الفصل 13
كيرتيس شان بيرك سيَتزوّج من مساعدته التي التقاها في الحرس الملكي!
الآراء كانت متباينة بشكلٍ هائل. لم يكن السبب فقط أنّ المساعدة كانت مجرّد بحّارة من البحرية عديمة القيمة، بل أيضًا لأنّ عائلتها كانت فقيرة للغاية. مع أنّ النّبالة كانت وراثية، إلّا أنّها تعدَّ كونها من طبقة البارون من الدّرجة الأولى.
بعض النّاس وصفوا هذا التصرّف بأنّه تصرّف متواضع يليق ببطل حرب، بينما صرّح بعض النّبلاء علنًا في المحافل قائلين: “ألم يُصَب دوق بيرك بالجنون؟”
لكن النّبلاء الكبار الذين يعرفون مكانة الدوق بيرك داخل مملكة إيفانيس ظّلوا صلمتين. أمّا العامّة، فقد كانوا مندهشين من خبر زواج كيرتيس شان بيرك من مساعدته شبه نبيلة. لم يكن هناك حديثٌ في أيّ مكان سوى عن زواجه.
تدفّق الصحفيّون إلى مبنى الحرس الملكي. من الصحف الرسميّة التي تُصدرها العائلة المالكة، إلى الصحف اليوميّة الكبرى والصحف الصفراء أيضًا. بشكل غير معتاد، لم تُغلق العائلة المالكة أبواب الحرس أمام هذه القضيّة. بل كانت تُظهر وكأنّها تقول: “تحقّقوا كما تشاؤون.”
لكن بما أنّ كلوي أمبرويز لم تحضر إلى العمل، لم يكن هناك ما يمكن الحصول عليه. حاول الصّحفيّون الوصول إلى باقي أفراد الحرس، لكن دون فائدة. معظمهم كانوا في حالة ذهول.
بعد ملاحقةٍ عنيدة، تمكّنت من التقاط بعض التعليقات المتناثرة من قادة الفرق الذين كانوا في حالة فقدان للوعي العقلي.
“لو تزوّج صاحب السموّ الأمير مرّتين، لما كان هذا الخبر أكثر إدهاشًا…”
“زواج كلوي خاصّتنا من سموّه… أليس هذا بسبب حوادث العمل؟”
بسبب هذه التصريحات، تمّ إغلاق تلك الصّحيفة بتهمة إهانة العائلة المالكة.
وفي النّهاية، عاد الصّحفيّون إلى ملاحقة النّبلاء الذين حضروا الحفل في ذلك اليوم. وبعد جهدٍ جهيد، تمكّنوا من إجراء مقابلةٍ مع نبيل مجهول كان حاضرًا في قاعة الاستقبال أثناء إعلان الزّواج.
“حبيبي!” كان هذا هو عنوان المقابلة.
كشف النبيل المجهول، عبر الصّحيفة، تفاصيل الحبّ الوقح والمشاكس الذي أظهرته كلوي أمبرويز تجاه دوق بيرك. وأضاف بأنَّ الملك، في البداية، لام الدوق لأنّه لم يشاركه هذا الحدث العظيم كأخ، لكنّه في النّهاية بارك زواجهما.
ظهرت شائعة في بعض الأوساط تقول إنّ كلوي أمبرويز حامل بطفلٍ غير شرعي، وإنّ السّبب وراء هذا الإعلان السّريع للزّواج هو الحمل.
لكن هذه الفرضيّة سرعان ما اختفت، بفضل الجدول الزمني لنوبات العمل الليلي لكلوي أمبرويز، والذي كشفه أحد أفراد الحرس الملكي المجهولين.
“جدولٌ كفيل بإسقاط أيِّ جنين موجود.”
كان هذا تعليق الحارس الذي قدّم الجدول.
في صالونات النّبلاء، انتشرت نكتةٌ وقحة تقول إنّ نوبات العمل الليلي كانت مجرّد حُجّةٍ ليبقى الاثنان معًا يوميًا. لكن هذه المزحة سرعان ما خمدت. فأعضاء الحرس الملكي، في نهاية المطاف، هم أبناءٌ لأُسرٍ نبيلة عريقة.
ظهرت نظريّة غريبة تقول إنّ كلوي أمبرويز مازوخية. كيف لامرأةٍ عاقلة أن تقع في حبّ رئيسٍ يكلّفها بكلّ هذا العمل؟
أما ردّ الحرس الملكي الرسميّ على تلك الادّعاءات فكان:
“الحرس الملكي يفتخر بخدمة جلالة الملك ليلًا ونهارًا من أجل سلام مملكة إيفانيس العظيمة، ويعتبر ذلك شرفًا لنا.”
بدأ النّاس يُظهرون تعاطفًا مع أفراد الحرس الملكي.
***
كان من الطّبيعي أن يغضب الملك.
“أيوجد أمرٌ كهذا؟!”
سقطت الصّحيفة التي كان الملك يمسك بها على الأرض، محدثةً صوتًا مرتفعًا. التقطها رئيس الخدم وهو يراقب الوضع بحذر.
في الصّحيفة، كُتب عن مقابلة أجراها كيرتيس شان بيرك في اليوم السّابق بشأن الزّواج. وكان مضمونها المتعجرف كما يلي:
“لستُ ملكًا حتى أختار عروسي بناءً على المال أو المصلحة. لقد اخترتُ طريق الجندي من أجل أن أُبقي المرأة التي أحبّها بجانبي.”
ثمّ أعلن الدوق بأنّه سيُقيم حفل الزّفاف الأسبوع المقبل مُباشرةً.
“هل يظنّ الزّواج الملكي شيئًا يُتناول مع عظام الكلاب؟!”
الزّواج في البلاط الملكي يتطلّبُ إجراءاتٍ هائلة. حتّى الملك نفسه لا يُمكنهُ إنجاز الأمر بهَذهِ السّرعة.
لكن، بحسب المقابلة، فإنَّ الأمير فريدريك، الصّديق المقرّب للدوق بيرك، يُساعده في زواجه بكلّ حماس. وهُنا اشتدّ غضب الملك.
“أيُّها الحرّاس! امنعوا دخول دوق بيرك إلى القصر الملكي لمدّة أسبوع!”
عادةً ما تُقام زيجات أفراد العائلة المالكة في القصر الملكي. الملك كان يُحاول تخريب إعلان الدوق الأحادي.
لكن، على الرّغم مِن هَذا، لم يكن الملك قادرًا على كتمان غضبه، فانفجر مجدّدًا:
“ابني يلقي الطّين على وجهي أمام الجميع! ماذا أفعل بهذا الوضع؟!”
“أعتذر. يبدو أنّني قد سبّبتُ إزعاجًا غير مقصود لعائلة إيفانيس الملكيّة.”
من ردّ على الملك كانت امرأةً جميلة تجلس أمامه.
شعرها البنيّ الفاتح مضفورٌ بإتقان، وملامحها كانت سامية تجذب الأنظار بقوّة. مظهرها المترف يشير إلى مكانتها الرفيعة.
إنّها دوقة غلينتراند، إيزابيل لا غلينتراند. كانت قد جاءت من بعيد إلى إيفانيس للزواج من كيرتيس.
كان الملك قد خطّط لذلك اليوم لعرض صورتها في الحفل الدبلوماسي، ثمّ ليُرتّب لقاءً بينها وبين كيرتيس. ولهذا السبب سُمّي الحفل بـ “موعد الزّواج”.
لكن، في ذلك اليوم، أعلن كيرتيس أنّه سيتزوّج من مساعدته، وتحوّل الحفل إلى مناسبةٍ باهتة. واضطرّت إيزابيل إلى العودة دون أن تُحقّق أيّ شيء.
“لا وجه لي أمامكِ. كنتُ أرغب فقط في إكرام دوقة جاءت من بعيد، لكن أن يتحوّل الأمر إلى هذا الموقف المحرج…”
منذ الصّباح، تعمّد الملك أن يلتقي بها، متصنّعًا الغضب أمامها، قافزًا وكأنّه يغلي من الغيظ.
كان ذلك في محاولة منه لمحو شعور الإحراج حيال ما فعله كيرتيس به، إذ جعله يُسيء التصرف في غلينتراند.
“ما هذا الكلام؟ لا أقول إنّه كان بفضل سموك
، لكنّني حظيتُ ببعض الراحة.”
عند ردّها الرقيق، تظاهر الملك بوضع يده على جبهته.
“ارجو المعذرة، دوقة غلينتراند. حتى وإن كنتُ في قمة هرم هذه المملكة، فليس كلّ شيء يمضي كما أريد.”
ولأنها كانت تتظاهر علنًا بأنها مبعوثةٌ دبلوماسيّة، لم يكُن بوسعها أن تقول “وما شأني؟”، رغم أنّها كانت ترى بوضوح المستوى المنخفض لمراوغات الملك.
اكتفت بابتسامةٍ حزينة.
“أتفهّم ذلك، جلالتك. لعلّ سموّ أمير إيفانيس رأى أن معارضة العائلة المالكة ككلّ لزواج الدوق، بعد إعلان ارتباطه رسميًا، سيبدو أمرًا فظًّا للغاية.”
كيف له أن يقولي علنًا إنّ أحد أفراد العائلة المالكة لا يُفكّر في مصلحة البلاد؟!”
عند كلماته تلك، ارتسمت على وجهها ابتسامة ساخرة.
فمن يقول ذَلك، هو نفسه من يتحدّث عن مكانة أفراد العائلة المالكة.
وكان من المفارقة أيضًا أن ملك إيفانيس، الذي يُكثر من الحديث عن مصالح البلاد، هو نفسه من حبس شخصية مثل كيرتيس شان بيرك في أروقة القصر الملكي بدافع الغيرة والتنافس.
لكن، وبسبب ذلك، استطاعت هي أن تكون هنا الآن.
حياة كان يُفترض بها أن تتعفّن في الريف وهي مشبعةٌ بالكراهية، تحوّلت الآن إلى شيءٍ آخر.
بادرت الدوقة، متظاهرةً بمواساة الملك، قائلة بلطف:
“لذلك، أليس في هذا خيرٌ للعائلة المالكة؟”
“ماذا؟ هل تسخرين منّي الآن، يا دوقة؟”
أخفت الدوقة رغبتها في الضحك، وردّت بهدوء:
“تقديم الحب على مصلحة البلاد ليس مِن فضائل رجل الدولة.”
بدت على وجه الملك علامات ارتياحٍ خفيف.
“وبفضل التصرفات المندفعة لسعادة الدوق، سيتمكّن شعب إيفانيس من رؤية سموّ الملك بنظرةٍ أكثر تبجيلًا.”
ارتعشت زاوية فم الملك عند كلماتها.
فهو، في قرارة نفسه، طالما راقب كيرتيس واغتاظ من مهاراته وشعبيته التي فاقت شعبيته، وخشي حتّى بعد جلوسه على العرش أن يطمع كيرتيس شان بيرك في مكانه.
لكنّ الدوقة كانت تلمّح، بطريقةٍ لبقة، إلى أنّ بقاء كيرتيس بصفاته تلك أكثر تهديدًا لو أضاف إليها حرصًا على المصلحة العامّة.
“مع أنّه ليس من اللائق أن أقول هذا…”
“لا، تفضّلي.”
غطّت فمها بمروحتها وهمست بخجل.
“سمعتُ أنّ السيّدة التي ستُصبح دوقة، رغم أنّها من النبلاء، إلا أنّ منزلتها لا تليق بكونها زوجة لرجلٍ مثل الدوق.”
“…ذلك صحيح.”
“فالناس، بطبيعتهم، كلّما كان أصل مَن يجلس فوقهم وضيعًا، ازدادوا في تحقيره.”
كانت كلمات نابعةً من تجربةٍ مؤلمة عاشتها بنفسها.
ثمّ ابتسمت برقة، ووضعت يدها بخفّة على ذراع الملك.
احمرّ وجهُه فجأةً بفعل لمستها المباغتة.
“ولذلك رغبتُ في أن أُقيم صلة نَسبٍ طيبة معكِ، يا دوقة، لأجل شقيقي… كُحُم.”
مع أنّه هو من طلب أوّلًا يد الدوقة من الدولة الصغيرة غلينترلاند، إلا أنّ الحال انتهى إلى ما هو عليه الآن.
ولم يكن أمام الدوقة الآن سوى الحفاظ على كرامة الملك، لتظفر بما تريده لاحقًا.
“لا حيلة لي في الأمر. ما دمتُ لم أره من قبل، فلا يسعني أن أنافس امرأةً يُحبّها حقًا.”
“تتحدّثين عن الحبّ، لكن من يدري إن كان حبًا حقيقيًّا أصلًا؟”
“وإن كان كذلك، فلا مجال لي لأن أتدخّل الآن.”
وكان الأصحّ أن تقول انها لا تملك مجالًا للتدخّل، لكنّ الرجال من طينة الملك كانوا يتوجّسون دومًا من النساء الذكيّات.
لذا، فقد اختارت أن تتصرّف كأنّها امرأةٌ من بلادٍ بعيدة، شعرت بخيبة الأمل بعد أن كانت تتمنّى الزواج من دوقٍ وسيم.
لكن، لم يكن ذلك يعني أنّها تنوي التخلّي عن خطّتها.
اقتربت من الملك أكثر، وهمست له بصوتٍ منخفض.
لا يوجد رجلٌ يكره اقتراب امرأةٍ جميلة منه.
الدوقة كانت تعرف جيّدًا قوّة جمالها، ومدى ضعف صورتها حين تُقطّب حاجبيها الحزينين.
“الملكيّون، في الأصل، اعتادوا التضحية بأحوالهم الشخصيّة من أجل مصلحة البلاد. وحين أقيس وضعي بالمصلحة الكبرى، يغدو كلّ ما حدث مجرّد أمر لا يُذكر.”
كانت تواسي الملك من جهة، وتُظهر وكأنّها تذمّ كيرتيس من جهة أخرى.
“بما أنّ الأمر انتهى هكذا، فليسعَنا أن نُبارك لسعادة الدوق زواجه السعيد بكلّ صدق.”
كانت عينا الملك لا تفارق وجهها.
“أيُّ تهنئة؟ ذاك الوغد سيرى جمالكِ وسيندمُ أشدّ النّدم!”
كان من المُضحك أن يتحدّث بهذه الطريقة، وهو لا يُزيل عينيه عن وجهها وكتفَيها المُدوّرين.
ولم يُدرك كم كان يبدو مثيرًا للشفقة.
‘ربّما سيكون أفضل من الدوق نفسه.’
لكن الدوقة سرعان ما طردت تلك الفكرة من رأسها.
“كلماتك تُربكني يا جلالة الملك. أنت حقًّا واسع الصدر.”
اختارت كلماتها بعناية لتُرضي الملك، مع علمها بعلاقته السيّئة مع شقيقه.
وبعد أن انقضى الوقت، بدأت ملامح الرضى تظهر على وجه الملك.
قال وقد بدا أكثر مرحًا:
“بما أنّ الأمر صار كذلك، ما رأيكِ أن تمكثي في إيفانيس مدّةً أطول؟ لم تبدأ العلاقات الدبلوماسيّة رسميًّا بعد، على أيّ حال. وهناك العديد من الشبّان المميّزين غير ذلك الوغد.”
يبدو أنّه بدأ يُعجب بها حقًا، بعدما رأى كيف أنّ دوقة غلينترلاند ترفعه بالكلام.
ولحسن الحظ، لم تكن الدوقة تنوي العودة مباشرةً بعد إلغاء الخطبة.
“سيكون ذلك من دواعي سروري.”
“وإن احتجتِ إلى أيّ مساعدة في أثناء إقامتكِ، فلا تتردّدي في إخباري.”
“أنا بالفعل أقضي وقتًا مريحًا بفضلك، جلالتك.”
ومع استمرار مجاملاتٍ كهذه، مرّ الوقت سريعًا.
نهض الملك بسعادة، وقال آخر ما قاله وهو يهمّ بالمغادرة.
“بعد أن رأيتُ خطيبة الدوق، وجدتها لا تصل حتى إلى طرف قدمكِ. يُقال إنّ الشبّان في هذه الأيام، ينهون علاقاتهم كما يبدؤونها… بسرعة.”
كان كلامًا مُضحكًا للغاية.
فهل يقترح أن تنتظر طلاق الدوق لتصير زوجتهُ الثانية مثلًا؟
لكنّ الدوقة لم تُظهر سُخريتها، بل اكتفت بانحناءةٍ هادئة ووقورة أمامه.
“سأنصرف الآن. كان لقاؤنا اليوم ممتعًا.”
وأخيرًا، خرج الملك من غرفة الضيوف وقد بدا عليه الرضى.
فجأة، أُغلِق الباب بصوتٍ قويّ.
أمسكت الدوقة بمروحتها ورمتها بعنف.
“تبًّا له!”
لقد كان تصرّفها يناقض تمامًا انطباعها اللطيف.
《 الفصول متقدمة على قناة التيلجرام المثبتة في التعليقات 》
═════• •✠•❀•✠ •═════
الترجمة: فاطمة
حسابي ✿
《واتباد: cynfti 》《انستا: fofolata1 》
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
التعليقات لهذا الفصل " 13"