رمشَ سيروليان بعينيه وهو يُحدِّق بالفتاة الواقفة أمامه. كانت حواسّه تتلاشى تدريجيًّا، وبما أنَّها قد اختفت في ذَلك الوقت، فهَذهِ أوّل مرّةٍ منذُ وقتٍ طويل يرى فيها لونًا أحمرَ بهَذا الوضوح.
لم يكُن يعرف لماذا يُحدِّق بالفتاة، أمّا هي، فابتسمت له بخفّة. ثمّ ناولته زهرةً كبيرة حمراء، بلون شعرها تمامًا، وقالت:
“أليس عبيرُ الزهرة جميلًا؟”
“…لستُ متأكّدًا.”
كانت حاسّة الشّم أوّل ما فقدهُ مِن حواسّه.
نظرت إليّه وهي تُميل رأسها باستغراب حين ردّ عليها ببرود، ثمّ أمسكت بيده برفق.
“لستَ متأكّدًا؟ إذًا قرِّبها إلى أنفك، وانظر إلى الزهرة جيّدًا. إن ركّزتَ على لونها، فستندفع إليكَ رائحتها الحُلوة بكلّ قوّتها.”
“لا يُمكن أنْ يحدث ذَلك…”
كان الأمرُ أشبه بالسّحر. في اللحظة التي لامست فيها يدُها ظهرَ يده، انتقل إليه دفءٌ عبر الجلد. كأنَّ الألوانَ عادت فجأةً إلى عالمٍ رماديّ، شعر بدوار هَذا المشهد المتغيّر.
‘أشعرُ بالدّوار.’
حين ترنّح قليلًا، أمسكت بهِ الفتاة. عيناها الخضراوان، بلون البراعم النّابضة بالحياة، كانتا تحدّقان فيه بقلق. وما إنْ التقت نظراتهُ بنظراتها، حتّى اندفع عبير الزهرة كما وصفت تمامًا.
“هل أنتَ بخير؟”
لقد كانت رائحةً حُلوة وساحرة، لم يشتم مثلها في حياتهِ مِن قبل.
***
كان وجهُ سيروليان صارمًا، ونبرة صوتهِ باردة، لكنّ يدهُ التي ضمّ بها الشال كانت دقيقةً ولطيفة. لو لَمْ أكُن في هَذا الموقف، لشعرتُ بنبضات قلبي تتسارع.
أجبتُه، لكنّ اسمه لَمْ يخرج مِن فمي بسهولة، فما زال هناك حاجزٌ في قلبي.
ثمّ إنَّ القضيّة ليست في الأسماء الآن!
“أنا لَمْ أتناول فطوري بعد! ثمّ أنتَ تقول فجأةً بأننا سنذهب إلى مشغل الخياطة؟”
كنتُ أريد أنْ أعرف ما الذي يجري، لكنّه فسّر كلامي حرفيًّا، وأعطاني ردًّا لا علاقة له بالسياق.
“إذًا، لنذهب لتناول الطّعام أوّلًا.”
“هَذا ليس ما أعنيه!”
أمال رأسه قليلًا كأنّه يقول: ‘ما الذي تعنيه إذًا؟’ ثمّ شبك ذراعيه وقال وهو يهزّ كتفيه:
“سنمرّ على مشغل الخياطة فقط لأخذ المقاسات، وقد أعطيتُ تعليماتي مُسبقًا، فلَن يأخذ الأمر وقتًا طويلًا. وخلال ذَلك، سأبحث عن مكانٍ يُقدّم إفطارًا جيّدًا.”
“…..”
ما قصّة هًذا الرّجل بالضّبط؟
‘يبدو أنّه لا يعرف معنى المحادثة الاجتماعيّة.’
هل هو غولم فعلًا؟ ضيّقتُ عينيّ وحدّقتُ فيه، وعندما التقت نظراتُنا، عبسَ وفتح نافذة العربة الجانبيّة.
“آه، وسأفتح النافذة قليلًا. فالرائحة شديدة بالنّسبة لي.”
كانت ملاحظتُه تلكَ مفاجِئة بالنسبة لي، فعبستُ.
“كما في المرّة الماضية… هل هُناك رائحةٌ ما تصدر منّي؟”
كان يتصرّف أحيانًا بغرابة عندما أكون قريبةً منه. ودائمًا ما يتكرّر هَذا التصرّف حين أكون قريبةً منه.
‘حتى في المنزل، ما إنْ خطى خطوةً إلى الداخل حتى قفز مبتعدًا.’
رُبّما لأنّني أقيم في ذلِك المكان منذُ فترة طويلة، فعبق رائحتي فيهِ قويّ، وكان ذَلك يزعجه.
لكن سيروليان هزّ رأسه. وبنبرةٍ هادئة، قدّم تصحيحًا لغويًّا لا علاقة له بالسّياق:
“الأفضل أنْ نقول عبير، لا رائحة. لا ينبغي قول ذَلك لسيّدة.”
نعم، يا أستاذ.
كنتُ أودّ أنْ أسخر، لكنّي تماسكت. إذًا سواء كان عبيرًا أو رائحة، فهناك شيءٌ يصدر منّي على أيِّ حال.
“حسنًا، لنقل عبير. إذًا ما نوع هَذا العبير بالضّبط؟”
“ذَلك…”
بدت عليه الحيرة، ثمّ أجاب بنبرةٍ هادئة:
“لستُ متأكّدًا. عبيرٌ لا يصدر إلا منكِ. لا أعرف كيف أصفه.”
“حقًّا؟ طوال أكثر مِن عشرين عامًا لَمْ أسمع أحدًا يقول إنَّ لدي عبيرًا خاصًّا.”
“…انسَي ما قلتُه، رجاءً.”
“هاه؟”
ما الذي يقصدُه بالضّبط؟
بما أنًّ الأمور وصلت إلى هَذهِ النّقطة، فقد اعتبرتُها فرصةً مناسبة لتنظيم الموقف. شبكتُ ذراعيّ وسألته:
“في النهاية، حدث كما قلتُ أنا. إذًا، هل نحنُ زوجان الآن؟”
“نعم.”
بحسب ما سمعتُه مِن إحدى الصّحفيات في المجتمع الراقي، فقد قيل إنَّ زواجه تأجّل لفترةٍ طويلة.
‘غريب، يبدو هادئًا جدًّا.’
لو أنّه أخيرًا استطاع أنْ يتزوّج بعد عدّة سنوات، فكان عليه أنْ يُبدي بعض الفرح، أليس كذلك؟
‘متى سيتغيّر هَذا الوجه الخالي من التّعبير؟’
بينما كنتُ أتأمّل ملامحهُ الجميلة بحثًا عن أيِّ تغيّر، بدأتُ أُفكّر بأمورٍ غريبة. جمال وجهه كان مشكلةً بحدّ ذاته.
‘لو أنّه واقعٌ تحت لعنةٍ تُجفّف مشاعره، ولَن يزول التجمّد عن وجهه إلا حين يلتقي حبّهُ الحقيقي… يا له مِن أمرٍ رومانسيّ.’
وأنْ يكون ذَلك الوجه الحافل بالوسامة لا يبتسم إلا لامرأةٍ واحدة…
أليس يُقال إنَّ أعظم انتقامٍ هو اللامبالاة؟ رُبّما لَمْ يكُن يقصد، لكن سيروليان كان يُنفّذ أعظم انتقامٍ على الإطلاق.
تخيّلتُ بارينين وهي تقف عاجزة أمام بروده ذاك غير قادرةٍ على الردّ، فشعرتُ بلذّةٍ خفيّة. لَمْ أبخل عليه بالمديح.
“جيّد. مُمتاز. استمرّ في طريقكَ الخاصّ كما هو!”
“تجربةٌ غريبة جدًّا. أشعر وكأنني أُهان رغم أنني أُمدَح.”
“أوه، هَذا مُجرّد وهم!”
بالطبع هو وهم.
حين علمتُ أنَّ سيروليان يتصرّف بهَذهِ الطريقة الباردة مع الجميع، أذاب ذَلك قلبي تمامًا. وعندما خُيّل إليّ أنَّ الأجواء بيننا قد أصبحت أكثر دفئًا -ورُبّما كان هَذا مِن محض خيالي- توقّفت العربة في الوقت المناسب.
“سيّدي، لقد وصلنا.”
بهَذا المزاج، شعرتُ أنّه يُمكنني الانخراط في أيِّ أمرٍ سخيف. نهضتُ من مكاني بحيويّة.
“حسنًا، لنذهب. كما وعدتَ، عليكَ أنْ تضمن لي إفطارًا شهيًّا.”
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 5"