تفاجأ براديف وقال مرتبكًا: “آه، طبعًا، السيدة نينا هي نوعي المفضل، هي الأجمل بكل تأكيد.” أدلى بتصريح جانبي غير موفّق، فاضطرت نينا لسؤاله مرة أخرى إن كان هذا هو حقًا شكل القديسة.
‘لم أكن أظن أنني سأراها شخصيًا بهذه السرعة.’
لم يكن الفرق مجرد لون الشعر أو العينين مقارنةً بما تعرفه نينا عن فيونا.
كانت شخصًا مختلفًا تمامًا.
‘كيف يكون هذا ممكنًا؟’
رغم أن فكرة تذكّر ملامح شخصية من رواية قد تبدو سخيفة…
لكنها كانت متأكدة.
‘ما القصة؟’
في كل مرة كانت تقوم فيها بالتطهير، كان البيلّاك يتحوّل إلى رماد أسود ويتناثر.
وفوق هذا كله، التوقيت…
كانت مستعدة تمامًا لمواجهة البلّاك وكأنها تعرف بظهوره مسبقًا. وإلا لما ظهرت بتلك الهيئة الخالصة كأنها منبعثة من النور.
لابد أنها كانت تنتظر داخل القصر الإمبراطوري، ثم أطلقت البيلّاك أولًا، وبعد مرور الوقت المناسب، ظهرت مع الأميرة لتسيطر على الموقف.
يمكن اعتبارها منصة ظهور أول.
مناسبة تُظهر فيها رابطة الأميرة مع المعبد، وتُبرز فيها دعمها للقديسة أمام المجتمع.
‘أنا الضيفة غير المرغوب فيها.’
فكرت نينا بهذا وهي تعيد سيفها إلى غمده وتقفز بخفة إلى الشرفة.
“سيدة نينا!”
“قائدة!”
كان القصر قد أصبح خاليًا تقريبًا من الناس. لم يبقَ سوى الأمير ومرافقوه.
“هل أنتم بخير؟”
“نعم، بخير. وأنتِ؟”
“عدا عن أني لكمت البيلّاك في البداية، فأنا بخير.”
كانت قبضتها قد جرحت وتنزف قليلاً.
قالت نينا:
“قابلتُ القديسة.”
“كيف كانت؟”
“سيكون وضعكَ صعبًا يا سمو الأمير.”
ضحك باراديف بمرارة على كلام نينا.
“شقيقتي تظهر دومًا في اللحظة المثالية، إنها شخص مذهل.”
ثم أضاف:
“لكن يبدو أنها فقدت أكثر من نصف الأضواء لصالحكِ اليوم، سيدة نينا.”
من الواضح أن خطة فيارينتيل كانت تهدف إلى رفع مكانتها ومكانة القديسة. لكن ما انتشر بين الناس هو بطولات نينا التي أظهرت سطوتها في القتال.
“بما أنها أطلقت السهام نحو الناس، فلا بد أنها كانت غاضبة بالفعل.”
قطّب باراديف حاجبيه عند سماعه هذا.
“سهام؟”
“نعم، سهام مخصصة لمحاربة البيلّاك.”
هزت نينا كتفيها بلا مبالاة.
“هذا يشبه شقيقتي تمامًا.”
رغم أنها تبدو باردة، إلا أن طبعها ناري. واتخاذها لقرارات سريعة ليس بالأمر السيئ أيضًا.
ابتسمت نينا نصف ابتسامة.
“لحسن الحظ، أنا لستُ إنسانة عادية، بل نينا سيدة السيف.”
“إذًا أنا محظوظ. لقد تناولت العشاء اليوم برفقة سيدة السيف.”
ابتسم باراديف بخفة، ثم شحب وجهه.
“لكن التوقيت مثالي جدًا. كيف عرفت أختي أن البيلاك سيظهرون هنا؟”
تمتم ثم ابتسم ابتسامة محرجة.
“أعني… طبعًا لا بد أنها كانت مستعدة لأي طارئ.”
شعرت نينا بشعور غريب.
‘لأن المعبد والطائفة متواطئتان. لكن لا يمكنني قول ذلك.’
وبسبب شعورها بالذنب، عرضت عليه:
“سأرافقك حتى مكان إقامتك. لنذهب.”
وبينما كانت ترافق باراديف، التقت مرة أخرى بالقديسة لوكريتسيا. كررت الأخيرة تحيتها برفع ذراعها، فردت عليها نينا بانحناءة رأس قصيرة..
طوال الطريق بعد أن أوصلت باراديف، كانت نينا تغلي بالأفكار. مهما تغير المستقبل، أن تتغير القديسة نفسها؟
‘هل فعلتُ شيئًا يمكن أن يغير من تكون القديسة؟’
مهما فكرت، لم تجد شيئًا.
وعندما عادت إلى المنزل، كان أدريان وجان قد وصلا قبلاً بعدما سمعا بالأخبار.
ظهور بيلّاك داخل القصر الإمبراطوري كان بمثابة كارثة.
وانتشرت الإشاعات كالنار في الهشيم. لم تحدث ضجة كهذه منذ ذلك الحادث، حين ظهر بيلّاك الفئران.
“لكن تلك كانت مخلوقات من مستوى منخفض، أما هذه المرة فقيل إنها من المستوى B؟! وكثيرون منهم أيضًا؟”
قال جان وهو يعقد ذراعيه ويستجوبها بخشونة، فأومأت نينا برأسها..
“نعم، وكانوا كثيرين.”
بدت علامات الغرابة على وجه جان.
“ما بكِ؟”
“هم؟”
“يبدو عليكِ الذهول. ماذا حصل؟ هل فعل الأمير شيئًا؟ أخبريني!”
“لا، لا، ليس هذا… أممم…”
سحبت نينا ضفيرتيها في إحباط. كانت تشعر بالاختناق.
“لقد قابلتُ القديسة… لكنها كانت مختلفة تمامًا عما توقعت.”
“هل تقولين إن الفرق بين الخيال والواقع مزعج لهذه الدرجة؟”
‘ما هذا الهراء؟’ نظر إليها جان بتلك النظرة، فتنهّدت نينا.
نعم، هذا هو تمامًا.
هذا ما يحدث عندما يخرج الخيال عن السيطرة.
“على أي حال، حين بدأت القديسة في ترديد ترنيمتها، بدأ البيلّاك يتساقط الواحد تلو الآخر. حتى من قتلتهم أنا، قامت بتطهيرهم. وتحوّلوا إلى رماد أسود يتطاير…”
لا، ليس هذا.
عندما كانت القديسة تطهرهم، كانوا يتحولون إلى غبار ذهبي لامع.
غطت نينا وجهها بكلتا يديها وتابعت بسرعة:
“المعبد والأميرة باتوا الآن يعلنان تحالفهما بصراحة. وأعتقد أنهم كانوا يعلمون مسبقًا بظهور البيلاك. لا بد أن للطائفة يدًا في هذا.”
إذًا، هل اختفت فيونا؟
هل فعلتُ شيئًا خاطئًا؟
أم أن ذاكرتي قد اختلطت؟
رغم وجود اختلافات عن الرواية من قبل، إلا أن اختفاء شخصية رئيسية بالكامل بهذه الطريقة هو أمر…
فهل لوكريتسيا هي فيونا؟
بينما كانت تعيد التفكير مرارًا وتكرارًا، أدركت أن الجو من حولها أصبح هادئًا، فرفعت رأسها.
كان جان وأدريان يحدّقان في نينا بصمت.
قال جان بقلق:
“هل أنتِ بخير؟ أنتِ تتصرفين بغرابة.”
اقترب أدريان ووضع يده على جبينها، ثم عقد حاجبيه.
“نينا، لديكِ حرارة.”
“ماذا؟ أنا؟ هذا غير ممكن… واه!”
صرخت نينا عندما رفعها أدريان فجأة بين ذراعيه.
“سنتحدث عن الباقي لاحقًا، ارتاحي اليوم فقط.”
“حسنًا…”
أجابت نينا بهدوء. اقترب جان ووضع يده على جبينها أيضًا، ثم نقر لسانه.
“لديكِ حرارة فعلًا. لم تصابي بالزكام طوال الشتاء، فظننت أنكِ بخير، والآن تصابين به وسط الصيف؟ دواء كيريل لا بد أنه في مكان ما…”
“هييك—.”
“ليس ‘هييك’ يا فتاة!”
“لقد كبرتِ بما فيه الكفاية، فكيف لكِ أن تتدللي وتشتكي فقط لأنكِ لا تريدين تناول الدواء؟”
حدّق جان في نينا بنظرة صارمة.
وفي النهاية، تناولت نينا دواء كيريل المرّ واستلقت على السرير.
لا بد أن الدواء احتوى على مكوّن منوّم، فقد غمرها النعاس بشكل لا يُحتمل. وما إن وضعت رأسها على الوسادة حتى غرقت في النوم.
***
آه، إنه حلم مرة أخرى.
لكن إدراكها بأنها تحلم اختفى بسرعة.
“سيدة نينا!”
فُتح باب الخيمة وركضت نحوي امرأة صغيرة الجسد.
“هل أنتِ بخير؟ سمعت أن راندل-شاه هاجمكِ…”
“أنا بخير.”
أجبتها مبتسمة، لكن الشخص الذي دخل بعدها قال بنبرة حادة:
“لو لم أُوقفه، لكنتِ قُتلتِ في تلك اللحظة. هل تُعتبرين بخير في هذه الحالة؟”
ابتسمتُ لدوق لوفرين ابتسامة حرجة. ومع أنه كان يحدّق بي بعينيه الزهريتين الحادتين، أجبت بنبرة هادئة:
“رغم أن شكلي لا يوحي بذلك، فأنا بخير.”
تمتم أدريان:
“لم أظن أن الحكيم قد فقد صوابه.”
عندها استدارت فيونا فجأة وقالت:
“راندل ليس مجنونًا! هو فقط حزين.”
“وعندما يحزن، يبدأ بإطلاق السحر عشوائيًا؟ بسببه طارت خيمتي من مكانها، والسير نينا أصيبت بحروق ولن تتمكن من المشاركة في القتال لبعض الوقت.”
قهقهت فيونا وهي تغطي فمها بكلتا يديها.
أما أنا، فلم أعرف من أين يُفترض أن أضحك، فشعرت بالارتباك. حتى دوق لوفرين أبدى ملامح غريبة.
قالت فيونا بنبرة مازحة:
“أنت قلق لأن السيدة نينا أصيبت، أليس كذلك؟ لكنك تتحدث وكأن المشكلة تكمن فقط في عدم قدرتها على القتال.”
“…..”
‘لماذا يُفترض أن يكون هذا أمرًا مضحكًا…؟’
على عكس ارتباكي، أجاب دوق لوفرين بنبرة منزعجة:
“توقفي عن تفسير الأمور على هواك. فقدان مُستدعية أرواح واحدة يُعدّ خسارة كبيرة في هذا التوقيت.”
“خسارة؟! أمامها؟! هذا قاسٍ حقًا. أخرج! أخرج من هنا!”
صاحت فيونا فجأة وهي تهز جناحيها كدجاجة تحمي صغارها، ثم دفعت بالدوق إلى الخارج واقتربت من سريري بسرعة وأمسكت بيدي بإحكام.
“أنا آسفة، سيدة نينا. أرجوكِ سامحي شاه راندل.”
“إنه ليس شخصا يمكنني أن أسامحه أو لا. إنه الحكيم العظيم.”
ضحكت فيونا ضحكة مُرّة، ثم وضعت جبهتها على يدي التي كانت تمسك بها.
التعليقات لهذا الفصل " 119"