الكتابُ، وكأنَّه كان يرحّبُ بعزمِ لور، أخذ أوراقَهُ كـأجنحةً ليطيرَ في الهواء. ثم دار دورةً كاملة حول لور.
“كآرررك!”
عندما دغدغ النسيمُ الذي صنعه الكتابُ خدَّها، انفجرت لور ضاحكة.
[سأُعطيكِ هديّةً ضروريّة للمغامرة!]
غطّى الغبارُ الذهبيّ المتساقط من صفحات الكتاب جسدَ لور.
فتحت لور عينيها دهشةً، وبذات اللحظة ظهر فراغٌ صغير بين شفتيها المنفرجتين قليلًا حينما سقطت إحدى أسنانها الأماميّة.
“ما هذااا…؟”
[للطفلةِ الشجاعةِ، حكمةُ ضوءِ النُّجوم!]
تقلّبت الصفحاتُ سريعًا، ودارت الأضواء الذهبيّة حول لور ثم تسلّلت إلى جبهتها.
على جبينها الدائريّ، ظهر النقشُ ذاته المنقوش على غلاف الكتاب.
“آه؟ يالها من برودة!”
لور مسحت جبهتَها بسبّابتها. شعرتْ بانتعاشٍ في رأسها، كأنَّ تفكيرَها صار أسرع.
[من الآن فصاعدًا، ستُواجهين مواقفَ صعبة كثيرة يا لور. في كلِّ مرّة، ستضيء لكِ حكمةُ النّجوم التي تسكنكِ الطريقَ، وتمنحكِ المفتاحَ لحلِّ الموقف.]
“واااو!”
لم تفهم كلَّ شيء، لكنّها علمتْ أنَّ الكتاب بذل جهدَه لأجلها.
مدّت ذراعيها طويلًا واحتضنت الكتاب بقوّة.
“شكرًا لك! أيُّها الكتاب!”
وهذه المرّة لم يُحاول الهرب، بل استسلم بين ذراعيها. لور دلّكت خدّها على أوراقه. شعرت بخشونةٍ بسيطة، لكنّها لم تُبالِ.
الكتابُ الذي دلّها على طريقةٍ لإنقاذ أمّها، بل وأعطاها هديّة، لم تشعر تجاهه سوى بالامتنان.
“لكن… أيُّها الكتاب.”
[ماذا هناك، يا لور؟]
عبست لور فجأة وأفلتت الكتاب من حضنها. ارتفع الكتاب حتى صار بمحاذاة عينيها، يرفرف بأوراقه.
“…لا أعرف كيف أصل إلى أبي.”
أبوها، ‘آلكايد قال الكتاب إنّه يعيش في إمبراطوريّة بعيدة.
لور، على الرغم من صغر سنّها وجهلها، كانت تسمع من جدّها وأهل القرية أنّ هذا بلدٌ بعيدٌ جدًّا وضخم.
“يَجِب أن أصلَ سريعًا إلى أبي…”
بدأت لور تشهق من البكاء.
كان عليها أن تُحضر أباها بسرعةٍ كي يُعالج أمّها، لكن كيف ستذهب إلى ذلك البلد البعيد؟ هل تذهب مع جدّها؟ لكن ماذا عن أمّها خلال ذلك؟ وإن ذهبت وحدها، فالمسافة بعيدة جدًّا….
[لهذا… هناك طريقة!]
الغبارُ الذهبيّ خرج من الكتاب، داعب خدَّها برفق، وراح يرسم حروفًا لامعة في الهواء.
“أيُّ طريقة؟”
اتّسعت عينا لور، تحدّق في الكتاب. وفي تلك اللحظة، انقلبت صفحاته بسرعة، كاشفةً عن صفحةٍ جديدة.
“أ… أواه-!”
مجرّد أن قرأت تلك الصفحة، شهقت لور بذهول.
* * *
كان ليلٌ هادئٌ عميق.
كانت لور ممدّدة على السرير، لكنّها لم تنم. بل فتحت عينيها المستديرتين على اتّساعهما.
تسلّلت من تحت اللحاف بخفّة، ثم مشت على أطراف أصابعها حتى بلغت الباب، وألصقت أذنها به.
الصمتُ يعمُّ الخارج.
‘يبدو أنَّ الجدَّ أيضًا… قد نام.’
كان يقلقها أحيانًا أن يتجوّل الجدُّ في الليل، لكن الآن لا يُسمع أيّ صوت.
‘أمّي… ستكون بخير، أليس كذلك؟’
تذكّرت لور مشهد أمّها وهي تتأوّه من الألم قبل قليل، ففاضت دموعُها مجددًا.
حينها ظهر الكتابُ السحريّ بجانبها. أخذ يُدلّك خدّها بلطفٍ مستخدمًا الجزء الأكثر ليونة من غلافه، كما لو كان يُواسيها.
‘أنتِ حقًّا طيّبة!’
ابتسمت لور فجأةً بعرض وجهها، واحتضنت الكتابَ بقوّة.
‘الأهمّ الآن، إنقاذ أمّي.’
شدّت قبضتَيها وأخذت نفسًا عميقًا.
ثم جمعت شجاعتَها، فتحت الباب وخرجت.
خطواتٌ خفيفة.
حركةٌ حذرة.
كانت تسير على أطراف قدميها كي لا تُصدر أيّ صوت.
عيناها الخضراوان النقيّتان جالتا يمنةً ويسرة في الظلام، تترقّبان.
‘الجدُّ قال إنّ عليّ النومَ بهدوء في الليل….’
لكنّ لور انتظرت حتى نام الجميع. والسبب هو….
‘لأنّي طفلةٌ شجاعة! يجب أن أتشجّعَ وأُصلِح بين أبي وأمّي!’
انتظرت طويلًا حلول الليل العميق المظلم، وبين الحين والآخر كانت تغفو قليلًا.
لكن في كلِّ مرّة، كانت تُفيق نفسها بضربةٍ سريعة على خدِّها بكفّها الصغيرة!
‘إذا تصالح أبي وأمّي، ستتعافى أمّي، ولن يزفر الجدُّ بالحزن بعد الآن.’
وهكذا… سنبتسم جميعًا معًا كعائلةٍ سعيدة.
بذلك الأمل، غلبت لور النعاس.
خطواتٌ متسلّلة.
عبرت ممرًّا بدا أطول من المعتاد، تتحاشى أشعّة القمر المتسرّبة من النوافذ.
وأخيرًا، وقفت أمام باب غرفة إيلين.
دفعت الباب بحذر، فصدر صوتٌ صريرٍ حادٍّ اخترق الممرّ.
‘آه!’
لم تتخيّل لور أن يكون صوتُ فتح الباب عاليًا إلى هذا الحدّ.
تجمّدت في مكانها ممسكةً المقبض.
هل أيقظت أمَّها؟ هل ستصرخ عليها “أيّتها المشاغبة!”؟
تسلّلت لور بوجهها من خلال الفتحة الصغيرة تراقب إيلين.
شههيق… زفير….
لكن على عكس قلقها، كانت إيلين غارقةً في النوم.
لقد كانت جميلة. على الرغم من أنَّ خصلات شعرها الذهبيّة فقدت بريقها وصارت شاحبة، إلّا أنّ ضوء القمر أضفى عليها لمعةً رقيقة. كان شعرُها شبيهًا تمامًا بشعر لور.
عيناها الخضراوان، اللتان تشبهان عيني لور، غابتا تحت جفنيها المغلقين، وأهدابها الطويلة ارتجفت بخفّة.
لكن وجهها كان شاحبًا، وحول عينيها هالاتٌ قاتمة.
مظهرُ مريضةٍ لا شكّ فيه.
تذكّرت لور كيف كانت تسعل منذ قليل، فحزنت مجددًا.
تمنّت أنْ تشفى أمُّها. أن تزول زرقة ما تحت عينيها، وألّا تسعل بعد الآن.
‘…يكفي أن أجد أبي…!’
حينها ستتعافى أمُّها بالتأكيد.
تخيّلت بريقًا يعود إلى عينيها، وفمًا يزدان بابتسامةٍ مشرقة.
فارتجفت لور حماسةً وحركت خصرها فرحًا.
‘انتظري يا أمّي! سأُحضر أبي إليكِ!’
بعزمٍ راسخ، تسلّلت لور إلى الغرفة.
أسرعت إلى الطاولة الصغيرة قرب السرير، وفتحت الدرج السفليَّ بحذر.
هناك، أضاء شيءٌ لامع. فتلألأت عينا لور معه.
مدّت يدها والتقطت ذلك الشيء.
“واااو-.”
لم تستطع منع نفسها من الهتاف، ثم وضعت يدها على فمها بسرعة.
كان بين يديها قلادةٌ صغيرة.
في وسطها جوهرةٌ تتلألأ كأنّها أشدُّ النجوم سطوعًا في السماء، تُشعّ بجمالٍ غامضٍ يخطف الأنفاس.
بداخلها تلاعبت أنوارٌ خفيّة، تتماوج تحت ضوء القمر كأمواج البحر.
إيلين، بين حينٍ وآخر، كانت تُمسك بهذه القلادة بحنين، ثم تُعيدها إلى أعماق الدرج.
وكانت لور دائمًا تسأل، لكنّها لم تكن تُجيب إلا بابتسامةٍ حزينة: “هديةٌ من شخصٍ عزيز على أمّكِ…”
وكانت ملامحها وقتها حزينةً للغاية، فلا تجرؤ لور على الإلحاح.
‘سامحيني يا أمّي…’
حرّكت لور شفتيها تعتذر في سرّها. لقد سرقت سرًّا ما كانت أمّها تحبّه كثيرًا.
‘لكن يجب أن آخذه… كي أستطيع لقاء أبي!’
فبفضل الكتاب السحريّ، عرفت لور الحقيقة المهمّة.
هذه القلادة… كانت في الأصل هديّةً من أبيها لأمّها!
الأبُ والأمّ، كانا يتبادلان المحبّة. ألم تقل الأمُّ بنفسها إنّها هديّةٌ من شخصٍ عزيز؟
ارتسمت كلماتُ الكتاب في ذهنها بوضوح:
[إيلين كانت واقفةً عند النافذة. خلفها اقترب آلكايد بخطًى حذرة لئلّا يُربكها. في يده صندوقٌ صغير.
عندما استدارت نحوه، توقّف آلكايد، وعيناها الدائريّتان تحدّقان فيه.
التقت عيناه بعينيها، فارتسمت ابتسامةٌ على محيّاه.
“إيلين.”
ناداها بصوتٍ رقيق، وقدّم لها الصندوق برفق.
فتحت إيلين الصندوق، فوجدت قلادةً
غامضة الضوء تتلألأ بداخله.
“آلكايد…”
أخرج القلادة بحرص وعلّقها حول عنقها. لمست يداه بشرتها بدفءٍ وعذوبة.
وحين لامست القلادة بشرتَها، شعرت أنّ رابطًا قويًّا جمعهما معًا.
“هذه الجوهرة هي رابطنا نحن الاثنين. لذا-.”]
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات