كان أوّل مَن اختاره كيرتيس ليكون شريكًا في زواجٍ تعاقديّ ليست كلوي، بل أغات مونفيس التي تُكِنّ له إعجابًا. غير أنّ نويل عارض ذلك.
إذ لو تورّطت شقيقته الطفلة العمياء بعشقها الأعمى مع كيرتيس، لكان من المؤكّد أنّها ستُفسد كلّ ما يمكن إنجازه.
وبالطبع، فإنّ المركيزة دو فلاندر وأغات الجالسين هناك لم تكن لهما أيُّ معرفةٍ بهذه الحقيقة.
“وفوق ذلك، لقد تجرّأ الدوق ومنح تلك المرأة ‘شعلة القداسة’! إنّه لأمرٌ مُهين!”
وأيُّ شيءٍ يستحقّ أن يُعتبر مهينًا أصلًا؟ ليست ملكًا لها أصلًا. ومع ذلك، كانت أغات تعضّ على منديلها محاولةً كبت غضبها. أما المركيزة دو فلاندر فقد مسحت جبينها بتبرّم.
“ما باليد حيلة يا صغيرتي. لقد تزوّجا بالفعل. حاولي من الآن أن تُحوّلي أنظاركِ إلى رجلٍّ آخر.”
الجميع يعرف أنّ أغات مُتيمةٌ بكيرتيس. لكن آنسة عائلة مونفيس الصغرى كانت مشهورةً أيضًا بوجهها الجميل وطبعها المرح. وفوق ذلك، كان الكونت مونفيس يُدلّل ابنته الصغرى إلى درجة أنّ مهرها كان يُقدَّر بملايين عدّة، وهو أمرٌ يعرفه الجميع.
إذن، ما المانع من صرف النظر عن كيرتيس؟
“وبالمناسبة، ليتني أنا أيضًا…”
كادت المركيزة أن تقول بلا وعيّ: “ليتني أنا أيضًا أنعم ببعض الراحة…” لكنها أسرعت وأطبقت شفتيها. فقد كانت تخشى أن تذهب تلك “ابنة الأخت المزعومة” – التي لا تربطها به أيُّ صلة دم – إلى أمّها لتبكي وتصرخ: “خالتي تضايقني!”
غير أنّ أغات بدا أنّ لها فكرةٌ أخرى.
“صحيح. لا بدّ أنّ هناك أشياء أفضل، أليس كذلك؟”
“ماذا تقصدين؟”
“خالتي! دعينا نذهب إلى باسيلور. أليس أسلافهم هم من باعوا ‘شعلة القداسة’؟ أريد أن أشتري شيئًا أجمل!”
ولِمَ يخطر ببالها ذلك فجأة؟ لكن عيني أغات أضاءتا حماسةً.
“وأنتِ أيضًا، أليس لديكِ الكثير من مجوهراتهم يا خالتي؟”
“ذلك صحيح… ربّما؟”
كان ذلك صحيحًا، ولكن بدقّةٍ أكثر، لم يكن ذلك إلّا عندما كانت تُعرف بالأميرة فلاندر. بعد أن توفّي الملك السابق وصعد شقيقها إلى العرش تغيّر الحال.
فالملك الجديد لم يكن بخيلًا مع كيرتيس وحده، بل حتى مع المركيزة دو فلاندر نفسها. لم يُعطها سوى الميراث المخصّص لها، ولم يمنحها أيَّ شيءٍ إضافي. وبما أنّها لم تتزوّج، لم يكن بمقدورها العيش بترفٍ لتشتري المجوهرات كيفما شاءت.
“فلنذهب يا خالتي. أريد اليوم أن أشتري خاتمًا ضخمًا!”
يبدو أنّ الخاتم الذي قدّمه كيرتيس إلى دوقته كان يُؤرّق أغات. والحقيقة أنّ قيمته لم تكن في جماله بقدر ما كانت في أنّه هديّةٌ من كيرتيس. غير أنّ أغات كانت تتظاهر بتجاهل تلك الحقيقة.
وبوجهٍ متجهّم سألتها المركيز: “ألا تظنّين أنّ من الأفضل الذهاب مع صديقاتُكِ من بناتٍ سنّكِ؟” لكن أغات أصرت بعناد.
“خالتي، من الجيّد لكِ أيضًا أن تتنفّسي بعض الهواء!”
“لا أدري، أنا…”
“وبعدها نذهب لتناول آيس كريم بولوريت!”
آيس كريم؟ عندها انتصبت أذنا المركيزة باهتمام. ابتلعت الكلمات التي لم تجرؤ على قولها – “أنتِ لا تملكين صديقاتٍ، أليس كذلك؟” – ونهضت بتظاهر بالاستسلام. في النهاية، كلّما تقدّم العمر أصبح تحمّل الحرّ أصعب.
***
كان عدد المغادرين معًا إلى بابتين تسعة أشخاص. كلوي وجوليا، ومعهما الشقيقتان الصغيرتان ليا وآيريس. وإلى جانبهم ركب دوبوا العربة أيضًا، بينما كان أربعةٌ من حرّاس الدوق يمتطون الخيل لحماية الموكب.
صحيح أنّهم يملكون سيارةً تعمل بحجر المانا، لكن بسبب الطرق غير الممهّدة في العاصمة، كان استخدام العربة أكثر ملاءمة.
“رائع! آيريس، انظري! هذا متجر الحلوى الذي اشترت لنا أختي منه المرة السابقة!”
كانت ليا في غاية الحماس. وسحر شارع بابتين ببهائه ونظافته خطف أنفاس آيريس أيضًا.
“أختي! كم عدد اللافتات هنا!”
لو كان الأمر في ظروفٍ أخرى، لكانت كلوي قد شاركت شقيقاتها الصغيرات فرحتهم وتحدّثت معهم بحيوية وهي تتأمّل جمال الشارع. غير أنّ الوضع لم يسمح. السبب كان وجود دوبوا الجالس بصلابةٍ إلى جانبها.
“دوبوا.”
“نعم يا سيّدتي الدوقة.”
“قلتُ لكَ لا تناديني بهذا الشكل…”
“لا يا سيّدتي. لا يمكنني أن أخاطب السيّدة الدوقة بغير ذلك.”
زفرت كلوي تنهيدةً طويلة. منذ قليل وهي كلّما حاولت الحديث مع دوبوا أجابها بجدّيةٍ كاملة وباحترامٍ رسميّ. لم يظهر أيُّ أثرٍ لروح الدعابة التي كان يعهدها. وكان من السهل أن تفهم السبب.
‘لقد غضب.’
وله الحقّ في ذلك. فقد كان مقرّبًا منها بحقّ.
‘لأرى… ألم يكن من البحرية أصلاً؟’
تذكّرت يوم تعيينها في الحرس الملكي. كانت متوتّرةً بشدّة، إذ سمعت أنّ أبناء النبلاء هناك يفرضون سيطرتهم بشكلٍ مرعب. في ذلك الوقت، كان أوّل مَن بادر بالحديث معها هو دوبوا.
لم تعلم حينها أنّه في رتبتها نفسها، بل ظنّت – من ثقة سلوكه – أنّه ضابطٌ أعلى منها، فردّت بتحيةٍ مشدودة:
“نعم. أتطلّع للعمل معك.”
لكن ما قاله لها حينها كان مفاجئًا.
“نحن أصدقاء.”
“ماذا؟”
“شدّي عزيمتكِ.”
“…ماذا؟”
ثمّ تظاهر بمسح دموعه وربّت على كتفها قائلًا: “مسكينة.” وجاء جورج من خلفه وربّت على كتفها الآخر.
“إن واجهتِ صعوبةً فأخبِرينا. أنا قائد الفصيلة الأولى، وهو قائد الفصيلة الثانية. سنستمع إليكِ دائمًا.”
“حتى لو كان استماعًا فقط.”
“لكن أليس الاستماع وحده شيئًا مهمًّا؟”
وأثناء هذا الحديث، ما الذي فكّرت به كلوي؟ على الأرجح شيئًا مثل: “كنتُ أظنّ أنّ المضايقات ستكون رهيبة، لكن هذا جيد…”
لكن السبب الحقيقي سرعان ما انكشف. فلم يكن هناك وقتٌ لممارسة أيّ نوعٍ من فرض السيطرة.
فالواقع أنّ البشر يتّحدون عادةً في مواجهة عدوٍّ مشترك. وكان ذلك العدوّ المشترك هو كيرتيس. وبما أنّ جورج وإيزرا قادة فصائل تحت يد العميد مباشرةً، فقد صار تقرّبهم من كلوي أمرًا طبيعيًّا.
وكانت أوقات الترفيه في غرفة استراحة الحرس، حيث كانوا يلعبون الورق ويشتمون كيرتيس شان بيرك، هي ما جعلت كلوي تتحمّل وظيفتها كمُساعدة. فلولا ذلك لكانت استقالت مائة مرة.
إذن، تخيّلوا مدى صدمتهما حين وجدا أنّ كلوي نفسها قد تزوّجت من كيرتيس فجأة.
همست له بخفوت: “اسمع. هناك أسباب…”
“أتفهّم. كان صعبًا أن تُخبِريني بأمرٍ شخصيّ كهذا.”
لكن إيزرا ظلّ متصلّبًا، متجنّبًا النظر إليها. زفرت كلوي مجدّدًا بعمق.
“لقد وصلنا. متجر باسيلور للمجوهرات.”
كانت شقيقتاها تنظران بخجل إلى الجوّ المتوتّر بينهما، لكن سرعان ما شغلتهما بهجة الأسواق المشرقة. وحتى جوليا التي لاحظت التوتّر حاولت جاهدةً إحياء الأجواء.
وربّما لهذا السبب، حين وصلوا إلى أوّل متجرٍ مقصود، نجحت كلوي في طرد مشاعر الضيق من قلبها.
فتح أحد الحرّاس الباب، وكان إيزرا أوّل مَن نزل ليساعدها في النزول. أمسكت كلوي يده المرتدية القفاز وهي تهبط وقالت:
“أيّها الأحمق. لا تأتِ لاحقًا تتوسّل إليّ لأحكي لكَ قصص الحبّ.”
ارتسم الارتباك على وجه إيزرا، لكن كلوي كانت قد نزلت بالفعل.
وفجأة:
“السيّدة الدوقة! أنظري إلى هنا، من فضلكِ!”
“سيّدتي! هل جئتِ وحدكِ اليوم؟”
إنّهم الصحفيون الذين كانوا حول المتجر. ارتجف ظهر كلوي.
فالسبب في أن كيرتيس أرسلها إلى شارع بابتين لم يكن فقط لتوسيع أفقها. بل أيضًا ليستعرض أمام الجميع خروج الدوقة لأوّل مرةٍ بعد الزواج.
لم يذهبا في شهر عسل كما يفعل الأزواج عادة. ولو كانا يريدان إظهار صورةٍ مثاليّة لذهبا بلا شكّ. لكن فريدريك أسرّ لهما نصيحة:
‘من الأفضل ألّا تتحرّكا ما دامت دوقة غلينترلاند لم تغادر العاصمة.’
وهكذا، لم يكن مفاجئًا أن يلاحق موكبهم اليوم عددٌ كبير من الصحفيين.
‘لا تُجِبِي. يكفي أن تُظهري كم أنا أحبّكِ من خلال الحرس الذي أرسلته معكِ ومن خلال المال الذي تنفقينه. والأفضل لو يقال إنّكِ تُنفقين بسخاءٍ حتى على شقيقاتكِ.’
انهمك الرسّامون الصحفيون في رسم صورها بجنون. حاولت أن تبدو هادئةً رافعةً ظهرها مستقيمًا. وسارعت جوليا لترتيب ثوبها. كان ثوب الملكة الذي أصلحه الخيّاطون طيلة الليل.
‘إنّه غيرُ مريحٍ بالفعل.’
كما قال كيرتيس، لا بدّ من شراء ملابس جديدة. لكن أن يضعها في موقفٍ كهذا بدا أمرًا مرهقًا. أليس مسموحًا لها بارتداء زيّها العسكري؟
‘وهل يُعقَل؟’
راودها صوته في ذهنها ساخرًا: “أتظنّين ذلك؟” زفرت متذمّرةً ورفعت ذقنها بوقار وهي تصعد درج المتجر.
‘قد لا تملكين تربيةً على آداب النبلاء، لكن قامتكِ مستقيمة. ارفعي ذقنكِ وارجعي برأسكِ إلى الخلف. حينها ستبدين مقبولة.’
كلمات ذلك الرجل عادت ترنّ في أذنها وأغضبتها قليلًا، لكن كونها جندية ساعدها. فالجندي فضيلته الطاعة.
“إنّكِ متألّقة!”
“سيّدتي الدوقة! التفتّي إلينا قليلًا!”
وبينما أطلق الرسّامون المجاملات الفارغة، تبعت جوليا وليا وآيريس خطواتها.
في الداخل، كان موظفو المتجر وصاحبته بانتظارهم.
“يا إلهي، السيّدة الدوقة. لقد بلغنا حضوركِ، وكُنّا في انتظاركِ.”
كان باسيلور أقدم متجر مجوهراتٍ في شارع بابتين. ورغم أنّ المبنى لم يكن ضخمًا، إلا أنّ تاريخه في تزويد العائلة الملكية جعل النبلاء يقصدونه بكثرة.
تقدّمت امرأةٌ في منتصف العمر بشعرٍ مرفوعٍ بعناية وقدّمت نفسها على أنّها الوريثة السادسة للمتجر. وكانت ترتدي سبع خواتم لافتةٍ على أصابعها العشرة.
“أتسمحين لي بشرف تقبيل ظهر يدكِ يا سيّدتي؟”
“آه…”
ارتبكت كلوي وحرّكت عينيها حائرة. لكن باسيلور ابتسمت برفق.
“لقد ورثتُ أيضًا لقبًا من الملك الراحل، وأودّ أن أحييكِ رسميًّا بصفتي بارونة.”
بمعنى آخر، يُمكن أن تُدعى “السيدة باسيلور”. وكان من المعتاد أن يُقبّل الرجال ظهر يد النبيلات. غير أنّ السيدة باسيلور امرأة. فهل ينبغي أن تمدّ كلوي يدها في هذه الحالة؟ لقد تردّدت.
‘لكن إن أخطأتُ في الردّ فستكون مشكلة.’
وكانت عيون الصحفيين في الخارج تُقلقها. فإنّ هي مدّت يدها لامرأة، فقد يكتبون: “الدوقة تجهل آداب البلاط.”
لكن في تلك اللحظة، جاءها عونٌ غير متوقّع…
═════• •✠•❀•✠ •═════
الترجمة: فاطمة
《 الفصول متقدمة على قناة التيلجرام المثبتة في التعليقات 》
حسابي ✿《انستا: fofolata1 》
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 40"