الفصل 19 :
عند كلام بارينين، ارتفع حاجب الدوق الحادّ قليلًا. ثمّ سألها بصوتٍ يحمل رهبة:
“وماذا إذًا؟”
“أشعر بالاستياء لأنّني أُستثنى بوضوح من إجراءات خطبة سيروليان مؤخرًا. أنا أتفهّم أنك لا تعتبرني والدته الحقيقيّة، لكن أرجو ألّا تحرمني من حقي في التدخّل بصفتي زوجة الدوق.”
رغم أنِّ نبرتها كانت واضحة، إلّا أنّها تحدّثت بعينين منكسرتين وبأسلوبٍ حزينٍ لدرجة أنّها كانت لتزرع الشعور بالذنب حتى فيمن لا يملكه.
ولم يَخلُ الأمر، إذ نظر من حولها إليها بنظراتٍ مشفقة.
أما الدوق، فقد كان يُحدّق بها دون أيِّ تعبيرٍ على وجهه.
“سيروليان راشدٌ بالفعل، وله الحقّ في أن يقرّر زواجه بنفسه.”
“لكنّ الزواج أمرٌ يخصّ العائلة. أرجو أن تعترف بأنَّ اتخاذ قرارٍ بهذه الأهميّة دون إعلامي مُسبقًا أمرٌ مجحف.”
حتى أنا، وأنا التي تعرف حقيقة شخصيّة بارينين، شعرتُ بنبرة صوتها وهي تقول ذلك مليئةً بالأسى.
ظلّ الدوق مُتجاهلًا أياها، لكن صوته عندما ردّ عليها كان قد لان قليلًا.
“……وما الدور الذي تريدين أن تقومي به إذًا؟ هل تريدين أن تُشرفي على مراسم الزفاف بنفسكِ؟”
كنتُ ما زلتُ أحدّق في طبقي حين سمعتُ فجأة.
“لو كنتُ قد تدخّلتُ كوالدةٍ لسيروليان، لما تمّ هذا الزواج من الأساس.”
ثمّ التفتت فجأةً وحدّقت بي.
“هل تعلم أنِّ هذه المرأة حاولت قتل خادمتي في القصر الملكي قبل سنوات؟”
شهقتُ بصمت عند هذا الهجوم المفاجئ والصريح.
***
دوّى صوت بارينين في القاعة، وساد الصمت في غرفة الطعام.
‘لم أكن أظنّ أنّها ستتجرّأ على إثارة تلك القضية أمام الجميع.’
كنتُ أعتقد أنّها لن تفتح هذا الموضوع لأنه سيجرّ الفضيحة عليها أيضًا.
‘أنا حاولتُ قتلها؟ وهي نفسها من لفّق لي تلك التهمة!’
‘والآن تتجرّأ على ذكرها؟ ما هذه الوقاحة؟’
كانت يداي ترتجفان من الغضب، لكنّني كنتُ أعلم أنَّ الانفجار والغضب هو بالضبط ما تنتظره بارينين منّي، لذا تنفّستُ بعمق ورددتُ ببرود.
“تلك كانت تهمةً زائفة.”
ابتسمت بارينين بخفّة، وكأنّها تشفق عليّ.
“من الطبيعي أن تقولي ذلك.”
“لستُ أقولها عبثًا. لم أُعاقب على تلك الحادثة حينها، وهذا دليلٌ على براءتي.”
“لم تكن هناك أدلّةٌ كافية، لكن هذا لا يعني أنَّ الشكوك لم تكن موجودة.”
كانت كلماتها مستفزّة. عندما لا توجد أدلّة، فهذا يعني البراءة، أليس كذلك؟
لكنّها قالتها وكأنّني كنتُ المجرمة حقًا، فقط لأنّهم لم يتمكّنوا من القبض عليّ.
كنتُ على وشك الردّ عليها بعصبيّة، حين رفعت إصبعها ونقرت بخفّة على الطاولة.
“لنُكمل الحديث أثناء تناول الطعام. الحساء سيبرد.”
وُضِع أمامي طبق الحساء والسلطة. أردتُ أن أرمي الطبق في وجهها.
‘هل تظنّين أن الطعام سيُبتلع في هذا الجو؟’
كنت أغلي من الداخل، وعندها تحدّث سيروليان ببرود.
“لماذا تذكرين أمورًا غير مؤكّدة؟”
رفعت بارينين الملعقة وقالت بنبرةٍ راقية.
“حتى لو لم تكن مؤكّدة، فعلى الدوق أن يعرف. وأنت، بصفتكَ الابن الأكبر لعائلة لوك، من الطبيعي أن تخضع زوجتكَ لفحصٍ دقيق.”
ثمّ أنزلت عينيها بأسى وقالت:
“بل يجب أن تشكرني على طرح هذه القضية الآن. لو لم أكن أعتبر سيروليان كأبني، لما أثرتُ هذه المسألة الآن. لو أُثيرت بعد الزواج، لكانت ستكون فضيحةً كارثيّة.”
سكت سيروليان عند منطقها المرتّب.
ثمّ التفتت إليّ ونظرت إليّ بعطفٍ زائف.
“الأمر نفسه ينطبق عليكِ يا آنسة أزيان، لا تأخذي كلامي على محملٍ شخصي. فلو تزوجتِ وانضممتِ إلى المجتمع الراقي، لكنتِ قد سمعته على أيِّ حال. بل قد يكون هناك من يستعدّ لنشره كمقال.”
ومن ذا غيرها يمكنه فعل ذلك؟ عضضتُ على شفتي من الغيظ.
وهنا، تحدّث الدوق أخيرًا.
“هذا النقاش لن ينتهي أبدًا. من الأفضل أن نطلب سجلات الحادثة من البلاط الملكي ونتحقّق منها.”
لكنّ بارينين أمسكت بيده بسرعة.
“أرجوك لا تفعل، سموّك. ماذا لو تمّ العثور على دليلٍ حاسم؟ لا يمكننا المخاطرة بإثارة فضيحة، حتى لو قرّر الطرفان الانفصال.”
حاولت أن تغلق فمي بالقوّة سابقًا، أمّا الآن فهي تريد دفعي للخروج دون أن تلوّث نفسها.
بل وحتى كلماتها كانت توحي أنّني المذنبة، دون أن تقولها صراحة.
‘كيف يمكن للإنسان أن يكون بهذا الخبث؟’
شعرتُ وكأنّني أمام شيطانٍ حقيقي.
وبينما أنا قابضةٌ على يدي بقوّة حتى نزف الجلد، التقى نظري بعيني الدوق الزرقاوين الصارمتين.
“هل أنتِ متأكّدة أنِّ لا علاقة لكِ بالأمر؟”
رغم برود وجهه، شعرتُ بدعمه في تلك اللحظة.
أومأتُ برأسي بقوّة.
“نعم. لقد مررتُ بالصدفة من مكان الحادث وكنتُ أول من رآه. لكنّ حرس البلاط، بسبب فشلهم في القبض على الجاني، ألصقوا التهمة بي. ومع أنَّ لديّ دليلُّ براءة، لم يستطيعوا القبض عليّ.”
وأخيرًا، قلتُ ما كنتُ أرغب في قوله لسنوات.
“أتمنّى من كلّ قلبي أن تُكشف الحقيقة، لأنّني فقدتُ أشياء كثيرة بسبب تلك التهمة.”
كنتُ أنظر في عيني الدوق، معبّرةً عن إصراري الداخلي.
ظلّ ينظر إليّ بصمت، حتى قاطعنا صوت سيروليان.
“دعني أتولّى الأمر، يا صاحب السمو.”
كانت لهجته غاضبةً بعض الشيء. حتى الدوق لاحظ ذلك.
“هذه أوّل مرّةٍ أراك متحمّسًا لأمرٍ ما.”
ثمّ هزّ رأسه وقال:
“لكن لا فائدة من التورّط في الشائعات. دعك من الأمر.”
“لكن يا صاحب السمو…”
ثمّ انحنى سيروليان وقال:
“إذًا، فدعني أطلب إعادة التحقيق من حرس البلاط الملكي. لأنّني أثق بإيديل.”
كان هذا موقفًا أقوى من مجرّد طلب السجلات.
فوجئت، لكنّ بارينين كانت الأشدّ وقعًا عليها ذلك القرار.
تحدثت وهي تحاول إخفاء اضطرابها.
“فكّري جيدًا، يا آنسة أزيان. ماذا لو انتهى الأمر بكارثةٍ لا يمكن التراجع عنها؟”
‘يبدو أنّها تُخبّئ شيئًا…’
كارثة لا يمكن التراجع عنها؟ لقد فقدتُ أمّي. لا شيء يمكن أن يكون أسوأ من ذلك.
“بل هذا ما أودّ قوله لكِ، يا سمو الدوقة.”
رفعتُ رأسي وتحدّثتُ بجرأة.
“هل تستطيعين أن تُغطّي السماء براحة يدكِ؟ الحقيقة ستظهر، ولو بعد حين.”
أتعلمين؟ من يطيل الكذب، لا بدّ أن يُفضَح في النهاية.
***
لم يكن الجوّ مناسبًا للطعام، لكنّني أجبرتُ نفسي على الأكل كي لا يقال لاحقًا إنّني غادرتُ بلا سبب.
‘آه، لا أعرف حتى طعم هذا الطعام.’
رغم أنّه لا شكّ لذيذ، إلّا أنِّ التوتّر جعل فمي وكأنّه يمضغ التراب.
بينما كنتُ أعبث بطبق الطعام، جذبت انتباهي يدٌ صغيرة ممتلئة، أمامي مباشرةً. كانت يد الطفل تشارلز.
أمام الجميع كان يوجد طبق حساء كريمي لذيذ، إلا أنَّ تشارلز لم يكن أمامه سوى السلطة، وبعض الطماطم الكرزيّة.
‘لم يأكل سوى السلطة؟ لا يمكنه الحفاظ على خدوده الممتلئة بهذا فقط!’
ذلك الوجه المستدير لا يُحافظ عليه إلا بالأطعمة المغذّية!
‘هل يعاني من حساسيةٍ تجاه الحليب؟’
كنتُ أراقبه بفضول عندما وقفت بارينين فجأة.
“تعبتُ من التحدّث مع الغرباء. سأصعد إلى غرفتي.”
“أه… أها؟”
تزامن ذلك مع وضع شريحة ستيك صغيرة أمام تشارلز. أمسك بالشوكة وهمّ بالأكل، لكنه نظر إلى بارينين متردّدًا، ثمّ نظر إلى طبقه.
‘كان ما يزال جائعًا! وجهه يُظهر كم كان متعلّقًا بالطعام!’
لم أكن أتوهّم؛ لقد بدا فعلاً وكأنّه على وشك البكاء من الحُزن.
لكنّه في النهاية، ترك الطعام وتبعها خارج غرفة الطعام.
أما أنا، فكنتُ أرغب في مغادرة الطاولة فورًا، لكنّني نظرتُ إلى الدوق الذي لم يتحرّك.
‘لا يمكنني المغادرة ما دام لم يغادر.’
وما إن انتهيتُ من الأكل، ذهبتُ إلى الحديقة وجلستُ على أحد المقاعد.
‘الهواء البارد أنعشني قليلًا.’
كانت كاليما قد طلبت أن ترافقني، لكنّي لم أرد أن أُزعجها وهي تتناول طعامها.
‘من صمّم الحديقة؟ عمله مذهل. تنسيق الألوان والزهور مثالي!’
وبينما كنتُ أُسرّح في الأزهار، سمعتُ صوتًا هادئًا خلفي:
“هل أنتِ بخير؟”
“آه، سيروليان.”
تقدّم وجلس إلى جواري، فابتسمتُ قليلًا وقلت:
“لقد تلقيتُ ضربةً قويّة، لكن بفضلك هدأت الأمور. لو لم تذكر فكرة إعادة التحقيق، لكانت بارينين ستُطالب بإلغاء الزواج وتُبعدني.”
وبينما كنتُ أسترجع الأحداث، أدركتُ السبب الحقيقي خلف حديث بارينين المفاجئ.
لقد كانت تُخطّط لإلغاء الزواج من الأساس.
《 الفصول متقدمة على قناة التيلجرام المثبتة في التعليقات 》
═════• •✠•❀•✠ •═════
الترجمة: فاطمة
حسابي ✿
《واتباد: cynfti 》《انستا: fofolata1 》
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
كيم مين ها البالغة من العمر 20 عامًا ، طالبة جامعية عادية. من السخف أن تستيقظ في عالم مختلف تمامًا بعد حادث مفاجئ … ‘لماذا جاءني رجل وسيم للغاية بوجه غاضب ، وأعطاني أوراق الطلاق؟’ “ما الذي تتحدث عنه أيها الرجل الوسيم؟ لم ألتقِ بك من قبل ، ناهيك عن الزواج بك ، لماذا تعطيني...مواصلة القراءة →
كيم مين ها البالغة من العمر 20 عامًا ، طالبة جامعية عادية. من السخف أن تستيقظ في عالم مختلف تمامًا بعد حادث مفاجئ … ‘لماذا...
التعليقات لهذا الفصل " 19"