5
بكلمةٍ واحدة من أبي، تجمّد جميعُ الكبار في أماكنهم! حتّى ذلك الرجل المخيف الذي هدّد بمناداة الفرسان وقف ساكنًا!
أبي مذهل!
ورغم أنّها كانت المرّة الأولى التي ترى فيها أباها، إلا أنّ قلب لور امتلأ بالفرح والفخر.
لكن ذلك الحماس لم يدم طويلًا.
فما إن وقفت أمام ألكايد ورفعت رأسها لتحدّق في وجهه، حتّى ارتجفت بخوف.
لقد ظلّ واقفًا بلا حراك، ينظر إليها بوجهٍ جامد بلا تعبير.
‘إييي…’
لماذا لا يعانقني؟
أمّي وجدّي كلّما نظروا إليّ ضمّوني قائلين: “لور الصغيرة الجميلة.” ثم يربتون على ظهري بحنان.
مع ذلك، ابتسمت لور من جديد.
‘إنه يراني للمرّة الأولى! يمكن أن يكون الأمر هكذا!’
لا بأس إن لم يعانقها مثل أمّها، أو يربّت على مؤخّرتها مثل جدّها وهو يقول “يا صغيرتي المدلّلة!”.
لكن، الآن وقد عرف أنّها “ابنته”، فلا بدّ أن يربّت على رأسها بحنان!
قَمَعت شعورًا بالخذلان، ثم تذكّرت ما علّمتها أمّها إيّاه، فانحنت بأدبٍ وقالت مبتسمة:
“نعم! أنا لوربانتيس! اسمي المختصر لور! تشرفت بلقائكَ!”
كانت أمّها دومًا تقول:
‘لور، ابتسامتكِ جميلة جدًّا!’
ثم تمسك خدّيها برفق وتشدّه قليلًا وهي تضحك، بينما جدّها يضحك عاليًا ويقول: ‘لور حقًّا أجمل مَن في الدنيا.’
كلّهم يصبحون سعداء حين تبتسم.
ولمّا خافت لور أن يكون ألكايد لم يرَ ابتسامتها، أظهرتها أكبر وأكثر إشراقًا.
‘أتمنى أن يسعد أبي بقدر ما أنا سعيدة!’
قلبها يخفق بسرعة، تحدّق في وجه ألكايد متوقّعة شيئًا.
لكن نظرات ألكايد تغيّرت فجأة، أصبحت أكثر حدّة.
‘قوّة غريبة…؟’
كان يبحث عن الأثر نفسه الذي شعر به حين ظهرت الطفلة في الضوء.
هل يعقل أنّ هذه الطفلة تحمل قوّة لا يمتلكها إلا نسل أتيليون المباشر؟
وفي اللحظة التي تقلّصت فيها عيناه بالشك، رفعت لور ذراعيها فجأة عاليًا.
كانت إشارة واضحة: “احملني!”
“نعم! يا دوق، أنت أبي!”
ضحكت بخجل.
‘أبي، ألم تشتق لرؤيتي؟ إذًا عانقني بسرعة!’
لكن ألكايد ظلّ واقفًا بلا حراك، غير متأثّر حتى بهذه الإشارة.
انكمشت ذراعا لور وهي تسحبها إلى الأسفل بخجل، وقد شعرت بخيبةٍ صغيرة.
‘ربما أبي خجول قليلاً…! لا بأس، أنا طفلة طيّبة وسأتفهّم!’
“آه، أوتش!”
وضعت يدها على خدّها المحمّر بخجل، ثم سحبتها بسرعة.
طنين معدني خفيف انبعث من كفّها الصغيرة.
‘مم؟’
انجذب بصر ألكايد تلقائيًا نحو يدها.
فتحت لور راحتها…
‘كيف…؟ لماذا هذا مع هذه الطفلة…؟’
القلادة الفضي كان يلمع بسطوعٍ بين أصابعها.
للمرة الأولى، اهتزّت ملامح ألكايد الجامدة.
ذلك الشيء… يعرفه جيّدًا.
كيف لا يعرفه؟
إنها نفس القلادة الذي سلّمه بنفسه لإيلين.
لقد قضى وقتًا طويلًا يفكّر أيّ حجر كريم يليق بها أكثر، وأيّ تصميم سيُسعدها، ثم جمع أندر المواد واستعان بأشهر الحرفيين ليصنعه.
“هذا…”
أعاد النظر في لور.
خصلات شعرها الذهبية المتموّجة، عيناها الخضراوان اللامعتان.
لم يكن الشبه بإيلين في ذلك فقط.
بل كان في ابتسامتها… تلك الابتسامة المضيئة التي ظلّ يتوق إليها خمس سنوات.
منذ أن رآها لأول مرة، شعر أنّها تشبه شخصًا يفتقده بشدّة.
لكنه رفض أن يسمح لنفسه بالأمل.
الأمل يولّد رجاءً، وخلال خمس سنوات تحطّم ذلك الرجاء مرارًا بلا أثر.
ومع ذلك…
بصوتٍ منخفض، قال ألكايد:
“استدعوا كاهنًا. نحتاج فحص نَسب، فورًا.”
ربما…
الأمر مستحيل، لكن قلبه لم يستطع منع نفسه من التمسّك بخيطٍ ضئيل من الأمل.
كل شيء جرى بسرّية تامّة، لكن بسرعة فائقة.
ما إن أعطى ألكايد أوامره، حتى انطلق أحد معاونيه بخطواتٍ عاجلة.
“مولاي، وصل الكاهن.”
عاد بعد قليل ليبلّغ.
كادت لور أن تصرخ “واااو!” لكنها أطبقت يديها على فمها بحماس.
قلبها الصغير يخفق بشدّة.
‘سأرى كاهنًا بعيني!’
كانت عيناها تتلألآن.
لقد أخبرها جدّها أنّ الكهنة يخدمون الإله في المعبد، وأنهم لا يخرجون إلا في حالات طارئة. رؤيتهم شرف عظيم.
‘واو! لا بد أنّهُ أرسل من إجليّ الآن!’
‘كيف سيبدو؟ هل له أجنحة بيضاء مثل الملائكة؟ هل يسطع نور من جسده؟’
الحقيقة أنّ معظم الناس قد لا يرون كاهنًا واحدًا طوال حياتهم.
لكن أباها استدعاه بكلمةٍ واحدة فقط!
‘أبي مذهل… مذهل جدًّا!’
رفعت رأسها نحو ألكايد بعينين متلألئتين:
‘هذا أبي!’
وقفت شامخةً بفخر، بينما كان المعاونون مرتبكين لا يعرفون ما يحدث.
انفتح الباب ودخل الكاهن مسرعًا، ثم انحنى باحترام.
“إلى دوق أتيليون ألكايد، أمجاد أتيليون العظيمة-“
“كفى.”
أوقفه ألكايد بإشارةٍ حادّة من يده. لم يكن لديه وقت لإضاعة أنفاسه في عباراتٍ جوفاء.
سادت الغرفة أجواءٌ متوتّرة.
وفي تلك اللحظة، نفخت لور وجنتيها بخيبة أمل.
‘هه… إنه لا يشبه الملائكة أبداً…’
لم يكن للكاهن أي أجنحة، ولا يسطع منه أي نور.
كان مجرّد رجلٍ عاديّ. لولا رداؤه المطرّز بشعار المعبد لما عرفت أنه كاهن أصلًا.
بل إنّه يشبه عمًّا يبيع الفاكهة في السوق!
إلا أنّ الفرق أنّ ذلك العمّ يملك شعرًا كثيفًا، بينما هذا الكاهن أصلع الرأس.
‘حقًّا هذا كاهن…؟’
نظرت إليه بريبة، ثم إلى أبيها.
وبما أنّ ألكايد ظلّ صامتًا وجادًّا، أيقنت لور أنّه كاهن حقيقي.
مسح الرجل عرقه بمنديل وقال:
“بلغني أنّ سبب استدعائي هو إجراء فحص نَسب.”
وبينما ينظر حوله بحذر، لم يرَ طفلًا آخر في الغرفة غير لور.
“مرحبًا أيها الكاهن! أنا لور! أنا ابنة أبي!”
أمسكت أطراف ثوبها وانحنت مؤدّبة بابتسامة.
ارتبك الكاهن وحدّق تارةً فيها وتارةً في ألكايد.
كيف يمكن أن تكون هذه الطفلة البهيجة المضيئة ابنة ذلك الرجل البارد الصارم؟ لم يشبها في شيء!
وفوق ذلك، كانت ملابسها بسيطة، أشبه بملابس العامّة.
كيف تظهر بهذا الشكل أمام دوق أتيليون؟
نقر الكاهن بلسانه استياءً.
ظنّ أنّه استُدعي لأمرٍ جلل يخصّ الدوق، فإذا به مجرّد مسرحية سخيفة.
لابد أنّ أحدهم دسّ الطفلة طمعًا في المكافأة.
‘على الأقل… هذا يعني أنّني لست تحت أيّ شبهة.’
أراح نفسه بهذا التفكير.
لكن صوتًا عميقًا قطعه:
“ماذا تنتظر؟”
ارتجف الكاهن: “أ-أعذرني مولاي!”
وانحنى بعجلة، وقد صار وجهه شاحبًا من الخوف، ثم بدأ يُخرج أدواته بسرعة.
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع

📢 المنتدى العام عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.

🎨 إمبراطورية المانجا عـام
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...

📖 نادي الروايات عـام
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 5"