ماذا، هو نفسه من يتكبّد المَشقّة. ومن هيئة نومها الآن بدا أنّ الأمر ليس مُتعبًا كثيرًا بالنسبة إلى كلوي.
لعلّ ذلك بفضل السنوات التي عاشتها في ذلك البيت الضيّق، متقاربة مع إخوتها.
راح كيرتيس يُتبِع بأنظاره ملامح وجه كلوِي النائمة. خدٌّ نحا للسُّمْرة قليلًا، لعلّه من أثر السير المتواصل. وجسر أنفٍّ مستدير الطرف.
ومن بين شفتيها المفتوحتين قليلًا تسلّل نفسٌ غارق في النوم. مدّ إصبعه ليحاول سدّه ثم تراجع. اللعاب سيُبلّل إصبعي، وهذا… لا. وقبض يده التي رفعها سُدًى.
ترى، هل كانت تنام بهذه العفوية حتى في ذلك البيت؟
ما خطر بباله هو ذلك المنزل الصغير الذي كانت تقيم فيه كلوي.
منزلٌ في شارع مارتين، ذلك المكان الذي راح رجال كيرتيس يحرُسونَه بالتناوب منذ اللحظة التي شاع فيها أنّ ابنة أمبرويز ستتزوّج الدوق. لم يكن ثمة خيارٌ آخر بعد انكشاف أصلها.
وقد جاءت أختُها ذات مرةٍ، تخبره مباشرة برغبتها في “العودة إلى المنزل”. لعلّها لم تُرِد أن تُثقِل على أختها التي تزوّجت رجلًا من مرتبة أعلى.
“آه… يا صاحب السمو الدوق… أنا وآيريس سنعود إلى المنزل الآن.”
بطبيعة الحال، رفض.
“لو سمحتُ لكما بالمغادرة، لقتلتني الدوقة.”
“أعرف جيّدًا… أعرف كم يبدو غريبًا أن يعيش أقارب الزوجة في ملحق المنزل! ولا يمكننا استخدام الملحق إلى الأبد. كما أنّ ركوب عربة الدوقية كلّ يوم للذهاب إلى المدرسة… يُشعرني بالحرج.”
كانت عينا ليا، وهي تقول هذا، تشبهان عيني أختها.
عينان تُؤمنان بأنّ على الإنسان أن يدفع ثمن ما ينعم به. وأنّ كلّ ما تنعم به لا ينبغي أن يُكلّف أختها شيئًا.
“أن تتعرّض شقيقات الدوقة لاعتداء في ذلك المنزل … هذا هو الغريب فعلًا.”
“… عفوًا؟”
“النوافذ تهتزّ، والجدران رقيقة. وأمّا السقف… فمتهالك. حسنًا، لن يقلق أحد من تسلّل قاتل عبر السقف، فالعوارض ستنهار به فورًا.”
كان وجه ليا المُرتبِك حينها لا يُنسى.
“هل ذهبت بنفسك؟”
“يمكن معرفة بعض الأمور دون زيارة المكان، لكنني زرتُه.”
لقد زار كيرتيس شان بيرك ذلك المنزل الصغير الذي أقامت فيه أسرة أمبرويز.
كانت كلوي لتندهش لو علمت. متى؟ لكنّ زيارة منزل المرأة التي قرّر الزواج بها… لم يكن أمرًا يمكنه التغاضي عنه. بالنسبة إليه على الأقل.
كان ذلك بعد أن جاءت كلوي مسرعة إلى المنزل وهي تُرافق إخوتها.
منزل صغير غير مُرتَّب، يُقاسِم جدرانه مع منازل أخرى.
كانت غرفه أربعًا. وباستثناء الوالدين وأختين كبيرتين، فمن المؤكّد أنّ كلوي كانت تتشارك الغرفة مع الصغيرة آيريس. سرير كلوي في الغرفة، والجدار الذي يجاوره.
وقد بدا واضحًا أنّ أحدًا كان يتّكئ على ذلك الجدار مرارًا.
ومَن عساه يكون؟
وهكذا عرف كيرتيس الآن تمامًا الوضعية التي كانت تنام بها كلوي وهي تضمّ آيريس إلى صدرها.
ركبةٌ مرفوعة إلى الجدار، والذراع الأخرى ممدودة فوق الرأس. هيئة مدهشة، تثير العجب.
العالَم مليء بأشقاء يُريد بعضهم قتل بعض.
… وأغرب شخصٍ تعرفه.
ومُضحِك أيضًا…
“لا تجلسين على الأرائك ما لم تُنَظَّف. ولا تلمسين السجاد بيديك المكشوفتين. ولا التابستري كذلك.”
… وربّما عرف الآن لِمَ لم تكن تُثقِل عليه هي الأخرى.
أمرٌ عجيب، أن تلاحظ مثل هذه الأشياء… وأن تُسجّلها في ذهنها دون وعي.
مدّ الرجل يده اليسرى التي قبضها قبل لحظات. بدافع طَيشٍ محض، وهو يعلم جيدًا أنّه يتصرّف بطيش.
وَماذا في الأمر؟ فقد أدرك منذ زمن أنّه يوسّع “هامش تحمّله” كثيرًا تجاه هذه المرأة.
لعلّ ذلك لأنّ مساعدته شديدة الاجتهاد، وسريعة البديهة.
اجتهادها حين تلقّت الإهانة من الملك فنظرت إليه تستأذن بعينيها.
أو إصرارها العنيد رغم اعتراضاتها لتعيش “كدوقة”.
أو قدرتها على التكيّف بسرعة في مثل هذا الموقف.
مساعدةٌ كهذه تستحقّ أيٌّ كان أن يمدحها… وأن يُبقيها قريبة.
أليس كذلك؟
إذن، هذا لا يعدو أن يكون مودةً يشعر بها إنسانٌ تجاه آخر… لا أكثر.
تمتم بهذا لنفسه، ناظرًا إلى المرأة التي ما زالت نائمةً بسلامٍ بجانبه.
تحت أذنها الرقيقة. وسُدًى شعرها الأسود المُزرقّ الذي انفلت من ضفيرتها لما نامت.
التعليقات لهذا الفصل " 99"