الفصل 106 :
‘لكن…ما العمل إذن؟ هل سأحاول شيئًا يشبه… مواعدة كيرتيس شان بيرك؟’
‘الغباء هو الجاذبيتكِ.’
إن لم تكن ترغب حقًّا في أن تجعل الغباء نقطة جاذبيتها الأساسية، فالأجدر بها التراجع.
طبعًا، يمكنها المحاولة…
لكنّ كلوي رأت أنّ الطريق الأسهل وبكل وضوح هو أن تلتفت بعيدًا؛ فالعالم مليءٌ بالرجال الجيدين غير كيرتيس شان بيرك.
ابتداءً، كونه قد أبدى وعيًا تجاهها لا يعني أن ذلك سيقود إلى مشاعر رومانسية.
“…لماذا تنظرين إليّ هكذا باستمرار؟”
صوت كيرتيس قطع حبل أفكار كلوي.
أجابت بوجهٍ متخشّب وهي تتعمّد صرف بصرها:
“لم أنظر أصلًا.”
ضحك الرجل بخفوت.
“سألتُ عمّا تنظرين، ولم أسأل إن كنتِ تنظرين إليّ.”
…اللعنة. شعرت كلوي وكأنها خسرت جولة.
جمعت يديها بإحكام وتمنت من كل قلبها أن تصل السيارة إلى القصر الملكي بأسرع ما يمكن.
عندما كان سائق الدوق يقود، كانت تصل أسرع بكثير… لكن اليوم بدا الأمر طويلًا على غير المعتاد.
ربما لأنه… غير مريح.
“يا صاحب السمو.”
“قولي.”
“ألا يمكننا… تعديل بنود عقدنا قليلًا؟”
“العقد؟”
شعرت كلوي بأن كيرتيس التفت نحوها للمرة الأولى منذ ركوب السيارة.
أما هي فما زالت تحدّق أمامها، رافضةً النظر إليه.
لكن بنظرةٍ جانبية خفيفة، استطاعت أن تخمّن شكل تعبيره.
كان يبتسم ابتسامةً خبيثةً جدًّا.
“ولماذا أفعل؟”
يا لهذا الرجل!
شهقت كلوي غاضبةً وهي تقبض يدها وتلتفت نحوه.
لكن كيرتيس لم يكن ينظر إليها أصلًا؛ تابع حديثه وهو يوجّه انتباهه للأمام براحةٍ كاملة.
“ألا تذكرين حين أصبحتِ مُلازِمة؟ أردتِ التقاعد بسبب ذلك العقد، ولم يُسمح لكِ.”
“هذا يختلف عن الآن، أليس كذلك؟”
“وما دمتِ تقولين إنه مختلف، هل يجب عليّ أن أوافق؟
الأصل أن العقد الموقع لا يُعدَّل.”
فتحت كلوي فمها بذهول.
“يا صاحب السمو… أنتَ الآن أشبه بأسوأ صاحب عمل سمعة…”
“أنا أفضل منهم. أي صاحب عمل شرير يعطيكِ عشرة ملايين شينغ؟”
وبينما كان يكلّمها، كانت السيارة قد وصلت إلى القصر بالفعل.
ويبدو أنّه وصلهم خبرٌ مسبق، إذ تعرّف حرس القصر على السيارة الزرقاء الخاصة بالدوق، فاكتفوا بتفتيشٍ خفيف قبل السماح لهما بالدخول.
قاد كيرتيس السيارة إلى ساحة قصر وليّ العهد، ثم ابتسم.
“كلوي، أظنني أعرف ما تحاولين قوله، وبالمناسبة… لديّ كلامٌ كثيرٌ أيضًا بشأن ما حدث في ذلك اليوم.”
“أنا… ليس لدي شيءٌ لأقوله.”
تمتمت كلوي وهي تُبرِم شفتيها.
وحين وصلت السيارة إلى الساحة، فتح خدم القصر الباب باحترام.
وبينما كان الخدم ينقلون الهدايا الكثيرة المحمّلة في السيارة، تقدّم كيرتيس ليُرافق كلوي بشكل طبيعي جدًّا.
‘اللعنة.’
مجرد لمسه لذراعها جعل صدرها يضيق.
رغبت لو أنها تهرب إلى غابة خالية وتصرخ “اللعنة!” بكل قوتها. أو لو تفسد بأصابعها خصلات الضفائر الجميلة في شعرها.
لكن… لا. مستحيل.
“هذا الطريق، من فضلكما.”
قادهم خادم قصر وليّ العهد.
قصر وليّ العهد يشبه شخصيّة بياتريس حقًّا؛ أنيقٌ للغاية وبسيط في الوقت نفسه.
حديقته ذات الطابع الريفي الجميل، تنساب وسطها المياه، فتبدو جزءًا من الصيف ذاته.
شـــــااااا…
وعند مرورهم بجانب شلّال صغير، انحنى كيرتيس فجأة نحو أذن كلوي وهمس:
“إن أردتِ، يمكنني تعديل العقد.”
“…حقًا؟”
رفعت كلوي عينيها نحوه باتساع لم تستطع إخفاءه.
نظر إليها كيرتيس قليلًا. ولسببٍ ما، كانت ابتسامته السابقة قد اختفت تمامًا.
“لكن… إن قمتِ أنتِ بالتعديل، فسأقوم أنا أيضًا بالتعديل.”
تعديل ماذا؟
لكن لم تجد وقتًا لتسأله، فقد همس مجددًا، مقربًا وجهه بدرجةٍ تشبه القبلة، حتى كادت كلماتُه تختلط بصوت الشلال.
“فكّري جيدًا… هل تستطيعين تحمّله؟”
هل تخيّلت أم أنّ شفتيه لامستا طرف أذنها؟
…يبدو أنها لم تتوهم.
فقد مرّت يده المغطّاة بالقفاز بخفة على يدها اليسرى التي كانت تمسك بذراعه.
وهناك… كانت “شعلة القداسة” في إصبعها.
ازدادت كلوي حيرة.
***
كان من الواضح أنّ وليّة العهد أكثر ارتياحًا في قصرها الخاص.
لم تعد كالأرنب المرتعب الذي رأته كلوي في الحفل الدبلوماسي؛
بل كانت كأزهرة ديزي بيضاء هادئة.
“سموّ وليّة العهد، يشرفني لقاؤكِ.”
انحنى كيرتيس بانضباطٍ وأناقة، مقلّدًا قبلة على ظهر يدها المغطاة بالقفاز دون أن يمسّها فعليًّا.
وقد رأت كلوي ذلك بوضوح.
ورغم أن أيّ امرأةٍ قد تنزعج من مثل هذا التصرّف، اكتفت وليّة العهد بسحب يدها دون أي تعبير.
“يسعدني هذا اللقاء المبارك مع الدوقة والدوق.”
“الشرف لنا. ويسعدني لقاء سيدات مجلس إيلينورا كذلك.”
ابتسم وبدا عليه الارتياح، فصدرت همهماتٌ من السيدات الجالسات؛ واضح أنّ شكله خطف أنظارهن، كما هو معتاد.
كانت طاولةً طويلة موضوعة في قلب الحديقة الصغيرة، وتجلس وليّة العهد في المنتصف.
وبذلك جلست كلوي تلقائيًّا إلى جانبها.
وقف كيرتيس خلف كلوي كأنّه الحارس المرافق لها.
“تبدوان منسجميْن جدًّا.”
“مبالغةٌ لطيفة.”
وبين المحادثات العابرة، كانت كلوي تمسح الطاولة بنظرة سريعة.
بما أن هذا لقاء دعت إليه وليّة العهد، فكل عضوات مجلس إيلينورا تقريبًا حاضرات.
كما كانت ثيودورا حاضرة رغم انشغالها الدائم.
لكن عينَي كلوي لاحظتا غياب شخصين ينبغي ظهورهما… لورا لو غوتيا وأغات مونفيس.
‘قالوا إن الآنسة مونفيس انتهى حبسها المنزلي…’
سمعت من أحدهم أن الملازم نويل مونفيس أصبح يغيب كثيرًا عن مكتب الضباط.
ومع أن عقوبة شقيقته انتهت، إلا أنه لم يأتي للعمل أيضًا.
كان من المفترض أن تكون حاضرةً اليوم؛ فهذه فرصة مثالية لتتباهى، حتى لو لم تحبّ كلوي، فهي بالفعل دافعت عنها أمام السيدات.
وكانت الشائعات تقول إن جرأتها كانت حديث المجلس لأيام.
لذلك… غيابها كان غريبًا.
‘لماذا لم تأتِ؟’
أما لورا لو غوتيا، فلا حاجة للحديث؛ بعد الفضيحة التي تعرضت لها بسبب ثيودورا، كان من الطبيعي أن تُطرد من المجلس أصلًا.
حينها قالت بياتريس بهدوء:
“يبدو أن السيدة غوتيا مشغولةٌ قليلًا. ستتأخر.”
رمشت كلوي، ثم فهمت.
إذًا… لورا ستأتي لاحقًا.
ويبدو أن وليّة العهد رتبت شيئًا.
بالطبع، لا يعني هذا أن الأمر سيكون جيدًا بالنسبة لكلوي.
وبينما سحبت وليّة العهد كرسيها وجلست، رفعت عينيها نحو كيرتيس الواقف خلف كلوي.
كانت نظرتها مليئةً بالرسائل.
أجابها كيرتيس ببرودٍ واضح:
“سمعت أن والد غوتيا تشفع لها لدى جلالته.”
“هكذا بلغني.”
“إن كان الأمر يسبب إزعاجًا، فأرى أن تتوقف غوتيا عن حضور التجمعات نهائيًّا. هذا أفضل للجميع.”
هل يحاول إيقاف أي محاولةٍ لإحضارها؟
لكن طريقةٌ فعله غريبة… كان الأجدر به أن يتفاهم مع وليّة العهد على انفراد، فهذا طابعه.
كما أن هذا اللقاء أُقيم للوساطة؛ انفعاله قد يضرّه.
قالت وليّة العهد بلا تردد:
“لو كنا نفكر فقط في الإحراج، لما استُخدمت تاجي في حفل زفاف الدوقة.”
كان ذلك تذكيرًا ثقيلًا بالجميل.
سمعت كلوي كيرتيس ينقر بلسانه بخفة: “تسك”.
ربما قرر أن يسدد هذا الدين الآن.
وبعد قليل…
“أعتذر عن التأخير.”
ظهرت إيزابيلا لا غلينتراند.
رغم كل شيء، هي سفيرة الدولة وذات لقبٍ نبيل اسميًّا على الأقل.
فقامت السيدات للترحيب بها بتحية على الطريقة الغلينتراندية.
“سعيدة بلقائكِ مجددًا، سمو الدوقة.”
ما تزال جميلة بشكل يثير الضيق.
وقفت كلوي، وقامت بالتحية الغلينتراندية التي علمتها إيّاها السيدة برونغ.
“…؟”
رفعت إيزابيلا حاجبًا.
حتى كيرتيس ضحك خلف كلوي، واضح أنه لم يتوقع منها ذلك.
أما وليّة العهد فحركت حاجبيها بضيقٍّ خفيف وقالت:
“دوقة بيرك… رفع اليد اليمنى هو تحية لا نقوم بها إلا للسيدات المتزوجات في غلينتراند.”
فتحت كلوي عينيها دهشة.
“يا إلهي، حقًا؟ لم أكن أعلم… ما زلت غير معتادة.”
═════• •✠•❀•✠ •═════
الترجمة: فاطمة
《 قناة التيلجرام مثبتة في التعليقات 》
حسابي ✿ 《انستا: fofolata1 》
التعليقات لهذا الفصل " 106"