الفصل 18 :
نعم، لو فكّرنا بالأمر بدقّة، فـ هَذهِ الزيجة أقرب ما تكون إلى عقد توظيف.
وكلا الطرفين، المعروفَين بذكائهما وحدّتهما، أدركا هَذهِ الحقيقة سريعًا.
وأيُّ عقدٍ لا بدّ له مِن شروطٍ ووثيقة.
ولنكرّر مرّةً أخرى، كيرتيس كان رجلًا شديد الكفاءة. ففي الوقت الذي أمر فيه كلوي بإحضار أفراد أسرتها والاحتماء في هَذا المنزل، أعطاها أيضًا تعليماتٍ بشأن ما يجب عليها فعله.
“بما أنّكِ لَن تتمكّني مِن الخروج مِن القصر قبل الزواج، ففكّري في شروط العقد.”
“عفوًا؟”
“دعينا نكتب عقدًا. عقد ما قبل الزواج.”
لَمْ يكن هَذا أمرًا نادرًا في عائلات السياسيّين، حتّى لو لَمْ يكونوا مِن سلالة ملكيّة. فلا بدّ مِن الحؤول دوّن تمزّق الألقاب والممتلكات. ثمّ إنَّ هَذهِ الزيجة قائمة على الطلاق منذُ البداية، وقد وافقت كلوي على أنْ تُصبح دوقةً مقابل المال. لذا، فإنَّ كتابة عقدٍ أمرٌ بديهيّ.
غير أنَّ الجمع بين كلمتَي “زواج” و”عقد” كان، بالنسبة لكلوي التي نشأت كنَبيِلة متواضعة، مفهومًا يمكن تقبّله عقلًا، لكنّه لا يزال غريبًا على قلبها.
لذا، بينما كانت أختاها الصغيرتان تجوبان الجناح الملحق بانبهار وعيونهما تلمع، أمضت كلوي يومها بأكمله أمام ورقةٍ بيضاء، تُفكّر بجدّيّة شديدة.
” <1. ممنوعٌ العمل الإضافي خلال فترة العقد>. “
كان أثر القلم واضحًا يدلّ على شدّة تفكيرها، غير أنَّ البند الأوّل كان كافيًا لأن يُثير سخرية كيرتيس.
فما إنْ قرأه حتى أطلق نظرةً ساخرة، فتردّدت كلوي قليلًا.
“هل تُريد أنْ تُخلَّد في التاريخ كشخصٍ جعل زوجته تعمل لوقتٍ متأخّر؟”
“لا أعلم بشأن التاريخ، لكنّ الناس يبدو أنّهم يرونني هَكذا بالفعل.”
كان يشير إلى المقال الذي تضمّن مقابلةً مع الحرس الملكيّ.
“هَذا لأنّنا وضعنا افتراضًا بأنَّ علاقتنا سريّة، لذا يُمكننا لاحقًا تبرير ذَلك.”
لكنّه سخر بأسلوبه المعتاد.
“يبدو أنّ علينا تحديد نطاق العمل الإضافي أوّلًا. هل حضور الدوقة للحفلات يُعدّ عملًا إضافيًّا؟”
رمشت كلوي بعينيها، وكأنّها لم تتوقّع كلمة “حفلة” أصلًا.
عدّل كيرتيس نظّارته وتابع حديثه:
“ما أطلبه مِن الملازم أمبرويز أنْ تكون أكثر مِن مجرّد دوقةٍ اسميّة. لو أردتُ امرأةً تبقى محبوسةً في القصر، لألبستُ نويل ثياب نساء ووضعتُ له لافتة ‘الدوقة’ وأبقَيتُه هناك.”
“كيرتيس، هل يمكنني الاعتراض؟”
تذمّر الملازم نويل بخفّة، لكنّه قُوبل بتجاهل تام.
“طالما سنُمثّل أنّ زواجنا عن حب، فعليكِ حضور الحفلات والقيام بجميع الواجبات.”
واجبات الدوقة؟ رأس كلوي بدأ يؤلمها، ورفعت يدها إلى جبينها لا إراديًّا. عندها، علّق كيرتيس بسخرية طفيفة:
“كان مِن المؤثّر رؤيتكِ تهتمّين بسلامة عائلتكِ، لكن ألا ينبغي لكِ أن تتذكّري أنّني أصبحتُ فردًا مِن تلك العائلة أيضًا؟”
توقّفت كلوي فجأةً وحدّقت في كيرتيس.
“ما الأمر؟”
“لا شيء… فقط، لأنّكَ قلت ‘عائلة’.”
“هل لديكِ اعتراض؟”
“ليس اعتراضًا بقدر ما هو… أنّني لم أتخيّل في حياتي أنْ أسمع تلكَ الكلمة تصدُر منك، فشعرتُ بقشعريرة…”
ورغم أنَّ كلامها بدا وقحًا بعض الشيء، إلّا أنّها بدت قلقةً بعدما قالته.
لكنّ نويل انفجر ضاحكًا، وما لبث كيرتيس أنْ ابتسم بدوره بعد لحظة، عندها فقط شعرت كلوي بالارتياح.
“فيما يتعلّق بواجباتكِ كملازم في الحرس الملكيّ، فهمتُ قصدكِ.”
“رائع!”
“لكن عليّ أوّلًا أنْ أستشير لجنة الانضباط العسكريّ لأتأكّد إن كنتِ تستطيعين البقاء كمساعدة لي.”
عندها شبكت كلوي ذراعيها بثقة.
“اللجنة لَن تمانع.”
“وما الذي يجعلكِ واثقةً إلى هذا الحدّ؟”
“لأنّه من الواضح أنّه إن غابت الملازم أمبرويز، فلَن يبقى أحد ليكون مساعدك.”
تدخّل نويل ساخرًا، فضحكت كلوي بخفّة.
قرأ كيرتيس البند التالي بنبرة منزعجة.
” <2. دفع مبلغٍ منفصل قدره مليون سينغ كعقد>. حسنًا. أمّا بند زيادة الراتب بنسبة 400٪ فهو مرفوض.”
“لماذا؟!”
“لأنّ راتبكِ لا يُدفع من خزانتي، بل من خزينة الدولة. بدلًا من ذلك، سنُخصّص للدوقة بدلًا للحفاظ على مكانتها… لحظة. كم راتبكِ الشهري؟”
“أربعة آلاف سينغ شهريًّا…”
عند تلك النقطة، نظر كيرتيس إلى كلوي مرّة أخرى، بنظرة تفحّص من أعلى إلى أسفل، ما جعلها تزمّ عينيها.
وكانت ترتدي زيّها العسكريّ المعتاد لهذا اليوم أيضًا.
‘لقد أمرتُ بأن تُرسل بعض ملابس النساء إلى الجناح الخارجيّ، فلا بدّ أنّها وصلتها… فلِمَ لم ترتدِ شيئًا منها؟’
لكن بدلًا من أن يسأل، اكتفى بسخريةٍ خفيفة.
“بذَلك الراتب، ومع ذلك لا تزالين لاتبدين بشريّة؟ مدهش.”
“…سأتّخذ ذلك على أنّكَ ستمنحني بدلًا جيّدًا للحفاظ على مظهري؟”
“سأمنحكِ عشرة ملايين سينغ سنويًّا.”
“ماذا؟!”
نهضت كلوي من مكانها فجأة.
كانت ردة فعل تُرضي من يدفع المال.
“لقد اخبرتكِ. يجب أن تُؤدّي كل الواجبات بصفتكِ دوقة. وإذا كان الأمر كذلك، فعليكِ أيضًا الحفاظ على كرامة الدوقة.”
“سأبذل قصارى جهدي.”
ضحك كيرتيس بخفة على جوابها الجاد، ثم انتقل إلى البند التالي.
كان بالفعل البند الأخير.
“<٣. يجب أن يُطيع كيرتيس شان بيرك كلوي أمبرويز في جميع الأوقات>؟”
“كنتُ أرغب في تدوينها رسميًّا قدر الإمكان. هناك صياغةٌ أكثر تفصيلًا تحتها.”
أين ذهبت تلك المرأة التي كانت قبل لحظة تهتف قائلة: “عشرة ملايين سينغ؟! ليس ألفًا بل عشرة ملايين؟!”؟
عادت كلوي بسرعة إلى هدوئها وأجابته بنبرةٍ رصينة.
“رغم أنني استخدمتُ كلمة ‘طاعة’، إلا أنني لا أقصد أن أُرغم سموّك على الركوع كما في السابق.”
“بالطبع، لا يمكنكِ أن تطلبي مني الركوع ثلاث مرات أخرى.”
كانت سخريةً تنضح بالمرارة. وحده الملازم نويل لم يفهم فمال برأسه متسائلًا.
رفع كيرتيس نظارته وقرأ السطر التالي بصوتٍ عالٍ:
“كيرتيس شان بيرك يعترفُ بكلوي أمبرويز بوصفها ذات رتبةٍ أعلى، ويُكنّ لها أقصى درجات الاحترام.”
“هممم، نعم.”
“وفي حال طلبت كلوي أمبرويز أي شيء مستندةً إلى هذه الوثيقة، فإنه يتوجب على كيرتيس شان بيرك أن يُلبي ثلاثة طلبات مهما كانت، خلال مدة العقد. ما هذا؟ حكاية أمنيات؟”
ثلاث أمنيات؟ بدا الأمر وكأنه قصةٌ تُروى عند رأس الأطفال قبل النوم.
أبدى كيرتيس امتعاضه، لكن كلوي بقيت ثابتة.
“إنه بندٌ مرتبط مباشرةً ببقائي وبقاء عائلتي.”
“بقاؤكِ؟ الآن وصلنا إلى البقاء؟ هل ستذهبين إلى الحرب يا ملازم؟”
“ليس تمامًا، لكنني فكرتُ قليلًا.”
رغم سخرية كيرتيس المُستمرة، إلا أنْ كلوي وضعت يديها على ركبتيها وتحدثت بجدية.
“شاءت الظروف أن نكون في مركبٍ واحد، لذَلك سأبذل كل ما بوسعي في هَذا الأمر. لكن جلالة الملك لا بد وأنه يُبغض فكرة أنني أبذل جهدي.”
أنْ تبذل جهدًا في هذا الأمر، تعبيرٌ غريب يخرج من امرأةٍ على وشك الزواج، لكن كيرتيس وجد فيه رضا غريب.
“هَذا صحيح.”
“فكرتُ ما هي أسهل طريقةٍ لجلالة الملك كي يوقف هَذا الزواج. وبرأيي… الاغتيال هو الأرجح.”
تفاجأ نويل الذي كان واقفًا بجانبهم وفتح عينيه على اتساعهما عند سماعهِ تلكَ الكلمة الخطيرة.
لكن كيرتيس أومأ برأسه بهدوء.
“إذا متِ، فسينتهي زواجي وكل شيء. لهذا طلبتُ إدخال عائلتكِ إلى قصر الدوقية.”
“آه، في الواقع أعتقدُ أنْ الخطر سيكون أكبر بعد الزواج.”
“لماذا؟”
ترددت كلوي قليلًا.
“لأن من الأسهل التقرّب من رجلٍ فقد زوجته بعد الزواج، على أن تقترب من رجلٍ لم يتخطّ خطيبته التي ماتت قبيل الزفاف.”
“استنتاجٌ حاد.”
أبدى نويل إعجابه، بينما ابتسم كيرتيس بسخرية.
“هل تظنين أنه لو متِ قبل الزواج، سأستغل تلك الحجة لعدم الزواج؟”
“إذن هل ستتزوج بهدوء؟”
“كلا. لكنها حجةٌ جيدة. لم أفكر بها من قبل، وسأستخدمها إن ماتت العروس بشكلٍ مؤسف قبل الزفاف.”
“الآن وقد قلت هذا… هل يُصنف الأمر كخدمةٍ وطنية؟”
“هل تعتقدين ذلك؟ لكن سأحرص على دفع تعويضٍ كريم لعائلتكِ.”
“آه… والداي لا يملكان حسًّا اقتصاديًّا، لذا أرجو أن تُعطى لأختي الثانية.”
“سأتذكر ذلك.”
كان الحديث بارداً جداً بالنسبة لزوجين على وشك الزواج.
حتى لو كان زواجًا تعاقديًّا، أهذا طبيعي؟
ألقى نويل نظرةً خاطفة على كليهما، لكنه لم يجد أثرًا للحزن أو الاستياء على وجهيهما.
وهذا طبيعي، لأن علاقتهما لم تكُن مِن النوع الذي يتوقع منه أي دفء.
رفعت كلوي كتفيها بلا مبالاة.
“على أي حال، في مثل هذه الحالات مِن الطبيعي أن يُصبح أفراد العائلة رهائن أو أن تحدث أمورٌ مزعجة.
لكن بما أنني… تزوجتُ من سموّك مقابل المال…”
“فهمت. من بين مصالحي ومصالحكِ، سأُقدّم مصالحكِ ثلاث مرات. موافق.”
“شكرًا لك.”
“بل الشكر لكِ.”
كان هذا آخر بنود كلوي.
لكن لم يكن نهاية العقد بالطبع، لأن العقود تُوَثق مصالح الطرفين.
تنهد نويل وسلّم كلوي ورقةً أخرى.
وكما هو متوقع، كانت تحتوي على شروط كيرتيس.
مرت عينا كلوي سريعًا على النص.
“<١. تلتزم كلوي أمبرويز منذ لحظة حملها لقب بيرك، بجميع الواجبات المترتبة على هذا اللقب.>”
هذا كان من الأمور التي تحدثا عنها مسبقًا، فلم يُقلقها.
لكن البند التالي أذهلها بعض الشيء.
“<٢. تُقر كلوي أمبرويز بأنها على علاقةٍ تعاقدية مع كيرتيس شان بيرك، ولا تتدخل في علاقاتهِ العاطفية خلال مدة العقد.>”
توقفت كلوي عند هذا البند وسألت باندهاش.
“هل… تنوون الدخول في علاقة؟”
《 الفصول متقدمة على قناة التيلجرام المثبتة في التعليقات 》
═════• •✠•❀•✠ •═════
الترجمة: فاطمة
حسابي ✿
《واتباد: cynfti 》《انستا: fofolata1 》
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
في مشكلة حالياً في الموقع تتعلق بأرشفة الفصول الجديدة بعد نشرها، وراح يتم حلها قريباً إن شاء الله.
وكإجراء احتياطي نرجو منكم الاحتفاظ بنسخة من الفصل بعد نشره على الأقل لمدة يومين أو ثلاثة أيام، لو صار أي خلل مفاجئ.
كما نوصي بمراجعة الفصل المنشور خلال هذه الفترة للتأكد من ظهوره بشكل سليم، ومن عدم حدوث أي خلل تقني أو أرشفة خاطئة.
نعتذر عن الإزعاج، وشكراً على صبركم وتعاونكم الدائم
— إدارة الموقع Hizo Manga
التعليقات لهذا الفصل " 18"