الفصل 11 :
في تلكَ اللحظة، نهض سيروليان ببطء مٍن مقعده. ثمّ اقترب منّي، ومدّ يده بأناقة وطبيعيّة كما لو كان يقوم بأمر بديهيّ يجب عليه فعله.
عندما وضعتُ يدي على راحة يده، نطق بقسمٍ بصوتٍ هادئ.
“أقسم بشرفي وحياتي، أنْ أحميكِ. يا آنسة إيديل.”
كانت هَذهِ أوّل مرّةٍ يناديني فيها رجل بـ آنسة .
لو كان يفعل ذَلك عمدًا لإثارة قلبي، لوددت أنْ أمنحه عشرَ درجاتٍ مِن أصل عشرة.
حدّقتُ بالرجل الوسيم أمامي بعينين مرتجفتين.
‘هل يُعقل أنْ لا يكون إنسانًا، بل حاكمًا وسيمًا؟ إذا خمّنتُ حقيقته، فهل سيبتسم قائلًا: “في الواقع، كنتُ أعبث بكِ مُتنكرًا في هيئة سيروليان لوك”؟’
كان وسيمًا إلى هَذا الحد.
رغم أنَّ علاقتي بهِ لا تتعدّى كونها عقدًا، ورغم أنّه لا يُحبّني، وأنَّ كلّ ما أريدهُ هو الحصول على ما أطمح إليه، إلّا أنَّ قلبي كان يخفق بشدّة.
“آنسة إيديل؟”
مال برأسه قليلًا وهو ينظر إليّ لعدم ردّي، فاحمرّ وجهي بخفة.
‘حتى لو كان كذبًا، فلا بأس.’
حتى وإنْ كان هَذا مجرّد تمثيليّةٍ عابرة، أو زيفًا كاملًا.
‘سأبذل قصارى جهدي.’
ابتسمتُ بخجلٍ وأجبت:
“هَذا يُشعرني ببعض الإحراج.”
وبينما أفكّر بذَلك، غيّرتُ اتجاه يدي الموضوعة على راحة يده لأمسكها بيدي الأخرى.
كانت راحة يدهِ الصّلبة ساخنة لدرجة أنّها كادت تحرقني. هززتها بثبات وأضفتُ:
“أرجو أنْ نعمل سويًّا بشكلٍ جيد مِن الآن فصاعدًا، يا سيد لوك.”
رمش سيروليان بعينيهِ عند كلامي. تساءلت عن السبب، لكنه بصوتٍ منخفض صحّح طريقتي في مناداته:
“ناديني سيروليان، أليس هِذا ما قلتِه جيّدًا منذ قليل؟”
“آه، كنتُ متوترةً للغاية آنذاك.”
شعرتُ بحرارةٍ تشتعل في وجهي. يبدو أنَّ سيروليان هو الآخر تذكّر تلكَ اللحظة.
ابتسم بخفة.
‘آه؟ ابتسم؟!’
رغم أنَّ تلك الابتسامة اختفت في طرفة عين، إلّا أنّني رأيتُها بوضوح.
كانت ابتسامةً حقيقيّة.
***
على أيِّ حال، بفضل قَسَم سيروليان المُفاجئ، هدأ قلبي واستقرّ. فتحتُ شفتيّ ببطء:
“أه… سيروليان.”
عندما ناديتُه، مال الشاب الوسيم الجالس أمامي وهو يمسك بفنجان الشاي برأسه قليلًا.
كانت شفتاه مغلقتين بعناد، ونظرته الباردة توحي باللا مبالاة، ولكنّها لًمْ تبدُ باردةً كما كانت سابقًا.
‘رُبّما لأنّني اعتدتُ عليه إلى هَذا الحدّ.’
على أيِّ حال، يبدو أنّني قد قمتُ بجميع ما يتوجّب فعله اليوم في منزل دوق لوك.
وضعتُ الفنجان الفارغ جانبًا، وحرّكتُ شفتيّ قائلة:
“سأذهب الآن إذًا…”
لكن قبل أنْ أُكمل كلامي، فتح سيروليان فمه أولًا.
“بما أنّكِ هدأتِ كثيرًا، هل يُمكنني الآن أنْ أُدخل ما يجب أنْ أُحضّره لكِ؟”
“نعم؟ ماذا تقصد؟”
“أقصد السيف الذي ينبغي عليَّ أنْ أُقدّمه لكِ.”
“أنتَ فارسٌ حقيقي ولا تحمل سيفًا، إذًا لا بدّ أنّكَ تتحدّث مجازًا.”
كنتُ أعلم أنّني وسيروليان سنُواجه العدوّ نفسه. إنّها الدوقة بارينين روزا، زوجة دوق لوك.
لكن ما هو السلاح الذي يُمكنني استخدامه ضدّها؟
‘هل يمكن أنْ يكون معلومات؟’
“أه، سيروليان. هل تُوجد نقاط ضعفٍ تخصّ الدوقة لا يعرفها سوى أفراد الدوقيّة المقرّبين؟”
“عفوًا؟”
أدركتُ أنَّ هَذا هو الأمر الذي أبحث عنه، فمددتُ يدي إلى جيب صدري بحركةٍ اعتياديّة، ثمّ تذكّرتُ أنّ يدي خالية الآن، فطلبتُ مِن سيروليان:
“هل يمكنكَ إعطائي قلمًا ومفكّرة؟ وإنْ أمكن، أرجو أنْ تعطيني بعض المعلومات عن الدوق أيضًا.”
“هل تقصدين أنّكِ بحاجةٍ إلى معلومات عن الدوقة وعن سموّه؟”
“نعم. لقد قلتُ أمام الدوقة بصوتٍ عالٍ إنَّ الدوق قد أُعجب بي بالفعل. وهي ستتحقّق مِن ذَلك بالتأكيد. مِن أجل تعليقي في السّاحة.”
ما زلتُ أتذكّر وجهها وهي تبتسم ساخرةً قائلة إنَّ تهمة الإساءة إلى العائلة الملكيّة عقوبتها الشنق.
‘خصمٌ ليس سهلًا أبدًا.’
رغم أنَّ يدي كانت ترتعش مِن الذّكريات، إلّا أنَّ رغبة التحدّي والانتقام كانت تغلي في داخلي.
نظر سيروليان إلى أصابعي المرتعشة دوّن أنْ يُغيّر ملامحه، ثمّ قال بنبرةٍ هادئة:
“سأربط الحبل على شكل فراشة.”
استغرق الأمر عشر ثوانٍ حتّى أفهم ما قاله.
“……هل تقول هَذا كنوعٍ مِن المزاح؟”
هل مِن المهم الآن ما إذا كانت عقدة حبل المشنقة على شكل فراشة أم على شكل حلقة؟
‘لكنّ هَذا ليس مُجرّد خيالٍ غامض. إذا لَمْ يحدث لقائي مع الدوق خلال أسبوع، فسيحدث الأمر فعلًا!’
وكان هَذا بالضبط ما يُخيف في بارينين. فهي تبتسم كالملاك، ثمّ تدفعني إلى الهاوية بكلّ برود.
‘لا بُدّ أنّها قد بدأت بالفعل بالتحرّي عنّي.’
لكن أكثر مَن كان ينبغي أنْ يمنحني القوّة في هَذا الوضع، سيروليان، كان في منتهى البرود.
“كنتُ أمزح، لكن نصفها كان جديًّا. الأمر لا يقتصر على الأميرة بارينين، فحتى فيما يخصّ سموّه، لا أعلم الكثير. سموّه لا يُظهر نفسه على الإطلاق.”
“حتى لابنه؟”
“حتى لابنه.”
أسندتُ ذقني على يدي وتنهدت.
“إذًا، هل أُرسل رسالةً إلى سموّه؟”
“……عفوًا؟”
الوجه الذي نادرًا ما يُظهر تعبيرات تغيّر هَذهِ المرّة بشكلٍ طفيف. يا له مِن ردٍّ غريب. أسندتُ ذقني وعبست.
“ألَمْ تطلب منّي في المرّة السابقة أنْ أُخبر سموّه بعظمة عائلة دوق لوك بنفسي؟ إذا كتبتُ له رسالةً كهَذهِ، ألَن يُصبح أكثر لطفًا تجاهي؟”
“سموّه ليس شخصًا عاطفيًّا إلى ذَلك الحد.”
“ألَن نعرف ذَلك ما لًمْ نحاول؟”
قال سيروليان كلامًا طويلًا على غير عادته، وبدا وجهه الجامد وكأنّه مُتعب بطريقةٍ ما.
“إيديل، سموّه شخصٌ يكاد يخلو مِن المشاعر. حتى لو سألته الدوقة عنكِ، فلَن يُعطي إجابةً واضحة. لذا، ليس عليكِ أنْ تخافي مِن كلامها.”
“هل يعني هَذا أنّه أكثر جمودًا منك؟”
“سؤالكِ لا معنى له.”
كذب. أنتَ تعرف كلّ شيء.
‘سيروليان أيضًا بالكاد يُظهر أيَّ تعبيرات. لَمْ أرَ يومًا ملامح انفعالٍ أو اضطراب على وجهه.’
على ما يبدو، فإنَّ سيروليان والدوق لوك يتشابهان كثيرًا رغم عدم وجود علاقة دمٍ بينهما.
‘أجل، دوق لوك أيضًا لا يظهر كثيرًا في أخبار المجتمع الأرستقراطي.’
بينما كنتُ أطرق ذقني بأصابعي وأستعيد ذكرياتي، حرّك سيروليان الجرس الموجود على الطاولة بخفّة.
“كنتُ قد أعددتُ شيئًا لأعطيكِ إيّاه في الوقت المناسب.”
“عفوًا؟”
في تلكَ اللحظة، دخل كبير الخدم حاملاً صندوقًا كبيرًا ووضعه بعناية فوق الطاولة.
“صندوق؟”
إنْ كان قطّ شارع يمرّ مِن هنا، لما تمكّن مِن تجاهل هَذا الحجم. وبينما راودتني هَذهِ الأفكار السخيفة، تحدث سيروليان بنبرة بطيئة.
“هدية.”
يا له مِن تعبيرٍ لا يليق أبدًا مع وجهه الجامد.
“افتحيه.”
“ما هَذا؟ أوه!”
بمُجرّد أنْ فتحتُ الصندوق، لمع الضوءٌ مِن داخله حتى عبستُ مِن شدّته.
“هل أنتِ بخير؟”
هل أنا بخير؟
ذَلك اللمعان الأصفر طعن عينيّ كالشمس. أغلقتُ الصندوق على الفور.
“لستُ بخير!”
الشيء الذي هاجم عينيّ مِن داخل الصندوق…
كان جوهرةً صفراء بحجم قبضتي.
‘مِن النظرة الأولى يبدو أنّها ليست شيئًا عاديًّا. حتّى لو كانت مقلّدة، فحجمها وحده يجعل قيمتها فلكيّة، ولكنها تتلألأ بلمعان لا يُمكن التحديق فيه… هًذا ليس شيئًا عاديًّا!’
جوهرة لا يُمكن للمرء أنْ يراها ولو لمرةٍ واحدة في حياته.
فغرْتُ شفتيّ مِن الدهشة، فتحدث سيروليان بهدوء.
“فكّري فيها كمقدّم عقدٍ فقط.”
“مُقدّم عقد؟”
ومَن الذي يعطي مقدّم عقدٍ بشيءٍ ضخمٍ كهَذا؟
وضعتُ يديّ على خاصرتي وتنهدتُ بانزعاج. ثمّ دفعتُ الصندوق بعيدًا عني.
“لا أستطيع قبولها. هَذا عبءٌ كبيرٌ جدًّا.”
لَمْ أفعل شيئًا بعد، فكيف أقبل شيئًا بهَذا الحجم؟
لكن رفضي القاطع لًمْ يُحرّك ساكنًا في سيروليان، الذي أجابني بنبرةٍ هادئة وكأنَّ الأمر لا يهمّه.
“لا داعي لأن تشعري بالعبء. مقارنةً بحياتكِ التي ربطتِها بهَذا العقد، فهًذهِ الصخرة الكبيرة والثقيلة لا تُساوي شيئًا.”
ليست مُجرّد صخرةٍ ثقيلة وكبيرة يا هَذا، بل…
وفوق ذًلك، قال إنَّ حياتي على المحك؟ بالنسبة لي، كنتُ أعتقد أنّه بعد الطلاق سأنعم بحياةٍ بسيطة، لذا بدت كلماته مبالغًا فيها.
“أليس مِن المبالغة الحديث بهَذهِ الطريقة؟ ثمّ إنّني لا أحتاج جوهرةً كبيرة إلى هَذا الحد.”
لأكون صادقة، فهي تُزعجني. مَن لا يُحب الذهب والمجوهرات؟ لو كانت بحجم ظفري، لكنتُ أخذتها على الفور.
‘الطمع يُؤدّي إلى الهلاك.’
ذًلك ما كانت تردّده أمّي دائمًا.
لكن كلمات سيروليان التالية جعلت قلبي يميل فجأةً مِن ‘لَن أقبل’ إلى ‘سأقبل’.
“هذه ياقوتة صفراء يتوارثها افراد عائلة الدوق لوك جيلًا بعد جيل. حتى الدوقة كانت تطلبها مرارًا، لكن سموّه لَمْ يُعطها لها قط. إنّها كنزٌ عائلي.”
“يا إلهي…….”
كنتُ أعرف أنّها ليست عاديّة. وها هو التأكيد يأتي، فهي واحدةٌ مِن أثمن ممتلكات عائلة لوك.
فتحتُ الصندوق مُجددًا وبدأت أتفحّص الجوهرة مِن كلّ الزوايا.
“لكن… كيف حصلتَ عليها؟”
“أخذتُها مِن الغرفة.”
“ألَمْ تقل إنَّ سموّه رفض إعطاءها للدوقة؟”
ما هَذا الكلام؟ نظرتُ إلى سيروليان بنظرةٍ متردّدة بين الشكّ والاستغراب.
“في الحقيقة، لَمْ يكُن سموّه قادرًا على إعطائها لها. حين تمّ ضمّي إلى هًذهِ العائلة لأول مرّة، أعطاني سموّه هَذهِ الجوهرة بنفسه.”
“أعطاكَ إيّاها؟”
لماذا يعطي فتى صغير جوهرةً تعود إلى الدوقة؟
‘هل كان ذًلك كدليلٍ على أنّكَ ستكون الدوق القادم؟’
بدت فكرةً معقولة. وبينما كنتُ أمسح على ذقني وأُميل رأسي، هزّ سيروليان كتفيه.
“قال لي إنّه لا يريد رؤيتها، وطلب منّي التصرّف بها كما أشاء. وأظنّه نسي أنّها لدي أصلًا.”
“…….”
يا لطيبة قلب دوقنا، يبدو أنّه أكثر سهوًا مِمّا يبدو عليه.
نسيان جوهرةٍ بهَذا الحجم أيضًا يُعدّ أمرًا مُذهلًا. نظرتُ إليّها بدهشة وأنا أتفحّصها مِن جديد.
‘قال إنّه لا يريدُ أنْ يراها؟’
مِن الصعب تصديق أنّه قدّمها له فقط ليتخلّص منها.
‘هل مِن الممكن أنْ يُهدي هَذهِ الجوهرة لشخصٍ ما؟ لكن بما أنّها عادت إليه، فربّما قد رُفضَت الهدية؟’
صحيح أنّه ظلّ أعزبًا لسنوات، لكنّ هَذا لا يعني أنّه لَمْ يُحبّ مِن قبل.
‘هَذا مثيرٌ للاهتمام.’
كصحفيّة كانت دومًا تقف خلف أعمدة الأخبار والفضائح، أحسستُ أنْ فضولي قد بدأ بالاستيقاظ. يجبُ أنْ أبحث عن هًذا الأمر لاحقًا. لكن المهمّ الآن ليس لماذا أُعطيت الجوهرة منذُ عشر سنوات.
‘إذًا، هَذهِ هي الجوهرة التي لَمْ تتمكّن حتى الأميرة بارينين مِن الحصول عليها، أليس كذلك؟’
كم سيكون الأمر مُزعجًا بالنسبة لها إنْ كنتُ أنا مَن يرتديها؟
رسمتُ ابتسامة نصرٍ على وجهي.
《 الفصول متقدمة على قناة التيلجرام المثبتة في التعليقات 》
═════• •✠•❀•✠ •═════
الترجمة: فاطمة
حسابي ✿
《واتباد: cynfti 》《انستا: fofolata1 》
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 11"