عندما التقيته للمرة الأولى، وصفتُ أدب مدير الفندق بالمثالي، كما لو كان مستمدًا من كتاب دراسي. لكنني أتراجع عن تلك الكلمات. فمدير يترك ضيوفه ويمضي على هواه ليس بمهذب على الإطلاق. حتى أنا، التي لا تهتم كثيرًا بالأعراف والآداب، أرى ذلك بوضوح.
هذه المرة أيضًا، اقترح فجأة أن يرافقني إلى المطعم، فسار عبر الفناء الخلفي، منتقلًا من المبنى الشرقي إلى الغربي.
لم أكن أرغب في اتباع هذا المدير المريب، لكن من أجل سماع أي حديث عن عمي، قررت التغاضي هذه المرة فقط.
يبدو أن هيكلية الفندق تتيح التنقل من الداخل، لكن بما أننا خرجنا إلى الفناء، قال إن الدخول من هنا أسرع أو شيء من هذا القبيل.
المبنى الغربي، بحكم موقعه، لا تصله الشمس كثيرًا، فهو أغمق نسبيًا من المبنى الشرقي، ودرجة الحرارة فيه أقل قليلًا.
كانت اللوحات المعلقة على جدران الرواق مغطاة بقماش سميك دون استثناء. والرواق، الذي لا تصله الشمس أصلًا، بدا أكثر كآبة بسبب هذه اللوحات المحجوبة، مما ضاعف من إحساس الغموض المخيف.
بعقلية منطقية، قد يكون تغطية اللوحات للحفاظ عليها، لكن لا حاجة لتغطيتها في رواق يمر منه الضيوف.
شعرت بانزعاج غامض، فتجنبت النظر إلى اللوحات وسرتُ في الرواق الطويل بخطى متثاقلة.
وصلتُ أخيرًا إلى باب المطعم، المزين بمقبض فاخر. يبدو أن الوقت لم يكن موعد الطعام بعد، إذ كان الباب مغلقًا.
أخرج المدير ساعة جيبه، تحقق من الوقت بسرعة، ثم فتح باب المطعم.
استقبلني سقف مزين بثريا فاخرة، وطاولة كبيرة مغطاة بغطاء أبيض، إلى جانب طاولات صغيرة أخرى.
كما توقعت، لم يكن هناك ضيوف. بدا المطعم مشابهًا لأي مطعم فندقي عادي، لكن غياب النوافذ بدا غريبًا من الناحية الهيكلية.
‘لماذا لا يوجد نوافذ في هذا المطعم…’
فجأة، ومع صوت خافت، غرق المطعم في ظلام دامس.
آه، انقطعت الكهرباء.
وقفتُ ساكنة، حذرة من الاصطدام بأحد، وأغمضت عيني ببطء، منتظرة أن تتكيف مع الظلام. لسوء الحظ، لم يكن هناك نوافذ، فلم يتسلل أي ضوء من الخارج.
“أيها السيد المدير، أنت هنا، أليس كذلك؟”
“بالطبع. يبدو أن هناك خطأ بسيطًا بين الموظفين. لا داعي للقلق، سيعود الضوء قريبًا.”
أصغيتُ إلى كلامه وانتظرتُ بصمت. لم تمضِ ثلاثون ثانية حتى عاد النور إلى المطعم كما كان. في مطعم بهذا الحجم، كنت أتوقع سماع خطوات الموظفين وهم يهرعون لإشعال الأضواء، لكنني لم أسمع شيئًا.
أم أن هذا الفندق يستخدم الكهرباء، كما في مصابيح الشوارع الحديثة؟ من المدهش أن فندقًا يبدو تقليديًا يعتمد مثل هذه التقنيات.
حسنًا، دعنا من ذلك.
“لماذا هناك مأدبة جاهزة فجأة؟”
قبل انقطاع النور، كانت الطاولة خالية تمامًا، لكنها الآن مزينة بأطباق مغطاة وأدوات مائدة مرتبة بعناية، كما في مأدبة أرستقراطية.
لا يزال الوقت مبكرًا عن العشاء. اقتربتُ من الطاولة متعجبة، وعندما هممتُ بسؤال من هي هذه المأدبة المعدة له، قال المدير:
“هل تودين رفع الغطاء؟”
“…”
كيف أمكنهم إعداد مأدبة بهذه السرعة؟
بينما كنت أفكر في هذا بشك و تردد، اجتاحني عطر الديك الرومي المشوي، فتبخرت كل أفكاري، ولم يبقَ سوى الجوع يسيطر على عقلي. أريد أن آكل. يجب أن آكل. لا بد أن آكل.
كانت رغبتي في رفع الغطاء وابتلاع كل شيء تشتعل بداخلي. حدقتُ في الغطاء، أصارع عقلي بضراوة.
أأرفعه؟ قلبي يصرخ بذلك، لكن عقلي يهمس بصوت آخر.
تذكرتُ صوت معلمة الأخلاق التي درّستني قديمًا، تقول بحزم:
[لا يجوز رفع غطاء الأطباق قبل أن يجتمع جميع المدعوين إلى المأدبة، يا آنسة!]
نعم، هذا صحيح. كم سمعتُ هذا الكلام حتى أصبح عالقًا في أذني. يجب أن أظهر آداب عائلة ليندتيل النبيلة.
نظرتُ إلى المدير وهززت رأسي. حتى وإن كانت مكانتي الأرستقراطية على المحك، أريد التمسك بالآداب.
لمس المدير ذقنه للحظة، ثم ابتسم وقال إنه يفهم. حاولتُ جاهدة تجنب النظر إلى الطاولة، وتبعتُ المدير لأتفقد بقية المطعم.
“كان السيد المدير العام يزور هذا المطعم أحيانًا لتناول الطعام. في الآونة الأخيرة، قلّ تناوله للطعام، لكنه كان يعشق الديك الرومي المشوي.”
“بما أنه كان يحب التحدث مع الناس، فمن الطبيعي أن ينزل إلى المطعم بنفسه.”
فكرتُ أيضًا أن عمي كان يحب اللحوم. بينما كنت أتأمل إن كان هناك نافذة واحدة على الأقل في المطعم، تدحرج شيء فجأة عند قدمي.
“…رمانة؟”
نظرة حولي بدهشة بسبب الرمانة التي ظهرت فجأة. على طاولة قريبة، كان هناك سلة فواكه. يبدو أنها سقطت من هناك وتدحرجت إلى قدمي.
كيف وصلت إلى هنا؟
رفعتُ الرمانة نصف المفتوحة بسرعة لأعيدها إلى السلة. لم ينتبه المدير للرمانة الساقطة، واستمر في الحديث بنفسه وسار أمامي.
كانت الرمانة تنبعث منها رائحة مغرية للغاية، مثل الأطباق المغطاة. لو طلبتُ من المدير، ربما سمح لي بأكل واحدة. شعرتُ أن حبة واحدة ستكون كافية لإرضائي. بل إن الإحساس البارد الذي أشعر به منذ قليل، والصداع المتواصل، سيزولان بمجرد أكلها.
إنها ليست مغطاة، أليس كذلك؟ ربما لا بأس بها.
بينما كنت أفكر دون وعي، شعرتُ بحضور غريب، فالتفتُ بسرعة. كان هناك رجل لم أره من قبل يقف بجانب صينية عند الحائط.
شعر أبيض وعينان ذهبيتان. كأنه شخصية من لوحة دينية، وكأن هالة ستنبثق فوق رأسه في أي لحظة. كانت ملابسه مختلفة قليلًا عن بقية الموظفين، لكن من مظهره، يبدو أنه أحد موظفي الفندق.
منذ متى كان يقف هناك؟ بل الأهم، لماذا يحدق بي بهذه الطريقة؟
كان الرجل ينظر إلي بعينين متجهمتين، كما لو كان يوبخني لسرقة طعام ضيف آخر.
شعرتُ وكأنني أتلقى تأنيبًا من قديس في الكتاب المقدس. أعدتُ الرمانة إلى مكانها وكأن شيئًا لم يكن.
‘أرأيت؟ أنا لست لصة. لا تسئ فهمي.’
نظرتُ إليه مجددًا لأنقل هذا المعنى، لكنه اختفى كالسراب. لم أصدق أنه اختفى بهذه السرعة، فنظرتُ حولي، لكن الوحيد الذي رأيته كان المدير، الذي لم ينتبه لغيابي وابتعد.
ما بال موظفي هذا الفندق يظهرون ويختفون هكذا؟ هل يتدرب موظفو الفنادق على تقنيات التسلل كالقتلة في الروايات؟ مستحيل.
بينما كنت أنظر حولي مذهولة، لاحظ المدير أخيرًا غيابي وعاد إلي مسرعًا.
“هل هناك مشكلة، يا آنسة؟”
“لا شيء. فقط التقطتُ رمانة سقطت.”
“رمانة؟ هل كان هناك رمانة في هذا المطعم؟ …حسنًا، سأطلب من الموظفين الانتباه أكثر للطاولات.”
تلاشى هدوء ابتسامة المدير. لمس ذقنه مفكرًا، ثم اقترح أن نكتفي بجولتنا في المطعم وغادر نحو المدخل. لماذا ردة الفعل هذه؟ كأنه رأى شبحًا.
عندما خرجنا من المطعم، عاد المدير ليبتسم بثقة مزعجة وقال:
“حسنًا، هل نرى مكانًا آخر؟ هناك مكان أود أن أعرفك عليه…”
“لا، لم أعد أرغب في جولة في الفندق. أين كانت غرفة عمي؟ أرشدني إليها.”
قاطعتُ كلامه، مؤكدة أنني أريد فقط رؤية الغرفة الخاصة التي أقام فيها عمي آخر مرة.
سئمت من التجوال في هذا الفندق الغريب. لقد أنهكتني هذه المتاهة، وأحتاج إلى الراحة. لم يمر وقت طويل منذ سماع خبر وفاة عمي، وإن وصلتُ إلى حدودي الجسدية، قد أنهار.
“…إذا كانت هذه رغبتك، يا آنسة. غرفة السيد المدير العام تقع في الطابق الثالث من هذا المبنى، في أقصى الداخل. هيا بنا.”
بدت تعابير المدير وكأن رغبتي لم تعجبه، لكن للأسف، أنا الطرف الأقوى هنا. لا يمكنه رفض طلب ضيف بهذا الحزم.
أرشدني إلى غرفة عمي. كلما تعمقنا في المبنى الغربي، شعرتُ ببرودة تزحف على جلدي. غياب المارة زاد من هذا الإحساس.
لم تكن الغرفة بعيدة، فوصلنا بسرعة.
وقفتُ أمام غرفة بدت فاخرة بوضوح، وطلبتُ من المدير فتح الباب. أخرج مجموعة مفاتيح من جيبه، واختار واحدًا بعناية ليفتح القفل.
فجأة، تذكرتُ سؤالًا مهمًا لم أطرحه بعد.
“بالمناسبة… لم أسأل عن شيء مهم. كيف توفي عمي بالضبط؟”
“آه، السيد المدير العام…”
رنّ صوت الباب الخشبي القديم وهو يُفتح. عندما عبرتُ عتبة الغرفة، قال المدير بهدوء وابتسامة:
“لقد انتحر في هذه الغرفة.”
— ترجمة إسراء
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان! شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة. سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
التعليقات لهذا الفصل " 4"