1
< الحلقة 1 >
أنا لا أحبّ الكلاب.
منذ أن كنتُ في السادسة من عمري، حين عضَّني كلبٌ ضخم كان بحجمي تقريبًا. منذ ذلك الحين، صرتُ أهرب كلّما رأيتُ كلبًا صغيرًا، أو يتجمّد جسدي في مكاني دون وعي.
ثم في السنة الأولى من المرحلة المتوسّطة، في يومٍ باردٍ لدرجة جعلت طرف أنفي يؤلمني قليلًا، التقيتُ بكلبٍ بدا غبيّ الملامح بعض الشيء.
كان يشبه كعكة الأرز الطويلة… أو ربما فطيرة البطاطس.
ذلك الكلب الصغير ذو الفرو الفاتح بلون العاج كان يجلس بهدوء داخل صندوقٍ ورقيٍّ.
وعلّق حول عنقه لافتةً مكتوبًا عليها بخطٍّ عشوائيٍّ باستخدام قلمٍ أسود:
“من فضلكم، أحبّوني.”
توقّف المارّة الذين صادفوه بجوار كومة القمامة، وكأنّهم اتّفقوا جميعًا على ذلك.
“أليس هذا الجرو ما يزال صغيرًا؟”
“يا إلهي، كيف يمكن لأحدهم أن يرميه هكذا؟”
“كم هو مسكين…”
لكن أولئك الذين توقّفوا للحظةٍ قصيرة، واصلوا طريقهم من جديد.
خطواتهم تتعاقب، تمرّ بجانبه دون أن تتوقّف.
فالشفقة على حيوانٍ تائهٍ لا تستطيع أن تُقيّد أقدام الناس المشغولين لوقتٍ طويل.
ثم حدثت المشكلة الحقيقيّة بعد ذلك بقليل.
‘…لماذا تتبعني؟’
فقد خرج الكلب من الصندوق وبدأ يتبعني بخطواتٍ متمايلة.
طَق، طَق، شَف شَف…
امتزج صوت خطواتي مع صوت مخالبه على الأرض في إيقاعٍ غير متناسق.
لم أتحمّل أكثر، فاستدرت نحوه بعصبيّة وقلتُ بصرامة:
“توقّف عن اتّباعي.”
ثم طرقتُ الأرض بقدمي اليمنى بقوّة أكبر.
“اذهب من هنا.”
لكن رغم نبرة التحذير القاسية في صوتي، لم يرمش الكلب ولو مرّة واحدة.
بل أكثر من ذلك… أخذ يزمجر بخفّة ويرفع شفتيه كاشفًا عن أسنانه الصغيرة مثل الحبوب.
ضحكتُ بسخرية من المشهد دون وعي.
هل يظنّ أن تهديدًا تافهًا كهذا قد يُخيفني؟
“آسفة.”
ذلك التهديد كان فعّالًا جدًّا.
ما إن قلتها، حتى استدرتُ بهدوء وأكملتُ طريقي، قابضةً على حزام حقيبتي بكلتا يديّ.
طَق، طَق… شَف شَف… طَق، طَق… شَف شَف…
‘إنه ما زال يتبعني.’
يا إلهي، هذا أمرٌ خطير فعلًا.
على الرغم من برودة أوائل الخريف، إلا أنّ العرق البارد أخذ ينهمر منّي كأنّنا في منتصف الصيف.
طَق طَق طَق طَق، شَف شَف شَف شَف—تسارعت الخطوات أكثر فأكثر.
‘إلى متى سيستمرّ في ملاحقتي؟’
طَق طَق طَق، فَر فَر فَر! ركضتُ وركضتُ، لكنّ صوت أقدامه ظلّ يلاحقني بلا انقطاع.
إلى أين؟ إلى أين سيصل؟
“جدّتيييي!”
“عدتِ من المدرسة… هاه؟ ما هذا الشيء الغريب الذي جلبتِه خلفك؟”
حتى باب بيتنا.
آه… لماذا بحقّ الحاكم.
—
لكنّ تصرّفات الكلب المتطفّل الذي اقتحم منزلنا لم تتوقّف عند هذا الحدّ.
“هلّا ابتعدتَ قليلًا وخرجتَ من فضلك؟”
حتّى بعد مرور أسبوع.
“لماذا بالضبط قرّرت أن تتبوّل على زِيِّي المدرسي الجديد؟ لماذاااا…”
وحتى عندما أصبحتُ طالبة في الثانوية.
“هذا طعامي، قلتُ هذا طعام الأخت!”
“عَوْع!”
“قلتُ طعامي أنااا…”
“عَوْع!!”
“…….”
ظلَّ يسرق طعامي حتّى عندما التحقتُ بالجامعة.
هكذا هو الأمر. لقد استولى كلبٌ مشرّدٌ على منزلنا تمامًا.
ومع مرور الوقت، وأنا على وشك التخرّج من الجامعة، ما زلتُ لا أحبّ الكلاب.
ما زلتُ أكرهها…
“…….”
جلستُ على الأرض أحدّق في طاولة الطقوس أمامي.
عظام مضغٍ، بطاطا حلوة، وبسكويت للكلاب.
ثمّ استقرّ بصري على صورة كلبٍ في إطارٍ يرفع رأسه بتكبّرٍ أنيق.
شعرتُ بغصّة، وكأنّ كرةً صغيرةً علقت في حلقي.
لماذا تخلّى صاحبه السابق عنه يا تُرى؟
في البداية، خمّنتُ أنّ السبب هو مظهره الغبيّ بعض الشيء.
“سوري، عدتِ من المدرسة؟”
“تعالي إلى هنا قليلًا، يا سوري.”
“هذه سوري~”
على الرغم من أنّ جدّتي كانت تناديني باسمي كثيرًا، لم أفهم كيف اعتقد الكلب أن اسم “سوري” يخصّه هو.
حاولتُ منحه اسمًا آخر، لكنه لم يستجب لأيّ كلمة سوى “سوري”. كان غبيًّا عنيدًا.
وحين بدأتْ جدّتي تفرّق بيننا قائلةً “الإنسانة كيم سوري” و”الكلبة سوري”، أدركتُ السبب الحقيقي وراء تخلّي صاحبه عنه.
“ما… ما به هكذا؟”
كان الكلب سوري ضعيف الجسد منذ الولادة.
كان يُصاب بآلام المعدة كثيرًا، فأبقى مستيقظة طوال الليل أراقب حالته.
وكانت عيناه كثيرًا ما تنقلبان للخلف من شدّة التعب، مما اضطرّنا مرارًا إلى الجري نحو الطبيب البيطري.
ربّما وجد مالكه السابق كلّ ذلك مرهقًا ومزعجًا… لذلك تخلّى عنه.
ولهذا السبب، لم أستطع إخراجه من بيتنا.
كنتُ أعلم أنّه لو لم يكن معنا، لوجد نفسه مرّةً أخرى على قارعة الطريق، يرتجف فوق الإسفلت البارد.
وهكذا، ذلك الكلب الضعيف الذي كان يسعل بين الحين والآخر… رحل العام الماضي إلى ما وراء قوس القزح.
“…….”
كبرنا معًا، لكن لماذا مرّ زمنك أسرع من زمني يا سوري؟
جلستُ متكوّرةً على نفسي أحدّق في طاولة الطقوس، غارقةً في أفكاري.
كيم سوري.
هذا الاسم منحَتْني إيّاه جدّتي لأنّني وُلدتُ يوم تساقط الصقيع الأوّل.
لا أعرف من هو أبي.
أمّا أمّي، فقد اختفت بعد ولادتي مباشرةً.
أذكر فقط أنني ذهبتُ إلى جنازتها حين كنتُ في السابعة من عمري تقريبًا.
كانت جدّتي، التي اضطُرّت إلى تربيتي رغم تعبها، تقول أحيانًا وهي تنقر بلسانها:
“يا لهذا الطفل الصغير… كم يبدو ناضجًا رغم صِغره…”
كنتُ لا أضحك ولا أبكي، ولا أُظهر أيّ مشاعر.
ربّما لذلك ظنّ الكبار أنّني ناضجة.
لكنّ الحقيقة أنّني لم أملك خيارًا آخر.
لم يكن بوسعي التصرّف كطفلة ضعيفة في بيئةٍ لا تسمح بذلك.
كانت جدّتي منهكةً، تعمل رغم انحناء ظهرها.
وحين كان بعض الزملاء يتهامسون:
“كيم سوري تلك… فقيرة جدًا. تعيش فقط مع جدّتها.”
“يعني كانت تتظاهر بأنّها غنية وهي ليست كذلك؟”
في تلك الأيام التي كان التظاهر بالقوّة فيها أمرًا مرهقًا، ظهر سوري في حياتي.
كان الشخص الوحيد الذي لا أحتاج معه إلى كبرياء، ولا أشعر بالعار إن رآني أبكي.
أقرب عائلةٍ وأصدق صديقٍ امتلكتُه.
“سوري!”
الآن، الكائن الذي جعل اسمي الغريب يبدو مميّزًا… لم يعد موجودًا.
آه…
أسندتُ رأسي إلى الحائط، ونظرتُ إلى السقف.
“فقدان الحيوان الأليف؟”
“ما من طريقةٍ حقيقيّةٍ لتجاوزه، أليس كذلك؟ مع الوقت يبهت الحزن وتبهت الذكريات…”
كذب.
كلّهم يكذبون.
لأنني ما زلتُ، في كلّ مرّةٍ أفتح فيها الباب، أسمع وقع خطواته الصغيرة على البلاط.
وأنا غارقةٌ في شرودي، تذكّرتُ فجأةً الجملة التي كانت معلّقة حول عنقه يوم التقينا.
“من فضلكم، أحبّوني.”
يا لسخافة الأمر… فالحبّ الحقيقي كان يأتي منه، لا منّي.
“سوري…”
ليتني أستطيع أن أصبح مثلك.
ليتني كنتُ شخصًا يستطيع منح الحبّ بصدقٍ كما كنتَ تفعل.
لو كنتُ كذلك، لما ظلّت ذكريات تقصيري تجاهك تؤلمني بهذا الشكل.
“آسفة.”
آسفة لأنني كنتُ أتذمّر حين توقظني لتلعب.
آسفة لأنّ حياتي خارج المنزل جعلتني أنسى انتظارك لي.
آسفة لأنني أجبرتك على الذهاب إلى الطبيب رغم خوفك، وآسفة لأنني صرختُ عندما بصقتَ الدواء.
“آسفة يا أخي الصغير… أنا آسفة.”
هل كنتَ سعيدًا لأنك أصبحتَ عائلتي، رغم كلّ ما ينقصني؟
كانت ليلةً ثقيلة، لم يكن فيها لي سوى الندم.
—
في اليوم التالي، بدأ عطلة الشتاء الأولى. لم يكن هناك ما يميّزه… إلى أن خرجتُ في وقتٍ متأخّرٍ لأذهب إلى المتجر.
في الزقاق المظلم، وقفتُ ألتفت حولي.
أحذية المارّة خارج الزقاق، أعقاب السجائر على الأرض، ومجاري الماء التي لا نهاية لها.
‘غريب… لماذا ألاحظ الآن أشياء لم أكن أنتبه لها من قبل؟’
‘هل كان هذا الشعور… وكأنّ مستوى نظري انخفض فجأة؟’
غمزتُ بعينيّ عدّة مرّات، فبدت لي الدنيا عاليةً ووعرة بشكلٍ غير طبيعي.
مسحتُ العرق المتكوّن على جبيني، ثم نظرتُ إلى يديّ…
‘دوائر سوداء؟’
كانت عدّة دوائر صغيرة متجمّعة.
قرّبتُها من أنفي وأخذتُ أستنشقها.
‘هذا…’
هذه الرائحة… هذا الشكل… هذا الملمس…
مستحيل ألا أعرفه بعد أن رأيته وشممته آلاف المرّات.
إنها… كفّ كلب.
‘لماذا يوجد كفّ كلب في يدي؟’
وبينما أحدّق فيها مدهوشة، رأيتُ على الأرض ثيابي:
سترة رماديّة، وسروال أبيض رياضي، وشبشب.
كانت تلك التي أرتديها قبل لحظات.
“……?”
لمّا لمستُ وجهي، لم أجد بشرةً ناعمة بل… شعر، وشعر، وشعر…
“……??”
واصلتُ التلمّس بارتباكٍ حتى شعرتُ بدوارٍ وأسقطني جسدي أرضًا.
منذ متى صرتُ إنسانةً يملأ وجهها الفراء؟ لم أطلق لحيةً في حياتي!
وفجأةً، سمعتُ صوت شخصين في الخارج.
“انظر إلى داخل الزقاق.”
كانا يشيران نحوي مباشرة.
“أنظر، هناك جرو صغير مستلقٍ كأنه إنسان! يا له من بطنٍ منتفخٍ مضحك.”
“إنه ينظر نحونا. أُه… يا هذا، لنذهب من هنا، نظرات الكلب هذا غريبة.”
كلبٌ ذو بطنٍ منتفخ ونظراتٍ غريبة؟ لماذا يشيران نحوي؟
بدأتُ أحدّق بتركيزٍ في كفّي الكلب، وفجأةً خطرت ببالي فرضيّة مرعبة.
‘لا يمكن…’
قفزتُ كمن صُعق، واضعةً يديّ على وجنتَيَّ.
لا يمكن… لا يمكن أن يكون هذا…
‘ليتني أكون مثلك…’
يا كلب سوري…
حين قلتُ إنني أريد أن أصبح مثلك، لم أقصد أن أصبح كلبًا حرفيًّا…
أرجوك…
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
عالم الأنمي عـام
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان! شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة. سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
إمبراطورية المانجا عـام
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
نادي الروايات عـام
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 1"