2
الحروفُ المتلألئة أبهرت عينيها، فغَمَضَتْ لور عينيها بقوّة.
وحين فتحتْهما من جديد…
ظهرتْ على صفحات الكتاب كلماتٌ جديدة. حروفٌ بدت وكأنها حيّة، تتلوّى وتخرج من الكتاب لتغمر لور.
وبعدها امتلأ رأس لور الصغير بذكرياتٍ غريبة لم تعرفها من قبل.
فتحت لور عينيها على اتّساعها، وظلّت تحدّق بالكتاب بذهول.
الآن في رأسي… ما الذي انفتح؟
ما هذا؟ ذاكرة مَن تكون؟
ذكرياتٌ تراها لأول مرة، ولم تعشها يومًا. لكن لور أدركتْ بحدسها أن كل هذا حقيقي.
‘آه، آآه-!’
وضعت لور يديها على رأسها الذي بدأ يؤلمها من شدّة الاضطراب.
إذًا…
[أُمُّ لور كانتْ أُميرة مملكة توترانت، إيلين توترانت.
وقد تزوّجت زواجًا سياسيًّا من دوق إمبراطورية أتيليون، ألكايد أتيليون.
كان ألكايد الفارسَ الأعظم والقائد العسكريّ الذي حاز المجد في معارك لا تُحصى، أمّا مملكة توترانت فكانتْ مملكة صغيرة تابعة للإمبراطورية.
وحياة الزوجين المختلفين مكانةً كانتْ كالسير فوق طبقة رقيقة من الجليد.
ثم في يومٍ ما، فرت إيلين من جانب ألكايد أتيليون.
وكانتْ وقتها تحمل بطفلٍة منه، وتلك الطفلة التي وُلدت بعدهُ هي-.]
“لكن… أُميرة…؟ ما معنى أُميرة؟”
أمالتْ لور رأسها وعيناها متّسعتان بدهشة. الذكريات التي انغرست في عقلها كانتْ واسعة ومعقّدة، وفيها كلمات كثيرة يصعب عليها فهمها.
نظرتْ لور إلى الكتاب بعينين مستنجِدتين.
وكأنّ الكتاب استجاب لها، فإذا بصفحاته تتقلب بخفّة، ثم تظهر كلماتٌ جديدة على الورق الأبيض.
[ابنةُ الملك، أي الأميرة.]
“واو، إذن أُمّي أُميرة؟”
اتّسعت عينا لور أكثر. أن تكون أُمّها أُميرة! كالأمير والأميرة في قصص الحكايات!
وبينما هي كذلك، خطف الكتاب البراق قلب لور كليًّا.
ما زالت الذكريات الغريبة تسبح في رأسها، وكلمات الكتاب العجيبة تلمع أمام عينيها.
لم تستوعب عقلها بعد، لكن حين سمعت أن أُمها أُميرة، ابتسمت لور ضاحكة، وأومأتْ برأسها بحماس، وكأنها تؤكّد بكل كيانها.
‘أُمّي جميلة. وها هو اسمها مكتوبٌ هنا أيضًا!’
كانتْ أُمّ لور جميلة جدًّا جدًّا.
شَعرها الذهبيّ اللامع بلون القمح.
بشرة بيضاء كاليَاقوت.
وعينان خضراوان واسعتان تتلألآن كالجواهر.
لور لم ترَ أحدًا أجمل من أُمّها.
وأن تكون أُميرة؟ يا له من انسجام رائع!
[لكن…]
ارتجفت عينا لور حين تذكرتْ فجأة ما قرأتْه.
‘أُمّي… أُمّي….’
كادتْ تنفجر بالبكاء، فأمسكتْ فمها بيديها.
فبحسب ما أظهره الكتاب…
[بعد أن هربتْ إيلين من ألكايد، عاشت بضع سنواتٍ فقط، ثم توفّيت.
وعندما عثر عليها الدوق ألكايد أخيرًا، كانتْ قد فارقت الحياة. وهناك فقط أدرك كم أحبّها، فندم ندمًا مريرًا.
بعد فرارها، مرضتْ إيلين طويلًا وظلّت عليلة.
وكان سبب مرضها… الدوق ألكايد نفسُه.
ولهذا ظلّ يبحث عنها، وظلّ يندم ويكرّر ندمه.]
تخيّلتْ لور أُمها إيلين وهي مريضة لسنواتٍ طويلة، طريحة الفراش.
‘أُمّي… ستموت؟’
امتلأتْ عيناها بالدموع.
لا. مستحيل.
‘قال لي جدّي… إذا نِمْنا مئة ليلة، فستتعافى أُمّي!’
وجدّها كان حكيمًا، يعرف كل شيء، ولم يخطئ يومًا.
وبما أنه قال ذلك، فلا بد أن أُمها ستشفى.
لكن رغم ذلك، ظلّ وجه لور حزينًا.
فأُمها كانتْ تزداد سوءًا يومًا بعد يوم.
وكلما جاء الطبيب لرؤيتها، هزّ رأسه بأسى.
كان وجه الطبيب يزداد كآبة مع كل زيارة، وكذلك وجه الجدّ.
‘أُمّي… هل ستموتُ حقًّا؟’
شهقت لور، لكنها ابتلعتْ البكاء بصعوبة. عضّت شفتها، وكشرت بوجهها وهي تحاول أن تمنع الدموع.
‘أُمّي… لا تموتي… الموت يعني الذهاب بعيدًا، بعيدًا جدًّا، وعدم اللقاء مجددًا…!’
قبضت لور يديها الصغيرتين، ومسحت بعناد دموعها التي سالت على وجنتيها.
عينها الخضراء المستديرة أشرقت بعزيمة.
‘هذا الكتاب يطير وحده، ويتلألأ، ويُعطي الذكريات. ربما فيه طريقة لإنقاذ أُمّي!’
مدّت يدها لتقلب الصفحة، لكن الكتاب ارتفع مبتعدًا.
“أيها الكتاب… هُـنـك… هل هناك طريقة… لإنقاذ أُمّي؟”
رفعت لور رأسها نحو الكتاب البعيد.
حاولت كبح بكائها، لكن صوتها خرج متكسّرًا، وأنفها محتقن، ودموعها تسيل على وجنتيها الممتلئتين.
وفجأة، تقلبت صفحات الكتاب بسرعة.
وحين توقفت، ظهرتْ كلماتٌ بخطّ أنيق على الورق الفارغ.
[انكسر قلب ألكايد. عندما قالوا إن إيلين ماتتْ بسبب المرض. وعندما وصل، كان جسدها قد بردَ بالفعل.
استدعى الطبيب الذي عالجها وحقق معه، لكن الطبيب المرتجف لم يزد على تكرار كلماته.
“لا… لا يوجد علاجٌ لتسرب السِّحر…”
تسرب السِّحر.
كادتْ دقات قلب ألكايد تتوقف حين سمع ذلك.
‘تسرب السِّحر….’
حينها أدرك أن المرض سببه قوته الخارقة.
فحتى قبل فرارها، كان يزور إيلين يوميًّا. وموْتها كان بسببِه.
‘أنا… كان يمكنني أن أعالجها….’ ]
فغرت لور فاها.
لا تعرف ما معنى السِّحر، ولا ما معنى “التسرب”.
لكنها تذكرتْ جيّدًا أن الطبيب قال إن مرض أُمها سببه تسرب السحر!
والآن، يقول الكتاب إن الأب كان يمكنه علاجها؟
“أيها الكتاب، إذن… إذا كان أبي موجودًا… هل سينقذ أُمّي؟”
[بالتأكيد! أباكِ هو مَن يستطيع إنقاذ أُمّك!]
زمّت لور أنفها.
إذن كي تتعافى أُمها…
‘عليّ أن أجد أبي!’
مسحت وجهها المبلل بقبضتيها الصغيرتين، وأومأتْ بحزم.
‘انتظرني يا أبي! لور ستأتي لتأخذكَ!’
حينها ستلعب أُمها معها الكرة، وتجري معها بين الأشجار.
الآن بالكاد تحتمل نسمة البرد في الليل، لكن حين تشفى، ستفتح معها النافذة وتتنفس الهواء العليل وتراقب الغروب الأحمر.
فكرت لور بكل الأشياء الجميلة التي ستفعلها مع أُمها حين تتعافى، وابتسمت حتى احمرّت وجنتاها.
صحيح أنّها قلقة على أُمها الآن، لكن العثور على الأب سيُنقذها. قلبها امتلأ أملًا، حتى شعرت أنها تطير مثل البالون.
كأنها غيمة صغيرة في السماء!
هيهي.
لكن فجأة، خيّم ظلّ على وجه لور الباسم.
‘لكن…’
كان هناك ما يقلقها.
ففي الذكريات التي أراها الكتاب، لم تكن أُمها تبتسم لأبيها كما تبتسم لها.
ولو كانا بخير، لما فرت أُمها منه…
شعرت لور كأن رعدًا دوّى في رأسها.
“أيها الكتاب… إذا كانتْ أُمّي قد هربت من أبي، ألا يعني هذا أنهما كانا على خلافٍ كبير؟ إذًا… قد لا يرغب أبي بمعالجتها…”
ماذا لو وجد أباها، فقال: “لن أعالجها! لقد تشاجرتْ معي!”؟
أخذت لور تدور في مكانها بقلق، تخبط قدميها.
‘ماذا لو تشاجرا كثيرًا، و
هربت أُمّي لأنها لم تعد تطيق النظر إليه؟’
عندها أضاء الكتاب بوميضٍ ذهبيّ، وانقلبت صفحاته. وظهر على الورق الفارغ…
[عليكِ أن تُصلحي بينهما! حينها سيُعالج أباكِ أُمّكِ!]
أشرق وجه لور مجددًا.
“صحيح! حتى لو تشاجرا، يمكنهما الاعتذار والتصالح! قال لي جدّي إن الأصدقاء يتصالحون هكذا بعد الشجار! إذن… إذن أبي سيعالج أُمّي!”
[بالضبط!]
“عليّ أن أصلح بين أُمّي وأبي!”
[ذكيّة يا لور! هذا هو الحل!]
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع

📢 المنتدى العام عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.

🎨 إمبراطورية المانجا عـام
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...

📖 نادي الروايات عـام
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 2"