الفصل 12 :
وكانت نيّة سيروليان تتطابق تمامًا مع أفكاري. أومأ برأسه بسهولة.
“إن ظهرتِ وأنتِ ترتدين هذا، فستشعر الدوقة بخيبة أملٍ كبيرة.”
بل هل ستكون فقط خيبة أمل؟ ستنهار من شدّة ارتفاع ضغط دمها!
تمتمتُ وأنا أضحك بخفّة.
“……وجهكَ كوجه ملاك، لكن شخصيتكَ سيّئةٌ حقًا.”
“تملكين موهبةً نادرة في جعل المديح يبدو كإهانة.”
ضيّق سيروليان عينيه.
“لنكن صريحين. لا بدّ أنكِ تخيّلتِ وجه الدوقة وهي تغلي من الغيظ، أليس كذلك؟”
“يبدو أنَّ هذا ما يُسمّى بالتوأم الروحي.”
يقولون إنَّ الزوجين يتشاركان في القلب والتفكير. لم نتزوّج رسميًّا بعد، لكن أفكارنا متطابقةٌ إلى هذا الحد؟ لا بدّ أننا مناسبَين لبعضنا.
قلت ذلك وانتظرت أن يردّ عليّ سيروليان ساخرًا، على اعتبار أنَّ زواجنا مجرد زواج عقد، ولا مجال للكلام عن توأم الروح.
“…….”
لكنّه أغلق الصندوق من جديد دون أن يُبدي أيَّ ردّ فعل.
تصرّفه ذاك أشعرني بالإحباط.
‘كنتُ أُريد أن أرى منه ردود فعلٍ أكثر، ضحك، عبوس، أيُّ شيء…’
اللحظة الوحيدة التي أراه فيها يتأثّر فعلًا، هي حين تلمس يدي يده.
‘رائحتي هي فقط ما تُثيره؟ هذا مُحزن حقًا.’
أخرجتُ تنهيدة من أنفي، بينما ما زالت صورة اللون الأصفر الفاقع تلمع أمام عينيّ.
أسندتُ ذقني على يدي وسألته:
“في الحقيقة، كنتُ أُبالغ بالكلام أمام الدوقة فقط… لكن الآن بدأتُ أتساءل، هل يحبني الدوق فعلًا؟”
رفع سيروليان عينيه إليّ، وكأنّه لا يفهم ما أقول. فهززتُ كتفي بلا مبالاة.
“شخصٌ لم يكن يهتمّ بأيِّ شيء، يوقّع فجأةً على عقد خطوبةٍ دوّن أن تعلم الدوقة؟ غريب، أليس كذلك؟”
نظر سيروليان إلى الصندوق أمامه بتعبير لا مبالٍ.
“ربّما.”
وجهه البارد ذاك يوحي أنَّ إجابتي خاطئة.
إذًا لماذا وافق فجأةً على هذا الزواج؟ حاولتُ أن أُخمّن سببًا معقولًا.
“هل لأنني من العامة، فظنّ أن عليه دعمي بهذا الشكل لأتمكّن من مواجهة الدوقة؟”
لكن لو كان الأمر كذلك، لما اختارني أصلًا.
‘آه، مهما فكّرت، لا أجد جوابًا مقنعًا.’
لا أعرف الكثير عن دوق لوك، لذا لا يمكنني التوصّل إلى استنتاجٍ واضح.
وبينما أنا أُفكّر، وقف سيروليان وأجاب:
“إنّه ليس من النوع الذي يُفكّر كثيرًا. هو شخصٌ لا يهتمّ بأحد، ويتعامل مع الجميع ببرود تام.”
“لكنّه يقوم الآن بأشياء لم يكن يفعلها من قبل.”
“هذا لأن…”
ظهر على وجه سيروليان شيءٌ مِن الارتباك، ثمّ اختفى بسرعة.
كان واضحًا من تعابير وجهه أنّه هو أيضًا لا يعرف الإجابة، وإن كان فضوله كبيرًا.
ثم قال بنبرة جامدة:
“مهما كان السبب، فأنا لستُ السبب.”
“هممم.”
إذًا، لماذا وافق دوق لوك على زواجي من سيروليان؟ كلّما فكّرتُ بالأمر، ازداد غموضًا.
***
رمق سيروليان إيديل بنظرةٍ سريعة. وجهها المائل بخفّة وهي تُسنِد ذقنها بيدها بدا لطيفًا على نحوٍ غريب.
‘……لطيفًا؟’
تفاجأ سيروليان بنفسه من هذا الوصف الذي خطر له فجأة.
لم يسبق له أن شعر بأيِّ عاطفةٍ تجاه أحد. منذ أن دخل منزل الدوق، لم يشعر بخذلان من الدوق، ولم يكره الدوقة، بل لم تكن لديه مشاعرٌ تجاه أحد أصلًا.
لكنّ إيديل كانت مختلفة. منذ البداية، كانت وحدها مميّزة.
‘هل هذا مجرد وهم؟ لكن رائحتها العطرة تزداد شدّةً مع الوقت.’
حين لمسها أول مرّة، كاد يفقد توازنه من شدّة المفاجأة.
لكن كلّما زادت لمسته لها، قلّ النفور، وزادت شدّة الأحاسيس.
‘لماذا؟’
استنشق عبير الورود الكثيف بهدوء، حين التفتت إليه إيديل وابتسمت قائلة:
“سيروليان.”
“……!!”
لم تفعل شيئًا سوى مناداته باسمه بابتسامة، ومع ذلك شعر بوخزٍ عميق في صدره.
‘إنّها مميّزة.’
هل بسبب أنّه التقاها في طفولته؟ أم أنَّ هذا يرجع إلى طبيعتها؟ لا يعلم، لكن ما يعرفه أنّها مختلفةٌ عن الجميع.
بينما كان يُحدّق بتجاعيد شعرها المموّج، راودته فكرةٌ مفاجئة.
‘ماذا لو كان الدوق أيضًا يعرف بهذه الميزة فيها؟’
كان سيروليان يظنّ أنَّ السبب في عدم اهتمام الدوق به هو أنّه لم يطلب منه شيئًا، على عكس بارينين.
لكن ماذا لو كان يعرف مدى تميّز إيديل؟ ولهذا السبب يُعاملها بلين؟
‘هذا… لا يُعجبني.’
تملّكه شعورٌ جديد، غريب، ولم يفهم سببه.
هل ما أزعجه هو أنَّ الدوق يعرفها؟ أم أنّها ليست مميّزةً لديه وحده؟
لم يكن معتادًا على هذه المشاعر، لذا لم يستطع التوصّل إلى إجابة.
كلّ ما شعر به هو اضطرابٌ داخليّ لا يُحتمل.
وقف سيروليان من مكانه.
“من الأفضل أن أعود الآن.”
كان بحاجةٍ إلى بعض الوقت ليرتّب أفكاره.
***
في عربة العودة إلى المنزل، رمقتُ الرجل الجالس مقابلي بطرف عينيّ.
‘ما باله فجأة؟’
سيروليان كان صامتًا، يُحدّق فقط إلى الخارج. وجهه دائمًا خالٍ من التعبير، لكنّي بدأتُ أُدرك القليل من حالته النفسيّة.
‘مزاجه انقلب فجأة.’
لكنّي لا أزال أجهل السبب. أمالتُ رأسي بحيرةٍ.
‘هل أتخيّل؟’
لكنّه بالكاد تكلّم منذ قليل.
نظرتُ إليه خلسة. أردتُ في البداية معرفة حالته، لكنّ لاحظتُ بريق شعره الذهبي تحت ضوء الشمس المتسلل عبر النافذة.
ثم أنفه الحادّ كأنّه يُمكن أن يجرح ورقة، وعيناه الباردتان اللتان تبدوان حزينتين في الوقت نفسه.
على صدره، كانت هناك شارةٌ سوداء لامعة بشكل سيف. عضضتُ شفتي.
‘شارة صائد الـ لوار.’
قلّةٌ مَن يستطيعون التقدّم إلى خطوط الأماميّة للقتال ضدّ اللوار، وسيروليان أحدهم.
شعرتُ أنَّ هذه اللحظة هي ما كنتُ أنتظرها حين اقترحتُ زواج العقد.
فمالت رأسي وسألتُ كأنّي أتحدّث بشكلٍ عابر:
“أرى أنّك ترتدي الشارة دائمًا. هل ستُوصلني ثم تعود إلى العمل؟”
هزّ رأسه.
“أنا في إجازةٍ حاليًّا.”
“هاه؟ إجازة؟”
“إنّه قرارٌ مصيري في حياتي. لا يُمكنني الاستمرار في العمل وكأنَّ شيئًا لم يحدث.”
“……؟”
هل تغيّرت كلماتُه؟ من قال إنَّ العمل أمرٌ تافه؟
‘هل هناك مَن يعمل براحة؟’
حتى لو كنتَ تُحبّ عملك، يبقى العمل عملًا.
ثمّ، هل قال إنّه في إجازةٍ بسبب الزواج؟
“هل حقًّا أخذتَ إجازةٍ لأجل الزواج؟”
أومأ سيروليان وكأنَّ الأمر طبيعيّ.
‘أوف، هذا لا يُناسبه. إجازة زواج؟’
لكن، تذكّرت أنّني أنا أيضًا طلبتُ إجازة… على أيِّ حال، لا يبدو أنّنا متشابهان.
عقد ذراعيه وأجاب:
“رغم أنّني في إجازة، قد أُستدعى في أيِّ لحظة. لا أرتدي الشارة بفخر، بل من باب الاحتياط.”
“لتكون جاهزًا للطوارئ؟”
“بالضبط.”
إجابته كانت مهنيّةً إلى حدٍّ بعيد، لكنّ وجهه كان خاليًا من أيِّ انفعال. وكأنَّ الأمر لا علاقة له بالجدّية.
“هل هذا بسبب طبيعة اللوار؟”
هذه المرّة، بقي صامتًا. حدّق في وجهي، ثم أجاب ببطء:
“……لستُ متأكدًا.”
إذا كنتَ ستُجيب بهذه البساطة، فلِمَ كلّ هذا التأمّل؟
رغبتُ في الإمساك بياقته وهزّه ليردّ بوضوح، لكنّ تعبيره لم يُشجّعني.
عضضتُ شفتي منتظرةً فرصةً أخرى.
ضممتُ صندوق الياقوت الأصفر إلى صدري وبقيتُ صامتة.
بينما كانت المناظر تمرّ من نافذة العربة، شعرتُ بالكثير من الأفكار تتلاطم بداخلي.
لكن من بين كلّ شيء، بقي اسمٌ واحد فقط عالقًا في ذهني:
‘الأميرة بارينين.’
المرأة التي ما زالت تذكرني، وتكرهني، وتريد إيقاعي في المتاعب.
‘لن أسمح لها هذه المرّة.’
شدّدتُ قبضتي على الصندوق ورفعتُ رأسي.
ثمّ قلت بنبرةٍ حازمة:
“هل يُمكننا التوقّف في مكانٍ آخر قبل العودة للمنزل؟”
“أين؟”
“في الواقع…”
مكان المعركة ضدّ بارينين. وأين تكون معركة الصحفيين؟
“إلى مكتب صحيفتنا.”
سأُقاتل بالقلم.
***
كان الوقت قد تجاوز وقت نهاية الدوام منذ مدّة، ولم يبقَ في المكتب سوى رئيس التحرير.
رمقني انا وسيروليان بنظراتٍ مُرتبكة.
“ما الذي يحدث؟ ومن هذا الذي معك؟”
“تشرفتُ باللقاء مجددًا.”
“يا إلهي، الشرف لي!”
انحنى رئيس التحرير 90 درجة أمام سيروليان، ثمّ همس لي:
“لكن، لماذا أنتما معًا؟”
“رئيس التحرير، لديّ أمرٌ عاجل. فلندخل أوّلًا.”
أساس الصحافة هو السريّة. دخلنا نحن الثلاثة إلى غرفة صغيرةٍ، وأقفلتُ الباب بإحكام.
الغرفة كانت مليئةً بالغبار، ضيّقة، بالكاد تتّسع لنا.
قطّب سيروليان حاجبيه وسأل:
“ما هذه الغرفة؟”
“غرفة الأرشيف. أليست قذرة؟ الجميع يستخدمها لكن لا أحد ينظّف، بمَن فيهم أنا.”
ضربني رئيس التحرير بمرفقه وكأنّه يلومني على صراحتي.
على كلّ حال، وقفنا متقابلين. قلت وأنا أضع يدي على خصري:
“قلتُ إنّي سأأخذ إجازةً لأنّي سأتزوّج، صحيح؟”
“نعم، قلتِ.”
“هذا هو خطيبي.”
“……ماذا؟”
فتح رئيس التحرير فمه مذهولًا.
ثمّ بدأ يتخبّط بذراعيه من شدّة الارتباك.
“م-م-مهلًا! يجب أن نُجري مقابلة!”
رفعتُ كفّي وأجبته بنبرةٍ باردة.
“لكنّي لم أُعطِ صحيفة <نيوكاسل تايمز> الحق الحصري بعد.”
“ماذا؟”
تابعتُ كلامي ببطء وثقة:
“أتيتُ اليوم للتفاوض بشأن تلك النقطة. الحق الحصري لنشر أخبار زواجنا. لا أحتاج أن أُخبرك كم تساوي هذه الصفقة، أليس كذلك؟”
“ب-بالتأكيد. كم تريدين؟ شيك مفتوح؟”
يداه كانتا ترتجفان. شيك مفتوح؟ مُغري.
لكنّي لم آتِ لأجل المال.
“سأُحدّد المبلغ بعقلانيّة. الأهمّ ليس المال بل الشرط التالي.”
ثمّ نطقتُ بوضوح تامّ:
“أن تنشروا كلّ كلمةٍ أُقدّمها كما هي، دون حذف أو تحريف، مهما كان معناها أو الضغط الخارجي. هذا هو شرطي.”
《 الفصول متقدمة على قناة التيلجرام المثبتة في التعليقات 》
═════• •✠•❀•✠ •═════
الترجمة: فاطمة
حسابي ✿
《واتباد: cynfti 》《انستا: fofolata1 》
التعليقات لهذا الفصل " 12"