“حسنًا، دعني أقول إنني لا أصدق أصلًا بوجود أرواح شريرة في هذا العالم… لكن، فلنفترض أن الأمر صحيح. هل يُعقل أن نستقبل البشر وتلك الكائنات في فندق واحد؟ أليس هذا خطرًا على النزلاء البشر؟”

“لهذا السبب قسمنا المبنى. المبنى الشرقي مخصص للنزلاء البشر، بينما المبنى الغربي لتلك الكائنات الغريبة.”

أضاف المدير أن المنطقة الوسطى تُستخدم كردهة ومكتب لتسجيل الوصول. وأشار إلى أنه لا مفر من التقاء النزلاء في أماكن مثل الحديقة، لكن الكائنات الغريبة نادرًا ما تغادر غرفها.

ومع ذلك، لم أجد تفسيره مقنعًا. فتقسيم المبنى لا يعني أن تلك الكائنات لا تستطيع التسلل إلى المبنى الآخر. فمنذ قليل فقط، ظهر مدير مزيف في غرفتي الخاصة بالمبنى الشرقي.

“ألا يوجد نوع من الحواجز… شيء يشبه الحدود السحرية بين المباني؟ بدون ذلك، كيف يمكن ضمان سلامة النزلاء البشر؟”

“حدود سحرية؟ يا لها من كلمة تبدو وكأنها مقتبسة من رواية! للأسف، لا يوجد شيء من هذا القبيل. لكن الحوادث التي تقلقين بشأنها لا تحدث كثيرًا. لنقل إن الآنسة ليندتيل كانت غير محظوظة بعض الشيء. وإن كان الأمر، من وجهة نظرك، قد وقع بنسبة مئة بالمئة!”

آسفة إن استخدمت كلمة تبدو روائية. كبتّ رغبتي في الرد بسخرية، وحدقت في وجه المدير المبتسم. لن أتوقف حتى أحصل على تفسير منطقي يُقنعني.

“لماذا لا تحدث مثل هذه الحوادث كثيرًا؟”

“حسنًا، هذا…”

توقف المدير عن الكلام للحظة، وأدار عينيه بعيدًا قبل أن يعود لينظر إليّ مبتسمًا. ثم نطق بكلمات كفيلة بجعل أي شخص ينهار من هولها.

“إنه سر!”

“…ماذا؟”

“لو عرفتِ كل شيء عن الفندق منذ البداية، أين ستكون المتعة؟ ثم إن هناك أسبابًا تتعلق بالأمن.”

يا للسخافة! هكذا كانت انطباعاتي. الأمن مهم، نعم، لكنني كدت أُقتل للتو على يد نزيل آخر. من واجب المدير أن يتخذ إجراءً مناسبًا. لا أطالب بتعويض استثنائي، بل بتفسير منطقي يؤكد سلامتي.

وكأنه قرأ أفكاري، تابع المدير قائلًا:

“الآنسة ليندتيل تريد تفسيرًا مقنعًا، أليس كذلك؟ لكن هذا مستحيل. لقد رأيتِ بنفسكِ، أثناء تجوالك في الفندق، أمورًا غريبة لا يمكن تفسيرها بالمنطق. تفسير منطقي؟ هذا لا معنى له هنا، فهذا المكان ليس عاديًا من الأساس.”

“…..”

“أعترف أن كلامي قد يبدو غير مسؤول. لذا، إن أردتِ تسجيل المغادرة والرحيل عن بيلفيدير الآن، سأهيئ لكِ عربة. لكن، يا آنسة ليندتيل، هل أنتِ في وضع يسمح لكِ بذلك؟”

ابتسامته بدت وكأنها تسخر مني. ربما لأنه أطول مني، فكان ينظر إليّ من الأعلى. لكن كلامه لم يكن خاطئًا. لم أفرغ حقائبي بعد، لذا يمكنني المغادرة فورًا.

المشكلة أنني لا أعرف شيئًا عن وفاة عمي. وأنا مصممة على معرفة الحقيقة: ماذا مر به في هذا الفندق؟ وما الذي دفعه للانتحار؟

“…إذن، أخبرني. كل ما مر به عمي في هذا الفندق. هذا سيُسرّع رحيلي.”

“بالطبع! الوريثة الوحيدة للمدير السابق تستحق سماع القصة. لكن، هناك شيء عليكِ القيام به أولًا.”

شيء عليّ القيام به؟ يكفي أن أبقى في هذا الفندق الغريب، والآن هناك مهام أخرى؟ ربما مجرد اختيار ما سأحتفظ به من متعلقات عمي. هذا، على الأقل، ما توقعته.

“وما الذي يجب أن أفعله؟”

“بسبب وفاة المدير السابق المفاجئة، هناك وثائق لم تُعالج بعد. وبما أن ملكية الفندق تعود قانونيًا للمدير السابق، وأنا مجرد موظف، فالوريثة الوحيدة هي من يجب أن تتولى الأمر. مجرد توقيع، أمر بسيط. وبمجرد انتهائك، سأروي لكِ قصة المدير. أعدكِ بذلك.”

بسيط؟ معالجة الوثائق ليست بهذه البساطة. أتذكر جيدًا كيف عانيت من كم الوثائق بعد وفاة عائلتي. أكوام من الأوراق: قراءة، توقيع، قراءة، توقيع… تكرر الأمر مئات المرات حتى شعرت بالإنهاك.

والآن، يطلب مني، بعد أن نجوت من الموت للتو، القيام بذلك؟ هل هو مجنون؟ إن لم يستطع شرح الفندق بوضوح، فعليه على الأقل أن يتحدث عن عمي بصدق.

“لماذا يجب أن أعطي الأولوية لتوقيع الوثائق على سماع قصة عمي؟ إن كان هذا أمرًا لا يمكن لغيري القيام به، ألا يفترض بك أن تقنعني جيدًا؟”

توقف المدير للحظة يفكر، ثم أجاب بلا خجل:

“صدمة وفاة المدير السابق لا تزال تؤثر فيني. أريد أن تستغلي وقت توقيع الوثائق لأرتب أفكاري وأعد القصة. هاه.”

“…..”

أخرج المدير منديلًا ومسح عينيه، دون أن تسقط دمعة واحدة. لا أحد يمكن أن ينخدع بهذا التمثيل الرديء. من الواضح أنه لا يشعر بالحاجة لإقناعي بجدية. بعبارة أخرى، لا نية لديه لرواية قصة عكس الآن.

لا فائدة من إطالة هذا الجدال العقيم. إذن، الخطوة الأفضل هي إنهاء هذا الأمر بسرعة بدلًا من محاولة إقناعه. إقناع شخص عنيد، خاصة شخص بلا مبالاة مثله، ليس بالأمر السهل. تنهدت باختصار ونظرت إليه مباشرة.

“عليك الوفاء بوعدك. لن أتراجع مرة أخرى.”

“بالطبع. أنا دائمًا أفي بوعودي.”

“حسنًا. إذن، اصطحبني إلى مكان يمكنني العمل فيه.”

تقدم المدير ليصطحبني إلى المكتب، فتبعته. لحسن الحظ، كان المكتب يقع فوق الردهة الوسطى، وليس في المبنى الغربي. بمجرد مغادرتي المبنى الغربي، اختفى ذلك الشعور البارد الذي كان يلف بشرتي، مما ساعدني على استعادة هدوئي.

“بالمناسبة، يا آنسة ليندتيل، أنتِ هادئة بشكل غريب رغم أنكِ كدتِ تموتين على يد كائن غريب.”

“…أجل، يمكن القول إنني كذلك.”

منذ طفولتي، كنت أظل هادئة ما لم أواجه خطرًا مميتًا، ولم أكن أشعر بالعواطف الجياشة بسهولة. بسبب طباعي هذه، كثيرًا ما قيل عني إنني غريبة الأطوار.

الآن وقد ذُكر ذلك، هل مررتُ بحادثة كادت تودي بحياتي في طفولتي؟

“هنا المكتب الذي كان يعمل فيه المدير السابق.”

“…هل هذا صحيح؟”

كان المكتب عاديًا، مشابهًا لمكتب والدي في قصر ليندتيل. لكن ما أثار دهشتي لم يكن تصميمه، بل كمية الوثائق المكدسة بعناية بجانب المكتب.

“معالجة كل هذا سيستغرق أكثر من يوم أو يومين!”

“لا تقلقي. ليست وثائق معقدة، إذا عملتِ بسرعة، قد تنتهين في يوم واحد.”

هل أنا محكوم عليّ بمعالجة هذه الأوراق المتراكمة؟ مجرد رؤية الوثائق المكدسة كحصن حول المكتب جعلتني أشعر بالإرهاق. كدت أهرب للتو، لكنني وجدت نفسي، شبه مجبرة، أجلس أمام المكتب. على المكتب، كانت هناك أقلام حبر وأختام شمعية وغيرها، كل شيء جاهز بدقة متناهية.

وهكذا، بعد دقائق من نجاتي من الموت، بدأت رحلة معالجة الوثائق الجهنمية.

— ترجمة إسراء