قضمت بارينين أظفارها. كانت تعلم أنّ أظفارها المنسَّقة برفق ستتلف، لكنّها لم تستطع كبح قلقها.
“وفوق ذلك، ذلك المِشبك الذي علَّقته على شعرها…….”
لم يكن في الحقيقة مِشبك شعر، بل جوهرةً ضخمة زيَّنت رأسها.
لقد كان بالتأكيد الياقوت الأصفر الذي توسَّلت بارينين مرارًا للحصول عليه. إنّه كنز العائلة الذي تحتفظ به سيّدات دوقيّة لوك جيلًا بعد جيل. لكنّ الدوق كان قد دفعها عنه بتبرُّم.
“صاحبة السمو، لقد قلتُ إنّي لا أريد منكِ شيئًا. فلا تطلبي منّي شيئًا أنتِ كذلك.”
ما زال صوت دوق لوك البارد يرنّ في أذنيها بوضوح. لم يكن ذلك مجرّد كلامِ فارغ. فهو حقًّا لم يُبدِ أيّ اكتراثٍ حتّى لو اصطدمت بارينين بسيروليان مرارًا.
كان ذلك التراخي من الدوق هو الذي سمح لها بأن تبدأ تدريجيًّا في الطمع.
إن سار كلّ شيء على هذا النحو، فكلّ شيء سيكون على ما يرام. فزواجها لم يكُن عن حبّ على أيّ حال، لذا ستعيش حياتها كما تشاء.
لكنّ تلك الجوهرة ظهرت فجأةً أمامها. فقبضت بارينين على أسنانها بغضب.
‘لم أتخيّل أنّها ستكون مع سيروليان.’
حتّى حين طلبتها لتعزيز مكانتها كسيّدة الدوقيّة، رُفِض طلبها. فما سبب أنّها الآن تلمع على رأس إيديل أزيان؟ لا شكّ أنّ الرجل هو الذي أذن بذلك.
بول لوك.
ذلك الرجل الذي لم يُبدِ يومًا أدنى اهتمام، سواء شبّ حريقٌ في بيته أو اجتاحه فيضان، لماذا الآن يُظهر تأييدًا علنيًّا لسيروليان؟
‘لا أفهم ما الذي يُفكّر فيه.’
كلّ الظروف كانت توحي وكأنّ قلب دوق لوك قد مال إلى سايروليان.
‘لكن حين يُقابله وجهًا لوجه، يبدو باردًا متجهّمًا.’
حتى على مائدة الطعام، وبالنظر إلى تعابيره الفاترة، لم يكن يبدو أنّ هناك تغييراتٍ كبيرة بينهما.
‘لو كان يريد حقًّا دعمه، لما أرسل إليه امرأة مثل إيديل أزيان.’
فما الجدوى من ربطه بامرأةٍ من العامّة لا تُثير سوى أعصابها؟ بل على العكس، بدا أنّ ما يجمع إيديل أزيان بسيروليان ليس أمرًا عاديًّا.
‘إلى درجة أنّه تحدّث عن إعادة التحقيق. متى كان يهتمّ كثيرًا بشؤون الآخرين؟’
أيًّا كان الأمر، فكلّه فوضى.
ارتعشت أصابع بارينين وهي تسترجع مشهد طاولة العشاء. حدّقت في الأرض وتمتمت:
“بسبب تلك المرأة التافهة لا بدّ لي أن أعاني هذا العذاب…….”
وبينما كانت بارينين تهذي كما لو كانت مخمورة، شبكت السيدة سايجي يديها بقوّة.
ثمّ التفتت بارينين فجأةً ببصرها إلى ابنها تشارلز.
“تشارلز.”
ارتجفت عينا الطفل ذي الشعر الذهبي الذي كان واقفًا بجوار السيدة سايجي، واتّسعتا بدهشة.
اقتربت بارينين وأمسكت كتفَيه بشدّة حتى غاصت أصابعها في جلده.
“لهذا يجب أن تُصبح أعظم. حين ترث اللقب، يجب أن تكون مهيبًا، قويًّا، بحيث لا يجرؤ أحد على معارضتك…….”
“أم، أمي.”
امتلأت عيناه الكبيرتان بالدموع، وارتسم الشحوب على وجهه. حدّقت بارينين في ابنها بنظرةٍ باردة.
“امسح دموعك في الحال. يجب أن تكون ثابتًا وهادئًا مثل الدوق. حينها فقط ستقدر على مواجهة الوحش المخيف، لوار.”
“أ، أنا لا أستطيع…….”
كيف يُمكنه كبح دموعه وهي تنهمر بالفعل؟ أراد أن يردّ بتلقائيّة، لكن حين التقى ببرود نظرة أمّه، وضع يديه على فمه ليسدّه.
مرّرت بارينين أصابعها على وجه تشارلز الممتلئ.
“لماذا وجهك ممتلئٌ هكذا؟ يجب أن تبدو أكثر رشاقةً ومرونة. والدك كان…….”
وفجأةً أمسكت بمزهريةٍ قريبة ورمتها.
‘تحطّم!’
مع صوت تحطم المزهرية، انكمش تشارلز خوفًا. ابتسمت بارينين قائلة:
“من الأفضل أن تُقلّل طعامك. وسنزيد وقت دروس السيف.”
“…….”
غطّى تشارلز بطنه بكلتا يديه خوفًا من أن تصدر منه قَرْقَرة.
فقط لو نزل الدرج، لكان وجد الحساء الدافئ وشرائح اللحم المشوي بانتظاره. مجرد أن ينزل الدرج فقط.
لكنّه كان يعرف أنّ دوق لوك لم يُبدِ يومًا أيّ اهتمامٍ به. ولو دخل قاعة الطعام فجأة، فلن يلتفت إليه الدوق ولو قيد أنملة.
“……نعم.”
ومع ذلك، لم ينزل الدرج. لأنّه أراد أن يكون ابنًا مطيعًا لأمّه.
“طفلٌ مطيع.”
ابتسمت بارينين ابتسامةً مشرقة وهي ترى ابنها يردّ بجمال. عاد وجهها إلى هدوئه المعتاد. خرجت من غرفتها، قرعت الجرس فهرعت الخادمات.
فتحت الباب عمدًا لتُسمِع الجميع، ثم التفتت إلى السيدة لورا، زوجة البارون سايجي، وقالت مبتسمةً بعينيها:
“يا لورا، مهما بلغ قلقكِ عليّ، كيف لكِ أن تكسري الأغراض وتبعثري الغرفة هكذا؟ يجب أن تعرفي كيف تُخفين غضبكِ.”
تحوّلت أنظار الخادمات اللواتي قدمن للتنظيف إلى لورا. فحرّكت الأخيرة فكّها المتجمّد وقالت:
“……غضبتُ فحسب. حقًّا، لقد بالغ الدوق. كيف له أن يُعامل صاحبة السمو هكذا؟”
فأصبحت لورا هي من يتحمّل وزر ما فعلته بارينين. فانحنت برأسها.
ذلك كان سبيلها الوحيد للبقاء.
***
بعد عودتي من دوقيّة لوك، لم أستطع مقاومة النوم العميق الذي أثقل جسدي.
منذ أن ركبنا العربة عائدين إلى المنزل، لم أقدر على كبح النعاس.
كنت أترنّح برأسي، أسمع أصواتًا متردّدة تقترب وتبتعد.
“ماذا أفعل؟”
“لا تقلق. سأهتمّ أنا بإعداد الفراش للصغيرة.”
كان صوت سيروليان وكاليما. ولأنّهما أصواتٌ مألوفة، استسلمتُ مجددًا للنعاس.
قد يبدو غريبًا أن يمنحني صوت أناسٍ لم أعرفهم منذ فترةٍ طويلة شعورًا بالطمأنينة، لكنّهما بالفعل كانا يمنحاني ذلك.
وفيما كنتُ أترنّح من جديد، غُطّيتُ ببطّانية دافئة.
‘آه، لكنّي لستُ بردانة. يا لها من بطّانيةٍ ناعمة. كم هي مريحة.’
المكان الذي كنتُ أتكئ عليه كان دافئًا أكثر من اللازم، لكن لم أستطع دفع البطّانية.
…… دافئ؟ على ماذا أتكئ إذن؟
‘يجب أن أفتح عيني، لكن لا أستطيع.’
كان الأمر كأنّ خيطًا يُقيّدني قد انقطع. لا أنا نائمةٌ تمامًا، ولا أنا مستيقظة.
حينها، واصلت كاليما الحديث:
“كلام السيّدة صائب. فالصالونات تفتعل الأمور من العدم. الأمر قد يتحوّل إلى مشكلةٍ كبرى.”
كانت تشير إلى ما قلتُه من أنّه ينبغي ألّا نطلب إعادة التحقيق وننتظر.
ثم تابع بنبرة حازمة:
“لكن بما أنّه أمر يخصّ قصر الأميرة، فذلك يسهل التحقّق منه. دعوه لي.”
“أشكرك.”
“بل أنا من يجب أن يشكرك. فأنا دائمًا…….”
لكنّه أسقط آخر عباراته، وسكت الاثنان.
حتى في سباتي، شعرت بالضيق وتمتمت في داخلي:
‘هذا ظلم! أخبروني أيضًا! أنا المعنيّة بالأمر، ولي الحقّ أن أعرف!’
كان ذهني مشغولًا، لكن جسدي لم يطاوعني. يبدو أنّني قد توتّرت على مائدة العشاء أكثر مِمّا ظننت.
وصلني صوت سيروليان متقطّعًا:
“إذن التحقيق…… لا بدّ أنّه متعلّق…….”
آه، لا شكّ أنّه عنّي.
لكن ذاكرتي توقّفت عند ذلك. وغرقت من جديد في وديان النوم.
ثمّ شعرت بكفّ كبيرة تربّت برفق على كتفي.
“نامي براحة.”
كان صوته العميق ناعمًا على نحوٍ جعل أذني ترتجف من الرطوبة.
***
جلس دوق لوك بلا حراك يحدّق من نافذته. في الخارج، كان البستان مضاءً بمصابيح صغيرة.
“إيديل أزيان.”
رغم البعد، إلّا أنّ عينيه الزرقاوين أبصرتا كلّ تفاصيلها بوضوح: الشعر الأحمر المصفّف، الرقبة الرشيقة، الكتفين.
وكانت الجوهرة الصفراء تتلألأ على شعرها. عندها، غاصت عيناه العميقتان كالبحر في ظلمة أثقل.
تمتم الدوق بصوت منخفض:
“……رؤيتها تجعلني أشعر بالقرف.”
ارتسمت في ذهنه بوضوح صورة المرأة التي امتلكت تلك الجوهرة قديمًا.
كانت تملك شعرًا قصيرًا أشقر يلامس الأذن. وعينين كبيرتين خضراوين بلا جفون مزدوجة. جسدها صغير البنية، رقيق العظام، لكن ممتلئ الملامح. كانت امرأة جميلة.
ابتسمت له يومًا وقالت:
“بول.”
وكان كلّما سمع صوتها، أحاطت به رائحة زهورٍ عذبة تكاد تذيبه.
بعصبيّة، بعثر شعره بيديه. ما أرهق الذاكرة أنّها تُستثار من أيّ إحساسٍ مشابه. كما لو أنّ أدراجًا ممتلئةً بالفوضى انفتحت فجأةً دفعة واحدة.
لوى شفتيه بامتعاض. على خلاف ما قاله سيروليان أنّه نسي مكان الجوهرة، كان الدوق يذكر بوضوح أين وضعها.
“لم أتخيّل أنّ سيروليان سيُهديها إلى أحدٍ آخر.”
لقد كان يعرف تمامًا معنى تلك الجوهرة. ومع ذلك، أعطاها لسيروليان لسببٍ واحد.
‘كي يُخفيها عن الأعين.’
كان يعرف سيروليان جيّدًا. فهو من طينته ذاتها.
‘كنتُ على يقين أنّه لن يُقيم علاقةً مع أحد أبدًا.’
فما لم يكن له محبوب، فلن يمنح تلك الجوهرة لأيٍّ كان. وكان الدوق يعرف أنّ سيروليان رجلٌ بارد، بعيدٌ عن الحبّ.
لذا سلّمه إيّاها مطمئنًّا أنّها ستبقى مُختفيةً إلى الأبد.
‘لكن لم أتوقّع أن أصادفها من جديد على هذا النحو المزعج.’
تألّقت الجوهرة الصفراء أمامه كأنّها تتفاخر بقيمتها، تجذبه رغم انزعاجه.
أطال النظر من النافذة، ثم جاءه طرقٌ من الخارج. أذن بالدخول بإشارةٍ على مكتبه.
دخل الخادم مطأطئ الرأس.
“سيّدي.”
فهم الدوق على الفور أنّ أمرًا ما وقع. فنهض ببطء من مكانه.
سأله الخادم وهو يُناول معطفه:
“هل أستدعي الشابّ؟”
“دَعْه.”
وبينما يُدخل ذراعه في كمّ المعطف، أعاد عينيه إلى الخارج. كان سيروليان يرافق إيديل في جولةٍ بالحديقة.
شدّ قفّازه الأسود بيده وأدار رأسه قائلًا:
“أين المكان؟”
“القطاع الرابع عشر. السير بوتنشا يُواجههم الآن.”
“هكذا إذن.”
ثمّ خطا الدوق بخطواتٍ واسعة. اجتاحه شعورٌ لا يدري إن كان غضبًا أم سخطًا.
“لأوّل مرّةٍ منذ زمن، أرغب في تحطيم كلّ شيء.”
ثمّ اتّسعت عيناه بدهشة.
مشاعرٌ جياشة كهذه؟ لم يشعر بها منذ سنواتٍ طويلة.
تجمّد لحظة، ثم مسح وجهه براحة يده.
‘……هذا ليس حسنًا.’
كان الأمر سيّئًا حقًّا.
═════• •✠•❀•✠ •═════
الترجمة: فاطمة
《 الفصول متقدمة على قناة التيلجرام المثبتة في التعليقات 》
حسابي ✿《انستا: fofolata1 》
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 21"