرأة هما والدا هي وون.
الآن بعد أن نظرت عن قرب، وجدت أن عيني الجد الطويلتين وأسلوب فمه المنضبط يشبهان هي وون بشكلٍ مذهل.
‘كيف لم ألاحظ هذا من قبل؟’
من بين كل الناس في العالم، كيف انتهى بي الحال لأكتشف أن هي وون هو حفيد هذا الرجل؟
حتى لو كنا نسكن في نفس الحي، فهذا العالم يبدو صغيرًا بشكلٍ مبالغ فيه.
“لقد تأخر الوقت.”
قال الجد وهو يتفقد ساعته ببطء، ثم نهض متكئًا على ظهر الأريكة.
“كما قلت، سأترك هذا الكلب في البيت لبعض الوقت. السائق جونغ أخبرني أن المستشفى البيطري لم يجد شريحة تعريف فيه… جونغ، ما الاسم الذي قاله الطبيب؟”
“رعاية مؤقتة، سيدي.”
“نعم، رعاية مؤقتة.”
كنت أستمع باهتمام، أذناي منتصبتان.
‘رعاية مؤقتة؟’
فكرة ليست سيئة إطلاقًا، فهي قد تمنحني فرصة للتحدث إلى الجد وإخباره بحقيقتي لاحقًا.
“هي وون، أنت تحب الكلاب، أليس كذلك؟ رغم أنك تُعضّ في كل مرة، إلا أنك ما زلت تلعب معها.”
من الواضح أن تلك العضّات لم تكن بسبب اللعب، بل نتيجة استفزازه للكلب حتى يغضب.
“أنت من سيتولى رعايته.”
أبدى هي وون رفضه الفوري، ملامحه امتلأت بالضيق وكأنه واجه كارثة.
“هذا الكلب سيجلب النحس إلى المنزل.”
“حسنًا، هذا لا يهم، فأنت بالفعل مصدر النحس في هذا البيت.”
طريقة الجد في التعامل معه كانت كافية لتُفهمني أنه ليس محبوبًا لا في الداخل ولا في الخارج.
“أبي، إدخال حيوان إلى المنزل بهذا الشكل أمر مفاجئ بعض الشيء.”
تقدمت المرأة التي تبدو كأم هي وون خطوة للأمام بنبرة متحفظة.
“أون سو، حتى أنتِ لا تريدينه؟”
نظرت إليّ بنظرة مستاءة وأومأت.
“نعم.”
انتقل بصر الجد إلى الرجل الذي كان يبدو والده.
“وأنت يا هي كانغ؟”
“لا أريده.”
أجاب من دون أن ينظر نحوي حتى، بصوتٍ بارد خالٍ من المشاعر.
“هممم…”
تنهّد الجد قليلًا بعد أن واجه رفض الجميع.
تملّكني القلق، هل سيطردونني هكذا؟ لم يكن بوسعي سوى انتظار قراره بترقّبٍ وحذر.
ثم قال بلهجة حاسمة:
“على أي حال، لم أكن أنوي الأخذ برأيكم منذ البداية.”
يا له من قرار رائع!
“أبي!”
“أبي!”
“اخفضوا أصواتكم أمامي.”
كلماته الصارمة خيّمت على المكان فجأة، فسكن الهواء في اللحظة نفسها.
كان بإمكاني التّأكّد دون الحاجة إلى النّظر بشكلٍ منفصل. الجدّ هو الأقوى في عائلة كعك السمك هذه.
‘صحيح… حتى في الحديقة كان مخيفًا.’
تذكرت كيف أن الكلبة بو ري، وهي أقوى كلاب الحي، كانت تتجنبه دومًا بطريقة غريزية.
“حقًا، أنتم زوجان عديمان الحس، تتصرفان وكأن الرحمة لا تعنيكما شيئًا. لستما حتى من سيتولى رعايته!”
قالها بحدة وهو يستدير نحو الباب الداخلي.
“سأغادر الآن، لديّ بعض الأمور العالقة في المنزل.”
ماذا؟ يغادر؟ أليس هو أيضًا يعيش هنا؟
نظرت إليه بارتباك وأنا أحوّل بصري بين أفراد العائلة الذين بدوا وكأنهم نسخ طبق الأصل من بعضهم.
“جونغ، لنذهب.”
“حسنًا، سيدي.”
وهكذا… بدا أنني سأُترك في بيت هي وون وحدي.
‘جدي! انتظر!’
صرخت بقلق، لكن صوتي خرج كنغمة يائسة من كلب صغير.
“لا يمكن.”
قال هي وون ببرود وهو ينقر على قدمي الأمامية بخفة وكأنه يؤدبني.
“الجد يعاني من حساسية تجاه شعر الكلاب. ليست خطيرة، لكنها مزعجة له.”
‘حساسية؟’
‘آه… لهذا كان دائمًا يلاطف سيوري بالكلام دون أن يلمسه.’
“أبي، سأتصل بك غدًا.”
“إلى اللقاء يا أبي.”
ودّعاه والداه بينما كنت أتحرك بعجز في الهواء، يمسكني هي وون بإحكام.
‘انتظر لحظة!’
لكن الباب أُغلق بإحكام.
غادر الجد… تاركًا الوحش الصغير وسط العائلة.
ساد صمت بارد في أرجاء المنزل.
استدارت أم هي وون نحوي ببطء، نظرت إليّ من أعلى إلى أسفل في ازدراء خافت ثم أدارت ظهرها وهي تتمتم:
“أيتها الخادمة، لا تدعي الكلب يصعد إلى الطابق الثاني.”
“بالطبع، سيدتي.”
تبعتها الخادمة، بينما اختفى والده في غرفته من دون أن يلتفت إليّ.
في النهاية، بقيت وحدي مع هي وون في غرفة المعيشة الواسعة.
حككت خدي بقدمي الأمامية بارتباك.
‘والداه… يخيفانني قليلًا.’
بينما كنت أحدّق في الباب المغلق، وضعني هي وون على الأرض بهدوء.
وبينما كان يتجه إلى غرفته، التفت قليلًا إليّ بابتسامة خفيفة خالية من الدفء، شفتيه فقط التوتا بسخرية.
“ألا تنوين اللحاق بي؟”
تلك الابتسامة الماكرة كانت دومًا مقدمةً لشيءٍ لاذع.
“يبدو أن حياتك ككلبة ستكون صعبة للغاية، لأنك لا تملكين أدنى حسٍّ بالذكاء.”
كما توقعت. ضحكتُ بتهكمٍ صغير، لكن سرعان ما تجمّد وجهي.
‘منذ اللحظة التي التقيتُك فيها، أصبحت حياتي صعبة بالفعل.’
—
التقيت هي وون لأول مرة في يوم دخولنا إلى المدرسة المتوسطة.
‘في صفنا يوجد من حصل على المركز الأول في اختبار القبول، أليس كذلك؟ كيم سيوري، أين أنتِ؟’
حين ناداني المعلم، رفعت يدي بفخرٍ خافت.
الدرجات كانت الشيء الوحيد الذي أملكه، وسيلتي الوحيدة لأثبت نفسي للعالم… والطريقة الوحيدة لأمنح جدتي التي ربّتني سببًا للفخر.
‘أنتِ الأولى على الصف؟’
جاءني صوت ناعم من جانبي، التفتّ فرأيت فتى بشعرٍ مصبوغ ووجهٍ وسيمٍ كدمية، يرتدي زيه المدرسي بكسل، وفي أذنه قرطٌ لامع.
بدا مختلفًا عني تمامًا، كأنه من عالم آخر.
‘نعم، لماذا؟’
‘لا شيء، أنا الأخير.’
‘أوه… فهمت.’
ابتسم بخفة ثم قال:
‘نظرتك تقول إنك ترينني قمامة.’
صدر صوت خافت من كرسيه وهو يتمايل إلى الوراء. كان يعبث بلوحة اسمه بين أصابعه. عليها كُتب: سوك هي وون.
انطباعي الأول عنه كان بسيطًا جدًا:
ولد وسيم… لكنه فوضوي.
ولم أحتج لوقتٍ طويل كي أغيّر رأيي.
في يوم صدور نتائج أول اختبارٍ فصلي، رأيت اسمه مكتوبًا في الأعلى.
«الترتيب على الصف – الأول»
بينما اسمي كان: «الترتيب على الصف – الثاني».
وقف أمامي بابتسامة خفيفة وهو يلوّح بورقته أمام وجهي.
‘خسرتِ أمام القمامة.’
…
في تلك اللحظة، تغيّر وصفي له إلى شيءٍ أدق:
فوضوي، لكن عبقري.
حاولت بعد ذلك أن أتفوّق عليه، لكنّني لم أفلح أبدًا.
كل اختبارٍ جديد كان يحمل نفس النتيجة، اسمه في الأعلى ودرجتي تحته مباشرة.
وفي كل مرة كان يقترب مني مبتسمًا بتلك النبرة المستفزة.
‘لم أكن أنوي أن أكون الأول، صدفة فقط.’
وكانت كلماته دائمًا كفيلة بإشعال غضبي.
‘لماذا يتصرف هكذا معي بالذات؟’
—
ربما… هل سبق لي أن لمست دون وعيٍ شيئًا يشبه العصب الحساس لدى هي وون؟
كنت أفكر في ذلك أحيانًا، لكني لم أجد جوابًا أبدًا.
‘ولم أكن فضولية إلى الحد الذي يجعلني أسأله مباشرة.’
ربما اكتشف ما كنت أخفيه في داخلي من غيظٍ وحقدٍ بسبب بقائي في المرتبة الثانية دائمًا.
على أي حال، بفضله صار اسمي في المرحلة المتوسطة ليس كيم سيوري، بل “كيم المركز الثاني”.
كنت أظن أنّ علاقتي بذلك الإنسان ستنتهي بعد التخرج…
لكن، وكأن القدر يسخر مني، وجدنا أنفسنا في نفس الثانوية، بل في نفس الجامعة، ثم في نفس التخصص أيضًا.
كانت الحروف الثلاثة لاسم “هي وون” دائمًا شوكة في عيني، ترافقني أينما ذهبت.
‘لماذا تلاحقيني هكذا يا كيم سيوري؟ ألا يمكنكِ أن تكفّي عن الإعجاب بي قليلاً؟’
‘مرحبًا، جدتي؟ نعم، أظن أنني بحاجة للذهاب إلى المستشفى… هناك ضجيج غريب في أذني.’
يا له من عبثٍ قدريٍّ في بلدٍ واسعٍ كهذا.
ومع ذلك، كان من حسن الحظ وسط هذا النحس أننا لم نكن مضطرَّين للتعامل معًا كثيرًا.
شخصيتانا، وبيئتنا، وكل شيء تقريبًا مختلف تمامًا… باستثناء الدرجات، لم يكن بيني وبينه أي تقاطع.
لكن… لماذا؟
كيف حدث أنني الآن… في غرفة هي وون؟
شششش—
صوت الماء يتدفق من الحمّام المُلحق بالغرفة.
قبل أن يدخل هي وون الحمّام، كيف كان الوضع؟
حين خلع قميصه دون سابق إنذار، كدت أُفقِد بصري من الصدمة.
‘لماذا يخلع ملابسه هكذا فجأة؟’
ثم خطر ببالي أن الشخص الذي يُعلن قبل أن يخلع ملابسه في غرفته سيكون هو الغريب الحقيقي.
تنفست ببطء وأنا أختبئ خلف أصيص نبات كبير، أمدّ عنقي الطويلة بحذرٍ لأراقب.
‘مهما نظرت، هذا البيت مذهل حقًا.’
لا عجب أن الشائعات التي دارت حول ثرائه أيام المدرسة كانت صحيحة.
المنزل فخم إلى درجةٍ تُشبه القصور.
أما غرفة هي وون نفسها، فكانت في نهاية ممرٍّ طويلٍ بعد غرفة المعيشة، أشبه بجناحٍ مستقل.
‘تشبه بيتًا منفصلًا تمامًا…’
تجولت عيناي في الغرفة ذات السقف العالي، إلى أن توقفت على شيء واحد: مرآة ضخمة تغطي الحائط.
‘قال الجد إن السائق جونغ أخذني إلى الطبيب البيطري، ومع ذلك لم يجدوا شريحة تعريف…’
بناءً على كلامه، يبدو أن الطبيب البيطري نفسه ظنّ أنني مجرد كلبٍ عادي.
بلعت ريقي بتوتر، ثم بدأت أتحرك بخطواتٍ صغيرةٍ حذرة نحو المرآة.
انعكست في سطحها هيئتي الغريبة، فجمُد وجهي بالكامل.
لون فراءٍ مائل إلى البيج الفاتح، ذيلٌ كثيفٌ مستدير، وأذنان نصف مطويتين.
مظهرٌ يبدو لطيفًا وهادئًا، لكنه متعالٍ قليلًا في الوقت نفسه.
جسدٌ قصير مستدير يشبه رجل الثلج…
كانت تلك تمامًا هيئة كلبي سيوري التي رأيتها أول مرة.
التعليقات لهذا الفصل " 3"