توقّفت السيدة التي قالت الجملة الأخيرة وكأنّها أدركت فجأةً أنّها ارتكبت خطأً، لكنّ الجميع في المكان أدرك أنّه لم يكن خطأً قط. فقد غطّت فمها بمروحتها وقالت وكأنّها تفشي سرًّا لا ينبغي قوله.
“سمعتُ أحدهم يقول: الأخت الصغرى واضحٌ أنّ دمها مختلط بالأعراق الأجنبية، ومع ذلك تصرّ هي على أنّها أختها فعلاً.”
“ل… لم أقصد ذلك المعنى…!”
حاولت لورا أن تبرّر، ولكن كيرتيس كان أسرع منها.
“يعني أنّكِ قلتِ ذلك بالفعل، أليس كذلك؟”
“هذا… صاحبة السموّ وليّة العهد!”
استدارت لورا متوسّلة إلى وليّة العهد من جديد، لكن كيرتيس لم يفوّت الفرصة.
“الشخص الذي يجب أن توضّحي له هو زوجتي، كونتيسة غوتيا.”
ازدادت الأجواء توتّرًا، ولم يكن القلق يملأ قلب أحدٍ بقدر ما ملأ قلب كلوي.
فمع أنّ كيرتيس كان يدافع عنها بوضوح، إلا أنّ تقدّم الأمور دون أن تُقدّم لورا اعتذارًا وتُسامَح في هذا المجلس أمرٌ شبه مستحيل.
وكان وصول خبر استعطاف كونت غوتيا لدى الملك إلى أذن كيرتيس يحمل دلالةً واحدة. أنّ ضغطًا ما مُورس عليه.
وبالرغم من أنّ كلوي اشتعلت غضبًا حين علمت بما قيل عن آيريس، إلا أنّ هذا الأسلوب الحاد من كيرتيس قد يجرّ الأمور إلى اتجاه آخر…
آه.
واستوعبت كلوي فجأةً شيئًا ما.
“يا صاحب السمو الدوق. أعلم أنّكَ تحبّ دوقتَك، ولكن ألا يجب أن تسأل دوقتَكَ عن رأيها؟”
وكان كما توقّعت. فقد التفتت وليّة العهد إلى كلوي وقالت ذلك.
وهناك فقط أدركت كلوي ما الذي يحدث بالضبط.
مرةً أخرى: لم يكن العفو عن لورا صعبًا عليها.
لكنّ لبّ هذه المشكلة لم يكن لورا وحدها، بل ما نشرَته من شائعاتٍ على مدى الفترة الماضية. وهو أمرٌ لم تكن كلوي قد أدركته بعد.
فالكذب أمام الملك أقل سوءًا مِمّا فعلته لورا في الخفاء. ففي الوقت الذي كانت كلوي تركض فيه لترتيب الحفل، كانت لورا تبالغ كثيرًا في التشويه… وبشراسة.
وغالب الظن أنّ كيرتيس ووليّة العهد كانا على علمٍ تام بتفاصيل ذلك.
وإن سامحتها كلوي هنا دون أن تُظهر أيّ علمٍ بتلك الشائعات، فسوف تُدفن قصّة لورا بالكامل وتتحوّل إلى همساتٍ مجهولة المصدر تطوف بلا نهاية. وتخرج لورا بلا تبعاتٍ حقيقية.
والآن أدركت كلوي أيضًا ما كان خلف ذلك التوتّر الدقيق بين وليّة العهد وكيرتيس.
وكما تعلم جميع السيدات… منظر رجل طويل وغاضب يهجم بالكلام على امرأة ليس منظرًا محبّبًا. لكنه—مع الأسف—كان ضروريًا.
ولهذا كان كيرتيس يضغط على لورا. ولعلّ وليّة العهد كانت تساعده.
لم يبقَ إلا كيفية العفو إذًا…
وفيما كانت كلوي تفكّر، سأل كيرتيس وليّة العهد بحدّة:
“بياتريس. ما معنى أن تسحبي الأمر إلى هذا الحدّ ثم تسألي عن رأي الدوقة الآن؟”
“يا صاحب السمو الدوق. أنا أفعل ذلك حرصًا على عضوةٍ من العائلة الملكية.”
ولم تتراجع وليّة العهد. فازدادت حيرة السيدات، وزاد فضولهن مع ذلك.
فالدوق لا يستطيع السماح بسهولة، وإن سامحت كلوي بسرعة فسيبدو زوجها في موقفٍ سخيف. وهكذا صار العبء عليها.
لو كنتِ تخطّطين لكل هذا… لِمَ لا تعطينني الحل أيضًا؟!
وحين تعود للمنزل… ستصفعه! هكذا صرّت كلوي أسنانها—من الداخل فقط—وهي تحدّق في زوجها المزيّف.
ماذا أفعل؟ إن أخّرتُ السماح، لن يصلح الأمر، وإن أخفقتُ الآن سيثور الملك…
وفي تلك اللحظة، لمعت انعكاسةٌ ضوءٍ خفيفة في عين كلوي.
نظرت إلى المصدر، فرأت ثيودورا تقلب شوكة على الطاولة وتنظر إلى بريقها.
وفي هذا التوقيت بالذات؟
وبينما تفكّر، لمعت الشوكة مرّةً أخرى. وفي اللحظة نفسها تلاقت نظراتهما، فبادلتها كلوي إيماءةً صغيرة تلقائيًا.
بادلتها تيودورا الإيماءة. ثم قلبت الشوكة مرةً ثالثة. لم يكن الأمر صدفة.
…آه.
شعرت كلوي بأنّها ربما تستطيع حلّ الموقف. فأرسلت شكرًا صامتًا لتيودورا، ثم مدّت يدها وأمسكت بذراع كيرتيس.
ارتجف قليلًا إذ كان يقف قريبًا منها وقد امتلأ غضبًا، ونظر إليها.
“كيرتيس. لحظةً فقط.”
“ماذا؟”
“أعلم أنّكَ تحبّني. لكن رجاءً، كيرتيس… صاحبة السموّ وليّة العهد في موقفٍ حرج. فلتَهدَأ قليلًا، أرجوك.”
وعلى الفور، تحوّلت نظرات السيدات إلى نظراتٍ متألّقة بالفضول.
أيمكن أنّ الدوقة تنوي—بهذا اللطف—إعادة الاعتبار لزوجها الغاضب وفي الوقت نفسه منح لورا غوتيا فرصةً للسماح؟
“لكن…”
“كيرتيس. لقد أقسمتَ يومًا أنّك ما دمت تحمل اسمي فسوف تعاملني دائمًا كمن هي أعلى منكَ مقامًا.”
هل حدث هذا فعلًا؟ أجل—حسب قولها. وبينما تبادلت السيدات النظرات، تنفّس كيرتيس بعمق وتراجع خطوةً إلى الخلف.
ابتسمت الدوقة وربتت على يده المغطاة بالقفاز وهمست:
“عليك أوّلًا أن تعتذر لصاحبة السموّ وليّة العهد.”
“…أعتذر، بياتريس.”
“…أقبل اعتذار الدوق.”
لقد اعتذر حقًا! لكنّ وليّة العهد لم تكتفِ، فسألت من جديد.
“والآن… هل ستمنحين كونتيسة غوتيا سماحكِ؟”
وقبل أن تتبادل السيدات نظرات جديدة، قالت الدوقة بابتسامةٍ ساحرة:
“ليس مجانًا طبعًا.”
ولم يكن المقصود المال بطبيعة الحال.
“لنقم باختبار دخول.”
كان اقتراح الدوقة بسيطًا.
اختبار دخول؟ لم تفهمه سوى وليّة العهد، التي بدت متحيّرة، فشرحت كلوي بلطف.
“أعتذر لمباشرتي الكلام، ولكنني لا أظن أنّ كونتيسة غوتيا جاءت فقط للاعتذار. أظنّها ترغب أيضًا في البقاء ضمن جمعية إيلينورا.”
وكان هذا صحيحًا؛ فقد أكدت الصحف أنّ زوجها الكونت يريد توسيع روابطه مع الأرستقراطيين عبرها.
وبالتالي، فإنّ اعتذارها لم يكن بلا دوافع.
“…كل ما أريده هو أداء واجبي في جمعية إيلينورا العريقة.”
قالتها لورا وهي تعضّ شفتها وتومئ. فأكملت كلوي بخفّة.
“السيدات اللواتي يلتحقن بجمعية إيلينورا يخضعن لاختبار دخول واحدٍ على الأقل. وأنا… لم أخضع لواحد بعد. وهذا يعني أنّ لديّ ولدى كونتيسة غوتيا قصورًا يمنعنا من أن نكون عضواتٍ كاملات.”
نعم. كلوي لم تخضع لامتحان الدخول. ولورا اتّهمت عضوةً أخرى ظلمًا.
والسيدات الآن كنّ في قمّة الاهتمام. فمعظمهنّ خَدَمن في الجيش، والبقيّة زوجات رجال خدموا فيه.
ومن الواضح أنّ “الامتحان” الذي تتحدّث عنه كلوي لم يكن ذلك الاختبار الشكلي المتعارف عليه.
“هل تعنين الاختبار الحقيقي؟”
سألت إحدى السيدات، فهزّت كلوي رأسها إيجابًا.
“صحيح.”
وفي هذه الأثناء، وبعد أن همست لها إحدى السيدات بشرحٍ موجز، حدّقت وليّة العهد بكلوي مستغربة.
“أتريدين التنافس في المهارات؟”
“شيءٌ من هذا القبيل. بل لنقل: تتنافسان، والفائزة تفعل ما تشاء.”
كانت جمعية إيلينورا في أصلها تجمعًا لنساء خَدَمن في البحرية. ومع أنّها الآن تعمل على نشاطات تطوعيّة واجتماعيّة، إلا أنّ أصلها كان مختلفًا تمامًا.
فبحسب الروايات، فإنّ الأميرة إيلينورا —أول سيّدة تعمل ضابطةً بحرية—أسست الجمعية لأنها “كانت تشعر بالخمول”.
وبعد سنوات من تقاعدها وزواجها، عاشت حياةً سعيدة بلا شك.
لكنّ الأنشطة الأرستقراطية من شاي وخيول وهوايات لطيفة لم تكن تكفيها.
أو بصراحة… لم تكن تستهلك ما يكفي من طاقتها.
وبحسب ما قرأت كلوي في السجلات القديمة…
كانت الجمعية في بداياتها أشبه بنادٍ لنساء سائقات دراجات متهوّرات في العاصمة إيفانيس …
ولهذا فإنّ “الاختبار” الحقيقي كان عبارة عن اختبار مهارات: مدى قدرة السيدة على التحمّل، القوة البدنية، واللياقة.
وكانت الرياضات المستخدمة في الامتحان عديدة: الفنون القتالية، الرماية، السيف، الفروسية، إطلاق النار، البولو، والتجذيف.
وكان التجذيف تحديدًا غريبًا قليلًا—فهو يتطلّب لباس السباحة—لكن اتضح أنّ الأميرة نفسها هي من أدرجه. فهي بحرية المنشأ.
مجموعةٌ من السيدات يحركن مجاديف القوارب بأنفسهنّ ويتسابقن!
كضابطة بحرية سابقة… كان اختيارًا يبعث على الفخر قليلًا.
التعليقات لهذا الفصل " 109"