الفصل 107 :
طبعًا هذا غير ممكن. كانت إيزابيلا قد أدركت نية كلوي بوضوح، واكتفت بالنظر إلى هذه الجهة مبتسمةً بهدوء. ربما كانت منزعجةً في داخلها، لكنها لم تكن لتُظهر ذلك على وجهها.
“لا بأس. من الطبيعي أن لا تكون السيّدة الدوقة معتادةً على أعراف غلينتراند. وقد سمعتُ أنكما كنتما مشغولَين للغاية قبل الزفاف، ومع ذلك تمكنتِ من إتقان التحية على الطريقة الغلينتراندية. إنه لأمر مدهش.”
أجل يا عزيزتي، بما أنكِ من نبلاء الدرجة الثانية ومن بلدٍ آخر، فلا بد أن تعلمي كم عانيتِ حتى تتعلمي آداب بلد زوجكِ. أحسنتِ.
كانت كلوي قد وصلت بفضل تدريب السيدة برونغ إلى درجةٍ تفهم معها هذا النوع من الكلمات المبطّنة بسهولة، فاكتفت بالابتسام.
“لا يسعني سوى شكركِ على تفهّمكِ لقصوري. لقد كان حُبّ الدوق هو ما أوصلني إلى ما أنا عليه.”
وماذا إذًا؟ مهما حاولتِ، مقعد زوجة الدوق مُباعٌ مسبقًا ولن يُستبدل.
“يُسعدني رؤية سوء الفهم بينكما يُزال تدريجيًا.”
“هكذا أراكم الآن، تبدوان زوجين في غاية الانسجام.”
غطّت السيدات من جمعية إيلينورا الصمت بابتساماتٍ متكلّفة لإنهاء الحرج.
“وبما أنّكما أصلحتما الأمور، فقد جهّزتُ هديةً للسيدات الفضليات اللواتي ساعدن زوجتي العزيزة.”
عندما قال كيرتيس ذلك بنبرةٍ تبدو عليها السعادة، أسرع الخدم بجلب الهدايا.
“لقد حضّرنا لسيدات جمعية إيلينورا وردًا من أندر الأنواع في العاصمة هذه الأيام.”
كان الورد الوردي الصغير، الذي لا يتجاوز حجم برعمته حجم ظفر الخنصر، والمزدحم بثلاثين زهرة على الغصن الواحد، غايةً في الجمال.
وكانت كلوي تعلم مسبقًا أن ثمن ذلك الوعاء الواحد يعادل ثمن خاتمٍ من الذهب.
وبينما كانت السيدات يطلقن آهـات الإعجاب وهن يحملن الأحواض، قُدِّم لكلٍ منهن زجاجة خمر.
“إنه نبيذ آني، الذي قطع بحر ساروفا الذي يعجّ بالقراصنة بقيادة ملك القراصنة بارتولوميو.”
“يا إلهي! إنه خمرٌ نادر بحق!”
عند سماع كلمة بحر ساروفا، سارعت كلوي إلى مراقبة وجه إيزابيلا من جديد. لكنّ وجهها بقي جامدًا كـ سطح بحيرة متجمّدة.
وفي كل الأحوال، كانت خاتمة الهدايا قبّعةً مزينة بريشةٍ فاخرة.
“الريش من صناعة توايا، وقد أعاد تشكيله أفضل حرفيي العاصمة ليصبح زينة قبعة رائعة. لقد تعرّفتُ مؤخرًا على صانع قبعاتٍ يعجبني عمله.”
وعندما أضافت كلوي هذا الشرح، ضمّت السيدات صناديق القبعات إلى صدورهن بتأثر.
فلم تكن القبعات متماثلة، بل طلبت كلوي تصميم قبعات مختلفة لكل سيدة بما يناسبها.
قبعات بونّيه، وتابلين، وكلوش، وبروتون… جميعها مختلفة، وجميعها جميلة بطريقةٍ تُرضي الذوق.
حتى ولية العهد نفسها تلقّت قبعةً شينيون بابتسامةٍ رقيقة.
“وقد أخبرتني ولية العهد بأنها لم تنسَ أنني استعرتُ تاجها الثمين في مناسبةٍ سعيدة. لذا فقد حضرتُ لها قبعة شينيون كهدية.”
“يا لها من هديةٍ لطيفة.”
كانت قبعةً وردية مزينة باللؤلؤ، تُرتدى كثيرًا في حفلات الزفاف. وكان من الطبيعي أن يتحول الحديث إلى زفاف الدوقة.
“تذكّرت الآن كم كنت سعيدةً بدعوتنا إلى زفافكما. لم أشكركما كما يجب.”
“وأنا كذلك. كان حفل الزفاف رائعًا حقًا. لقد كانت السيّدة الدوقة غايةً في الجمال….”
انقسمت سيدات جمعية إيلينورا بين من تلقّت الدعوة ومن لم تتلقَّها، وبطبيعة الحال كانت الأكثر كلامًا هنّ اللواتي حضرن.
“أما أنا فلم أتوقع أبدًا أن يقع الدوق البارد في الحب! آه، لا، رجاءً لا تسيئي فهمي. أعني أن الدوق هو المثال الأعلى لكل السيدات….”
وكانت تلك واحدة من زلات اللسان التي لا تخطئها الأذن:
لم أتخيل أن شخصًا غليظًا مثله قد يحب أحدًا.
كان ذلك إهانةً فادحة، ومع ذلك ابتسم كيرتيس شـان بيرك وأجاب بلطف:
“أنا أيضًا كنت أظن ذلك. لم أحبّ أحدًا يومًا، واعتقدت أن حياتي ستستمر هكذا. فكما تعلمن، من يولد في بيت من بيوت الحُكم، حتى زواجه يُعد شأنًا دوليًا.”
“صحيح، صحيح!”
“لكنك التقيتَ بالسيدة الدوقة، أليس كذلك؟ كان لقاءً قدريًّا!”
ضحكت السيدات، وضحك كيرتيس كذلك.
“إنني أقضي معها وقتًا سعيدًا ومذهلًا للغاية.”
اضطرت كلوي أن تضحك بدورها بصعوبة.
“وقتٌ سعيد؟ ماذا تعني بذلك؟”
ورغم السؤال الماكر، أجاب كيرتيس دون تردد:
“هناك لحظاتٌ أشعر فيها أن كل سنوات حياتي الماضية لم تكن إلا طريقًا قادني لأجل هذا اللقاء.”
“يا للروعة، يا لها من رومانسية.”
نصف الجالسات ضحكن، بينما تبادل نصفهن الآخر نظراتٍّ ذات مغزى.
“هل وقعتَ في حبها من النظرة الأولى؟ نحن متشوقاتٌ جدًا لسماع قصة حبكما.”
“طبيعي أن تكونوا كذلك. فقد كنتُ رجلًا فظًا أقرب إلى الصعلوك من قبل.”
ابتسم كيرتيس بوقاحةٍ وهو يتحدث.
“وأدركت عند لقائها أن حتى متاعب الحياة كانت مجرّد حجر أساس لملاقاة هذه المرأة.”
كانت كلوي وحدها تشعر بإحراجٍ قاتل لأنها تعلم أن كلامه ليس سوى تلاعبٍ وكذب.
وأرادت الهرب من هذا المجلس، لكن السيدات لا يتركن فرصةً السخرية من قصص الحب تفوتهن.
“وماذا عنكِ يا سيّدتنا الدوقة؟”
“ن، نَعَم؟”
فزعت كلوي حتى أعادت السؤال بلا وعيّ، فانفجرت السيدة ضاحكة.
“يا إلهي، يبدو أنكِ خجولةٌ للغاية. الدوق قال إنه أحبّكِ من النظرة الأولى، فماذا عنكِ؟”
لا أعلم بشأن النظرة الأولى، لكنني أردت لكمّه في كل مرةٍ رأيته فيها.
لكنها لم تستطع قول ذلك، فضحكت.
“إن الحديث عن ذلك هنا… يربكني قليلًا. كما أنه شأنٌ شخصي… وقد يبعثر أجواء هذه المناسبة الجميلة….”
“لكنني سمعتُ من ولي العهد أنكِ كنتِ معجبةً بالدوق منذ وقتٍ طويل، أليس كذلك؟”
وبما أن ولية العهد تدخلت بالسؤال، لم يعد بإمكان كلوي التهرب. دارت بعينيها.
“ن… نعم.”
“يا لها من خجولة! كم أنتِ لطيفة. أخبرينا أكثر قليلًا.”
“صحيح. أظن أن كل آنسات إيفانيس كنّ معجباتٍ بالدوق، أليس كذلك؟”
“بالضبط. لذلك نحن متشوقاتٌ جدًا لمعرفة كيف وقعتما في الحب.”
لو كانت كلوي أكثر خبرةً اجتماعيًا، لأدركت أنهنّ يضايقنها عمدًا.
فهذا لقاءٌ دعت إليه ولية العهد لتلطيف الأجواء، ومن الضروري أن ينتهي بسلامٍ ووِدّ. كما أنهنّ جميعًا يعرفن أن الصحف ستكتب عنه.
وبما أن الموضوعات التي يمكن الحديث عنها محدودة، تبقى قصة حب الزوجين أفضل موضوع يشغل المجلس ويتجاوز برود الوساطة الملكية.
“ن… نعم، لقد… كنتُ أحب … الدوق….”
لكن لسببٍ مجهول، بدأت كلوي تتلعثم بعكس ما فعلته سابقًا أمام الأمير فريدريك يوم الزفاف.
احمرّت أذناها، وبدأت تُراقب رد فعل كيرتيس. رغم أنه كان يبدو هادئًا منذ قليل.
لماذا هي وحدها التي تهتم بما يفعله ذلك الرجل؟
“وأنا أيضًا فضولي، يا كلوي.”
ها قد بدأ!
قبضت كلوي يدها عندما سمعت صوت كيرتيس بلا خجل يعيد السؤال. لكن الغريب أنّ صوتها لم يخرج.
هل تقول إنها أحبّته منذ البداية؟ لكن ذلك بدا ظالمًا لها… لأنه غير صحيح! إطلاقًا!
وفوق ذلك، كانت إيزابيلا تراقب كل شيءٍ بهدوء وهي تحتسي الشاي، وهي تعلم تمامًا أن هذا الزواج لم يكن بدافع الحب.
أليس من الوقاحة أن نكذب بهذا الشكل أمامها؟
وكان هناك ما لا تعرفه كلوي.
أولًا: حين يبدأ المرء بالاهتمام بشخصٍ ما، فإنه يميل تلقائيًا إلى إنكار ذلك.
كلوي لم تكن مدركةً أنها تسير بثباتٍ نحو مرحلةٍ جديدة… قبل أن تفتح فمها أخيرًا.
“عندما… أصبحتُ مساعدة الدوق… وبداية الأمر… لم تكن لدي أيُّ مشاعرٍ من هذا النوع….”
“أه، وهل تغيّر الأمر بعد ذلك؟”
وكان هناك أمرٌ ثانٍ تجهله كلوي.
إن تلعثمها وإحراجها جعلا كلامها يبدو صادقًا للسيدات.
فمن يرى أذنيها المحمرّتَين، ونظرها المعلّق على ركبتيها، وكلامها المتقطّع:
سيظن أن مشاعرها حقيقيةٌ تمامًا.
يبدو أن الدوق بيرك يفضّل الفتيات الخجولات….
على ما يبدو، الرجال الفظّون يفضّلون الأرانب الرقيقة على الثعالب….
═════• •✠•❀•✠ •═════
الترجمة: فاطمة
《 قناة التيلجرام مثبتة في التعليقات 》
حسابي ✿ 《انستا: fofolata1 》
التعليقات لهذا الفصل " 107"