“أنا، بما أنّي كنتُ في ثصر الدوق عدّة مرّات، فقد رأيتُها. ماذا عنك يا أخي؟”
“لقد وصلتُ اليوم صباحًا بالقطار. حين كانت أختي تحضّر للزفاف، ألقيتُ عليها التحيّة بسرعةٍ فقط.”
كان ذلك صحيحًا. فإجراءات خروج الطالب من المدرسة العسكريّة كانت معقّدةً للغاية. وعلى الرغم من أنّه حاول الخروج بأسرع وقتٍ ممكن، فإنّ صباح الزفاف كان أفضل ما استطاع فعله.
“وماذا قالت لك الأخت؟”
“ماذا عساها تقول؟ لم نتبادل كلمةً واحدة. بالكاد نظرتُ إلى وجهها، ثم سُحبتُ بعيدًا.”
وعلى الرغم من أنّه أسرع إلى معبد الزفاف، فإنّ إيريك لم يتمكّن إلّا من تبادل نظرةٍ عابرة مع كلوي وهي تخرج من مكان الصلاة. ذلك لأنّه هو أيضًا أُمسك به من قِبل خدم الدوق.
“أنت حقًّا شقيق السيّدة أمبرويز، أليس كذلك؟”
فحتى عائلة العروس كان عليها أن تلتزم بلباسٍ لائق يتناسب مع الزمان والمكان. أخذ الخدم زيّ إيريك العسكري المدرسي، وقصّوا شعره. امرأةٌ تدعى جوليا كوتت زيّه العسكري الذي تكرمش في القطار بطريقةٍ مثاليّة، وكأنّها خدمت في الجيش من قبل.
“رغم كلّ ذلك، لقد تحوّلتَ إلى رجلٍّ أنيق. تبدو وسيمًا فعلًا.”
حين أبدت ليا إعجابها، رمقها إيريك بعين غاضبة ووبّخها.
“ما هذا بحقّ الجحيم؟ غرباء يأخذونني ويغسلونني ويلبسونني كما يشاؤون! الأمر يثير السخرية.”
“لماذا؟ أنا أراه جيّدًا. انظُر، آيريس تبدو لطيفةً جدًّا أيضًا.”
كانت ليا هي الأخرى ترتدي ثوبًا أنيقًا ملفتًا وقفّازاتٍ حريريّة، ورفعت أختها الصغرى النائمة وهي تبتسم بثقة.
حتى إيريك، الذي لم يكن بارعًا في هذه الأمور، أدرك فورًا أنّ الثوب الذي ترتديه شقيقته الصغرى مصنوعٌ من قماشٍ فاخر لا يمكن لعائلة أمبرويز أن تحلم باقتنائه. أمّا تصفيفة شعرها، فقد كانت جميلةً لدرجة أنّها جعلت البقعة خلف أذنها – التي كان الناس دائمًا يشيرون إليها – بلا أهميّة.
ومع ذلك، ظلّ إيريك عاجزًا عن إخفاء امتعاضه.
“أتفرحين لمجرّد أنّكِ ارتديتِ ثوبًا تافهًا كهذا؟ ألا تسمعين ما يقوله الناس عنكِ من وراء ظهركِ؟”
حدّقت به ليا بهدوء، ثم أمسكت بذراعه وفتلتها بشدّة. كاد إيريك يصرخ، لكنّه ابتلع صرخته بصعوبة.
“إذاً، هل تريد أن أبكي؟”
“أنتِ!”
“اسكت وابقَ هادئًا. هل رأيتني يومًا أكون على خطأ؟”
“أجل. في المدرسة، كنتِ تخطئين كثيرًا في مادّة الأخلاق اللعينة.”
كان إيريك قد نسي أمرًا مهمًّا: أنّ شقيقته ما تزال لم تستخدم أظافرها في يده بعد. لم يستطع الصراخ، بل راح يتلوّى حتى أُفرج عنه أخيرًا. اقتربت ليا وهمست بهدوء:
“إنّه خيار أختي. فلننتظر ونرى.”
وأمام تهديدها الصامت، لم يجد إيريك بدًّا من الصمت.
***
كان الناس يتحدّثون بحماسٍ، لكنهم سكتوا قليلاً حين دقّ الجرس معلنًا بدء طقوس الزواج. غير أنّ همساتهم لم تتوقّف.
“بصفتي نائبًا عن التنّين إيفانيس، أقف أمام هذا الاتحاد المبارك بين كيرتيس شان بيرك وكلوي أمبرويز.”
حتى بينما كان الكاهن يؤدّي الطقوس ويقدّم اللفائف المقدّسة للتنين، ظلّت الشفاه تتحرّك بالهمز واللمز.
“يبدو أنّ كلّ شيءٍ معدّ كما يجب.”
“طبعًا. فدوق بيرك إن أهمل أيّ تفصيل، سيتحمّل الملك عواقبه.”
“الأمير فريدريك مدهشٌ أيضًا. على الرغم من أنّه الوريث الوحيد للعرش….”
كان الحاضرون يجلسون متلاصقين على المقاعد الطويلة تحت المذبح الكبير. ولأنّ المسافة قريبة، فقد كان همسهم مسموعًا بسهولة.
ولذلك، التقطته آذان الحرس الملكي الواقفين على جانبي الطريق الملكي.
“اللعنة، لا يتوقّفون عن الثرثرة.”
تمتم قائد الفصيلة الأولى، جورج، بصوت منخفض. ارتعش فم إيزرا، الواقف في الجهة المقابلة، بابتسامةٍ محتبسة. سأل قائد الفصيلة الثالثة من خلفه:
“يا رجل، ما زلتُ غير مصدّق. هل هذا حقيقيٌ فعلًا؟”
“أنا أيضًا أشعر وكأنني أحلم. أحدكم ليطعنني بسكين ليتأكّد.”
“اخرسا أنتما الاثنان.”
أمرهما إيزرا بصرامة، فأطبقا أفواههما. لكنّ الكاهن أطال في الطقوس والدعاء، فاضطر جورج إلى الكلام مجددًا:
“بصراحة، أنا تطوّعتُ في هذه المهمّة فقط لأتأكّد إن كان الزواج حقيقيًّا.”
“أنت أيضًا؟ وأنا كذلك….”
“لكن يا إيزرا، ماذا عنك؟ والداك… كلوي….”
“قلتُ لك اخرس. نحن في طقسٍ مقدّس.”
قاطعهم إيزرا بفظاظة أشدّ هذه المرّة. وانكمش جورج محرجًا، لكنّه فورًا التقى بعيني القائد الأعلى للجيش الملكي، فيكتور، فأسكت نفسه.
فالجميع كانوا يعرفون أنّ الملك وبّخ فيكتور قبل أيّام، قائلًا: “ما الذي جعلك تختار حتى من البحرية لتجلب مساعدًا، وفوق ذلك امرأة، لتعمل مع بيرك؟ أأنت بعقلك؟”
ولذلك بدا نظر فيكتور قاتمًا قاتلًا.
ثم نزل الكاهن عن المذبح، وصعد فيكتور مكانه كأنّه يتبادل المواقع معه، فيما نهض الأمير فريدريك ووقف أسفل المذبح. انتهت الطقوس الموجّهة للحاكم، وحان وقت مراسم الزوجي. عزفت فرقة البلاط لحنًا بهيجًا. عندها التفت إيزرا وصرخ:
“الكل إلى الأمام!”
دخل الحرس الواقفون عند بوّابة القاعة بخطوات منتظمة وانضمّوا إلى رفاقهم. وقف الضيوف جميعًا دفعةً واحدة وأداروا وجوههم نحو الباب.
“السيوف!”
رفع الحرس سيوفهم الطويلة البراقة، مشكّلين مشهدًا رائعًا. حتى الضيوف الذين كانوا متضايقين من الزواج لم يسعهم إلّا إطلاق شهقات إعجاب.
فالجميع تذكّر أنّ دوق بيرك هو بطل حرب. وأصبح الفضول عارمًا لرؤية العريس الذي لا يضاهيه أحدّ في العاصمة.
“يا ترى، كم سيكون وسيمًا اليوم؟”
“حتى حين يرتدي بزّته العسكرية فقط، فهو غايةٌ في الجمال. أنا جئتُ فقط لرؤيته.”
تنفّست بعض الفتيات تنهّدات حسرة، فيما راحت سيدات يتساءلن بشغف عن العروس.
“قيل إنّ الأمير فريدريك فتح خزانة الكنوز الملكيّة.”
“حتى غرفة الملكة ميلدريد أُعيد فتحها.”
“لكن أمامهم أسبوعٌ واحد فقط. ماذا عساهُم يُحضّرون؟”
“على أيّ حال، الدوق ثريّ. ولأنّ النساء نادراتٌ في بيته، فلا بدّ أن يلبسوها أجمل الثياب.”
“صحيح، لكن ألا يكون ذلك كالعقد على عنق خنزير؟”
ضحكاتٌ ماكرة، وإيماءات مشوبة بالتوقّع.
فُتِح الباب. ودخل العروسان المنتظران بلا تردّد.
حبس الجميع أنفاسهم. ساد الصمت، ونظر إيزرا بثباتٍ إلى المدخل.
كان هناك، كما في كلّ وقت، كيرتيس بيرك الوسيم المضيء. وبجانبه صديقته المقرّبة. شعر إيزرا بالارتياحٍ فجأة.
لقد شكّ مرارًا قبل الزفاف بأنّهما سيتزوّجان حقًّا، لكن رؤيتهما يسيران معًا جعل الأمر يبدو مألوفًا بشكلٍّ غريب، باستثناء تشابك الأذرع.
لكن في النهاية، هما دائمًا معًا: القائد ومساعدته. مشهدٌ معتاد، تمامًا كالتدريب في ساحة الحرس الملكي. باستثناء الذراعين المتشابكتين، لم يختلف المنظر عن أيّ وقت آخر.
عندها فقط شعر إيزرا بسخف قلقه، فضحك داخليًا.
‘يا للهراء. بماذا كنتُ أفكّر؟’
أغمض عينيه للحظة ثم فتحهما، وبدأ يصرخ بالصيغة الرسمية:
“باسم العميد كيرتيس شان دو إيفانيس بيرك، والمرشّحة كلوي أمبرويز… أعلن اتحادكما…؟”
انتظر لحظة.
أدرك فجأة أنّ هناك أمرًا غير طبيعي.
‘إن كان هذا مشهدًا مألوفًا… فلا ينبغي أن يكون كذلك!’
تقطّعت كلماته فجأةً. لم يتذكّر ما سيقوله بعد.
“أعلن… أعلن الاتحاد…”
في أيِّ حفل زفاف آخر، لو أخطأ ضابط الحرس الملكي هكذا، لكان الموقف فادحًا.
لكن لم يوبّخه أحد. في الحقيقة، لم يلحظ أحدٌ الخطأ أصلًا.
والسبب…
“…ما هذا بحقّ السماء….”
أنّ هيئة العروسين – كيرتيس بيرك العقيد المساعدة كلوي أمبرويز – لم تكن تبدو، مهما حاول المرء أن يصدّق، كهيئة عروسين في يوم زفافهما.
═════• •✠•❀•✠ •═════
الترجمة: فاطمة
《 الفصول متقدمة على قناة التيلجرام المثبتة في التعليقات 》
حسابي ✿《انستا: fofolata1 》
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 25"