الحماقة التي ارتكبها الدوق بزواجه رغم معارضة الملك، لم تكُن النهاية كما ظنّوا.
‘صحيح أنّهما تعارفا في الجيش، لكن هل هذا منطقيٌّ حقًّا؟’
الجميع كان يُفكر بالفكرة نفسها.
وفي الوقت نفسه، كان إيزرا يشعر بالشفقة على صديقته.
‘ما الذي أراه الآن؟ عندما سمعتُ لأول مرة أنّهما يتواعدان، حسبتُها مزحةً جنونية، لكن أن يتزوّجا فعلاً؟! ثمّ بزيّ عسكري في يوم اازفاف؟ كنتُ أقول دومًا إنّ ذلك المجنون قد فقد صوابه، لكن أن يفعل هذا حتى في مثل هذا اليوم….’
عندها فقط التقت عينا الدوق كيرتيس بيرك الأرجوانيّتان بنظرةٍ حادّة مع عيني إيزرا.
‘إيزرا، قائد الفصيلة الثانية. ألن تستعيد وعيّك؟’
كان الصوت حيًّا وقويًّا كأنّه دوّى مباشرةً في أذنه، والنظرة الحادّة تلك كأنّها سيفٌ مصلت. عندها فقط استعاد إيزرا وعيّه. لم يكُن هذا وقت الذهول.
“…أبارك لكما اتحادكما المقدّس!”
بقية الحرّاس كانوا في حال مشابهة من الذهول، لكن مع صرخة إيزرا ارتفعت السيوف الممدودة من جديد باستقامة.
ابتسم الدوق أخيرًا ابتسامةً رقيقة، وقاد عروسه نحو الممرّ. حينها فقط صُدم المدعوّون مرّةً أخرى.
“هل كان دوق بيرك… رجلاً يعرف كيف يبتسم هكذا؟”
كان السبب في كراهية الملك الشديدة لكيرتيس بيرك معروفًا لدى الجميع: الغيرة. لكن كل من تحادث معه قليلاً، كان يتساءل إن كان ذلك هو السبب الحقيقي.
‘صحيح أنّه عديم الذوق بشكل فظ. لو كنت مكان الملك، لكنتُ سأكرهه أيضًا.’
لقد وُلِد متكبّرًا، لا يمنحُ الآخرين ذرّةً من التعاطف. باردٌ وقاسٍ، ولم يكن يبتسم أبدًا إلا على سبيل السخرية.
سوى ذلك، فقد كان إمّا عابسًا وإمّا بوجهٍ بلا ملامح.
ومع ذلك، كانت هناك نساء كثيرات يعشقنه، مؤمناتٌ بأنّ حبّهنّ سيذيب ذلك الرجل الجليدي.
لكن لم يسبق لأيّ واحدةٍ منهنّ أن رأت منه مثل هذه الابتسامة، أو مثل تلك النظرات.
ابتسامة كأشعة شمسٍ ربيعية مفعمةٍ بالسعادة. نظرةٌ تقول: “أُحبّكِ إلى حدّ أنّي مستعدٌّ لأن أهَبكِ العالم كلّه.”
شغف رجل واقع في الحب كان واضحًا في تلك اللحظة.
“لا يُصدّق…”
فتح الرجال أفواههم مذهولين من ملامح الدوق، بينما النساء ظللن مبهوتات. بعضهنّ أخفين وجوههنّ المحمرّة بالمراوح.
ذلك الرجل الوسيم كان ساحرًا منذ البداية، فكيف إذا أطلق تلك الابتسامة الرقيقة؟ لقد كان تأثيره مدمّرًا. لكن عيناه كانتا موجّهتين لشخصٍ واحد فقط.
كلوي أمبرويز.
فجأة تنفّس أحدهم تنهيدةً عميقة:
“يا للحظ…”
أجمل عروسٍ أم لا، ممتلئةٌ أم لا، ترتدي ثوبًا عسكريًا بدلاً من الفستان؟! كل تلك الأسئلة التي تداولها الناس بدت تافهةً للغاية في تلك اللحظة.
كان الحرس يشكّلون ممرًّا بسيوفهم، ولو شاء لسلكه بصرامةٍ كقائد، لكن كل انتباهه كان منصبًّا على كلوي وحدها، كأنّ أهمّ ما في الدنيا أن يُرافقها حتى نهاية الممرّ.
ظلّ الحضور مسحورين وهم يتابعون خطواتهما واحدة تلو الأخرى. ولم يستفيقوا إلا حين وقف كيرتيس وكلوي أمام المذبح. عندها فقط جلسوا في مقاعدهم.
“حسنًا… العروس ليست سيّئة المظهر.”
“لكن الزيّ العسكري…!”
“ألم ترَ التاج؟ إنّه هديةٌ من الأمير فريدريك. ألا يعني هذا أنّ الدوق يُعلن ولاءه لإيفانيس امتنانًا؟”
“أجل، دم الملك الراحل الذي تخلّى عن كل شيء من أجل الحب يسري في عروقه أيضًا.”
كانت الهمهمات شبيهة بما سبقها من ثرثرة، لكن نبرتها بدت ضعيفةً وفاترة هذه المرّة. حتى الأقاويل والافتراضات السابقة بدت بلا طعم.
مهما يكن، اعتدل القائد فيكتور بحنجرته وبدأ بكلمات البركة. مجرّد عباراتٍ تقليدية عن ارتباطٍ مبارك جمعهما الجيش.
وبينما كانا متشابكي الأذرع، شرع الكاهن بالمراسم:
“تحت بركة حاكم التنّين إيفانيس حامي إيفانيس، وعظمة غرَانغ أساد حاكم كل شيء، اجتمع هذان الرجل والمرأة بنعمةٍ مقدّسة ليعهدا أمام الحاكم والجميع بالثقة الأبدية والحب…”
كان كيرتيس وكلوي يحدّقان بالمذبح، لذا تعذّر على الناس رؤية ملامحهما. الأمير فريدريك كان شاهدًا، وأكّد أنّ كلوي سبق وأجرت طقس الدم.
“من هذا اليوم فصاعدًا، ستشارك كلوي أمبرويز اسم بيرك المجيد، ابن غرانغ أساد…”
تقدّم الملازم نُويل مونفيس للتوقيع شاهدًا، تحت ضمان الأمير فريدريك.
“أنا، نُويل مونفيس، أشهد أمام جلالتهت الدوقة بيرك الجليلة…”
كلمات الملازم أثارت غصّةً عند بعض الفضوليّين. فبيت مونفيس كان ثريًّا واسع النفوذ، ووالده أحد ستة وزراء داخليين.
والآن ها هو يوجّه لقب ‘جلالتها’ إلى امرأةٍ لم تكن سوى ابنة أسرة وضيعة.
حين أفاقوا من ذهولهم، أدركوا أنّ المرأة التي استهزؤوا بها لم تعد أقلّ شأنًا من الأمير فريدريك نفسه، بل باتت الدوقة.
“هل جلبتما علامة للعهد أمام الحاكم؟”
تطلّع الحضور بشغف، فقد حان وقت هدية العريس لعروسه: الجوهرة الرمزية، وغالبًا ما تكون خاتمًا.
بإشارةٍ من كيرتيس، فتح الخادم الصندوق. ولمحَت سيّدةٌ مسنّة بعين حادّة ما فيه فأطلقت شهقة:
“أليست تلك الشعلة القداسة؟”
“خاتم الملكة…!”
بدأ الحضور بالهمهمة. إنّه الخاتم الذي أهداها الملك الراحل للملكة بعدما عشقها من النظرة الأولى وطلب يدها بعد شهرين فقط.
ومع أنّ كيرتيس وكلوي لم يمضِ على لقائهما سوى ثلاثة أشهر، بدا ذلك رمزيًا للغاية.
أخرج الدوق الخاتم، ثمّ جثا على ركبة أمام عروسه. نظرت إليه كلوي من علٍ، وهو يبتسم هامسًا بشيءٍ لم يسمعه أحد.
“ما الذي قاله؟”
“يبدو… أنّه همس بكلمات حب.”
ثم وضع الخاتم في إصبعها. كانت ترتدي قفازاتٍ بيضاء فوق زيّها الأبيض، والجوهرة الأرجوانية البراقة ــ بلون عيني الدوق ــ لمعت بشكل ساحر، كأنّ نارًا بنفسجية اشتعلت داخلها.
لكن الأمر لم ينتهِ هنا.
“أنا، كيرتيس شان دو إيفانيس بيرك، أقدّم هذا الخاتم لكلوي أمبرويز، دليلاً على حبي وإخلاصي أمام الحاكم.”
بدت العبارة عاديّة للوهلة الأولى، لكن ذوي الخبرة من النبلاء استشعروا غرابة.
“ألم يقل للتوّ: كلوي أمبرويز؟”
“أجل، عادة يُقال: كلوي بيرك.”
إريك، الجالس مع عائلته، قطّب حاجبيه. بينما ليا وضعت يديها على فمها متأثرة، وقد أفلتت يد أختها آيريس.
“لقد جُنّ صهري…”
“ماذا؟ لماذا كل هذا الاستغراب؟ ومنذ متى صار صهركِ أصلاً؟”
“ألم تسمع؟ إنّه قدّم الخاتم لأختنا.”
“لكن أليس من الطبيعي أن يُقدّم لها؟”
نظرت ليا بازدراء نحوه وقرصته في خاصرته.
“لقد قال: لكلوي أمبرويز، لا لكلوي بيرك.”
“…ماذا؟”
كانت ليا طالبة حقوق، عارفةً بقوانين المملكة.
في أعراس النبلاء، يُستخدم عادة خاتم موروثٌ من العائلة. لذلك حين يُعلن العريس تقديمه، يُصرّح قائلاً: “أُهدي هذا الخاتم لكلوي بيرك.”
فإن انتهى الزواج، تُعيد الزوجة الخاتم إلى بيت بيرك.
لكن كيرتيس أعلنها صراحة: هذا الخاتم هديةٌ لكلوي أمبرويز، لا بيرك.
“يعني أنّه لها وحدها، مهما حدث بعد الزواج.”
“يال الجنون…”
حتى إريك، الجاهل بعالم الحُليّ، فهم أنّه أمرٌ جلل. وهذا الدوق أهداه لأخته؟
“ما أروعه…”
كان هديةً غايةً في الرومانسية. والآن ازداد فضول الجميع تجاه تلك الفتاة ذات العينين الوردية. أيُّ سحرٍ تملكه حتى أذاب الدوق البارد كأنّه جليدٌ ذاب في الربيع؟ ظهرت فجأة، وخطفت خاتم الملكة، ثمّ مكانة الدوقة.
لا شك أنّها أسعد نساء العاصمة في هذه اللحظة.
‘أه، لو تعلمون….’
لكن في الحقيقة، كانت كلوي تشعر وكأنّ عقلها يذوب.
كان ارتداؤها للزيّ العسكري مقبولاً. ومرورها تحت أنظار الحرس القاتمة كان محتملاً. لم يكن ذلك مفاجئًا.
لكن رؤية أكثر من مئةٍ من وجوه النبلاء المهمّين في القاعة جعلها تشعر بالدوار. عندها فقط أدركت حجم ما ارتكبته.
‘يا للكارثة… لقد أوقعتُ نفسي في ورطةٍ كبرى.’
“تماسكي، يا مُلازم.”
ارتجفت كلوي حين سمعت الصوت المألوف، وعادت لوعيها. لقد كانت غارقةً في أفكارها لدرجةٍ كادت تنسى أنّها في وسط زفافها.
وفي اللحظة التالية، فوجئت مجددًا: كيرتيس جثا أمامها على ركبةٍ واحدة.
═════• •✠•❀•✠ •═════
الترجمة: فاطمة
《 الفصول متقدمة على قناة التيلجرام المثبتة في التعليقات 》
حسابي ✿《انستا: fofolata1 》
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 27"