قال الأب ليوفريد بنبرةٍ عصبيّة، ووجهه يتجعّد سريعًا وكأنّه مُنزعج:
“إيديل، لا أعلم مَن هو ذَلك الذي ستتزوّجين به، لكنّي أعارض ذَلك! الزّواج هو فعلٌ مقدّس يتعاهد فيه الطرفان على الإخلاص الأبدي لبعضهما البعض. وأنتِ الآن… هل تنوين أنْ تقومي بقَسَمٍ كاذب أمام الحاكم؟”
“ليس الأمر كذَلك. ما أقصده هو أنّني قرّرت الزّواج لأسبابٍ أكثر عقلانيّة مِن الحبّ.”
“لا تقولي لي أنّه بسبب المال؟”
“ليس كذلك. ثمّ إنَّ الطّلاق لَمْ يُحسم بعد. فقط، أنا وهو نفترض بشكلٍ غامض أنَّ كلٌّ منّا سيمضي في طريقه بعد أنْ يُحقّق هدفه.”
كلّما استمرّت القصّة، كلّما بدا على وجه ليوفريد علاماتُ استفهامٍ تتراقص في الهواء.
وفي النّهاية، ضغط بإصبعهِ على ما بين حاجبَيه المتألِمَين وتنهد تنهيدةً عميقة.
“……حقًّا لا أفهم ما الذي تفكّرين به.”
“هاهاها، على أيِّ حال، سارت الأمور على ما يُرام. كانت وعدًا ضروريًّا، والطّرف الآخر شخصٌ جيّد.”
وبما أنَّ وجهي كان يبتسم بصفاء دوّن أيِّ أثرٍ للإجبار أو النّدم، لَمْ يسعه سوى أنْ يتنهّد طويلاً.
“أظنّ أنَّ عليّ أنْ أفكّر بشكلٍ إيجابي على الأقلّ مِن ناحية أنَّ إيديل قرّرت الزّواج.”
“هل الزّواج أمرٌ جيّد؟”
“لا. فقط أحاول أنْ أبحث عن شيءٍ إيجابي بالقوّة.”
“هاها. تعجبني صراحتكَ، سيّدي الكاهن.”
كانت لأمّي مقولةٌ تكرّرها دومًا:
“عندما تلتقين برجلٍ جيّد، ستشعرين فجأةً بأنّكِ ترغبين في الزّواج. عليكِ أنْ تصبري في تلكَ اللّحظة!”
بينما كنت أضحك بخفّة، ناداني الكاهن ليوفريد باسمي:
وبعد أنْ انتهيتُ مِن العبث بالكاهن ليوفريد على طريقتي وعدتُ إلى المنزل في مزاج جيّد…
وجدت رسالةً قد وصلت.
“أرجو أنْ تُشرّفيني بحضور حفل الشاي الخاصّ بي.
– بارينين روزا لوك”
لقد كانت دعوة مِن الأميرة بارينين روزا.
✽ ✽ ✽
كانت بارينين روزا أميرةً نبيلة وجميلة كما يوحي اسمها.
شعرها الذهبيّ الشفّاف المائل إلى الفضّي، وعيناها المستديرتان الهادئتان، وبشرتها الصّافية التي تكاد تَظهر فيها العروق، وقامتها الصّغيرة وعظامها النّاعمة والنّحيفة…
حديثها كان رقيقًا، وابتسامتها الرّحيمة لا تفارقها، لذا أحبّها الجميع، رجالًا ونساءً، كبارًا وصغارًا. كان هُناك حتّى مَن يُمجّدها علنًا ويصفها بالملاك.
هل أحببتُها أنا أيضًا؟
‘كانت شخصًا لا علاقة له بي.’
قبل ستّ سنوات، في تلكَ الفترة، كنت قد بدأت عملي لتوّي ككاتبة في القصر الملكي، لذا لَمْ يكُن هناك أيُّ مجالٍ للّقاء بها أصلًا.
كنتُ مسؤولةً عن توثيق وتصديق الوثائق الرّسميّة، وكما هو الحال دائمًا في الوثائق الملكيّة، كانت تُكتب بلغة القصر المعقّدة، وكان مُجرّد تعلّمها أمرًا مرهقًا.
حتى إنْ صادف أنْ التقيتُ بها في فعاليّةّ ملكيّة، فلَمْ تكُن لتتحدّث معي أو تتبادل الحديث مع شخصٍ مثلي. لَمْ أكُن في موقع يؤهّلني لذَلك.
‘إنْ كانت ملاكًا، فهي حقًا جميلة.’
ذَلك كان كلّ ما شعرتُ بهِ تجاهها.
لكنّ لقائي الثاني مع الأميرة بارينين كان بعد مرور عامٍ مِن عملي في القصر، حين بدأتُ أتولّى المهام وحدي.
‘يا إلهي، لقد تأخّرت.’
بينما كنت أقارن السّجلات بدقّة، تأخّرتُ عن الاجتماع الذي كان عليَّ حضوره. وبدأتُ أركض على عجل وأنا أُغمض عينيّ.
‘إنْ واصلت طريقي هَكذا، فسأتأخّر. يجب أنْ أسلك الطريق المختصر!’
لكن للأسف، كان ذًلك الطريق المختصر يمرّ مباشرةً عبر جناح الأميرة بارينين.
لَمْ يكُن الدخول إلى جناحها محظورًا، لكن باعتباره مكانًا مخصّصًا لأفراد العائلة المالكة، كان النّاس عادةً يتجنّبونه.
في الظروف العاديّة، لٍمْ أكُن لأفعل ذًلك أبدًا، لكنّ الوضع كان عاجلًا في ذَلك اليوم، لذا أغمضتُ عينيّ وسلكتُ جناح الأميرة.
هل يُفترَض أنْ أقول إنّه مِن حسن الحظ؟ القصر الذي يكون مكتظًّا بالبشر في العادة، كان في ذَلك اليوم هادئًا على نحوٍ غريب. لو فكّرتُ في الأمر الآن، لَأدركتُ أنَّ الأميرة قد أمرت بطرد الجميع عمدًا، لكنّي ظننتُ ببساطة.
‘لو كنتُ محظوظة، فلَن ألتقي بأحدٍ وأنا أمرّ.’
كان ذَلك عندما كنتُ أعبر الرواق. إذ دوّى في أذني صوتُ تمزّقٍ حادّ وسقوطِ شيءٍ ثقيل، ثمّ صوتٌ حادّ كمَن يخدش الزجاج بأظافره.
“……أكرهُ الحشرات المُقزّزة أكثر مِن أيِّ شيءٍ آخر.”
كان صوتًا مروّعًا يبعثُ القشعريرة لمُجرّد سماعه. ارتعبتُ والتفتُّ بفزع.
ومِن خلال شقّ الباب، على بُعد خمس خطوات مِن مكاني، رأيتُ مشهدًا فظيعًا.
الأميرة التي يُثني عليها الجميع ويصفونها بالملاك، كانت تمسك بشعر امرأةٍ تنزف وتسخر منها. مشهدٌ لا يكاد يُصدَّق.
“آه.”
كان عليّ أنْ أُغلق فمي، لكن المشهد الصادم جعلني عاجزةً حتى عن التفكير في ذَلك. وصوتي الذي خرج بلا وعيٍّ منّي، جذب انتباه عينيها الشرّيرتين نحوي.
لكنّ اللحظة التي رأيتُ فيها الشيء الأكثر رعبًا كانت بعد ذَلك. الأميرة التي كانت تُلقي بالتعليقات بسخريّةٍ بصوتها الحادّ، والتي نظرت إليَّ بعينين كالسكاكين، قد غيّرت ملامح وجهها في لحظة إلى تعابير رقيقة وحزينة.
“أرجوكِ، ساعديني. عندما دخلتُ الغرفة، وجدتُ خادمتي على هَذهِ الحال المروّعة…….”
“……!”
تلكَ كانت أوّل مرّةٍ أعلم فيها أنَّ الإنسان يُمكنه تبديل وجهه بهَذهِ السهولة. شعرتُ بالقشعريرة تجتاح جسدي، لكن شعورًا داخليًّا أنذرني بأنَّ التجمّد في مكاني قد يجلب عليَّ كارثة.
فشدّدتُ على يدي المرتعشتين حتى لا يظهر خوفي، وحاولتُ أن أبدو طبيعيّة وأنا أُساعد الخادمة الساقطة.
“ه، هل أنتِ بخير؟”
قطرات الدم التي تناثرت، سرعان ما غمرت راحتي. والرائحة اللزجة المعدنية لامست أنفي، فشحب وجهي.
وعندما رفعتُ رأسي أبحث عن المساعدة، التقت عيناي بعيني الأميرة. كانت تبتسم لي ابتسامةً باردة وهي تقول:
“ما الذي رأيتِه؟”
فانتابني رعبٌ شديد، وسقط جسد الخادمة مِن يدي المرتعشتين بينما تراجعتُ إلى الوراء. وظلّ نظر الأميرة مًثبتًا على يدي المرتجفتين.
ثمّ رسمت شفتاها المُنحنيتان ابتسامةً ناعمة وهي تنظر إليّ، وفي اللحظة التالية صرخت الأميرة وقد أعادت ارتداء قناع الضعف:
“ساعدوني، ألا يوجد أحدٌ هنا؟! هُناك قاتلة!”
وهَكذا، صرتُ في لحظةٍ واحدة المُتّهمة بتعذيب الخادمة حتى الموت.
***
في اليوم التالي، كنتُ واقفةً أمام منزل دوق لوك، أحمل مظلّةً وأرتدي ثيابًا تلقيتُها كهدية مِن متجر الملابس.
‘آه، تناولتُ دواءً لتهدئة التوتر، ومع ذَلك ما زال قلبي يخفقُ بقوّة.’
كنتُ أريدُ رفض دعوة الشاي بذريعة أنّي لا أريدُ العيش في منزل الزوج بعد الزواج، مع أني لًمْ أتزوّج بعد. لكن بما أنّهم أرسلوا لي عربةً خاصّة، فلَمْ يكُن بالإمكان الرفض.
فكّرتُ في مناقشة الأمر مع سيروليان، لكن الدعوة كانت باسمي أنا، لا تخصّه.
أمسكتُ يدي المرتجفتين.
‘لا داعي للتوتّر. أنا لستُ كاتبة الوثائق الجديدة التي كنتُ عليها وقتها.’
كما أنَّ هناك احتمالًا كبيرًا ألّا تتذكّرني الأميرة بارينين.
‘ما كان لي صدمةً عظيمةً قد لا يكون شيئًا يُذكر بالنسبة لها.’
هُناك أشياءٌ تعلّمتُها مع الوقت وأنا أعمل كصحفيّة. مِن بينها أنَّ الأمثال ليست دائمًا صحيحة، فالمقولة التي تقول إنَّ مَن يضرب لا يستطيع النوم ليست حقيقيّة دائمًا، بل العكس هو الصحيح: الضارب ينسى، والمضروب هو مَن يعاني.
وقد يكون الحقد القديم بيني وبين الأميرة بارينين واحدًا مِن تلكَ الحالات. فقد خسرتُ أمّي وعملي بسبب التهمة التي ألصقتها بي، بينما أنا بالنسبة لها قد أكون مجرّد واحدةٍ مِن بين كثيرين دعستهم بلا رحمة.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات