قامت نينا بجدل شعرها الطويل برفق في ضفيرة واحدة، ولفّت حول رأسها عصابة زرقاء داكنة.
كما جرت العادة، ارتدت بلوزة مع تونيك، وسروالًا مفصّلًا بدقة مع حذاء جلدي.
(التونيك لباس يشبه القميص الطويل، لرؤية فكرة عن شكلها يمكن الاستعانة بغوغل^^)
أما اليوم، فقد كان حزام الخصر فخمًا قليلًا، مزينًا بحلية فضية.
كان بينزيل يسير إلى جانبها، يشعر بأن قلبه يخفق بحماس.
هذه أول مرة تكون نينا هي من اقترحت عليه اللقاء.
مشّط بينزيل شعره البني للخلف، وارتدى قميصًا أخضر يبرز اللون الأخضر الممزوج بعينيه البنيتين.
وانتعل حذاءً لامعًا مزخرفًا بالفضة، اعتنى به الخادم بعناية.
وقد أوصى الخادم بينزيل أن يعلّق ساعة الجيب الذهبية، رمز النبلاء، وهو تردد قليلًا ثم ارتداها وهو يقول لنفسه إن هذا لا يُعد مبالغة.
أراد أن يقترح عليها جولة على الخيل في ضواحي المدينة، لكنه رأى أنه من غير اللائق أن يتصدر المشهد وهي من دعته أولًا.
جاءت نينا في الموعد تمامًا، وبدأ الاثنان بالسير بهدوء.
كانت ملابس نينا خفيفة، فشعر بينزيل براحة داخلية.
كم هو مطمئن أنها لم تأتِ بسترة ثقيلة أو بزّة رسمية.
أخرجت نينا من جيبها دليلاً سياحيًا صغيرًا كانت قد حصلت عليه من ميمينا.
“تادا! يقولون إن هذا يضم أفضل الأماكن في العاصمة!”
هز بينزيل رأسه موافقًا، دون أن يذكر أنه اشترى نفس الدليل ليلة البارحة.
“إنه معروف بموثوقيته. هل تعلمين أنه من إصدار جمعية رومي؟”
“آه، حقًا؟ لم أكن أعلم. لا عجب أن ميمينا كانت تروّج له بهذا الحماس.”
وقد احتوى الكتيّب المطبوع على صور توضيحية جذابة.
“برأيكَ، أين نذهب؟”
عندما سألته نينا، اختار بينزيل المتجر الأبعد على القائمة.
“أتحب هذا النوع من الأماكن؟”
تساءلت نينا بدهشة، لكنها مع ذلك وافقت على السير.
دهش بينزيل من مدى متعة عبارة “لنسِر معًا”.
بينما يسيران جنبًا إلى جنب، سأل بينزيل:
“سمعت أنكِ واجهت بيلّاك. هل أنتِ بخير؟”
“طبعًا، لم يُصَبني شيء.”
ثم تابعت: “لكن، الآن بعد أن أفكر بالأمر، لم تكن برفقة سمو الأميرة آنذاك. ماذا حدث؟”
سكت بينزيل لبرهة.
لكن نينا لوّحت بيدها وقالت:
“لا بأس إن كان من الصعب التحدث عنه.”
“ليس الأمر كذلك، بل لا أعرف كيف أصيغ ما أريد قوله.”
تنهد بينزيل بخفة.
“ليتني أستطيع الوثوق بسيدتي كما تفعلين أنتِ.”
“لكن أليس ذلك غريبًا نوعًا ما؟”
“هاه؟”
“نحن بشر، ومن الطبيعي أن نشك أحيانًا. لكن حتى إن كنا لا نعلم، أو شككنا، فإننا نُخلص له لأنه سيدنا. لذلك نُعطيه النصيحة ونسأله إن لزم الأمر.”
“إذًا، هل تشكّين أحيانًا أنتِ أيضًا؟”
“لا، أبدًا.”
“….”
“لا تنظر إلي هكذا، حسناً؟ أنا فقط من النوع الذي يقول: ‘سأدعم سيدي مهما كان الطريق الذي يسلكه.’ لكنك لست مثلي، أليس كذلك؟ لم تؤمن بشخص فقط لأنه ابن عمك، صحيح؟”
“فلو أن دوق لوفرين اختار طريقًا خاطئًا-“
“حتى لو فعل، سأبقى إلى جانبه. لكن، سيدي لا يفعل الأشياء التي أكرهها.”
تلك الثقة على الأقل، تملكها نينا.
ابتسمت ابتسامة خفيفة.
بدا على بينزيل مزيج من المشاعر، ثم قال:
“على ما يبدو، إجابتكِ ليست إجابتي.”
“وأنا كذلك أظن هذا.”
ربما هي وسيدها حالة خاصة فريدة.
لكن إن كان شخص مثل بينزيل، المعروف بثباته واستقامته، يفكر بهذه الطريقة، فلا بد أن هناك أمرًا يؤرّقه.
رغم أنه يبدو للعيان شخصًا لعوبًا، سهل الانقياد ومرحًا، إلا أن بضع كلمات فقط كفيلة بأن تبيّن أنه ليس كذلك.
‘كنت أريد سؤاله عن إدغار…’
لكن في هذا الموقف، أن تستغل الفرصة للحصول فقط على معلومات مفيدة لها، يشعرها بشيء من تأنيب الضمير.
فجأة، أمسكت نينا بمعصمه وسحبته، مسرّعة خطواتها.
“فلنأكل شيئًا لذيذًا أولاً. ربما سيتحسن مزاجك.”
وربما تشعر حينها بأنك مستعد للحديث.
ابتسمت نينا بخفة.
هبّت نسمة باردة لا تُشبه جو الصيف، مما أدهش بينزيل.
التعليقات لهذا الفصل " 124"