الفصل 121
السقف مجددًا.
“لماذا أستيقظ دومًا هنا بالذات؟”
“الحلم الغريب مرة أخرى؟”
عند سماع الصوت، نظرت نينا نحو أدريان. فتحت ذراعيها وقالت:
“نعم، لذا عانقني بقوة.”
أرادت أن تدلل نفسها عليه كثيرًا بعد أن استيقظت من الحلم.
نظر إليها أدريان بتعبير غريب، ثم زفر وهو ينظر إلى السقف، قبل أن يقترب منها ويعانقها بقوة.
“هاااه…”
دفء جسده شديد. الأمان يغمرها عندما تحتضنها ذراعاه القويتان العريضتان.
‘أنا ممتنة لأنني أتذكّر الآن.’
عائلتي، أختي، أخي، كلماتهم اللطيفة، همساتهم التي تقول “أحبكِ”.
أتذكّر كل شيء.
وهي تفرك خدها على كتفه، همست نينا:
“يبدو أن الحمى انخفضت الآن.”
“حقًا؟”
“نعم، لأنك أنت الآن الذي تشعر بالسخونة.”
“…صحيح.”
تنهد. فضحكت نينا خافتًا وعانقته من جديد.
كل طاقتها غادرت جسدها.
هذا ليس حلمًا عاديًا.
الآن أصبحت أعرف.
إنه ليس مجرد “أتذكّر محتوى رواية”.
لكن، حتى لو لم يكن كذلك، فلن يتغير شيء.
لأنكَ هنا.
“أنا سعيدة لأنني التقيت بك، أدريان.”
“…أشعر أنني أنا من يجب أن يقول ذلك.”
ضحكت نينا بهدوء وهمست:
“أدريان.”
“نعم.”
“أنا جائعة.”
“كنت أعلم أنكِ ستقولين ذلك.”
ابتعد عنها قليلًا وغطّى خديها بكفّيه، متأملًا وجهها بدقة، ثم سأل:
“هل تريدين تناول خوخ بالعسل؟”
“حقًا؟! يوجد؟!”
“بالطبع.”
ابتسم لها..
***
“تبدين بخير الآن.”
قال جان وهو ينظر إلى نينا التي كانت تأكل الخوخ بالعسل، وقد بدا عليه الارتياح.
كان الخوخ قد جُمد قليلًا، فصار يشبه مثلجات منعشة في هذا الجو الصيفي، وكانت نينا تستمتع بأكله ببطء.
ثم مدّت الشوكة نحو أدريان.
“تريد قليلا؟”
نظر أدريان إلى الخوخ بجدية وكأنه في صراع داخلي، ثم استسلم.
“سأرفض.”
“لكن الطعم لذيذ! جان، تريد تجربته؟”
“ستنقلين لي العدوى.”
“همم، معك حق.”
أومأت نينا، ثم لحست طرف الشوكة الفضية بلطف.
حتى العسل بنكهة الخوخ لذيذ.
أنهت آخر قطعة، ووضعت الطبق جانبًا وهي تبتسم برضى.
الخوخ الذهبي الذي كان يملأ الطبق الكريستالي الفاخر لم يبقَ له أثر.
حينها سُمع صوت طرق على الباب. وبعد لحظات، دخل راندل وهو يحمل باقة زهور في حضنه.
“نينا، سمعت أن الحمى زالت؟ هل أنتِ بخير الآن؟”
“نعم، أنا بخير.”
الباقة التي جلبها كانت أقرب إلى باقة أعشاب من كونها زهورًا.
علّق راندل الباقة ذات الرائحة المنعشة على عمود السرير، ثم راقب نينا بهدوء.
“راندل، راندل.”
“نعم؟”
“هل سبق وأن سحبتَ بشعري من قبل؟”
“ماذا…؟”
بدا عليه الذهول لدرجة أن صوته لم يخرج جيدًا. كانت “ماذا؟” كأنها اختنقت في حلقه.
حدّق جان فيه فورًا وابتعد عن الحائط بعصبية.
“ماذا تقصدين؟ ماذا فعل هذا الوغد؟!”
“ما هذا الهراء! لماذا أمسكُ بشعركِ!”
انفجر صوت راندل بغضب فورًا بعد كلمات جان.
“آه، كنت أعلم.”
هزّت نينا رأسها، فقال راندل وقد بدا عليه الارتباك:
“ولِم تسألين ذلك أصلًا؟”
“في الحلم.”
“حلم؟”
“كنت مريضة، فحلمت، وفي الحلم، أنت…”
“أنا أمسكتُ شعركِ؟”
صوته كان يقطر بعدم تصديق. أومأت نينا وأكملت:
“لا تقلق. انتقمتُ للعدالة لاحقًا.”
“…كيف ترينني بالضبط؟”
زفر راندل تنهيدة طويلة وراح يمسح وجهه الجاف بيده، متأملًا في عقل نينا الباطن.
‘إذًا الآخرون لا يتذكرون شيئًا، كما توقعت.’
حين اعتقدت أن ما رأته مجرد محتوى من كتاب، بدا منطقيًا أن الآخرين لا يتذكّرون.
لكن لو كان ما حصل قد حدث فعلًا من قبل…
‘هاه؟’
رمشت نينا بعينيها.
الحلم كان واقعيًا جدًا، لا يبدو كأنه مجرد حلم عابر.
‘هل هذه عودة بالزمن؟’
اشعر وكأنني رأيت شيئا كهذا من قبل.
محتوى عن العودة بالزمن، أو الاستحواذ.
‘إذًا لماذا تذكّرت الأمر كما لو أنه كان من محتوى كتاب؟ ما الذي تعنيه تلك الذكريات من العالم الآخر أصلًا؟’
بعد تفكير طويل، قررت نينا أن تتخلى عن القلق حيال الأمور التي لا تستطيع تغييرها ― تلك الأمور عديمة الجدوى.
فالآن، ذلك ليس ما يهم.
‘فيونا.’
بكل تأكيد، تلك الفيونـا التي ظهرت في الحلم… هي الفيونـا الحقيقية.
أما القديسة لوكريتسيا التي ظهرت مؤخرًا…
‘لحظة؟ ألم تكن فيونا في الحلم تنادي لوكريتسيا وكأنها صديقة؟’
رئيس كهنة آشتون، وميتم المعبد.
‘وأيضًا إدغار.’
هل هذه الكلمات المفتاحية كافية للعثور على الفيونـا الحقيقية الآن؟
‘إذًا، من تكون لوكريتسيا؟ آآه، لا يهم الآن. فلنبدأ بالبحث عن فيونا أولًا.’
ربما بعدها تنحل الأمور.
“راندل، راندل.”
نظر إليها راندل بوجهٍ ممتعض مليء بالضيق. صحيح أن طباعه سيئة، لكن مع ذلك، هل يمكن أن يمسك شعرها؟
هل هذا الحلم منطقي أصلًا؟
“أعرف أن راندل يستحيل أن يفعل هذا. لكن الحلم كان واقعيا جدًا، وكأنه حقيقي. فاختلط عليّ الأمر، لذا سألت. كانت مزحة، مزحة فقط.”
“الآن فهمت كيف تريني عادة.”
“حتى لو ضربتني، فأقصى ما يمكنك فعله هو لكمات من قطن، أليس كذلك؟”
“هاه؟”
“قلت لك، لقد انتقمت لنفسي.”
فهم راندل أن ما قالته نينا، يعني أنها انهالت عليه ضربًا في الحلم، فتغيرت ملامحه إلى حيرة لا يعرف معها ماذا يقول.
أما جان، فاكتفى بهز رأسه بابتسامة راضية خفيفة.
قالت نينا:
“أهم من ذلك…”
“أهم من ذلك؟”
ازداد صوت راندل تجهّمًا. اختارت نينا تحويل مجرى الحديث.
“تلك القديسة… أظن أنها غريبة.”
نظر إليها راندل وأدريان وجان جميعهم بتعابير غامضة لا توصف.
“هاه؟ لماذا؟”
“أثناء مرضك، جاء أشخاص من المعبد ثلاث مرات.”
“قالوا إن القديسة العظيمة ستشفي بشرًا تافهًا مثلنا.”
“هل فعلت لكِ تلك القديسة شيئًا مريبًا؟”
قالها أدريان، ثم راندل، ثم جان، بالتتابع. فأمالت نينا رأسها في حيرة.
القديسة أنشدت ترتيلة، لكنها لم تشعر بتأثير مباشر منها.
اقترب أدريان منها، وحرّك الكرسي ليقترب أكثر من السرير، ثم سألها وهو يميل نحوها:
“ما الغريب فيها؟”
“مم، هل يمكن أن أقول إنه مجرد إحساس؟”
رغم أن راندل بدا متجهمًا، فإن جان وأدريان أصبحا جديين.
فإحساس نينا لم يخطئ يومًا. قالت نينا:
“هل يمكنكم التحقيق في ميتم المعبد، حيث كانت تلك القديسة؟”
“سنفعل. وسنطلب منهم تقديم معلومات تفصيلية عن الأشخاص المحيطين بها. هل هناك ما ترغبين بمعرفته أيضًا؟”
“لا، أظن أن هذا يكفي الآن.”
هز أدريان رأسه موافقًا على كلامها. وحين حاولت النهوض من السرير، أمسك بها برفق وقال:
“استريحي أكثر.”
“لقد استلقيتُ طويلًا حتى شعرت بالتيبّس.”
أرادت التخلص من الشعور الغريب بالضعف الذي يلي الحمى مباشرة.
“أود أن أستحم أولًا.”
“سأطلب تجهيز الحمام.”
سحب أدريان الحبل الخاص بالخدم، ونظرت نينا إليه بابتسامة خفيفة.
“الآن صار لدينا من يأتي عند شد الحبل. في الماضي، كنت أنا من يجلب الماء بنفسي، وأعتني بكَ شخصيًا، سيدي الشاب.”
نظر إليها راندل بوجه مصدوم.
“ماذا… ماذا قلتِ للتو…؟”
“هل تُعدّين جلب الماء نوعًا من الخدمة؟”
قال أدريان ذلك، فعبست نينا وقالت: “أه، تظل خدمة.”
بعد لحظات، دخلت ثلاث خادمات بانحناءة مهذبة قائلين: “تم التجهيز.” ثم تبعتهم نينا إلى الخارج.
خرج جان وراندل أيضًا، وبقي أدريان وحده في غرفة نينا الفارغة، منهارًا جالسًا..
‘حلم غريب.’
لم تكن نينا الوحيدة التي رأت حلمًا غريبًا… بل هو أيضًا.
وكان ذلك الحلم، حقًا، حقًا…
‘يا له من حلم غبي.’
زفر أدريان ومسح وجهه بيده.
فقد رأى حلمًا يرفض فيه اعتراف نينا… لا، بل كلمة “يرفض” لا تكفي.
بل حلمًا يركل فيه نينا حرفيًا.
التعليقات لهذا الفصل " 121"