ولأنّه طويلُ القامةِ وضخمُ البنية، غاصَ السّريرُ فجأةً تحت وزنه.
“عادةً، الضبّاطُ برتبةِ عميدٍ لا يذهبون إلى الخطوطِ الأماميّة.”
“لكنّ الفوج الثّامنَ كان دومًا في الخطّ الأماميّ، أليس كذلك؟”
صمتَ كيرتيس لبرهةٍ قبل أن يسألَ بدهشة:
“أتعلمين هذا؟”
“سيكونُ من المضحكِ إن لم أكن أعلم. أنا أيضًا عسكريّة، وإن كنتُ من البحريّة.”
وهذا صحيح.
مواطني المملكةِ يعلمون أنّ كيرتيس شان بيرك انتصر، لكنّهم لا يعلمون كيف.
فالصحفُ لا تنقلُ سوى أخبارِ انتصاراتِ المملكة.
لكنّ داخلَ الجيش، القصصُ مختلفة.
كان الضبّاطُ البحريّون قبالةَ ساحلِ فرادو دائمًا في راحة، يثرثرونَ عن الجيش البريّ ويشربون.
‘قائدُ الفوجِ الثّامن من أنصار الملك، وقد اشتبكَ مع الدوق بيرك. قُطعَ رأسُ القائدِ بيدِ الدوق. حسنًا، كان يجب أن يشكره، أليس كذلك؟ على الأقلّ كان يستطيع العودة إلى بيته حيًّا، هاهاها! ومَن قاتل بعده؟ أوه، الدوقُ نفسه؟ لا يخافُ الموتَ إذًا؟ أم أنّه…’
“أتقصدين أنّكِ تعلمين كلَّ هذا…؟”
“نعم، أعلمُ كلّ شيء.”
“…..”
كان يسندُ مرفقيه إلى ركبتيه ويداه تتدلّيان، يحدّقُ بي طويلًا.
وقبل أن يطولَ الصّمت أكثر، سارعتُ بالكلام.
“أعني أنّي أعلمُ أنّكَ لم تكتفِ بالتّمرّغ في الغبار، بل قضيتَ ثلاثةَ أيّامٍ في خندقٍ واحدٍ مع الجنود خلال معركةِ غولدن.”
“..…”
كانت نظرته التي بدت منذ لحظةٍ شاردةً وحزينةً قد تحوّلت فجأةً إلى حادّةٍ مثلثيّةِ الشّكل.
‘أوه، أظنّ أنّه فهمَ شيئًا آخر من كلامي.’
لا يمكنني التّعاطف مع رئيسٍ كنتُ أودُّ صفعه، حين يظهرُ فجأةً بنظرةٍ شاردةٍ كهذه.
“لا أعلمُ كيف صمدتَ وقتها، لكنّك حتمًا كتمتَ نفسك لأنّها كانت حربًا.”
“وماذا الآن؟”
“أليست حياتُنا الآن أيضًا شكلًا من أشكالِ الحرب؟ حتى في حفلِ الزّفافِ استطعتَ بطريقةٍ ما أن تُقبّلني أمام النّاس.”
بدا كأنّه اقتنعَ قليلًا، إذ تمتمَ بإعجابٍ خافتٍ: “هاه.”
رفعتُ كُمّي حتى المرفق، لأنّه كان يُضايقني فحسب، لكنّ نظرهُ انجذبَ إلى ذراعي على نحوٍ غريب.
ربّما كان التّعبيرُ مبالغًا فيه، لذا ربّتُّ على كتفه وقلتُ بأقصى ما أستطيعُ من هدوء:
“أقصدُ أننا متشابهان: ثريان، لكنّ حياتنا لا تعرفُ الهدوء.”
“…..”
“ويومَ أعودُ أنا إلى أسرتي الأصليةِ، سيكونُ يومَ نيلِ كلينا السّلامَ الحقيقيّ، أليس كذلك؟”
ثمّ أملتُ رأسي بتساؤلٍ:
“أو ربّما لا؟”
ربّما أنا الوحيدةُ التي ستحيا بسلامٍ حينها.
“في الحقيقة، قد لا يتحقّقُ السّلامُ إلا عندما… يموتُ الملكُ.”
“أظنُّ أنّ الأفضلَ ألا تُكملي هذه الجملة.”
لو لم يقطعني كيرتيس بتلك النّبرة، لكنتُ قلتُ كلامًا لا يُمكن إصلاحه.
ومع ذلك، بدا مرتاحًا على نحوٍ غريب.
فاغتنمتُ اللّحظة وهززتُ رأسي.
“على أيّ حال، لا يُمكنكَ أن ترفضَ حتى هذا الشَّعر.”
“مفهوم.”
ابتسمَ فجأةً ودفعَ جبيني بإصبعه بخفّةٍ كما لو كنتُ أختهُ الصّغيرة.
لا أعلمُ إن كان يقصدُ ‘فهموم’ حقًّا أم ‘كفى كلامًا’، لكنّي شعرتُ أنّ رسالتي وصلت.
بمعنى آخر، لم أكن أتوقّع أبدًا أن تنفجرَ القنبلةُ التّاليةُ من فمه.
“بكلماتٍ أخرى، أنتِ تدعينني الآن لأن ننامَ معًا، أليس كذلك؟”
اتّسعت عيناي كحبّتينِ من البلّور.
وقبل أن أفكّر، خرجتِ الكلماتُ من فمي بسرعة:
“ماذا؟ أنا؟ متى؟”
كنتُ على وشكِ أن أصرخَ: ‘هل جُننتَ؟’
لكنّه رفعَ كتفيه بهدوء وقال:
“‘لستِ تنوين النّومَ معي، أليس كذلك؟'”
“..…”
“‘وهل تستطيعين ذلك أصلًا؟ أنتَ الذي لا تسمحُ لي بفكِّ شعري داخلَ غرفةِ النّوم.'”
كان يُكرّرُ كلماتي نفسَها، بنفسِ النّغمةِ الّتي قلتُها بها سابقًا.
فتحتُ فمي بدهشةٍ مذهولة.
“أنا لم أقصد ذلك…”
“كلوي، لأكونَ صريحًا، لم أقصدُ أنا أيضًا هذا المعنى.”
نظرَ إليّ كأنّه يشفقُ عليّ، ثمّ قال:
“حين قلتُ لكِ نامي في سريري، لم أقصد أنّنا سننامُ معًا.”
“أليس كذلك؟!”
“كنتُ فقط أعني أنّ سريري واسع، ويمكنُكِ النومُ فيه، وأنا سأنامُ في غرفتكِ. ألا تذكرين بندَ ‘احترامِ المساحةِ الشّخصيّة’ في عقدنا؟ أنا من الأشخاصِ الذين يحتاجونَ إلى مساحةٍ شخصيّةٍ محترمةٍ جدًّا.”
‘آه، أجل. هذا منطقيّ. يا إلهي، لقد أخفتني يا مجنون. كنتُ سأعتذرُ أيضًا…’
التعليقات لهذا الفصل " 95"