كانت تلك أول مرة في حياتي أتعرض لمثل هذا الموقف، ومع ذلك أدركت على الفور ما الذي جرى.
لقد انجرفت داخل شقّ طارئ.
عند دخولي إلى منطقة الخطر، توقعت أنّ مواجهة الوحوش أمر لا مفر منه، غير أني لم أتصور أن يبتلعني الشق فجأة، بل وقبل أن أخطو حتى داخل هيكتانغ دونغ.
الشق الطارئ، كما يوحي اسمه، هو تمزق يظهر بلا سابق إنذار.
فإذا صادفه إنسان عادي، فلن يكون أمامه سوى التذمّر من حظه العاثر وانتظار من ينقذه.
نفضت عن سروالي ما علق به من وحل، ثم ألقيت نظرة حولي.
كان المكان مظلماً كأنني داخل كهف، ويبدو أنه من أبسط وأشهر أشكال الأبراج المحصنة.
الحمد لله أنه ليس مكاناً قاسياً كمنطقة البراكين أو الجبال الجليدية، حيث يصعب حتى الوقوف على القدمين.
والحقيقة أن الخروج من الشق ليس أمراً معقداً في الظاهر.
فمن يجوب هذا الزنزانة المرتبطة بالشق، سينتهي به المطاف إلى مواجهة الوحش الرئيس الذي يحمل “نواة الشق”.
وبمجرد القضاء على ذلك الوحش وتدمير النواة، تنهار الزنزانة ويعود من ابتلعهم الشق إلى مواضعهم الأصلية.
لكن الجميع يعلم أن هذا الشرح البسيط لا يعكس صعوبة التجربة الحقيقية.
ومع ذلك، لم يكن هناك ما يدعوني للذعر.
عليّ أن أتحلّى بالهدوء، أهاجم هذا المكان بطريقة منظمة، وأخرج منه.
للاحتياط، فتحت واجهة الحالة واستدعيت بيانات موقعي الحالي:
【الموقع الحالي】
<كهف الكروكايل>
― مستوى الخطر: 4 (شق)
شرط الاجتياز: القضاء على العملاق كروكايل (0/1)
الوقت المتبقي: (38:18:43)
يا لسروري أن الشق هذا من النوع الذي يوفر معلومات واضحة.
فمستوى الخطر الرابع يتطلب عادةً فريقاً من صيادي الدرجة C أو وجود صياد واحد على الأقل من الدرجة B وما فوق، حتى يتمكنوا من اجتيازه.
لو كنت على حالتي السابقة، لأغمي عليّ من شدة الخوف، لكن لم يعد يشكل تهديدا كبيرا علي بعد الآن.
فبرج الدماء الحمراء وحده يتجاوز مستوى الخطر 11.
أنا زعيم البرج الأسطوري و أُهزم في مثل ذلك المكان؟ لا يليق بي ذلك وإلا فقدت هيبتي.
والجميل أن شرط الاجتياز بسيط: ليس هناك أية متطلبات خاصة كما في بعض الأبراج النادرة.
كذلك، الوقت المتاح طويل نسبياً.
أجل، هذا ممكن. أستطيع أن أفعلها. أليس كذلك؟ نعم، أستطيع.
***
حاولت أن أُهدّئ نفسي ونهضت من مكاني.
وما أن فعلت حتى شقّ الفضاء صراخ حاد:
“آآااه! كيااااه!”
“أوووه! أآآآه!!”
كانت تلك صرخات بشرية ممزقة تملأ الأجواء.
أيعقل أنّ أشخاصاً آخرين انجرفوا أيضاً داخل الشق؟ هل كان هناك غيري يعبر نفق المترو ذاك؟
لكن حين فكرت مليّاً، أدركت أنّ هناك احتمالاً أكبر: أن يكون من ابتلعهم الشق هم من كانوا في الأعلى.
فأنا كنت في النفق تحت الأرض قبل بلوغ منطقة الخطر، وأما فوقه فتمر طرق عامرة بالناس.
وهذا يعني أن عدداً كبيراً ربما قد انجرف معي.
فاتجهت فوراً نحو مصدر الصراخ.
وسرعان ما رأيت رجلاً وامرأة في أواخر العشرينيات ملقيين أرضاً، يرتجفان وهما منكمشان، يحيطان رأسيهما بذراعيهما.
“آآااه! أرجوك!”
“أوووه! كيااااه!”
أسرعت نحوهم، وانحنيت قليلاً، وخاطبتهما بنبرة هادئة:
“هل أنتما بخير؟ ماذا جرى؟”
مع أن وقوعهما في الشق وحده كان كافياً ليُعَدّ مصيبة.
فأجابا بصوت مرتعش، يكاد يختنق من الخوف:
“ه، هناك… هناك وحش! وحش!”
“وحش أمامنا!”
انتفضت واقفة، ورحت أُمعن النظر حولي بسرعة.
وفي الاتجاه الذي أشارا إليه، تلألأ ضوء لامع.
أهذا هو الوحش؟ بدا حجمه متوسطا.
فاقتربت بحذر لأتبين الأمر.
لكنّ الرجل والمرأة صرخا بفزع:
“لا، لا تقتربي منه! لا تفعلي!”
“إذا اقتربتِ ستُقتَلين! آآاه!”
كانت أصواتهما مليئة بالذعر لدرجة دفعت قلبي إلى التردد.
صحيح أنني أملك الآن قوة خاصة، لكن ذلك لا يعني أنّ الشجاعة تولد بين ليلة وضحاها.
الخوف من الموت ما زال حاضراً، والوحوش تظل مقززة، وهذا المكان خانق ومُرعِب.
غير أنّ رؤية هاذين المسكينين وهما يرتعدان بشدة جعلني، بعكس المتوقع، أكثر هدوءاً.
اقتربت من مصدر الوميض بحذر، وعندما وصلت، كُشف لي أنّه لم يكن وحشاً على الإطلاق، بل عصا مضيئة للطوارئ (عصا شرطة) نصف مطمورة في الطين.
آه…
بُهتُّ قليلاً، ولم أعرف ما أقول، قبل أن أنطق أخيراً بكلمات متلعثمة:
“إنه… ليس وحشاً.”
والحمد لله على ذلك، فالأمر ليس خطيراً.
سحبت العصا المضيئة وأطفأت ضوءها.
وما أن خبا الوميض، حتى رفع الرجل والمرأة رأسيهما بحذر من الأرض.
“إذًا… ليس كذلك…؟”
لمّا رأوا ما أحمله بيدي، ارتسمت على وجهيهما ابتسامة باهتة مرتبكة.
ظننت أنّهما سيهدآن أخيراً، غير أنّ ملامحهما سرعان ما ارتجفت من جديد، ثم انفجر الشاب باكياً:
“أوووه! أختي، ماذا سنفعل؟ هل سنموت هكذا؟”
*استعمل قبضة البعبع*
فصرخت الفتاة تحاول مواساته:
“لا تبكِ أيها الأحمق! سـ… سنعيش! لا بد أنّنا سننجو!”
بان لي جلياً أنهما شقيقان، فقد كان الشبه بين وجهيهما صارخاً.
قال الشاب متلعثماً بين الدموع:
“أ، أحقاً؟”
فأجابته الأخت بصوت مرتجف:
“بـ… بالتأكيد! أتعلم في أي زمن نعيش الآن؟ حين تقع حوادث كهذه، ترسل هيئة الإدارة فرق الإنقاذ فوراً! فقط اصبر قليلاً وسترى… أأه!”
ثم انفجرا معاً في نوبة بكاء جديدة، بكاءً مريراً يبعث الكآبة حتى في قلبي.
اقتربت منهما مجدداً، وجلست بجانبهما وأنا أقول بهدوء:
“اهدآ. إن رفع الصوت على هذا النحو قد يجذب الوحوش.”
حاولت أن أُظهر أقصى ما لديّ من رقة في النبرة، وإن لم أدرِ كيف بدا لهما صوتي.
عندها رفعت الفتاة وجهها المبلل بالدموع، ومسحت عينيها قائلة بتردد:
“مـ… معذرة… هل أنتِ صيادة…؟”
ثم هتفت بعينين متسعتين:
“أنتِ صيادة بالفعل!”
فوجئت بكلماتها، ورفعت رأسي بارتباك:
“نـ… نعم؟”
أشارت إلى الحزام عند خصري وقالت:
“هذا عتاد الصيادين! لا شك في ذلك.”
عندها أدركت أنني ما زلت أرتدي معدات الصيادين التي سلّمتها لي نقابة توشين يوم دخلت البرج.
هتفت الفتاة بإشراقة أمل:
“آه! كنت أستغرب هدوءك، إذن فأنت صيادة حقاً!”
وبينما كانت تتكلم، كفّ شقيقها عن البكاء، وعاد لوجهه بعض اللون.
صياد…
صحيح أنني من “المستيقظين”، لكنني في الأصل مجرد معالجة من رتبة F، لا أملك وزناً في المعارك.
غير أنّ لدي قدرات أخرى مختلفة.
سألني الشاب مباشرة وكأنه غريق يتشبث بقشة:
“أنت صيادة، أليس كذلك؟”
لكن هويتي نفسها باتت غامضة عليّ، فلم أجب إلا بتلعثم:
“نـ… نعم، يمكن أن يُقال ذلك، ولكن…”
نظر إليّ الأخوان بوجوه حائرة، إلا أنهما سرعان ما تشبثا بيديّ من جانبي وقالا بصوت مرتجف:
“أيتها الصيادة، سننجو معك، أليس كذلك؟ ستخرجيننا من هنا أحياء؟”
وقبل أن أجيب، دوّى صوت آخر من محيطنا:
“صيادة؟!”
“هل قالا أن هنا صيادة؟!”
وما هي إلا لحظات حتى أخذت ظلالٌ بشرية تنسحب من مخابئها واحدة تلو الأخرى.
“يا لحظنا، لقد نجونا!”
“سنخرج! سنعيش!”
نظرت حولي، فإذا بعشرة أشخاص تقريباً يظهرون وقد كانوا مختبئين في مكانٍ ما.
لحسن الحظ، لم يكن بينهم مصاب، مما يعني أنّ الوحوش لم تهاجم بعد.
غير أنّ وجهَي الأخوين تغيّرا فجأة حين أبصرا القادمين، وتجمّد فيهما الغضب.
“لماذا عدتم؟”
صاحت الفتاة بمرارة. “ألم تدفعونا وتتركونا خلفكم بمجرد أن ظهر الوحش؟!”
ساد صمت حرج، و تجلت على وجوه بعضهم علامات الخجل.
تلعثم أحدهم قائلاً:
“كـ… كنا نبحث عن مخرج آخر، لكن الطريق انقطع أمامنا…”
نظر إليه الأخوان باستهزاء ممزوج بالحنق.
“أي وقاحة هذه؟! بفضلكم نحن عجزنا عن الفرار بعدما أصيبت ساقي! لقد استخدمتمونا طُعماً للوحش!”
“عدتم الآن… لكن بدلاً من مساعدتنا، ظللتم مختبئين تراقبون عن بعد، أليس كذلك؟!”
ويبدو أنهم لم يجرؤوا على الخروج إلا بعدما تأكدوا أنّ الخطر قد زال.
غير أن رجلاً في الثلاثينيات تقدّم بخطى غاضبة وقال بحدة:
“وماذا كنّا سنفعل؟ هذه هي الظروف! لا بد أن ينجو بعضنا على الأقل، فلا يمكن أن نموت جميعاً!”
ثم أضاف بلهجة مليئة بالحنق:
“وكأنكما كنتما ستتصرفان على نحو مختلف لو عُكست الأدوار! لو كنتما في الخلف، لدفعتما غيركما وهربتما مثلنا!”
ساد وجوم على وجهَي الأخوين، ولم يستطيعا الرد.
ربما لأن كلامه بدا منطقياً، وربما لأنهما لم يجدا ما يثبت عكسه.
لكنني، وقد رأيتهما قبل قليل، كنت واثقة من شيء: لم يكونا ليفعلا ذلك.
فهما من حذّراني من الاقتراب حين حسبا أن هناك وحشاً، وصاحا مذعورَين: ستُقتلين إن اقتربتِ!
من يُفكر في غيره حتى وهو مرتجف من الخوف، لا يمكن أن يتخذ إنساناً آخر طُعماً لينجو.
وما أن سكت الأخوان، حتى اقترب باقي الناس مني بتردّد، ثم انهالوا عليّ بالكلمات:
“آنسة، هل أنتِ صيادة حقاً؟”
“انظروا إلى ملابسها، نعم إنها كذلك!”
“يا إلهي، الحمد لك! أخرجينا من هنا!”
“لقد جئتِ لإنقاذنا، أليس كذلك؟”
وأخذوا يلتفون حولي واحداً تلو الآخر، كأنني خشبة خلاص في بحر هائج.
“أيتها الصيادة، ستتمكنين من اجتياز هذا المكان، أليس كذلك؟”
كنت أتساءل في نفسي: هل أستطيع حقاً؟ فالمستوى ليس عالياً إلى درجة مستحيلة، لكنه يبقى خطراً.
وفيما أنا مترددة، جذب أحدهم ذراعي قائلاً:
“هناك فتحة في الأسفل تؤدي إلى كهف أعمق.”
وتابع آخر:
“يبدو أن الوحوش متجمعة هناك.”
وأضاف ثالث:
“والوحش الرئيسي بالتأكيد بانتظارنا في ذلك العمق.”
ثم تعالت أصواتهم برجاء متوسل:
“رجاءً، آنسة، أخرجينا من هنا.”
“سنضع ثقتنا بك وحدك!”
طوال حياتي، لم ألقَ معاملة حافلة كهذه بصفتي صيادة.
لطالما تعرّضت للسخرية بوصفـي من رتبة F، لكن أن يُعلّق الناس آمالهم عليّ بهذه الحرارة، فذلك أمر أختبره لأول مرة.
♤♧♤♧♤♧♤
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 9"