الفصل 20
ما هو جوهر حفل الزّفاف؟
قد تختلف الآراء مِن شخصٍ إلى آخر. مكان زفافٍ أنيق، طعامٌ لذيذ… أو ربما شهر عسلٍ خيالي، هدايا الزّفاف، وبركات المحيطين بهم، فمكوّنات حفلات الزّفاف متنوّعة للغاية.
والآن، بعد مرور نحو أربعة أيّام على موافقة كلوي على الزّواج مِن رئيسها…
كانت تُعاني مِن جوهر لَمْ يخطر ببالها أبدًا لحفل الزّفاف.
“آه… لح، لحظة مِن فضلكم. إنّني أُعاني كثيرًا الآن…”
كانت تلوّي خصرها في جميع الاتجاهات، منذُ قليل، بسبب هَذا الإحساس الغريب والمُحكم الذي كان يُقيّدها بالكامل. وكان صوت أنينها يخرج منها رغمًا عنها وكأنّها تنتحب.
ومع ذَلك، فإنّ شريكها في الزّفاف لَمْ يكُن يعرف للرّحمة طريقًا.
“لا وقت لدينا. أجيبي بسرعة.”
“أنا الآن… أه، أهه. هف.”
“احبسي نَفَسك.”
“هـأب.”
أخذت كلوي شهيقًا عميقًا، لكنّه، بسخرية، ضغط بإصبعه تحت صدرها، على مستوى معدتها.
وهكذا، لم يدم شهيقها طويلًا، إذ خرج من بين شفتيها زفيرٌ مضطرب مرّةً أخرى.
“فو… هآه.”
نظر إليها كيرتيس بازدراء وهمس ساخرًا:
“كان عليكِ أنْ تُخرجي النّفَس، لا أن تسحبيه، ملازم أمبرويز. ليست هَذهِ أوّل مرّة.”
وفي النّهاية، لم تَسْتَطِع كلوي الاحتمال أكثر، فانفجرت غاضبة:
“آه! هَذهِ أوّل مرّةٍ في حياتي أرتدي فيها فستانًا كهَذا!”
نعم، هَذا صحيح.
كلوي أمبرويز كانت، في هَذهِ اللحظة، تُعاني مِن جوهر الزّفاف ونهايته،
أيّ تجريب فستان الزّفاف.
“لا أستطيع التنفّس! إنه ضيّقٌ جدًا! هل ارتدت جميع النساء هَذا النوع مِن الملابس في حفلات زفافهنّ؟”
وعندما صرخت كلوي بهَذا، انفجرت الخيّاطة المُلتصقة بجانب خصرها ضاحكة بمرح.
“بالطّبع. إنّه البداية والنّهاية، وزهرة حفل الزّفاف.”
غرفة استقبالٍ صغيرة في الجناح الفرعي لقصر دوق بيرك.
كان الحرير الأبيض والدّانتيل مُبعثرًا في كلّ مكان، وعينات خيوط التّطريز مفروشة بكثافة حتى يصعب عدّها.
وفي خضمّ ذَلك، كانت الخيّاطة والخادمات يتحرّكن بنشاط ذهابًا وإيابًا.
كان هَذا مشهدًا شائعًا في غرف التّحضير الخاصّة بفتيات النّبلاء اللواتي يقترب موعد زفافهنّ.
غير أنَّ ما كان غير اعتياديّ، هو أنَّ كلوي كانت ترتدي فستانًا جاهزًا بالفعل.
فستان أبيض ناصع. لو رآه أيٌّ مِن مُحبّي الموضة المشهورين في إيفانيس، لعرف فورًا لمِن كان يعود هَذا الفستان مِن مجرّد لونه.
إنّه فستان الملكة ميلدريد، والدة كيرتيس.
كلوي كانت ترتدي فستان الزّفاف الذي ارتدته الملكة ميلدريد في زفافها مع الملك السّابق.
وقد كانت الملكة ميلدريد فاتنةً إلى درجة أنَّ كلّ الصحف التي نشرت صور ذَلك الزّفاف قد نفدت بالكامل. بل إنّها غيّرت تقاليد حفلات الزّفاف في إيفانيس، التي كانت تقتصر غالبًا على الفساتين الحمراء.
فستان الزّفاف الذي ارتدته والدة زوجها المستقبلي. ذَلك الفستان الذي كانت كلّ نساء إيفانيس يحلمن بارتدائه.
في الحقيقة، كان مِن الممكن تفصيل فستانٍ جديد باهظ الثّمن، على قدر مكانة دوق بيرك.
لكن كيرتيس شان بيرك اختار عمدًا ذَلك الفستان النّائم في جناح الملكة ميلدريد الصّيفي. وكان تفسيرهُ لاختياره مقتضبًا.
‘لأنّنا لا نملك وقتًا.’
‘أجل.’
‘كما أنّه يُظهر كم أحبّ مساعدته.’
بدت كلماته ذات طابعٍ رمزيّ ورومانسيّ.
فهو سيتزوّجها مرتديةً فستان والدته الراحلة، وخاتمها أيضًا… لذا، مِن الطّبيعي أنْ يبدو الأمر كذلك… وقد وافقت كلوي على هَذهِ الفكرة، مِن حيث المبدأ.
لكن كان هناك مُشكلةٌ واحدة.
الملكة ميلدريد كانت امرأةً نحيلة وصغيرة البنية للغاية.
“آه، هل أحضرتم فستان طفلةٍ صغيرة عن طريق الخطأ؟! لا أستطيع التنفّس!”
بينما كانت كلوي تُعاني، كانت خيّاطتها تُحكم شدّ الفستان عليها، ثم اعتذرت فورًا.
“آسفة، آنسة أمبرويز!”
كان اسم هَذهِ الخيّاطة الشّابّة جوليا، وقد جاءت إلى قصر الدوق منذ طفولتها برفقة الملكة ميلدريد مِن وطنها الأصلي.
وستكون لاحقًا الخادمة المُرافقة لكلوي، نظرًا لقلّة مَن يُمكنهم خدمتها بشكلٍ لائق داخل القصر.
لكن كلوي لوّحت بيدها مُسرعة.
“لا بأس، هَذا ليس خطأكِ.”
“ولا أظنّه خطئي كذَلك.”
الرّجل الذي كان واقفًا أمامها كان في غاية الوقاحة. رفع حاجبًا واحدًا وقال ببرود:
“ما رأيكِ أنْ تصومي حتى يوم الزّفاف، يا ملازم؟”
“إنْ كنتَ تُريد فسخ الخطوبة، فتابع الحديث.”
وبينما كان الخطيبان يتبادلان الكلمات الحادّة، كانت جوليا تُراقب الموقف بقلق.
فَمِن الطّبيعي أنْ يعتقد موظفو القصر أنَّ هَذا الزّواج قائم على الحبّ.
حتى وإنْ كانت الخادمات موثوقات، لا يُمكن إفشاء الأسرار الحقيقيّة.
‘لكن ما هَذا التوتّر بين ااآنسة أمبرويز والدوق؟’
كان جناح خطيبة الدوق مغلقًا أمام أيِّ خادم لمدّة ثلاثة أيّام. ولَمْ تدخل جوليا وبقيّة الخادمات إليه إلّا هَذا الصّباح، بحجّة بدء تحضيرات الزّفاف.
وقد كنّ في قرارة أنفسهنّ يشعرن بالفضول والاهتمام… فخطيبة دوق بيرك، بكلّ بساطة، ليست امرأةً عاديّة.
جميع مَن يعمل في قصر الدوق كان يتساءل يومًا: مَن هي المرأة التي سيتزوّجها هَذا الرّجل المثالي؟
وتنوّعت تلكَ التكهّنات، لكنّ الوافدين الجدد غالبًا ما كانوا يتساءلون ‘رجلٌ وسيم ومثالي هًكذا، بأيِّ نوعٍ مِن النّساء سيتزوّج؟’ ، ‘لا بُدّ أنّها ستكون جميلةً ونبيلةً جدًّا!’
في المقابل، فإنَّ الخدم الذين خدموا طويلًا في القصر تنوعت آراؤهم بشكلٍ كبير بحسب درجة ولائهم.
“لَن يتزوّج الدوق إلا لو كانت الدوقة صلعاء.”
“لو كان زواجًا عن حب، فرُبما لَن ينزعج مِن شعر رأسها.”
“مستحيل. شخصٌ مثل دوق بيرك لا بد أنْ يقترن بشخصٍ نبيل ونادر، لكن أيُّ امرأةٍ يمكنها تحمّل مزاجه؟”
“لكن، بالنظر إلى وجهه، رُبما تتخطى المرأة تلكَ العقبة وتندفع نحوه ولو بشعرها!”
ثم ظهرت أمامهم الآنسة أمبرويز في الجناح الفرعي، فأطاحت بكل التوقعات والفضول دفعة واحدة.
تجدر الإشارة إلى أنْ لقب ‘الآنسة أمبرويز’ هو ما حدّده كيرتيس شان بيرك بنفسه.
فهي لمْ تتزوّج بعد، لذا لا يُمكن أنْ تُدعى بالدوقة، كما أنها لا تحمل لقبًا أو رتبة عالية تجعل مناداتها بـ السيدة أمبرويز أمرًا ممكنًا.
“بما أنها خطيبتي وجندية، فليكن لقبها بين الخدم هو الآنسة. وسأناديها بهِ أنا أيضًا.”
“لكن رتبة الملازم لا تستحق لقب ‘الآنسة’.”
“إذاً، هل تفضلين أنْ أناديكِ بزوجتي، أم أكتفي بـ’الآنسة’؟”
“هاهاها! لطالما رغبتُ في أنْ أكون آنسةً منذُ الصغر!”
… تفاصيلٌ كهَذهِ بقيت سرًا عن الخدم.
على أيِّ حال، كانت كلوي مختلفة تمامًا عمّا توقعه الخدم.
فمكانتها الاجتماعية شيء، ومظهرها شيءٌ آخر؛ لَمْ تكُن نحيلة أو رقيقة كما تخيّلوا، بل كانت قوية البنية. ولكن، كما هو معروف، الأذواق تختلف. فكر الخدم أنْ هَذا على الأرجح هو ذوق الدوق بيرك.
وفوق ذَلك، كانت كلوي تمتلكُ سحرًا خاصًا. رُبما لأنها درّبت جسدها منذُ الصغر، فكتفاها العريضتان وتناسقها الجسدي أضفى عليها مظهرًا شامخًا.
عضلاتها المشدودة مِن دوّن دهون، وساقاها المستقيمتان، كلّها عناصر جذابة. يُقال إنْ فرقة المسرح النسائية اللواتي يتنكرنَّ في هيئة رجال يعملنَّ في مدينة “غودفروى” قد يبدون عاديين مقارنةً بها.
لذا، لَمْ يكُن مِن غير المعقول أنْ يقع دوق بيرك في حبها.
لكن ما أربكهم لَمْ يكُن شكلها، بل شيء آخر. فبعد علاقةٍ سرية دامت ثلاثة أشهر، وبعد ضغوط مِن الملك، يتزوّجان الآن، ومع ذَلك…
“ألَمْ تجرّبي ارتداء فستان في حياتكِ؟”
“لقد اخبرتك! لا أملك فساتين للمناسبات! هل تعتقد أنني أملك ملابس و اقوم بأخفائها؟”
“الآنسة أمبرويز عاشت حياةً متواضعة لأقصى حدٍّ على ما يبدو.”
“ما هًذا؟! كلامكَ يجرحني!”
كانت الأجواء مشحونةً إلى حدٍّ ما. لَمْ تستطع الخياطة الشابة جوليا، والتي كانت تقف جانبًا، أنْ تتحمل، فتدخلت بلطف وهي تشعر بالأسف.
“أعذريني، آنسة أمبرويز… هل هًذا يعني أنكِ لَمْ ترتدي يومًا فستانًا مفصلًا؟”
عندها، غيّرت كلوي التي كانت ترد على كيرتيس بعينين مشتعلة لهجتها وأجابت بخجل.
“للأسف، منذُ أنْ التحقتُ بالجيش في سن الثامنة عشرة، لَمْ ألبس إلا الزي العسكري.”
“حتى الكلاب تغير فراءها مرتين في السنة، عجّبًا!”
وبسبب سخريتهِ المألوفة، تقلصت عينا كلوي مُجددًا.
“يا له مِن كلام، يا سيدي! حقًا لقد تجاوزت الحدّ! كيف لكَ أنْ تضايق الآنسة أمبرويز وهي منشغلةٌ بتعديل فستانها؟”
ضحك كيرتيس ساخرًا.
“علينا إنهاء الزواج في غضون أسبوع. عليكِ أنْ تحفظي أسماء الأسر النبيلة وألقابهم وأنتِ ترقصين، لا أنْ تقفي لتعديل ملابسكِ فقط.”
نعم، الأجواء المشحونة لَمْ يكن سببها ضيق الفستان فقط، بل أيضًا دفتر النبلاء الذي يحمله كيرتيس في يده.
فلكي تكون دوقة، عليها أنْ تحفظ أسماء الأسر النبيلة وشخصياتهم عن ظهر قلب.
وكان وجود الدوق في ‘غرفة التبديل’، المخصصة عادةً للنساء فقط، لهَذا السبب.
أصاب الذهول جوليا والخياطات الأخريات.
حتى وإنْ كانت خطيبته، فهل مِن الطبيعي أنْ يقتحم غرفة التبديل بهَذا الشكل…؟
لكن خلافًا للتوقعات، تقبلت كلوي الوضع بزفرةٍ واحدة.
“أنا معتادة، لا بأس يا جوليا.”
‘يُقال إنهما وقعا في الحب أثناء العمل الإضافي!’
أصبحت الخياطات يشفقن على الآنسة أمبرويز، التي بدا أنها جسدت العمل المفرط بكل معانيه. أليست العروس، كما يُفترض، يجب أنْ تُدلّل وتُكرّم مِن قبل العريس؟
مِن الجيد أنْ الدوق على الأقل راعى مشاعر العروس التي ترتدي ملابسها الداخلية فقط، فنصب ستارًا مِن المخمل بينهما.
لكن الكلمات المتبادلة مِن خلف الستار كانت أبعد ما تكون عن الرومانسية.
بينما كان الدوق يردد أسماء الأسر النبيلة وصفاتهم دوّن توقف، بدأت الخادمات يفقدن صوابهن تدريجيًا.
بصراحة، لقد تجاوز الأمر الحدّ. أنْ تطلب مِن عروسٍ لا تكاد تستطيع التنفس مِن ضيق الفستان أنْ تواصل الرد!
جوليا، التي كانت قد نالت محبة الملكة الراحلة في صغرها، قبضت يدها بإحكام.
فهي الوحيدة هُنا التي تجرؤ – ولو قليلًا – على الاحتجاج للدوق بيرك.
وآمنت أنْ هَذا هو الوقت الذي يجب أنْ تنهض فيه وتدافع عن دوقة المستقبل المسكينة.
《 الفصول متقدمة على قناة التيلجرام المثبتة في التعليقات 》
═════• •✠•❀•✠ •═════
الترجمة: فاطمة
حسابي ✿
《واتباد: cynfti 》《انستا: fofolata1 》
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
التعليقات لهذا الفصل " 20"