ارتجفت لورا فجأةً وقد ارتسم التوتر على وجهها، لكن ما لبثت أن أطلقت زفرة ارتياح وهي ترى ابتسامةً مشرقة على محيّا بارينين. ثم انحنت باحترام.
“لا شكر على واجب، صاحبة السمو. هذا أمرٌ كان لا بُدّ من القيام به.”
لكن يبدو أنّ الاطمئنان جاء باكرًا جدًا. فما إن أمسكت بارينين بيدها بإحكام، حتى ابتسمت ابتسامةً ملائكية وقالت:
“في الآونة الأخيرة لم تعودي لاذعةً كما كنتِ. هل جمد لسانكِ؟”
“ذاك…….”
مع أنّ نبرتها بدت لطيفة، إلّا أنّ العتاب كان حادًّا. عندها تجمّد لسان سايجي من جديد. قالت بارينين بلهجة باردة:
“إن فكّرتِ في مستقبل إبنكِ، فعليكِ أن تُحسني أكثر. أليس كذلك؟”
“……بالطبع.”
إلى متى ستظلّ تنجرّ وراءها على هذا النحو؟ لقد انطفأ البريق في عيني لورا شيئًا فَشيئًا.
***
منذ أن قررتُ عقد زواجٍ صوري مع سيروليان، لم أعُد أجد يومًا واحدًا أشعر فيه بالراحة.
عدتُ منهكةً من جديد وألقيتُ جسدي بين ذراعي كاليما كقنديل بحرٍ مترهّل. فانفجرت كاليما ضاحكةً.
“رائع، سيدتي. وكأنكِ بلا عظام.”
“أيُّ شخصٍ يقف أمام الأميرة بارينين سيصير مثلي. لا طاقة لي حتى على الوقوف.”
تمتمتُ بذلك قبل أن يخطر لي سؤال.
“لكن أين كنتِ؟ كنتُ أظنّ أنّكِ سترافقينني إلى متجر الأزياء وتساعديني في اختيار الفساتين.”
“هاها، لستُ الشخص الأنسب لمثل تلك الأماكن. كنتُ أحرس المبنى من الخارج.”
“هممم.”
لو كانت معي لكنتُ قد شعرتُ بأمانٍ أكبر. فكّرتُ في ذلك، ثم عادت صورة بارينين وهي تجرّ وراءها البارونة سايجي كذيل السمكة الذهبية.
‘لا. يجب ألّا أتصرف بتلك الطريقة.’
ما الجدوى من اتخاذ الآخرين درعًا بشريًا؟
‘إذا ارتكبتُ حماقةً فسأكون أنا من فعلها، وإذا جرى الهجوم فسأكون أنا من يتلقّاه.’
أقسمتُ عبثًا أن أكون عادلةً ومستقيمة، لكن جديّتي لم تدم طويلًا. إذ ما لبثتُ أن استسلمتُ للتعب من جديد وتركتُ كاليما تسحبني لأغتسل ثم أرقد في الفراش.
وفي النهاية استيقظتُ مُبكرًا في اليوم التالي. والسبب أنّني لم أُسدِل الستائر قبل النوم.
‘آه، من الأفضل ألّا أفتحها من الأساس.’
يجب أن تظلّ حجرتي غارقةً في الظلام دومًا!
وبينما كنتُ أقاوم أشعة الشمس، تلاشى النوم تمامًا، لكن جسدي لم يطاوعني على النهوض. شعرتُ وكأنني صرتُ قطعة قطنٍ مثقلة بالماء. وضعتُ وجهي في الوسادة وأفكاري شارده.
‘هل ما أعيشه حاليًا يُشبه الرومانسية أم الإثارة؟’
على الأرجح هو أقرب إلى الإثارة. فأنا أعود إلى البيت كل مرةٍ مرتجفة من الخوف ومتجمدة الأطراف.
‘اوف. لكن لا بدّ أن أنهض. لا يُمكنني البقاء ملتصقةً بالفراش هكذا.’
عليّ أن أتأكد أيضًا من أنّ المقال الذي أرسلتُه البارحة قد نُشر.
‘ويبدو أنّه يجب أن أعيد التخطيط لكيفية مواجهة دوقة القصر.’
لقد كانت خصمًا أقوى مِما توقّعت. كنتُ أخمش رأسي بتوتر وأنا أخرج من الغرفة، عندما باغتني أوّلًا عبير الزبدة الذهبي، ثم رائحة النقانق الناضجة، وألوان العصائر المتنوعة.
وعلى الطاولة المُرتبة جلس رجلٌ وسيم يقرأ الصحيفة، رفع بصره إليّ قائلًا:
“صباح الخير.”
كان ضيفًا لم أُدعِه مطلقًا. عقدتُ ذراعيّ وقلتُ بدهشة:
“كيف دخلتَ؟”
أجاب سيروليان بهدوء:
“كاليما هي من فتحت لي. كنتُ بانتظار استيقاظكِ.”
“قصدي…… لِمَ أنتَ هنا في مثل هذا الصباح الباكر؟”
“لأجل أن نتناول الفطور سويًا.”
هل أخطأتُ السمع؟ أم أنّ بصري يخدعني؟
‘لا، الأغرب أنّ الأمر يبدو طبيعيًا جدًا.’
مخيفٌ هو تكيف البشر. ففي البداية كان مجرّد النظر إلى وسامة سيروليان عبئًا يرهقني، أما الآن فلم أعد أرتبك حتى وهو يجلس فجأةً أمامي.
دفعتني كاليما من ظهري قائلة:
“تفضلي بالجلوس يا سيدتي. من الأفضل أن تأكلي قبل أن يبرد الطعام. لقد كان القائد حائرًا بين أن يُوقظكِ أو لا، لكنكِ استيقظتِ في الوقت المناسب.”
رمشتُ بدهشة وأنا أقول:
“هل أنتَ من أحضر هذا يا سيروليان؟”
لا شك أنّه صُدم يومها حين رأى طعام كاليما. وما كدتُ أفرك عينيّ نصف المفتوحتين بكمّي، حتى أضافت كاليما ضاحكة:
“آه يا سيدتي، ما زلتِ نصف نائمة. افتحي عينيكِ جيدًا. لم يحضر الفطور وحسب.”
ماذا أحضر إذن؟ بقرةً مثلًا؟
رفعتُ بصري بفتورٍ لأتفقد المكان، فإذا بي أُصعق.
‘ما هذا كله!’
صناديقٌ لم أرَ مثلها من قبل مكدّسةٌ في كل زاوية، بل حتى على الأريكة وعلى امتداد الجدار. نظرتُ حولي بارتباك.
“سيروليان، ما كل هذا؟”
أنا نفسي صُدمت من تغيّر ملامح منزلي الذي عشتُ فيه لسنوات، أما هو فقد ردّ ببرود:
“لنتناول الطعام أولًا يا إيديل. الشاي من زهرة الكركديه التي تحبينها.”
“انتظر. من أين تعرفُ أنني أحب الكركديه؟ لا، لا. ليس هذا موضوعنا. أسألك ما كل هذا؟”
“الحساء يفقد طعمه إن برد. وكذلك الكركديه.”
“هل ستُواصل المراوغة هكذا؟ ما قصّة هذه الصناديق والناس؟!”
كم من الأشياء جلبوا إلى البيت وأنا نائمة؟ ضحكت كاليما بمرحٍ وقالت:
“لا تُبالغي في الدهشة. ما زال هناك الكثير من الطلبات لم تصل بعد. كلها طلبياتٌ مُخصّصة. ستصل تباعًا قريبًا.”
“ماذا؟! هناك طلباتٌ أخرى؟!”
وضعتُ يدي على جبيني وحدّقتُ في سيروليان.
“منزلي سينفجر بهذه الوتيرة.”
“ذلك مستحيل.”
“أنا جادةٌ تمامًا.”
أيعقل أنهم يظنّون أنّني أعيش في قصرٍ ضخم؟ بينما كاليما نفسها تضطر لنصب خيمةٍ في الحديقة لعدم وجود غرفٍ كافية!
رفعت كاليما كتفيها وردّت بمرح:
“سأبذل جهدي لترتيب كل شيء يا سيدتي الصغيرة.”
كدتُ أعترض، لكنني آثرت الصمت، فالطلبات لم تصل بعد ومع ذلك يُبالغون في الشراء.
أرهقني التوتر حتى أحسستُ بالجوع. جلستُ أتناول الطعام وسألتُ سيروليان.
“ولأيِّ غرضٍ أتيتَ اليوم؟”
“هناك أمرٌ مهم.”
“ما هو؟”
رأيتُ ملامحه تزداد جدّية، فوضعتُ الشوكة وأصغيت. قال بوجهٍ متين:
“إنه تدريب الرقص.”
“ماذا؟ الرقص؟”
كدتُ لا أصدّق أذني.
**&
لكن تبيّن أنّه لا يمزح. ففي حفلات زفاف هذا البلد، من التقاليد أن يرقص العروسان معًا رقصةً واحدة قبل مغادرتهما!
‘لقد انتهيت. الرقص؟ حقًا؟’
أنا حتى لا أُجيد التدحرج للأمام. حتى الثامنة من عمري كنتُ أسقط من السرير باستمرار.
لكن لا سبيل سوى أن أتعلم رقصةً واحدةً بسرعة ليُقام الزفاف بشكلٍ لائق.
وبما أنّ منزلنا ضيّق ولا يصلح للحركة على وقع الموسيقى، اتجهنا في النهاية إلى قصر الدوق لوك.
“اليوم تصادف أن الدوقة في القصر الإمبراطوري، لذا لا داعي للشعور بالحرج.”
طمأنني سيروليان فتنفستُ الصعداء.
دخلنا القصر، وشعرتُ بنظرات الخدم يختلسون النظر نحوي بارتباك.
‘لا يزالون في حيرةٍ من كيفية التعامل معي.’
وأظنّني كنتُ سأكون مثلهم لو كنتُ مكانهم.
على أيّ حال، دخلنا غرفةً واسعة بها بيانو. توقعت أن يعزف أحدهم بينما نتمرّن، لكن بدلًا من ذلك وُجد جهاز موسيقي يُشغَّل بلفّ مفتاح زنبركي.
‘يُشبه صندوق موسيقى ضخم.’
راقبته بفضول لكنني لم ألمسه خشية أن أفسده.
‘لا يُمكن أن أفضح عجز جسدي أمام خصومي!’
وبينما كان سيروليان يُجرّب الجهاز سألني:
“هل لديكِ معرفةٌ برقصات السهرات؟”
حتى اللفظ نفسه غريبٌ عني. احمرّ وجهي وأجبت بابتسامةٍ مرتبكة:
“الرقصة الوحيدة التي أعرفها هي رقصة الباتيكايك بولكا. ومع ذلك فأنا أُجيدها بالكاد.”
“بولكا؟”
“نعم! ألم ترقصها في صغرك؟ في الساحات مثلًا.”
أمال رأسه متعجّبًا. شعرتُ بالغيظ فضربتُ صدري بقبضتي. أيُّ إنسان في الإمبراطورية يعرفها!
لم أجد بُدًّا من رفع تنورتي قليلًا وإظهار مثال:
“ترقص هكذا قفزًا، ثم هكذا قفزًا آخر.”
إنها رقصةٌ بسيطة يُمسك فيها الرجل والمرأة بأيديهم ويقفزان معًا أربع مرّات.
والسبب في شيوعها أنّها الرقصة الرئيسية في مهرجان عيد الحصاد الخريفي، حيث تُرقص في الساحات أسبوعًا كاملًا.
‘آه، ربما النبلاء لا يعرفونها؟ لكن لا بد أنهم رأوها ولو مرة.’
لكن إن كان قد حبس نفسه في القصر، فقد لا يعرفها فعلًا. تسلّلت أنظاري إليه. كان على وجهه تعبيرٌ غريب، كأنه اكتشف شيئًا كان قد نسيه.
“سيروليان؟”
لوّحتُ أمامه بيدي، فانتبه فجأةً وتنحنح.
“……على أيّ حال، لا يمكننا الرقص بالبولكا في الزفاف. فلنبدأ بتعلم رقصة الفالس.”
كما توقعت، لم يكن مقبولًا الرقص بالبولكا. أطرقتُ برأسي بحزن، ثم اتبعتُ إرشاداته.
“ضعي يدكِ هنا على كفّي، واسحبي جسدكِ بهذا القدر.”
وهنا واجهتُ المشكلة. فالفالس يتطلب التصاقًا أكبر مِما تخيلت.
‘يا إلهي! لو انحنيتُ قليلًا فسيمسّ جبيني صدره.’
حتى من وراء القميص الرقيق شعرتُ بنبض قلبه. وعندما أحاطت كفّه بجانبي من الخلف، لم أتمالك نفسي فتراجعت.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 25"