حيثُ إنّ كلوي اقترحت “حفل الترحيب الحقيقي”. لم يكن مناسبًا أن تُسامَح لورا بكل بساطة، فكان المقصود: إن غلبتِني فلكِ أن تبقي.
وبحسب ما رأت كلوي، كان ذلك حلًّا لا بأس به. لم تكن القاعدة “الخاسر يخرج”، بل أضافت شرط “يفعل الفائز ما يشاء”. فإذا خسرت كلوي، فليس بوسع لورا أن تطردها مهما رغبت، لأن قلوب عضوات إيلنورا لا تتجه نحو لورا بل نحو كلوي.
ولذا، فغاية ما يمكن لورا قوله لو ربحت هو: “لقد أخطأتُ، وسأُصلح الأمر من الآن فصاعدًا.”
‘ثيودورا، شكرًا لكِ.’
شعرت كلوي ببعض الزهو. فالوميض الذي أرسلتْه ثيودورا إليها عبر انعكاس الضوء كان شفرةً من شفرات الإشارة البرية للجيش، وتحديدًا الإصدار الحديث منها.
-حفل
-انضمام
وما إن جمعت كلوي الكلمتين حتى وصلتها الإجابة: حفل الانضمام.
‘ألستُ عبقرية؟’
وأثناء غرورها الداخلي، قطّبت ولية العهد حاجبيها وهي تلتفت إلى لورا. كان في نظرتها ما يعني: هل يناسبكِ هذا؟
وبطبيعة الحال، لم ترفض لورا.
“أ- أجل، لا مانع لدي!”
فهي لم تكن في موقعٍ يسمح لها بالرفض، ما دامت بحاجةٍ ماسّة للبقاء داخل جمعية إيلينورا.
“لكن… هل يمكننا فعل ذلك هنا؟ نحتاج إلى اختيار المنافسة والتحضير….”
“معذرة يا صاحبة السمو ولية العهد، إن كان الأمر يحتاج استعدادًا، فسنُعيركم ساحة تدريب الحرس الملكي.”
الذي أجاب كان كيرتيس.
“ساحة تدريب الحرس الملكي؟”
“وتقع قريبةً جدًّا من جناح سموّكِ.”
وهذا صحيح. ففي العادة يفصلها بستانٌ مغلق، لكن ما إن عُبر، بدت كأن البناء ملاصقٌ للقصر. ابتسم كيرتيس.
“ثم إنّ ما ابتكرته زوجتي من طريقةٍ لمسامحة الآخرين، أودّ مساعدتها عليها كزوج.”
“ولكن….”
“افعلي ذلك يا صاحبة السمو.”
دفعت إحدى عضوات إيلينورا — وكانت فتاةً شابة من صديقات أغات — وليةَ العهد برفق.
“لقد تورّطت جمعيتنا في شائعاتٍ كثيرة مؤخرًا. وإن تنافست السيدتان وأُغلقت المسألة بنزاهة، فسيسعدنا ذلك.”
“صحيح! سيكون من الممتع رؤية حفل انضمامٍ حقيقي بعد غيابٍ طويل.”
فلم تجد ولية العهد إلا أن تنهض وهي تزفر بعمق. وانحنى كيرتيس بامتنان، ثم أرسل حاجبه يطلب من أحد الخدم الركض نحو الحرس لإخلاء الساحة فورًا.
“وهكذا… إيزابيلا، ما قراركِ؟”
عند سؤال ولية العهد، التفت الجميع نحو إيزابيلا لا غلينتراند، التي كانت منسيّةً في الخلف بسبب فوضى لورا.
ابتسمت بخفة.
“أنا أيضًا أطلب عفو الدوقة، فكيف لي أن أتبعكما إلى هناك؟”
كانت تعني أنها ستبقى، لأن الذهاب معهم سيجعلها تبدو في موقفٍ مضحك أمام الجميع. فأومأت ولية العهد.
“حسنًا. سنُنهي الأمر بأسرع ما يمكن.”
“إذن نختار منافسةً بسيطة.”
فاستُبعد السباحة والتجديف لاحتياجها إلى ماء، ثم طُرحت الرماية، والقتال اليدوي، والركوب، والبولو… إلى أن بقيت ثلاثة: الرماية، الركوب، والقتال.
“أعتذر يا صاحبة السمو… أنا لستُ جيدةً في الركوب.”
“الركوب؟”
“البحرية لا تضع ركوب الخيل ضمن شروط الالتحاق. فالسفن لا تحتاج خيولًا.”
لم تكن كلوي عاجزةً تمامًا عن الركوب، لكنها لم تكن بارعةً بحيث تركض أمام جمعٍ من النبلاء. وبما أن الظروف في صالحها اليوم، فلا بأس بطلب القليل من التسهيل.
أومأت ولية العهد.
“والقتال؟ ألم تتعلماه في البحرية؟”
“لكننا نرتدي فساتين الآن.”
“يمكنكما تبديل الملابس بزي التدريب.”
لكن هذا الاقتراح رُفض.
بسبب الجنود الذين اكتظّت بهم الساحة، بعد أن نُقل إليهم أمر الإخلاء بأكثر مِما يجب.
“إنهم… كثيرون جدًّا.”
انسحبت لورا مذعورةً قليلًا. فقد تجاوز عددهم المئة والخمسين.
“الولاء! نحيّي صاحبة السمو ولية العهد ودوقنا العظيم!”
فشهقت لورا وتراجعت خطوةً. ثم أسرعت بسؤال ولية العهد.
“معذرةً يا صاحبة السمو… بما أن الدوقة رفضت الركوب، فهل يجوز لي رفض القتال؟”
‘هل هذا متماثل؟’
لكن من جهةٍ أخرى، كانت لورا فعلًا تكره التدريب القتالي حتى أيام البحرية. كانت من أولئك اللواتي يعدنه قبيحًا وغير لائق، ولم تستعمله يومًا طوال خدمتها.
‘لكنها لم تتوقع الدخول في قتال عسكري بعد الزواج.’
شعرت كلوي بخيبةٍ بسيطة. فلو كان قتالًا لربما وجهت إليها بضع لكمات “بالخطأ”.
“يا للأسف.”
“ه- هاه؟”
التفتت كلوي بصدمةٍ. كان الصوت صوت كيرتيس. تبسّم وكأنه يقرأ تفكيرها.
“أليست مهارتكِ في القتال مُمتازة؟”
“هي كذلك، لكن… كيف عرفتَ؟”
“رأيتُ الأرقام التي سجّلتِها في صالة تدريب الحرس. كم ضربةً كنتِ ستلقنينها إياها… خسارة.”
‘ومتى رأى ذلك؟!’
وقبل أن تجيب، قالت ولية العهد.
“بعد أن رفضتِ الركوب، ورفضتْ هي القتال، لم يبقَ إلا الرماية.”
وانفرج وجه لورا قليلًا، بينما علت وجوه بعضهن — ثيودورا خصوصًا — علامات القلق.
وكذلك بدأ الهمس بين جنود الحرس الذين سمعوا.
“أليس هذا غير عادلٍّ للدوقة؟”
“قصة الرائد ديبروا…”
“في ممر المكتب….”
والسبب بسيط: فقد انتشرت قصة حادثة إطلاق النار التي وقعت قبل عشرة أيام أمام مكتب الدوق، وفضيحة الرائد أينري ديبروا.
والتقارير الصحفية ذكرت أن الدوقة اشتاطت غضبًا ففشلت في إصابته فأصابت الجدار، ثم قام الدوق بتحطيم فكّه في السجن العسكري.
والأهم أنّ ديبروا في إحدى مقابلاته الصحفية سخر من أصل الدوقة البحري ووصف مهارتها في الرماية بأنها “مزرية”.
وسط الاستعدادات، سأل كيرتيس بصوتٍ منخفض:
“هل ستكونين بخير؟”
فأجابت كلوي ببرودٍ لطيف:
“أفضل مِن الركوب، على الأقل لن أُكسر ساقي.”
“لم أقصد…”
“…طالما لن أطلق النار على ساق أحدهم.”
فاتسع تعبير كيرتيس بدهشةٍ محرجة.
أما لورا — التي سمعت المحادثة — فلوّحت ببندقيتها بثقة. فالطبقة النبيلة تعد الرماية من اللياقات الأساسية، والقتال اليدوي هو ما كانت تخشاه، لا الرماية.
‘سأعود مبتسمةً.’
لكن لسوء حظها… كانت مخطئةً تمامًا.
***
بانغ!
ارتفع آخر دخان من فوهة بندقية الدوقة، فيما تجمّدت لورا.
ثلاثة أهداف.
ثلاث طلقات.
وكلها أصابت المركز تمامًا.
“ظننتُ بأنكِ تعرفين… بما أنكِ قلتِ إننا كنا مقربتين في البحرية. لكن يبدو أنكِ نسيتِ أنني ترقّيت إلى رتبة وكيل ضابط… بسبب الرماية.”
ارتفع صراخ الجنود — هل هو هتافٌ أم صياح؟ لا أحد يدري — بينما وضعت كلوي البندقية جانبًا. تنهدت ولية العهد.
التعليقات لهذا الفصل " 110"