لم يكن سؤالًا أو طلبًا، وبالتالي لم تفهم سوى أنه أمر.
أخذت اللفافة من يده، وعقدت حاجبيها متسائلةً عن سبب تقديمه هذه لها.
كانت مختومة بختمٍ من الشمع الأحمر، وشريطة حمراء ملفوفة حولها.
فكّت الشريط، وقرأت ما كُتب بها، فاتّسعت عيناها من الدهشة، ولم تُصدّق ما بين يديها.
“كيف حدث الأمر بهذه السرعة!؟ لقد أعطيته رسالتي يوم أمس!”
نظرت إلى سهيل، وقد استولت الدهشة على ملامحها.
لقد كان خطاب قبول من قصر رونا.
—
📜 من قصر رونا إلى السيدة نهيدة
نود إعلامك أننا قد قبلنا طلبك، ويسرنا أن يكون أحد أبناء هذه القبيلة جزءًا من عائلتنا. نحن متشوقون لمعرفة مدى براعتك في مجال العلاج وصناعة عقاقير الأعشاب، حتى إننا بدأنا بتحضير غرفة لك في جناح النساء.
نأمل أن لا تخيّبي توقعاتنا.
مع تحياتي،
ك. ل.
سيد القلعة 📜
—
ظلَّ فمها مُنفرِجًا وهي تحدق في الرسالة، غير مُصدّقة لما حدث، وفي بالها أسئلة كثيرة:
كيف وصلت رسالتها بهذه السرعة؟
هل هذا حقيقي، أم أن سهيل يخدعها؟
أتحققت أمنيتها وستخرج من هذا المكان أخيرًا؟
عندما نظرت إلى سهيل، كانت على وشك أن تنهال عليه بالأسئلة، ولكن قبل أن تقول أي شيء، رفع يده طالبًا منها السكوت، ثم أخرج صُرّة تحتوي على الكثير من النقود الذهبية التي أحضرها من خزانة البيت.
“هذه لكِ” ـ تحدّث سهيل ـ “عندما تذهبين، سيطلب سيد القلعة عشرين قطعة ذهبية حتى يقبل بوجودك عنده، بالإضافة إلى أنكِ بحاجة إلى المال خلال رحلتك القادمة.”
ارتدَّ رأسها قليلًا إلى الوراء، وعيناها تجولان بين وجهه وشفتيه، كأنها تبحث عن كذبة تتسرب من ملامحه.
لم تصدّق أنه يكترث لأمرها لدرجة أنه يأخذ المال من خزينة أولئك الموتى.
اتسعت ابتسامتها حتى بدت وكأنها تشرق من عينيها قبل شفتيها، وقالت:
“كل هذا لي! شكرًا لك.”
أخذت صُرّة النقود، وأعطته قبلة خاطفة على خده حتى لا يدفعها، ثم ابتعدت عنه خارجة من الغرفة وهي تجري، والابتسامة لا تفارق محياها:
“أحبك!”
رمش سهيل عدة مرات، غير مصدّق لما حدث قبل قليل، وحاول استيعاب ما جرى، للحظات اعتقد أنها مجرد ذكريات من الماضي… الماضي الذي كانت فيه نهيدة تُظهر حبها الدائم له، ويفعل هو أي شيء حتى تسمح له بمعانقتها.
وضع يده على خده الذي تم تقبيله، وظهرت ابتسامة طفيفة على ثغره، وهمس:
“رافقتكِ السلامة، يا حبي الأول.”
…………..
خرجت نهيدة من الدار، والفرحة في فؤادها تكاد تسع السماء، شعرت وكأنها على وشك أن تطير في هذه السماء الواسعة، وتهتف بأعلى صوتها:
لقد تحررت أخيرًا من هذا السجن.
أول شيء خطر في بالها هو الذهاب إلى يمامة وإخبارها، لكنها توقفت عندما أدركت أن صاحبتها مرهقة اليوم.
لذا تراجعت وذهبت إلى بيتها، وبدأت تقفز حتى تعبت، ثم رمت جسدها على السرير، بالكاد يمكنها التقاط أنفاسها.
نظرت إلى السقف، وارتفع خديها بسبب الابتسامة العريضة التي لا تكاد تفارق وجهها، ودموع الفرح تتجمع في عينيها.
كانت غير مصدقة لما حدث اليوم، حتى إنها ظنت للحظات أن هذا مجرد حلم من أحلامها الجميلة؛ لذا قرصت يدها وأطلقت صيحة عالية معبرة عن الفرح أكثر من الألم.
تسارعت نبضات قلبها، وعمَّ الدفء كيانها، وقد أعجبها هذا الشعور.
لأول مرة في حياتها تنتابها مشاعر الفرح الكبيرة هذه.
—
في الظهيرة
نهضت من مكانها أخيرًا، وبدأت بجمع كل ثيابها والأشياء التي بحاجة إليها، حتى الدفتر القديم الذي عثرت عليه قبل مدة وضعته في امتعتها.
كان الوقت لا يزال مبكرًا على هذا، لكنها لم تكن قادرة على الانتظار.
بمجرد أن يأتي من يصطحبها إلى قصر رونا، لن تضيع وقتها في ترتيب كل شيء، وستذهب معه على الفور.
بعد أن تحسنت حالة يمامة قليلًا، ذهبت نهيدة إليها، وأحضرت معها أغراض هامد.
كانت يمامة شقيقته، ومن بعد أن ترحل نهيدة، كانت الأولى هي الأحق بأخذ ممتلكات أخيها.
بعد أن ألقت عليها التحية وجلست معها، سألتها:
“كيف حالك اليوم؟”
طرقت يمامة رأسها، وبعد أن أبعدت كأس الماء عن شفتيها، ردت:
“بخير، لقد فحصني زوجي، ومن بعده سهيل. لقد أخبرني الأخير أنني في بداية حمل صعب، لذا عليّ أن أنتبه على نفسي، وقد أعطاني المزيد من العقار الأحمر؛ حتى لا يؤثر تعب جسدي على الطفل.”
ابتسمت نهيدة، وشعرت بوخزة حسد طفيفة عندما علمت بحمل صديقتها؛ كانت صحتها أفضل من أي امرأة في القبيلة، حتى إنها لم تواجه تدهورًا في أعضاء جسدها، ومع ذلك لم تنجب أي طفل من زوجها الراحل.
وها هي صديقتها ذات الجسد الضعيف ستحصل على طفلها الثاني بعد أشهر!
أبعدت هذه الفكرة عن ذهنها، عندما تذكرت أن عمرها قصير، ولا تريد أن يعيش أطفالها في وحدة شديدة كما حدث معها.
أظهرت ابتسامة طفيفة على وجهها، وقالت:
“تهانينا الحارة لك يا عزيزتي، آمل أن يولد طفلك بصحة جيدة ويكون مثلك تمامًا.”
شكرتها يمامة على كلامها، وبعد أن ساد الهدوء قليلًا، تحدثت نهيدة:
“أريد أن أخبرك بشيء مهم.”
وجهت يمامة انتباهها نحو المرأة الجالسة أمامها، وسألت:
“ما هذا الأمر المهم؟ ستتزوجين مرة أخرى؟”
كتمت نهيدة ضحكتها، وردت:
“كلا، أنا لا أفكر في الزواج، خصوصًا في هذا الوقت.”
حاولت أن تكون مرتاحة في جلستها وأكملت كلامها
“أود أن أُعلمك أنني سأترك هذه القرية، وقد لا أعود مرة أخرى.”
اتسعت حدقتا يمامة حتى بدت عيناها أكبر من المعتاد، وفمها فُتح قليلًا دون وعي.
“لماذا؟ ومتى سترحلين؟” ـ سألت يمامة بنبرة مهتمة قليلًا.
“ربما قد يصل من يأخذني خلال الأيام القادمة.”
أومأت يمامة، وشعرت بحزن طفيف ينتابها عندما أدركت أن صديقتها على وشك أن تذهب وتتركها وحدها.
أخذت يدها وتحدثت:
“كنت آمل أن تكوني بجانبي خلال ولادتي، لكن بما أن هذه رغبتك، فسوف أتمنى لك أن تحققي كل ما يرجوه قلبك.”
تناولت كوب الماء وشربته كله، وأضافت:
“لكن إياكِ أن تنسي الرسائل، أريدك أن تراسليني دائمًا، ولن أسامحك إذا قاطعتني.”
هذه المرة لم تستطع نهيدة كبح ضحكتها، وردت:
“لا تقلقي، سأكون فتاة حمقاء للغاية لو أنني قاطعتك.”
تأملت وجه يمامة المتعب وأكملت حديثها:
“سوف أخبرك بكل شيء يصادفني، وأنتِ كذلك أخبريني بكل شيء يفعله ابنك وعن حالة طفلك.”
ظهر ابن يمامة وهو يركض خلف خنفساء، يصرخ عليها وكأنها تفهمه. كان المنظر ظريفًا للغاية جعل المرأتين تضحكان، رغم العَبرة التي تكاد تخنق كلتيهما.
…………..
مرّت الأيام، واستمرت نهيدة في عملها المعتاد، وتقضي معظم وقت الراحة مع صديقتها يمامة؛ حتى تجمع أكبر قدرٍ ممكن من الذكريات قبل الرحيل.
أما في الليل، فظلت تراجع المخطوطات التي تحتوي على معلومات محدودة للغاية عن الجسم، الأعشاب، وبعض الأمراض، وتساءلت عن مدى حجم المعرفة التي يمكن أن تحصل عليها عندما تقيم في قصر رونا.
أما يمامة، فقد ازداد تعب جسدها يومًا بعد يوم، لكن سهيل كان يشرف على حالتها دائمًا ويطمئن زوجها أنها ستكون في حالٍ أفضل عندما تلتزم بالعقاقير التي وصفها لها.
كانت هذه العقاقير هي ما أثار فضول نهيدة خلال الفترة الأخيرة؛ فبحثت في كل سجل، ورقة، دفتر، أو حتى مذكرات المعالجين السابقين، ولم تجد أي معلومة عن عقار أحمر يُعطى للحامل.
مما جعلها تتأكد أن الواعظين يخفون الكثير عن أبناء هذه القبيلة، وبالذات شقيقها سهيل.
حاولت التقرب منه خلال هذه الفترة لالتقاط أي معلومة، لكنه عزل نفسه عنها وعن أي فرد آخر، ودائمًا كان يغلق باب بيت الواعظين بإحكام؛ لكي لا يتسلل إليه أحد.
ذات يوم، جلست كلٌّ من يمامة ونهيدة فوق سطح منزل الأولى، تتأملان غروب الشمس وتتحدثان عمّا حدث خلال يومهما.
قالت يمامة وهي تفصح عن مخاوفها التي ظلت تسكن عقلها منذ مدة، راغبة بالحصول على بعض المواساة من امرأة أخرى:
“أخشى أن أموت خلال الولادة.”
انجذبت نهيدة ناحيتها، وأمسكت بيدها، محاولة يائسة لمواساتها، وتحدثت:
“أفكارك هذه طبيعية لأي امرأة في مثل موقفك. ما حدث معك خلال الفترة الأخيرة صعب، لكن سهيل أخبرنا أنك ستقومين سالمة لو أنك التزمتِ بالدواء.”
أطرقت يمامة برأسها وردت:
“أعلم، ولكن لا يمكنني السيطرة على أفكاري. أخشى أن أموت ويصبح طفلاي وحيدين دون أم ترعاهما… كما حدث معي.”
أحست نهيدة برغبة شديدة في معانقة هذه المسكينة، لكنها اكتفت بالتربيت على يدها وقالت:
“لقد رأيت العديد من نساء القبيلة الحوامل، والكثير منهن واجهن متاعب في بداية الحمل، لكن بعد الولادة نهضن بكامل صحتهن، لذا لا تقلقي كثيرًا. أنا متأكدة من أن سهيل لن يسمح بحدوث شيء لك.”
لم تكن متأكدة من الجملة الأخيرة، لكن كل ما أرادته في هذه اللحظة هو أن تزرع الطمأنينة في صدر صديقتها.
التفتت يمامة ناحية غروب الشمس، وعقدت حاجبيها قليلًا عندما لاحظت شيئًا ما، وأفصحت عمّا رأته قائلة:
“هناك شخصٌ يتوجه ناحية القرية، أعتقد أنه سيصل إلى هنا غدًا ظهرًا.”
انتَصبت نهيدة ونظرت إلى نفس الجهة، محاولة أن ترى أي شيء، لكن عينيها العاديتين لم تلتقطا شيئًا.
لا يمتلك الجميع قوة بصرية غير عادية مثل تلك التي عند يمامة، لكن خطر في بالها خاطر واحد، فقالته بصوت عالٍ قليلًا:
“ربما هذا هو الرجل الذي سيأخذني من هنا.”
تمنت نهيدة أن يكون هذا هو بالفعل، لكن خطر في بالها احتمال كونه مجرد حامل رسائل إلى بيت الواعظين، مما جعلها لا تتأمل كثيرًا.
في الليل، عادت إلى بيتها بخطواتٍ متثاقلة، وذهبت إلى السرير، وألقت جسدها عليه، راغبةً بالراحة التي يتوق إليها كل جزء من جسمها، حتى إنها لم تتناول طعام العشاء.
خلال لحظاتٍ قليلة، غرقت في ظلام النوم، وانجرت إلى عالمٍ تظن أنه مجرد أحلامٍ لم ولن تحدث.
………………
في الصباح الباكر، استيقظت من نومها وقد نالت كفايتها منه. حتى عندما مشطت شعرها، تذكرت أنها لم تسمع صوت الصراخ الذي يزعج ويُرعب القبيلة كل ليلة.
اعتقدت أنها لم تستيقظ بسببه نتيجة تعبها ونومها العميق لا أكثر.
طُرق باب منزلها، وعندما فتحته، وجدت أمامها رجلًا ذا بشرةٍ قمحية، عيناه داكنتان، طويل القامة، شعره أسود لامع وقصير.
ملامحه تدل على شخصٍ لسعته حرارة الشمس، لكنها المرة الأولى التي ترى فيها هذا الرجل في القبيلة. عقدت حاجبيها، محتارة ومرتابة، وسألته:
“من أنت؟”
أظهر الرجل لفافة ورق بردي، نظر إلى ما كُتب فيها للحظات، ثم سأل:
“السيدة نهيدة، أليس كذلك؟”
هزت رأسها مؤكدة على اسمها، وقبل أن تسأله، قال:
“أنا تيمور، لقد أُرسلت إلى هنا حتى آخذك معي إلى قصر رونا.”
………………………..
في مكانٍ ما،
عند إحدى القلاع الحجرية البعيدة للغاية عن موطن نهيدة، جلس الرجل صاحب الشعر الفضي الطويل على مقعده المصنوع من الخشب والعاج، وقد نُقِش عليه رسوماتٌ لكائناتٍ تنفث النيران.
أخذ يلعب بالخاتم الذهبي المرصّع بحجر الأوبال البني، وتحدث إلى الرجل الملثم الواقف عند الشرفة التي بلا أي نافذة:
“إذن، كيف كانت تبدو؟”
— “بصحةٍ جيدة، كما أنها على وشك ترك تلك القرية.”
همهم الرجل ذو البشرة الشاحبة، ونهض من مكانه، أرجع خصلات شعره الطويلة إلى الوراء، ووضع الخاتم في صندوق نحاسي قديم.
بعدها التفت ناحيته وسأله:
“هذا يعني أنها لم تندمج مع محيطها، أليس كذلك؟”
أطرق الملثم رأسه مؤكدًا، فارتسمت ابتسامة جانبية على طرف فم المقابل، وأمره:
“ارحل الآن، لا بد أنها ستحتاج إليك لاحقًا.”
— “أمرك سيدي.”
خرج الرجل من الغرفة دون أن يقول أي كلمة أخرى، وظل يسير على السلالم الحجرية متوجهًا إلى الأسفل.
في كل خطوة كان يخطوها، ازدادت حرارة الحجارة أكثر فأكثر…
لكنه معتاد على هذا.
أخيرًا، وصل إلى الباب الضخم الذي يؤدي إلى المسكن الخارجي لتنينه.
كان كائنًا مهيبًا، جسمه الضخم مكسوًا بحراشف لامعة بلونٍ فضي مائل إلى الأبيض، تعكس الضوء وكأنها مصنوعة من الكريستال. أجنحته هائلة، رقيقة كالأقمشة الممزقة لكنها قوية، تمتد إلى الخلف مثل أشرعة السُفن القديمة.
رأسه طويل وانسيابي، مزين بقرون حادة بارزة إلى الخلف، وعيناه ضيقتان تلمعان بنظرة عميقة. وكأنه استشعر وجود سيده، لفّ رأسه ناحيته.
اقترب الرجل منه وأخذ يمسح على حراشف فكه التي كانت صلبة كالصخر، وقال:
“لا أستطيع توقّع ما سيحدث في الفترة القادمة يا سيرافون، لكن آمل أن تظل قويًا عندما يحين وقت الشدة.”
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات