عادةً ما يُعَدُّ الزواج واحدًا من أكبر المناسبات السعيدة في حياة الإنسان.
في الحرس الملكي، عندما يتزوج أحد الحرس، يُمنَح إجازةً طويلة نسبيًّا قبل الزواج وبعده. فحتى لو لم يكُن وريثًا مباشرًا للعائلة، فإنّ الجميع ينتمون إلى طبقة النبلاء، وبالتالي تتكدّس عليهم أعمال شكر وضيافات وما إلى ذلك في فترة الزفاف.
لكن الدوق الكبير بيرك كان من المقرّر أن يعود إلى عمله في اليوم التالي مباشرةً بعد الزفاف.
بين أفراد الحرس، دار المزاح قائلين: “ربما لا يريد أن يرانا نلهو في غيابه، لذلك يعود بسرعة؟” لكن الأمر لم يكن استثنائيًّا إلى هذا الحد. فشخصٌ بمقام الدوق الاكبر لديه دائمًا من يتولّى هذه الأمور عنه.
غير أنّ الدوق، لعدم ثقته بخادمه، حمَّل كل هذه المسؤوليات للملازم نويل.
في الأصل كان من المفترض أن يتقاسم مساعده تلك المهام، لكن لسوء حظ نويل، ذلك المساعد تزوّج من الدوق نفسه.
وبذلك، آل أمر مرافقة الدوق في طريق عمله إلى قادة الفرق.
خلال فترة غياب نويل، اتُّفِق على أن يتناوب القادة على الذهاب إلى الدوقية لمرافقته صباحًا، ولم يكن في ذلك مشكلةٌ تُذكر.
لكن ما أثار الحماسة هو التنافس الشديد حول من سيكون أوّل من يرافقه في اليوم الأول. الجميع ظنوا أنّه، مهما كان مزاج الدوق صعبًا، فلن يجرؤ على إزعاج أحدٍّ في صبيحة يومه الأول من شهر العسل.
إلا أنّ إيزرا الآن كان يلعن نفسه في الماضي، الذي خاض ذلك التنافس وفاز به.
والسبب: ملاءة السرير المعلّقة على شرفة الدوقية.
عادةً ما تكون أغطية النبلاء مطرّزة بزخارف جميلة، لكن تلك الملاءة كانت بيضاء ناصعة باستثناء شعار العائلة المالكة المطرّز في وسطها… وكان ذلك لغاية واضحة.
وفي وسطها تحديدًا، تَناثرت بقع صغيرة بنية اللون. قبل أن يفكر فيما هي تلك البقع، أطلق إيزرا صرخة.
“لا يعقل! في أيِّ زمن نعيش….”
بدأ صوته عاليًا، لكنه خَفَت في نهايته لأنه خمّن جيّدًا مَن صنع تلك “التحفة”.
“صحيح أنّ إثبات ليلة الزفاف صار يُعتبر من تقاليد الماضي. لكن ألا ترى مَن الذي تزوّج هذه المرّة؟”
ردّ الخادم وهو يداعب لحيته متعجرفًا.
“جلالتُه الملك رجل يُعلي شأن التقاليد.”
وكان حدس إيزرا صحيحًا تمامًا. الملاءة هناك بأمرٍ من الملك نفسه لإثبات أنّ زواج الدوق تمّ على النحو المطلوب.
“لكن أن تُعلّق في مكان يراه الجميع…. الطريق العام قريبٌ جدًّا! أيُّ شخصٍ يمرّ يمكنه رؤيتها.”
“إثبات الزواج، يا سيدي، وُجد ليُرى علنًا.”
وكان هذا أيضًا حيلة رخيصة من الملك ليدفع الدوق إلى ألسنة الناس.
‘لكن… أليس هذا مبالغة؟’
مسح إيزرا وجهه بعنف. مَن كانت زوجة الدوق؟
إنّها صديقته المقربة نفسها! الدوق، فلا بأس. يمكنه أن يرضى بزيادة راتبه، أو أن يجد راحته في قطعة حلوى. لكن ما ذنب كلوي أمبرويز لتُعلَن حياتها الخاصة على الملأ؟
“الزيجات الملكية هكذا تكون. الدوقة الجديدة كانت تعرف ذلك وقبلت به.”
الخادم تبجّح كأنه هو الآخر من سلالةٍ ملكية، مردّدًا كلماتٍ عن قسمٍ مقدس وخيانة وغير ذلك.
أمّا إيزرا فظلّ يضطرب، وأذناه تحمران أكثر فأكثر. لم يكن قد استوعب بعد أنّ صديقته المقرّبة صارت فجأةً دوقة، وها هو في أول يوم عمله يرى… ذلك….
في تلك اللحظة، دوّى صراخٌ مألوف في أذنه.
“آه! ما هذا؟!”
كان صوتًا يعرفه جيّدًا. ومن الواضح أنّ صاحبته لم تكن تعرف شيئًا عن الأمر مسبقًا.
رفع إيزرا رأسه فرأى عند واجهة الدوقية البيضاء امرأة توقّفت مصدومةً، ورجلًا يقف أمامها بذراعين متشابكتين.
كانت كلوي… ومعها الدوق بيرك، كيرتيس.
“كنتُ أعلم أنّك ستتفاجئين، لكن لم أظنّ إلى هذا الحد.”
“وهل يُمكن ألّا أتفاجأ؟!”
أمال كيرتيس رأسه قليلًا ونظر بازدراء إلى كلوي التي كانت تحاججه. كان وجهها قد احمرّ بشدّة حتى كاد ينفجر، يشبه ثمرة ناضجة.
“هل تظنين أن الملك كان سيرضى بتوقيعٍ على ورقة زواج ويكتفي بذلك؟”
“لكن… هذا….!”
فغرت كلوي فمها عاجزةً عن الكلام. أما كيرتيس فاكتفى بلفّ كتفيه مرتين، بلا سبب. اتّسعت عيناها قليلًا، وكأنّها أدركت أنّه لم يكن يتمرّن في الغرفة ليلة أمس عبثًا.
فلو انشغل بالكتابة وحدها في غرفة “ليلة الدخلة”، لأثار ذلك الشكوك.
كانت كلوي قد فكّرت في نفسها: ‘ألهذا الحد يعاقب نفسه بنفسه؟’
لكنها لم تدرِ أنّ كيرتيس سمعها، وهو يكتب نصف ثمل على مكتبه. لم يجد ما يقوله عندها سوى أن يصمت، لأن الرد الوحيد الممكن كان: “فهل ستنامين معي حقًّا الليلة إذن؟”
“إذن… ماذا تعني هذه….”
كادت تُعيد السؤال، لكنّها صمتت وهي تلمح عينيه على معصمها. بدا أنّها فهمت. فضبط كيرتيس كمّ معطفه بتوتر. الجرح كان في الداخل، ومع ضيق كمّ الزي العسكري، كان من الصعب على الآخرين ملاحظته.
“سيدي.”
“لا شيء مهم. لا تقلقي.”
“لكن….”
“جرحُ صغير بسكين حاد. سيشفى بسرعة.”
لم يكذب، فبالفعل نزف ليلة الزفاف يكون في العادة قليلًا. ولرجل مثله، جُرح المعركة أشدّ بما لا يُقاس. لم يشأ أن يستغل ذلك ليُثير الشفقة. لكن كلوي، بوجهٍ متجهّم، اقتربت منه وهمست:
“ليس هذا ما أقصد.”
“إذن ماذا؟”
“أليس الأمر محسومًا بالفعل، أنّنا نمنا معًا؟”
“…ماذا؟”
ساد الصمت بينهما. كلوي نظرت إليه بحيرة.
“ألم تكُن أنت نفسك من قال مرارًا إننا قضينا ليالٍ كثيرة معًا؟ هل نسيْت؟”
تجعد جبين كيرتيس بغضب.
“كلوي. أترين أنّ الناس صدّقوا ذلك حقًّا؟”
“ماذا؟”
“حتى لو صدّقوا، فما الذي تكسبينه أنت من ذلك؟”
فغرت كلوي فمها، بينما أبعد كيرتيس يدها التي أمسكت بكمّه، بضجر.
الجميع كانوا يعرفون أنّ زواجهما قد فُرض عليهما على عَجَل بسبب الملك. وحتى وإن عُدّت العفّة فكرة قديمة، فما زال يُنظَر إليها كقيمة مفروضة على النساء النبيلات.
وعلى خلاف ما توقّعه إيزرا أو الخادم، الملك لم يُصرّ على إثبات ليلة الزفاف. بل بدا كأنّه لا يتوقّع شيئًا أصلًا، واكتفى بإرسال هدايا معتادة من القصر.
بينها أغطية أسرّة مطرّزة بشعار العائلة المالكة، تقليد قديم. فوضعها الخدم على سرير الدوق.
أن يجرح كيرتيس ساعده وهو يراقب مساعدته النائمة على تلك الأغطية، لم يكن إلا فعلًا اندفاعيًّا.
ذلك الاندفاع الملعون….
كان يتوقّع بالفعل أنّ الناس سيصفون زوجته بأنها “دوقة من عائلةٍ متواضعة”، وأنّها ستنال كراهية الملك، وأنّ سمعتها ستتدهور. وهو وهي كلاهما كانا يعلمان ذلك.
لكن أن تتوقّعَ الأمر لا يعني أنّكِ تستطيعُ احتماله.
لذا اندفع مجددًا بتصرّفٍ متناقض.
يعرف تمامًا أنّ ما يفعله متناقضُ وسخيف. أليس هو من قبّلها أمام الجميع فقط ليبدو الزواج “مقنعًا”؟ والآن يتظاهر بأنّه يريد حمايتها من عار “ليلة الدخلة”. أليس هذا تناقضًا صارخًا؟
“حماقة.”
خرجت الكلمة الوحيدة منه تلخّص كل ذلك الصراع. أما كلوي، غير مدركةٍ ما في داخله، فحدّقت فيه غاضبة. لكن الخدم كانوا يقتربون استعدادًا لمرافقة الزوجين، ولم يعُد النقاش ممكنًا. فأطبقت شفتيها.
كيرتيس التفت إلى الشاب الذي كان يحيّي أمامه باحترام.
“قائد الفصيلة الثانية، أليس كذلك؟”
“تحية الولاء. جئتُ لأحلّ محل الملازم نويل مونفيس في مرافقة سعادتكم.”
إيزرا دوبوا، قائد الفصيلة الثانية. لم يكن مميّزًا كثيرًا، ابنٌ ثالث لعائلة دوبوا، وجندي مطيع لا يثير المشاكل.
لكن….
ضيّق كيرتيس عينيه. في عيني الشاب أمامه، رآى بوضوح نظرة ازدراءٍ ولوم موجهةً نحوه. ثم زاغت عيناه قليلًا إلى الجانب… نحوها.
آه.
‘هذا قد يكون ممتعًا.’
ابتسم كيرتيس في سرّه.
“قائد الفصيلة الثانية. اليوم لستَ مضطرًا لمرافقتي. بل أوكلك بمرافقة زوجتي.”
“ماذا؟”
سأل إيزرا مرتبكًا. كان أمرًا لا يمكن حدوثه عادة.
تجهّم كيرتيس قليلًا.
“ألم تسمعني؟”
لم يكن يحب تكرار كلامه. في بدايات خدمته، كان يجعل أيّ جندي يضطره إلى تكرار أوامره يركض عشرات اللفات في الساحة. بدا أنّ إيزرا استوعب أخيرًا، فأجاب بصوتٍ عالٍ وهو يضع يديه خلف ظهره:
“تحية الولاء. أعذرني!”
“بما أنّه يومي الأول مع زوجتي العزيزة، سأتغاضى عن هذه المرّة.”
إلى جانبه، كانت كلوي أمبرويز – أو بالأحرى: كلوي لو ديفد بيرك – تحدّق به وكأنها تقول بعينيها: “هل جننت؟” لكنه لم يلتفت إليها أبدًا.
═════• •✠•❀•✠ •═════
الترجمة: فاطمة
《 الفصول متقدمة على قناة التيلجرام المثبتة في التعليقات 》
حسابي ✿《انستا: fofolata1 》
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 38"