الفصل 4 :
“أرجو أنْ تتفهمي. حتى أنا، لا أشعر بالرّاحة وأنا أقول هَذا الكلام.”
كانت بارينين امرأةً جميلة. شعرها الذهبيّ الشاحب بدا وكأنّه باهتٌ بفعل الماء، وقد انسجم بشكلٍ رائع مع بشرتها البيضاء، مِما أضفى عليها هالةً شفّافة.
قالت وهي تُسدل عينيها بحُزن.
“لكن، بما أنَّ هُناك ضحيّة، لا يُمكننا تجاوز الأمر دوّن أيِّ إجراء.”
“لكن يا صاحبة السموّ…!!”
لم أكُن أنا مَن ارتكب ذَلك! بل أنتِ مَن فعلها!
الاعتراض الذي كدتُ أنْ ألفظه، لم يخرج في النهاية. فقد كانت عيناها الزرقاوان اللامعتان تقولان لي بوضوح:
إنْ حاولت التبرير، فستكونين أنتِ الضحيّة القادمة.
“ومع ذَلك، سأُبدي بعض الرّحمة وأمنع عنكِ العقوبة. لا بُدّ أنَّ لديكِ أسبابًا.”
حتّى النّهاية، لَمْ تفقد بارينين ابتسامتها الرحيمة التي بدت كابتسامة ملاكٍ نزل مِن السماء.
“لا تحزني كثيرًا. فالحياة هَكذا بطبيعتها.”
صوتها العذب، كزقزقة الطيور، ألقى عليّ حقيقةً قاسية.
***
“هاه!”
استيقظتُ فجأةً، وأنا أتصبّب عرقًا باردًا. منظر غرفة المعيشة التي أستطيع إيجاد أشيائي فيها حتى وعيناي مغمضتان، كان أوّل ما وقع عليه بصري.
كنتُ في منزلي، فوق الأريكة.
وحين أدركتُ ذَلك، تنفّستُ الصعداء بعمق.
‘كان حلمًا، إذًا.’
غطّيتُ وجهي بكفّي. لقد فزعتُ بشدّةٍ حتّى أنَّ العرق تراكَمَ في راحة يدي.
‘لم أعتقد أنَّ مجرّد تذكُّري لاسمها سيُربكني إلى هَذا الحدّ.’
بارينين روزا. هي مَن تسبّبت في طردي المُخزي مِن وظيفتي بعد أنْ أصبحتُ كاتبةً رسميّة في القصر الإمبراطوري.
منذ أنْ تحدّثتُ عن بارينين مع سيروليان، وأنا أعاني مِن الكوابيس.
‘نعم، سيكون مِن السخيف أنْ تُنسى بسهولة.’
جمعتُ شعري الطويل المُجعَّد وربطتُه. تذكُّري للأميرة بارينين منذُ الصّباح أفسد مزاجي.
“عليَّط أنْ أشرب الحليب.”
أكبر ترفٍ منحتُه لنفسي بعد فوزي بجائزة أفضل تقريرٍ صحفيّ تلكَ السنة، كان شرب الحليب يوميًّا في الصباح.
شُرب الحليب البارد المُنعش مِن هواء الفجر، وقراءة صحيفة اليوم التي أحضرتُها معي أثناء عودتي مِن العمل. هَذا كان طعم النجاح.
‘آه، لكنني لا أريدُ النّهوض.’
شعرتُ وكأنَّ ظهري ملتصقٌ بالأريكة. رُبما بسبب الإرهاق مِن إنهاء عدد الصحيفة الأسبوعيّة البارحة بصعوبة.
‘لا بأس، فالحليب لذيذٌ أيضًا.’
رُبّما أتمطّى قليلًا على الأريكة.
وحين قلّبتُ جسدي، سُمع صوت طرقٍ شديد على الباب الأماميّ.
‘مَن هناك؟’
في البداية، ظننتُ أنْ الطّرق ليس على بابي، وفي ثانية، اعتقدتُ أنْ سكيرًا ضلّ طريقه.
لكنني نهضتُ مِن مكاني.
‘هل نفذ الحليب المُخصّص للتوصيل اليوم؟!’
لم يكُن هناك مِن سببٍ آخر يجعل أحدًا يزورني في هَذا الوقت المبكر مِن الصّباح.
خشية أنْ أفقد طعم النّجاح فجأةً، هرعتُ لفتح الباب.
“أوه؟”
لكن، ما هَذا؟ رجلٌ طويل يملأ مدخل الباب كان واقفًا أمامي. عيناه الباردتان كالجليد كانتا بارزتين.
“ص، صباح الخير يا صاحب السّموّ، سيد لوك.”
رغم أنَّ الوقت كان مبكّرًا، إلّا أنَّ شعرهُ الذهبيّ كان مُسرّحًا بدقّة نحو الخلف، وقميصه وستراته المرتبّة كانت مشدودةً حتّى عنقه.
‘آه، هل أبدو بمظهرٍ لائق؟ هل أبدو كبشر؟’
مِن المؤكّد أنَّ شعري كان مُنتفخًا بسبب تمرّغي على الأريكة.
ضغطتُ على شعري المُجعَّد بكلتا يديّ دوّن سبب. أمّا هو، فلَمْ يرفّ له جفن عند تحيّتي المرتبكة.
“ناديني سيروليان.”
“آه، لكننا لسنا على هَذا القدر مِن القرب…”
لسنا على علاقةٍ وثيقة لنقول أسماء بعضنا بهَذا الشكل. بالكاد نرى بعضنا للمرة الثانية.
‘آه، لكن، رُبّما يجب أنْ نكون مقرّبين الآن. فنحن كتبنا عقد الخطوبة سويًّا.’
حين فكّرتُ في ذَلك، أدركتُ فجأةً مدى جرأتي في ما فعلت.
عدّلتُ شعري قائلة:
“أممم، دعني فقط أُسرّح شعري أولًا…”
“ما نوع السحر الذي استخدمتِه؟”
قاطعني سيروليان فجأةً. رمشتُ بدهشة.
“ما الذي تتحدّث عنه الآن؟ سحر؟ هل تقصدُ أنَّ شعري فوضويٌّ إلى هَذا الحدّ؟”
“ليس هَذا ما عنيتُه.”
إنْ لم يكُن شعر رأسي هو ما فاجأه، فعمَّ يتحدّثُ إذًا؟
كنتُ أضغط على شعري المُنتفخ مثل لِبؤة، حين أخرج سيروليان ورقةً مِن صدره وفتحها أمامي.
“هل تعلمين ما هَذا؟”
“أليس عقد الخطوبة؟ الذي كتبناهُ معًا الأسبوع الماضي؟”
أشار سيروليان بإصبعهِ المغطّى بالقفّاز إلى الجزء السفليّ مِن الورقة، أسفل اسمهِ مباشرة.
“هل ترين الختم في الأسفل؟”
“نعم.”
الختم الدائريّ الذي طُبع بعد إذابة الشمع.
كان ختم دوق لوك.
“صاحب السّموّ قد وافق على زواجنا.”
قال سيروليان ذَلك بصوتٍ هادئ، حتّى في هَذهِ اللحظة. لذا، استغرقني الأمر قليلًا لفهم مغزى ذَلك الختم.
حين استوعبتُ كلماته ببطء، صفّقتُ بيديّ قائلة:
“آه، إذًا هَذا يعني أنّنا نستطيع أنْ نصبح زوجين رسميًّا الآن! لقد ركضتَ إليّ لأنّكَ كنتَ سعيدًا جدًّا وأردتَ أنْ تريني ذَلك بسرعة، أليس كذلك؟”
“نعم؟”
سألتْهُ سيروليان بدهشة كما لو أنّني لم أصدّق ما سمعت. فركتُ عينيّ بأطراف كمّي وأنا أحدّق في وثيقة الخطوبة بدهشة.
‘دوق لوك وافق؟!’
لَمْ يخطر ببالي أبدًا أنّني سأربح هَذهِ الصفقة. وبينما كنتُ أتفحّص وثيقة الخطوبة ذهابًا وجيئة، عبس سيروليان.
“هل كنتِ على معرفةٍ بسموّه؟”
“لا. في الحقيقة، لَمْ أرَ وجهه مِن قبل قط.”
لو بحثتُ في الصحف القديمة، فقد أجد لهُ صورةً شخصيّة، لكن حتى ذَلك نادرٌ في حالة دوق لوك، لأنّه لا يشارك في أيِّ نشاطٍ علني.
“إذًا لماذا…؟”
تمتمتْ سيروليان بتوتّر، لكن مِن ناحيتي، فقد نجحتُ في المقامرة، فلا سبب لديّ للقلق.
بعد أنْ تأكّدتُ أنّه ليس حُلمًا ولا كذبًا، ابتسمتُ بثقةٍ وقلت:
“إذًا، ستُصبح سيّدًا صغيرًا قريبًا. ما رأيكً؟ كيف هو الشعور عندما تُقابل حاكم الحظ وجهًا لوجه؟”
“لا أعرف عن الحظ، لكنّكِ حاكمةٌ مُغرورة.”
“أوه، أنظروا مَن يتحدّث؟ أنتَ مَن وقف أمام بيتي في وقتٍ مبكر مِن صباح يوم العطلة.”
“…….”
صمت، لكنّني شعرتُ كما لو أنّني أستطيعُ سماع كلماته غير المنطوقة مِن بين شفتيه العنيدتين.
رؤية ذَلك المنظر جعلني أضحك بسخريةٍ خفيفة. ثمّ وضعتُ يديّ على صدري وقلت:
“إذًا، نحنُ سنتزوّج حقًّا الآن، أليس كذلك؟”
“……نعم، لقد فزتِ.”
كان وسيمًا وهو يُخفض نظره ويُقرّ بخسارته، وشعرتُ بنوعٍ مِن الرضا الغريب. أمسكتُ بطرف ردائه وتحدّثتُ بنبرةٍ مرحة:
“ادخلْ إلى الداخل الآن. أنتَ تجذبُ الأنظار كثيرًا. وإذا بقيتَ هَكذا، فسينتشر خبر وقوفكَ أمام باب منزلي في أرجاء العاصمة قبل أنْ ينتصف النهار.”
رغم أنّني جذبتُ طرف كمّه قليلًا جدًّا، إلا أنَّ كتفيه العريضين ارتجفا بشكلٍ واضح.
ابتسمتُ برقةٍ وأنا أُرخِي عينيّ.
“نحن سنتزوّج قريبًا، أليس عليكَ أنْ تعتاد على مثل هَذهِ الأمور؟ شخصٌ يطلب منّي أن أناديه باسمه يجبُ أنْ لا يرتبك لمُجرد لمسةٍ بسيطة.”
“……عذرًا. فقط… كان الأمر مفاجأً جدًّا.”
منذُ آخر مرّة، يبدو أنّه يبدأ بالتفوّه بأشياء غريبة عند أدنى تلامس بيننا. أو لعلّني أتوهم؟
‘صحيح، لقد أتى إلى مقر الصحيفة فقط ليرى أطراف أصابعي في المرة الأولى.’
رُبّما هو مُصابٌ بوسواسٍ مِن النّظافة، خاصّةً وأنّه يرتدي قفّازاتٍ دائمًا. تركتُ طرف ردائهِ واستدرتُ إلى الداخل، ثمّ قلت:
“خذ معكَ زجاجة الحليب تلكَ أيضًا. سأعطيكَ نصفها كمكافأة.”
“لستُ بحاجةٍ لذَلك.”
“لا يجبُ على الضيوف الرفض، يا سيّد لوك. وهَذا الحليب هو طعم نجاحي.”
“نجاح… ماذا؟”
يبدو أنّه لَمْ يفهم كيف يُمكن ربط زجاجة حليب بمعنى النجاح، لكنّني لم أكُن أبحث عن فهمه، لذَلك هززتُ كتفيّ بلا مبالاة.
ثمّ تبعني إلى داخل المنزل. وفجأةً، جسده الكبير تمايل كما لو كان سيسقط.
“أوه!”
“هاه؟ ما بكَ؟”
أمسكتُ بزجاجة الحليب قبل أنْ تسقط على الأرض. كان ممسكًا بإطار الباب ويتنفّس بصعوبةٍ، ووجهه أصبح شاحبًا فجأة.
‘هل يُعاني مِن مرضٍ مُزمن؟!’
إنْ ساءت الأمور، فسأضطرّ إلى دعم هَذا الجسد الضخم وأخذه إلى الطبيب. لكن هل سأستطيع فعل ذَلك؟
تداعَت في رأسي الكثير مِن الأفكار، وأمسكتُ بكتفه المُرتجف. ثمّ نظر إليّ بعينَيه الزرقاوَين كالياقوت وقال بصوتٍ متقطّع:
“لا بأس، أنا بخير. ولكن، ما خططكِ لليوم؟”
ما هَذا السؤال الذي لا يُناسب الوضع على الإطلاق؟
أجبتُه بشكلٍ غريزي وأنا أضغط على جبينهِ المتعرّق بطرف كمّي:
“لا شيء مميز. أنهيتُ تحرير عدد الصحيفة الأسبوعية بالأمس. لكن، أليس عليكَ أنْ ترى الطبيب الآن؟ هل تُريد أنْ ادعمك؟”
“في هَذهِ الحالة، أستأذن.”
“هاه؟”
قبل أنْ أفهم ما يقصده، استعاد أنفاسه وحملني بين ذراعيهِ فجأة.
صرختُ بخفّةٍ وأنا أُحيط عنقهُ بذراعيّ، إذ لم أكُن أتوقّع أنْ أُحتَضَن بأسلوب أميرات القصص على يد مريض!
“كنتُ مستعدًا، لكن…”
ما الذي استعددتُ له أصلًا؟ لَمْ أستطع أنْ أسأله، لأنّني كنتُ مشغولة بالخوف مِن أنْ يُفلتني.
وعندما خرجنا، كان على جانب الطريق عربةٌ تحمل شعار عائلة دوق لوك.
وقف السائق مذهولًا، وأشار إليهِ بإصبعه، ثمّ سارع إلى فتح باب العربة.
أجلسني سيروليان في الداخل ثمّ صعد وجلس في المقعد المُقابل. فتح النافذة وأعطى تعليمات للسائق:
“إلى المكان الذي ذكرتُه سابقًا.”
“أجل.”
هل كان قد حدّد وجهتنا سلفًا؟ تحرّكت العربة بلا تردّد.
كنتُ لا أزال بملابس النوم، ولَمْ أغسل وجهي جيّدًا، والآن أنا داخل العربة في هَذا الوضع؟
سألتُه بدهشةٍ وأنا أُحاول استيعاب ما يحدُث.
“إلى أين نحن ذاهبون؟ إنْ كنتَ ستُقابل الطبيب، فلا بأس بتركي هنا.”
مرّر يده خلال شعرهِ المبعثر مِن تأثير احتضانه لي، ثمّ تمتم بصوتٍ خفيف وهو يعضّ على شفتيه.
“سيُجنّ جنوني.”
ما الأمر؟ ما الذي يُزعجكَ إلى هَذهِ الدرجة؟ أخبرني بدلًا مِن أنْ تُبقِي الأمر لنفسك!
اقتربتُ منه قليلًا وأصغيتُ إليه. لكن بدلًا مِن الإجابة التي توقّعتُها، قال بنبرةٍ جافّة ومهنيّة:
“سأرتّب لقاءً مع سموّه الأسبوع المقبل.”
“الأسبوع المقبل؟!”
كنتُ أظنّ أنَّ الحديث سيأخذ منحًى مثيرًا، فإذا بهِ يُفاجئني بلقاءٍ رسميّ؟ دوق لوك؟!
“أليس هَذا سريعًا جدًّا؟”
لقد حصلنا للتوّ على الموافقة على الزواج، والآن يريد مني أنْ أقابل والد العريس في الأسبوع القادم؟
‘نحن لَمْ نتّفق حتّى بعد! لم نُحدّد كيف سنعيش كزوجين بالعقد، ولا مدّة العقد ولا أيِّ شيء!’
كان لديّ الكثير مِن الأمور التي أريد قولها، لكنّها كانت كثيرةً جدًّا لدرجة أنّني لَمْ أستطع النطق بأيٍّ منها.
بينما كنتُ أفتح فمي بلا صوت، مدّ سيروليان يدهُ ولفّ الشال المعلّق على الكرسي حول كتفيّ.
“إذًا لنذهب أوّلًا.”
إلى أين؟
بدأتُ أدرك للتوّ… أنَّ هَذا الرجل لا يقول سوى ما يُريد قوله فقط!
《 الفصول متقدمة على قناة التيلجرام المثبتة في التعليقات 》
═════• •✠•❀•✠ •═════
الترجمة: فاطمة
حسابي ✿
《واتباد: cynfti 》《انستا: fofolata1 》
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 4"