بهذه الطريقة لم يعد بإمكان كلوي أن تزعج السيدة بعد الآن. فبالأصل، كلوي لا تحب أن تستهزأ بالكبار هكذا. ابتسمت كلوي ابتسامةً مختلفةً تمامًا عن تلك التي كانت عليها قبل قليل، وأجابت:
“سواء كانت الأوامر قد صدرت من الملك أو لا، يُمكنني التخمين بأنكِ جئتِ هنا لتقومي بإحراجي أمام الجميع، وليس لتسخري مني أو تهينيَّ.”
ارتسمت على وجه السيدة بعض الإحراج، لكن كلوي كانت صادقةً فيما قالت. فالتوبيخ الطفولي المعروف عن السيدات الكبيرات ليس محصورًا على السيدة برونغ وحدها.
على أيّ حال، لم تكذب السيدة برونغ. استرجعت كلوي الأحداث التي وقعت الليلة الماضية بخفة.
-‘انظري باختصار.’
حالما حان وقت المغادرة، أخذها كيرتيس إلى عربة الدوق، وأثناء ذلك وضع الملازم نويل كتابًا في حضن كلوي بخفة. بدا أنه كتاب بروتوكولات للعشاء الملكي، نسخةٌ جديدة مكتوبةٌ بخط اليد.
عندما رمشت كلوي، ابتسم الملازم نويل ابتسامةً لطيفة.
-‘ملازم نويل…!’
غمرتها مشاعر الامتنان الشديد، وبينما كانت تنطق باسمه أو لا، قام كيرتيس بإغلاق باب العربة بوجهٍ متجهم.
أخذت كلوي الكتاب ونظرت إليه، ووجدت فيه سجلات العشرين سنة الأخيرة من الحفلات الملكية مكتوبةً بخطٍ رسمي ومُنسق.
-‘يوجد شيءٌ كهذا… الملازم نويل رائع….’
وعندما أبدت إعجابها بهدوء، بدا أن الدوق يشعر بالغيرة أو الاستهزاء.
-‘ماذا فهمتِ من الذهاب إلى المخزن الملكي؟’
-‘ماذا؟ ماذا قلت؟’
-‘كفى.’
لماذا هذا؟ نظرت كلوي ولمحته وهو يضغط على شفتيه ويعبس. ساد الصمت لحظة، ثم تحدث الدوق مجددًا، وكلماته كانت تحمل تهكمًا.
-‘الملك ليس رئيس قرية، فبالطبع هذه الأشياء موجودة. بدلًا من الانبهار بها، لماذا لا تحفظين حرفًا واحدًا على الأقل في ذهنك؟’
-‘إذا كان سيدي يجعلني أعمل طولي الوقت هكذا، أليس من الأفضل أن تقلد قليلًا من لطف الملازم نويل الذي نسخ كل السجل بنفسه؟’
-‘…نويل كتب هذا؟’
-‘ها! الملازم نويل لا يجبر الآخرين على العمل الإضافي مثلك، إنه شخصٌ ملائكي! والآن سأركز على حفظ حرفٍ واحد على الأقل!’
لم تستطع كلوي تجاهل تلك اللفتة الكريمة، لذا قرأت الكتاب بالكامل من ذلك الوقت حتى صباح اليوم التالي.
على أيّ حال، كان الملك مملوءًا بالرغبة في إحراجها، وهذا أمرٌ معروف. ولهذا أرسل السيدة برونغ.
حتى الآن، كانت كلوي تتصرف وكأنها لا تعرف السيدة برونغ، لكنها كانت تعرفها إلى حدٍّ ما، فاسمها كان موجودًا في موسوعة الأسماء التي أعطاها لها كيرتيس قبل الزواج.
السيدة التي علمت الأميرة سابقًا آداب التصرف قبل أن تصبح الماركيزة فلاندرز، وتشغل الآن منصب مديرة شؤون القصر الداخلي لإيفانيس. كل عائلةٍ محترمة كانت ترغب بإرسال ابنتها لتتعلم منها.
لذلك، من منظور الملك، كانت السيدة برونغ مناسبةً لإحراج الدوقة الجديدة التي لم تتعلم شيئًا.
لكن هناك أمران لا يعرفهما الملك.
أولًا، كلوي لم تتعلم حقًا شيئًا، لذلك لم تشعر بالإهانة من هذا الموقف.
‘ماذا أن قلت لمن لا يملك شيئًا أنه لا يملك؟’
لو كانت كلوي تتأثر بسهولة بهذه الأمور، لما قبلت دور الدوقة مقابل المال من كيرتيس شان بيرك.
لذلك، كانت ممتنةً للترتيب الذي قام به الملك لإيجاد معلمةٍ مناسبة.
الأمر الثاني، أن للناس كبرياءهم، وهذا لا يخص كلوي، بل السيدة برونغ.
لقد اكتسبت شهرتها لأنها تعرف معنى الالتزام بالآداب وماهية الكرامة.
لو أرادت إرضاء الملك، لكانت كذبت على كلوي.
دعوة؟ يمكن توكيل الخدم. قائمة الأسماء؟ اسألوا الخدم، كان من السهل جدًا التصرف بلا مبالاة. لكن السيدة برونغ، حتى لو غضبت من الشابة غير المهذبة، كانت تحرص على أداء مهمتها بجدية.
لذلك اعتذرت كلوي للسيدة العجوز التي حاولت أداء واجبها بشكلٍّ صحيح.
“أعتذر. حتى وأنا أحترم وأقدّر الملك كـ سيدٍ لإيفانيس، لم يكن لدي شعورٌ شخصي بالإعجاب الكامل تجاهه. لذلك كنت قليل الأدب معكِ بعض الشيء.”
“…صاحبة السمو الدوقة الكبرى …”
“بالطبع، لو أخبرته السيدة برونغ بما قلته الآن، سيكون ذلك خطيرًا بالنسبة لي.”
وقفت كلوي عن المكتب وذهبت نحو السيدة. كانت السيدة عبوسةً وشفتيها مضغوطتان.
“لكنكِ هنا لتعلّم هذا الشخص الجاهل كيفية التصرف، لذلك كنتُ صادقةً معكِ.”
“أنا….”
ارتخى قليلاً وجه السيدة برونغ المجعد. حاولت شفتاها التعبير عن شيء، لكن لم تستطع تكوين كلماتٍ واضحة. ومع ذلك، بدت عيناها أكثر لطفًا.
“…مهما كانت نية الملك في إرسال هذه العجوز، فأنا هنا من أجل إيفانيس فقط.”
“وأنا أيضًا سأحترم حب السيدة برونغ للوطن كجنديةٍ فخورة بإيفانيس.”
“حسنًا…”
ردت كلوي بتحية غلينترلاند التي أظهرتها السيدة سابقًا: انحناء الركبتين والظهر مستقيم. ضاقت عينا السيدة برونغ قليلاً.
“…أنها جيدةٌ للمرة الأولى.”
“شكرًا لكِ.”
كانت الأمور جيدةً حتى الآن، وتبادلت السيدتان ابتسامةً بسيطة. لكن للأسف.
“لكن يا صاحبة السمو الدوقة الكبرى، لا يمكن فعل ذلك بخطوتين فقط. تحتاجين خطوتين ونصف، ثم العودة والمحاولة مجددًا.”
كانت السيدة برونغ أكثر صرامةً مِما توقعت كلوي. تلعثمت كلوي وسألت:
“…الآن؟”
“متى ستفعلينها إذن؟”
“لا… أنا في عملي الآن.”
“في هذه الحالة، يجب أن تخفضي نفسك بقول ‘مهارتي محدودة’ وتطلبي الوقت. إذا قلتِ كما قلتِ الآن، سيكون ذلك إهانةً كبيرة.”
“لا… ليس هذا، أنا حقًا…”
حاولت كلوي تأجيل الأمر إلى فرصةٍ لاحقة، لكن السيدة برونغ لم تكن سهلة. اقتربت من كلوي بعينين رماديتين لامعتين.
“أحترم التزام صاحبة السمو بمهام الحرس، لكن الآن حالةٌ طارئة. لا يمكنني السماح لإيفانيس بالإحراج.”
“آه، إذا شعرتِ بالظلم، اشتكي لدى الدوق! هو من وضع أساس إحراج إيفانيس!”
اندفعت كلمات كلوي يائسة، ففتحت السيدة عينيها على مصراعيهما بدهشة.
“ماذا تقولين؟ البارحة بعد الظهر، الدوق أخذ كتاب بروتوكولات العشاء الملكي من مخزن القصر.”
“…ماذا؟”
“طلب الدوق من الخدم في القصر سجلات العشرين سنة الأخيرة للعشاء الملكي. بالطبع، لا يريد الدوق أن يُحرج إيفانيس أمام السفراء الأجانب.”
رمشت كلوي، إذًا ذلك كان البارحة…
“الملازم الموجود هناك هو الدليل. لقد جاء مباشرةً ليسأل عن مكان الكتاب بناءً على أوامر الدوق البارحة، أليس كذلك؟”
“آه، نعم…”
حين أشارت السيدة برونغ، حاول الملازم نويل أن يقول شيئًا من مكتبه، لكن في تلك اللحظة عاد شخصٌ مناسب في هذا الوقت.
“ما أهمية أنني أمرت أم لا؟”
كان كيرتيس قد أنهى تدريب الاستعراض وعاد. التفتت السيدة برونغ بسرعةٍ وأخذت وضع التحية. أشار كيرتيس بيده وقال:
“لم أتوقع أن تقول الدوقة أنني أسست أساس إحراج إيفانيس، لكنني أتحمل المسؤولية.”
ابتسم الرجل ابتسامةً مشرقة.
“بما أن الأمور اصبحت هكذا، السيدة برونغ ستتولى المسؤولية. الدوقة يجب أن تحضر اجتماع إليونورا، والوقت ضيقٌ جدًا. لا أحد يمكن الوثوق به سوى السيدة برونغ. اعتمدُ عليها.”
“حسنًا، صاحب السمو الدوق.”
أجرت السيدة تحيةً راقية، ونظرت إلى كلوي بثقة. حاولت كلوي تفادي عينيها ونظرت إلى كيرتيس، لكن لا جدوى. كان الرجل قد عاد إلى مكتبه وجلس، دون أن ينظر إلى جانب كلوي.
التعليقات لهذا الفصل " 69"