ارتجف القماش الرقيق الناعم بخفة، متموّجًا. كان من الواضح أنّه ثوبٌ صُمّم ليُبرز جاذبية جنسية أكثر منه للراحة في النوم.
بعبارةٍ أخرى، ما هذا الثبات الذي تملكه وهي ترتدي مثل هذا الثوب بينما توجد مع رجل في غرفةٍ واحدة؟
خفضت كلوي رأسها، تتأمّل طرف ثوبها المتمايل على امتداد جسدها، ثم رفعت رأسها مجددًا.
وكما هو متوقّع، تلاقت نظراتهما. في الغرفة المظلمة، ومع تغيّر الضوء الوردي بفعل ارتعاشات الشموع، شعر كيرتيس بإحساسٍ غريب. ما هذا الإحساس؟
ثم سرعان ما أدرك ما هو.
كان ندمًا.
فما قاله كيرتيس قبل قليل لم يكُن سوى مزحةٍ تافهة لم يجرؤ على قولها طوال حياته. ومع ذلك، في مثل هذا الموقف، قد يطلق أيُّ إنسان آخر مثل هذه الدعابة. أي أنّ الناس العاديين ما كانوا ليجدوا في الأمر غرابة.
ثم إنهما جنديّان. صحيح أنّ البحرية تضمّ نساء كثيرات، لكن داخلها ما يزال الطابع الذكوري هو المهيمن.
أما الجيش البري فالأمر فيه أوضح وأشدّ. النكات التي تُهين الأنوثة كانت شائعةً إلى حدّ أنها أصبحت جزءًا من الروتين اليومي. لذا لا شك أنّ كلوي قد سمعت مثل هذه الكلام عشرات المرّات، وربما ألفتها.
لكن لسببٍ ما، شعر هو أنّه لا ينبغي أن يكون واحدًا مِمّن يُطلق مثل هذا الكلام.
بالطبع، كان ما قاله قبل قليل من النوع الذي يُفضَّل تجنّبه على الدوام. ورغم معرفته بذلك، فقد اختار أن يقوله بنفسه.
ومع ذلك، لم يكن سبب ندمه أنّ كلامه كان غير أخلاقي أو غير لائق كضابطٍ أعلى.
ما زالت تحدّق فيه بثبات. ارتعش طرف فم كيرتيس، محاولًا أن يبتسم.
لكن لسببٍ ما، وجد أنّ ابتسامته المعتادة الساخرة كانت ثقيلةً للغاية عليه هذه المرّة. وبدلًا من أن يضحك، سأل من جديد:
“أترين أنّ ثلاثة أشهر وقتٌ قصير لتظنّي أنّني جديرٌ بالثقة كقائد؟”
ما الذي رأتْه فيه لتقول إنها تثق به؟ لكن كلوي رفعت زاوية فمها، ببطء وبوضوح.
قطّب كيرتيس جبينه قليلًا. الابتسامة التي بدت على فمها كانت… نفس ما حاول تذكّره قبل قليل.
كانت سخرية.
“أعتذر، لكن هل يُمكنني أن أقول شيئًا جريئًا؟”
“…قولي.”
“أنا لا أثق في إنسانية سموك بقدر ما أثق في لا-إنسانيتك.”
ارتفع حاجبه لا إراديًا. كانت كلوي تبتسم ابتسامةً هادئة، تحمل في طياتها مشاعر متناقضة معقّدة.
وكأنها تقول: “إنّه من الوقاحة أن أنطق بهذه الكلمات لشخصٍ مثلك، لكن في الوقت ذاته لا أستطيع أن أمنع نفسي.”
“لقد أرهقت مساعدتك التي لم يمضِ على عملها سوى ثلاثة أشهر بالعمل حتى الموت، ولم تكتفي بذلك، بل جعلتها تكذب أمام جلالة الملك، ثم تطلب منها زواجًا مزيّفًا أيضًا… أليس ذلك فوق حدود ما يُمكن أن يُقال عنه إنساني؟”
“……”
“لكن في الوقت نفسه أنت شخصٌ تدرك تمام الإدراك أنّه لو دمّرت كل ذلك بسبب لحظة اندفاعٍ واحدة، فسيُدفَن جثمانك في غلينترلاند.”
عضّ كيرتيس طرف شفته العليا لا شعوريًا، لكن هذه المرّة لسببٍ مختلف تمامًا.
قبل قليل لم يستطع أن يبتسم، أمّا الآن فابتسمتُه تكاد تنفجر.
“هاها.”
وفي النهاية، فشل في كبت ضحكته.
كلوي أمبرويز. لا، الآن صارت كلوي لو ديفد بيرك. لم تكن تملك أدنى فكرةٍ عن مدى اندفاعه في ذلك اليوم.
“أليس من الممكن أن أُفسد كل شيء؟”
قالها وهو يضحك بخفّة. فردّت كلوي بوجهٍ جامد وهي ترفع يدها.
وكان الإصبع الذي يلمع فيه خاتم الجمشت ما يزال يزيّن يدها.
“عذرًا، لكن هذا غير قابل للاسترجاع.”
“لستُ بتلك الدرجة من الوقاحة… لكن أهمّ ما يهمّكِ هو استرجاعه؟ ماذا عن سلامتكِ أنتِ؟”
ألقى نظرةً خاطفة نحو النافذة المظلمة. كان يعلم أنّ ملامحه الغبيّة المبتسمة مكشوفةٌ تمامًا لمساعدته.
لكنّ كلوي أجابته بهدوء، دون أن ترفّ لها عين.
“أعلم أنّك تنظر إليّ بازدراء كوني من البحرية، لكنني على الأقل أُجيد أساسيات فنون الدفاع عن النفس.”
“إذن فأنتِ تعرفين أوّل قاعدةٍ تُدرَّس هناك.”
“النساء لا يمكنهنّ هزيمة الرجال بالقوّة، أجل، أعلم. لكن هل تعرف القاعدة الفرعية التابعة لها؟”
“لا أعرف.”
“قد لا نستطيع التفوّق عليهم بالقوّة، لكن ركلةٌ قويّة في موضعٍ حسّاس تكفي غالبًا للفوز.”
قالت ذلك وهي ترفع ركبتها بخفة، مقلّدةً الحركة. ارتجف الثوب الحريري برفق، كاشفًا قليلًا عن ساقها الطويلة المستقيمة.
“إن تجرّأت على لمسي، فسأرفسك بكل ما أوتيت ثم أقفز من النافذة. صحيح أنني سأكسر ساقي من الطابق الثالث، لكن حين تُصاب الدوقة في ليلة زفافها بكسرٍ في الساق، فلا بدّ أن تصل الأخبار إلى مسامع جلالة الملك.”
“……”
“وسأبيع قصّة الدوق الذي نال لقبَه وهو في الواقع مجرّد مغتصبٍ بلا ضمير.”
غطّى كيرتيس وجهه بيده في النهاية. كان شعورًا جديدًا أن يضحك وهو على وشك البكاء. وبعد وقت، أجاب بصوتٍ مبحوح:
“تبًا. لن يحدث شيءٌ كهذا، فانسَي الأمر.”
“أشكرك.”
أجابت كلوي وهي تنحني، ثم صعدت إلى السرير ذي الأعمدة الأربعة واستلقت على جانبه الأيمن. كان السرير واسعًا للغاية، يكفي لاثنين براحة.
ومع ذلك، لم يفكّر كيرتيس إطلاقًا بتركها تنام مباشرةً.
“ماذا تفعلين؟”
“هاه؟”
توقفت كلوي، التي كانت على وشك أن تُغطي نفسها باللحاف. التقط كيرتيس الروب المعلّق في جانب الغرفة وألقاه لها.
تلقّته بمهارة، فيما هو تقدّم نحو بابٍ آخر في الغرفة وفتحه عمدًا. لم يكن باب الصالة، بل بابًا يقود إلى غرفةٍ أخرى.
كانت مكتبًا.
“قلتِ إنكِ تثقين بلا-إنسانيتي، أليس كذلك؟”
تغيّر وجه كلوي في لحظة، وكأنها تقول “لا أصدق”. أشار كيرتيس بذقنه نحو كومة الوثائق المكدّسة فوق مكتبه.
“حان وقت مكافأة ثقتكِ.”
***
من قال إنّ الفجر لن يأتي حتى لو أُدير عنق الديك؟
بالنسبة إلى شخصٍ تزوّج من قائده البغيض الذي أراد أن يصفعه ألف مرّة، كان يوم الأمس حدثًا هائلًا. ومع ذلك، جاء الصباح كما لو أنّ شيئًا لم يحدث.
“…أنا، كلوي.”
كان رأسها يؤلمها. تمتمت كلوي.
“ليا، دعيني أنام قليلًا فقط…”
جسدها كلّه كان محطمًا. شعرت كأنّ أحدهم ضربها ضربًا مبرّحًا، فالآلام العضلية كانت مروّعة. والأسوأ أنّها لم تنم حتى الفجر.
“دعيني أنام قليلًا بعد. لقد رأيت كابوسًا البارحة…”
لكن كلوي، التي كانت تعمل بدلًا عن إخوتها الثلاثة، لم تكن قادرةً على مقاومة عبارة “خمس دقائق فقط”.
“كابوس؟ مؤسفٌ حقًا، ملازم أمبرويز.”
فتحت عينيها فجأة.
“انتصاب!”
“انتصاب! …تبًا.”
كان الشطر الأخير شتيمةً وجّهتها لنفسها، فقد وقفت كالعادة.
وقف أمامها واضعًا ذراعيه على صدره، يبتسم بسخرية، ثم قال:
“يبدو أنّ دوقة بيرك ما زالت تظن أن اسمها الحقيقي هو الملازم أمبرويز.”
“…كنتُ نصف نائمة.”
“ليس غريبًا، فالزفاف لم يكُن سوى البارحة.”
أشار الدوق بإيماءة صغيرة نحو الخادمات الواقفات.
“الدوقة تبدو متعبة، اعتنين بها جيّدًا.”
“سنفعل بكل إخلاص.”
اقتربت جوليا ضاحكة وهي تدلّك ذراع كلوي برفق، ثم ألبستها الروب وساعدتها على النهوض.
وبينما كانت كلوي تمشي وهي تدور بعينيها في المكان، رأت الخادمات يفتحن الستائر ويطيّن الأغطية.
كان صباحًا جديدًا. أمّا الرجل ذو الشعر الأشقر الجميل، فكان يجلس بلا اكتراث يتلقّى خدمة الصباح، كما لو أنّه لم يُوبّخها منذ لحظات.
كيرتيس شان بيرك.
الرجل الذي شاركها الفراش ليلة البارحة، وقائدها الأعلى.
مسحت كلوي وجهها بيديها العاريتين بعنف. تبًا. لم يكن حلمًا.
═════• •✠•❀•✠ •═════
الترجمة: فاطمة
《 الفصول متقدمة على قناة التيلجرام المثبتة في التعليقات 》
حسابي ✿《انستا: fofolata1 》
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 35"