الفصل 16 :
كانت بارينين تشاهد صحيفة الفضائح التي أحضرتها الخادمة بعينين باردتين. في العادة، لم تكن تقرأ هذه الصحف الرخيصة التي يقرأها عامة الشعب، لكن اليوم لم يكن لديها خيار.
[عاجل! السيد سيروليان لوك، العد التنازلي للزواج!]
كان هذا العنوان يحتل الصفحة الأولى من صحيفةٍ تُدعى تيوكاسل تايمز. حتى اسم هذه الصحيفة لم يكن غريبًا عليها. فكلّ شيءٍ كان يصبّ في اسمٍ واحد.
تلألأت عينا بارينين ببرود.
‘إيديل أزيان.’
كانت إيديل أزيان بالنسبة إلى بارينين كلوحةٍ فاشلة. لوحةٌ لا تريد أن يراها أحد، فتمزّقها وتلقي بها في سلّة المهملات، لكنها تظهر مجددًا، وكأنَّ شيئًا لم يكن.
‘يا لها من علاقةٍ مشؤومة. كان يجب أن أتخلّص منها تمامًا في ذلك الوقت.’
لم تكن تملك دليلًا حاسمًا حينها، لذلك لم تستطع إنهاء الأمر، لكنها لم تتخيّل أبدًا أنها ستعود كعقبةٍ في طريقها.
لقد كان خطأها أنها لم تُعر الأمر اهتمامًا لأن دوق لوك وسيروليان لم يعترضا عليها صراحة. لم يسعَ أيٌّ منهما للزواج طوال الوقت، فلماذا فجأةً وافق الدوق على عقد الزواج ووضع ختم العائلة عليه؟
‘أن يتّخذ قرار الزواج دون كلمةٍ واحدة؟’
كان هذا تجاهلًا واضحًا للدوقة، لكن دوق لوك لم يكن من النوع الذي يهتمّ إذا كانت زوجته الشابة ترتجف من الإهانة.
‘… ومع ذلك، من الأفضل أن أُوجّه تحذيرًا.’
فلو لم تفعل، فسيتمادى في أفعاله إلى النهاية.
نهضت بارينين من مكانها. فقامت البارونة سايجي، رفيقتها المقرّبة، بالتهويل نيابة عنها.
“أليس هذا جهلًا مطلقًا؟ لعائلة الدوق مقامها، فكيف لهم أن ينشروا مقالًا في الصحف دون حتى استئذان؟”
“قرارٌ ماكر.”
كانت تقصد ذلك بصدق. فبعد أن نُشر الخبر في صحيفةٍ رسمية عن عقد الزواج المعتمد، إن تمّ إلغاء الزواج، فماذا سيظنّ الناس؟
‘ما لم يُلصق بإيديل أزيان فضيحةٌ قذرة، فكلّ السهام ستوجَّه إليّ.’
ربما أيضًا انقلب الرأي العام ضدّها بسبب إدراج شرط الزواج في معايير وراثة لقب الدوق.
‘كان من المفترض أن يُثبت تشارلز أنه يملك موهبةً تؤهله ليُصبح فارسًا قريبًا.’
لكن تشارلز لم يكن قد تجاوز الخامسة بعد. حتى وإن كان عبقريًّا، فسنّه لم يكن مناسبًا لإظهار موهبته.
‘كنت أظنّ أنّه لا يهمّه إن كان الوريث هو تشارلز أو سيروليان. لقد تهاونتُ.’
كان طعم فمها مُرًّا. فلطالما كانت بارعةً في نصب الفخاخ، أما الوقوع فيها بنفسها فكان أمرًا نادرًا.
راقبت البارونة سايجي تعابير وجه بارينين ثم فتحت الباب بدلًا منها، وهي تغرقها بكلماتٍ حلوة كالسكّر.
“حتى لو حاول جاهدًا، فلن يستطيع هزيمة تشارلز، أليس كذلك؟ مجرد تخيّل وجهه وهو يُطرد دون أن يرث اللقب، يضحكني.”
“… بالطبع، سأحرص على أن يدفع الجميع الثمن المناسب.”
همست بارينين بصوتٍ منخفض، فارتعشت البارونة سايجي فجأةً وارتسمت على وجهها ابتسامةٌ باهتة.
“بالتأكيد، بالتأكيد.”
عندما شاهدت بارينين انحناءة البارونة الذليلة، ابتسمت بصدق.
كانت تُحبّ الأشخاص الذين يعرفون مكانهم، ولا يجرؤون حتى على التفكير في التمرّد.
كان وجهها وهي تبتسم يبدو كوجه ملاك. مما جعل وجه البارونة سايجي المرتبك يبدو أكثر كآبة.
رفعت بارينين ذقنها بخفّةّ وسارت بخطى هادئة وهي تقول:
“يجب أن أزور الدوق.”
“إنّه الآن يدخل من الباب الرئيسي، يا سيدتي.”
“حسنًا، تزامنٌ جيّد.”
بإمكانها الحديث عن زفاف سيروليان بطريقةٍ طبيعية أثناء الترحيب به.
وحين وصلت بارينين إلى مدخل القصر، كان رجُل ذو شعرٍ مجعد أحمر يتدلّى على عينيه يدخل، يتلقّى التحية من الخادم.
كان يبعث بهيبةٍ تجعل مِن الاقتراب منه أمرًا مهيبًا. إنّه دوق لوك.
“أهلاً بعودتك، سموّك.”
خرجت الدوقة بابتسامةٍ زاهية لاستقباله، لكنّه لم يُلقِ عليها نظرةً واحدة، بل أدار رأسه مباشرة.
اقتربت بارينين منه بابتسامةّ ملائكية.
“هل أنت مشغول؟ إن لم تكن كذلك، فهل ترغب في تناول الشاي سويًا بعد غيابٍ طويل؟”
“ذلك غير ممكن.”
“… مشغول؟”
“ليس بالضبط، لكنّي لا أرغب في شرب الشاي.”
“..…”
ابتسمت بارينين ابتسامةً مرسومة دون أن تنبس ببنت شفة. لقد واجهت هذا البرود مرارًا، لكنها لم تعتَد عليه أبدًا.
لكن اليوم، كان هناك شيءٌ عليها أن تقوله.
اقتربت منه من جديد بحميمية.
“لديّ أمرٌ مهم أودّ مناقشته.”
في تلك اللحظة، همّت لتتشبّث بذراعه، لكنه صدّ يدها بقسوة.
“..…!”
اتّسعت عينا بارينين. بدا وكأنَّ تصرّفه كان غريزيًا لحماية شيءّ ثمين، حتى هو بدا للحظةٍ متجمّدًا.
وكانت بيده رسالةٌ وردية اللون. مغلّفٌ لا يختاره سوى النساء.
حاولت بارينين أن تُخفي انزعاجها بابتسامةٍ مصطنعة.
“هل أخفتكَ؟ ما تلك الرسالة يا تُرى…؟”
“سأذهب الآن.”
دار الدوق وابتعد وكأنّه ريحٌ باردة تهبّ في المكان. ولم تشعر بارينين بأيِّ جرحٍ هذه المرّة.
‘أجل. هكذا أنت.’
شخصٌ لا يبالي ولا يُبدي أدنى اهتمامٍ بأيِّ أحد.
‘حتى موافقته على الزواج من إيديل أزيان كانت لمجرّد أنّ سيروليان طلب منه.’
يا للعجب، كم يتشابهان! رؤية تعابير وجههما الباردة فقط، كان ذلك يكفي ليقشعرّ بدنها.
‘سنرى إلى متى ستبقى بهذا الجمود.’
وبينما كانت تُخفي خلف وجهها الملائكي أفكارًا قاتمة، توقّف الدوق أثناء سيره وتحدّث إلى كبير الخدم. كان صوته باردًا وخالٍ من أيِّ مشاعر.
“سيأتي سيروليان وخطيبته لتناول العشاء هذا المساء. حضّروا كلّ شيء كما ينبغي.”
“عذرًا؟”
ارتبك كبير الخدم من كلام الدوق. خطيبة سيروليان؟ متى خُطبَ السيّد سيروليان؟
لكنّ الدوق لم يكن من النوع الذي يُفسّر.
“لا أُريد أن يُنقِص شيءٌ من الضيافة.”
“ن-نعم، سيدي!”
قال ما يريد ورحل مجددًا. وبينما كانت بارينين تحدّق به بصمت، نادته بصوتٍ عالٍ.
“انتظر، سموّك!”
فأدار رأسه فقط دون أن يتوقّف. فسألته بارينين بصوتٍ مرتجف.
“هل قلتَ إنَّ سيروليان سيحضُر مع خطيبته؟”
حدّق بها بلا تعبير، ثم استدار قائلًا وكأنَّ الأمر لا يستحقّ التوضيح.
“لا شأن لكِ بذلك.”
“..…”
كان وجهه عديم الملامح إلى حدّ أنّها لم تستطع حتى أن تتوسّل إليه. ارتعشت كتفاها برقة.
وكانت البارونة سايجي، التي شهدت كلّ ما حدث، ترتجف وهي تناديها.
“س-سمو الدوقة…”
لكن بارينين بقيت واقفةً بلا حراك. ثمّ مسحت زوايا عينيها بكُمّها، وقالت بنبرةٍ حزينة.
“كم هذا مفاجئ، أليس كذلك؟ تُراه لا يزال غاضبًا منّي؟”
وبينما سالت دموع لؤلؤية من عينيها، بدا مشهدها وكأنّه لوحةٌ فنية. جميع الخدم في المكان هرعوا لمواساتها.
“لا يمكن أن يكون كذلك، سيدتي.”
“لا تحزني. سموّ الدوق فقط لا يُجيد التعبير، لكنّه يُقدّركِ في أعماقه.”
ابتسمت بارينين ابتسامةً مشرقة بعينين دامعتين.
“أجل، لا بدّ أنه كذلك، أليس كذلك؟ حتى وإن لم يُخبرني شيئًا عن زواجه…”
“يا لها من سيدةٍ مسكينة.”
وبينما الجميع يتأثّرون، أمسكت البارونة سايجي يديها ببعضهما. كانت تعلم الحقيقة، لذا كان قلبها ينبض بشدّة في قلق.
***
في البداية، بدا أنَّ الحذر من كاليما لا داعي له، فقد كانت تملك مهارةً مدهشة. كنتُ أثق في قدرتي على التنكّر كوني صحفيّةً متخصّصة بالتسلّل، لكن تصفيف الشعر والمكياج الخفيف الذي قامت به كاليما جعلاني أشعر وكأنّني أنظر إلى شخصٍ جديد في المرآة.
وبعد أن زيّنت شعري بحجر ياقوت أصفر بحجم القبضة، جلبه سيروليان، كان مظهري مذهلًا حتى بالنسبة لي. ابتسمتُ بعينين مبهورتين وأنا أُثني على مهارتها.
“رائع! حقًا موهبتكِ رائعة! كأنّكِ ساحرة!”
مسحت كاليما أنفها بخفّة.
“حسنًا، قبل أن أصبح فارسة، كنتُ أشارك في الأنشطة الاجتماعية أيضًا.”
اتّسعت عيناي بدهشة.
“أأنتِ فارسة؟”
“نعم، لكنّي استقلت. أنا الآن مرتزقة.”
“استقلتِ؟ لكنه عملٌ جيّد…”
في الأساس، عدد النساء الفارسات قليلٌ جدًّا. لا بدّ أنَّ طريقها كان صعبًا لتصل إلى هناك.
لم أُخفِ دهشتي، فابتسمت كاليما ابتسامةٍ شقيّة.
“لأنّهم لم يُرَقّوني. كان ذلك مقرفًا.”
اتّسعت عيناي مجددًا من صراحتها ولهجتها الساخرة. ويبدو أنَّ في قلبها الكثير، لأنّها واصلت الحديث دون أن أسأل.
“حتى المشاركة في مهمّة تنظيف الوحوش، ولو كدعم، لم تكن سهلة. لكنّ أولئك الحمقى ذوي العقول المتحجّرة لم يُفكّروا أبدًا في ترقيتي. تمنّيت لو أرميهم ليكونوا وجبة للوحوش! على أيَّ حال، أنهم مقرفون…”
“كاليما.”
قاطعها سيروليان بصوتٍ صارم، فابتسمت بخجل وهي تحكّ رأسها.
“آه، أكانت كلماتي جارحةً للسيدة؟”
جارحة؟ على العكس!
“لا! أبدًا! لقد كنتِ رائعة!”
امرأةٌ فارسة، وتُجيد دعم مهمّات القضاء على الوحوش؟! هذا نادرٌ جدًّا، كأنّني أرى وحيد القرن الأسطوري أمامي وهو يحمرّ خجلًا.
‘لن أُفوّتكِ أبدًا!’
أمسكتُ بذراع كاليما بكلتا يديّ، وتحدّثتُ بحماسةٍ مثل طفلة تتوسّل.
“أرجوكِ، احكي لي قصصًا مِن أيّامكِ كفارسة! أخبريني عن المهامّ المذهلة، أو الزملاء الغريبين. أيُّ شيءٍ تريدين!”
كنتُ آمل أن تذكر شيئًا عن الوحوش أيضًا. فرصةٌ لقتل عصفورين بحجر واحد جعلتني أتحمّس بشدّة.
لكن كاليما عبست قليلًا وهي تقول:
“أغلبها قصصٌ دموية.”
“هذا لا بأس به!”
أومأتُ برأسي بسرعة. فقالت كاليما بصوتٍ فيه القليل من المكر.
“ماذا عن القائد؟”
قائد؟ تقصد سيروليان لوك؟
أيُّ نوعٍ من الفضول يفترض أن أشعر به تجاهه؟ تمتمتُ ببرود:
“آه، لا يهمّني كثيرًا. سيروليان سيكون بخير، كما هو متوقّع.”
انفجرت كاليما ضاحكةً بصوتٍ عالٍ، ثمّ نظرت نحو سيروليان بنظرةٍ ساخرة وقالت:
“ستتزوّج شخصًا ممتعًا، أيّها القائد.”
“…..”
لم يُجب سيروليان. عدتُ لأنظر إلى انعكاسي في المرآة التي كانت كاليما تحملها.
كان التصميم الذي يُظهر فتحة الصدر الواسعة، والأكمام المنتفخة، لا يزال غريبًا عليّ بعض الشيء.
“ما رأيك؟ هل أبدو جيّدة؟”
“…..”
لكن من كان عليه أن يُجيب — سيروليان — ظلّ صامتًا.
نظرتُ إليه ورفعتُ حاجبيّ وأنا أوبّخه:
“في مواقفٍ كهذه، عليك أن تقول: ‘تبدين رائعة’.”
فأجاب بصوته الجاف:
“لستُ مِمَن يُجيد المجاملات.”
ضحكتُ رغمًا عنّي.
“لا يمكن التعامل معك! على الأقلّ، عليك أن تكون مرشدي اليوم، لأنّني لستُ معتادةً على هذه الأمور، مفهوم؟”
“متوقع.”
كان ردّه الفوري واثقًا، مِمّا جعلني أطمئن.
وفي تلك اللحظة بالضبط، انحنى سيروليان نحو أذني، وهمس بصوتٍ منخفض:
“وأنتِ اليوم… فاتنة.”
“..…!”
احمرّ وجهي فورًا، ورفعتُ يديّ لتغطية أذنيّ.
وللمرّة الأولى، رأيتُ بوضوح.
رأيتُ تلك الابتسامة الباهتة التي ظهرت على شفتي سيروليان واختفت سريعًا.
‘لقد ابتسم… حقًّا!’
لِمَ يبتسم؟ عبستُ خجَلًا ونفختُ وجنتيّ.
لكنّني لم أُدرك أنِّ شفتيّ أيضًا ارتسمت عليهما ابتسامةٌ خفيفة.
《 الفصول متقدمة على قناة التيلجرام المثبتة في التعليقات 》
═════• •✠•❀•✠ •═════
الترجمة: فاطمة
حسابي ✿
《واتباد: cynfti 》《انستا: fofolata1 》
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 16"