8
الفصل الثامن
فتحتُ عيني على مقعدٍ في حديقة صغيرة قريبة من البرج.
ما أن رفعتُ رأسي حتى رأيت السماء.
سماءٌ صافية بلا غيمة واحدة.
‘لقد خرجتُ حقًا إلى العالم الخارجي…’
غمرتني مشاعر متدفقة جعلتني أكاد أبكي.
كنتُ على وشك الاستمتاع بهذا الفرح، لكن نافذة ظهرت أمامي فجأة:
【هل تريد إنهاء المعركة؟】
‘الآن؟ لماذا يسألني هذا الآن؟ المعركة انتهت منذ وقت طويل…’
ربما لأن توتري لم ينفك إلا الآن.
على أي حال، ضغطتُ فورًا على [نعم].
في تلك اللحظة عاد شاشتي الملطخة باللون الأحمر إلى حالتها الطبيعية، وتوقّف الألم الذي كان يلسع كفي حتى تلك اللحظة.
فككتُ قطعة القماش التي لفّها الشبح على يدي، فوجدت أن الجرح قد اختفى بالفعل.
‘كنتُ أظن أن قدراتي العلاجية لا تعمل… يبدو أن الجروح التي تحدث في الطابق الأعلى لا تلتئم إلا بعد انتهاء المعركة.’
تسلّل إليّ شعور مزعج:
‘لا يمكن… هل عليّ أن أجرح يدي في كل معركة مقبلة؟’
لكنني تجاهلتُ الفكرة عن عمد.
ظننتُ أنني سأكون سعيدة بالخروج إلى الخارج، لكن فجأة اجتاحتني كآبة خانقة.
ربما لأن الموقف بدا غير واقعي داخل البرج، كالحلم، أما الآن… فقد ارتطمتُ بالواقع القاسي.
خرجتُ بحماسة مدّعية أنني سأسعى للانتقام… لكنني أدركت أنني لا أملك حتى مكانًا أذهب إليه.
المكان الذي كنتُ أعيش فيه في السابق هو المسكن الذي وفرته نقابة “التوشين”. العودة إليه مستحيلة.
ولا يمكنني أيضًا التواصل مع من كنت أعرفهم هناك.
في الحقيقة، بعدما انغمستُ ليلًا ونهارًا في كسب المال، انقطعتُ عن جميع روابطي الإجتماعية.
أبي وأمي، وأقرب أقاربي، جميعهم ابتلعتهم الشقوق وماتوا. وحتى المستشفى… لم يعد فيه أخي.
‘إذاً… إلى أين أذهب الآن؟’
هل بقي لي مكانٌ في هذا العالم أصلًا؟
أسندتُ ظهري إلى المقعد وأنا شارده.
‘ألا يجدر بي أن أذهب مباشرةً إلى نقابة التوشين؟’
تخيلتُ نفسي أقتحمهم وأثير الفوضى حتى أرى ركبهم ترتجف.
لكن… لا، ذلك غير منطقي.
حتى لو أصبحتُ أقوى، فلن أستطيع مواجهة عشرات المستيقظين وحدي.
التوشين قد لا تكون نقابة ضخمة، لكنها ليست صغيرة أيضًا.
ثم إنني لا أريد إيذاء الأعضاء الأبرياء. هدفي واحد: بارك كي هيوك وكل من شاركه في خداعي وقتلي.
من الأفضل أن أجد أدلةً تكشف جرائمهم، بدلًا من تدمير كل شيء بتهور.
أما كيف سأفعل ذلك، فهذا ما سأفكر فيه لاحقًا.
المشكلة العاجلة الآن هي: أين سأنام الليلة؟
لم يبقَ لي أحد أستند إليه.
ولو كان معي مالٌ على الأقل…
لكن كل ما في جيبي لا يتعدى مبلغًا صغيرًا من النقود.
ما كنتُ أكسبه كنتُ أقدّمه من جديد للنقابة لسداد مصاريف علاج أخي، فلم يتبقَّ لي أي رصيد.
‘آه… مجرد التفكير بهذا يجعل الدم يغلي في عروقي من جديد.’
صحيح أن حقيبتي تحوي بعض المواد النادرة، لكن تحويلها إلى نقود يتطلب إجراءات معقدة ويستغرق وقتًا طويلًا.
تنهدتُ بعمق:
“هاه…”
لا مال، ولا بيت أعود إليه…
… بيت؟
انتظر لحظة. أليس هناك بيتٌ واحد لا يزال موجودًا؟
***
قبل عشر سنوات، في زمنٍ لم تكن فيه لا شقوق ولا مستيقظون، كنتُ أعيش في حي صغير في سيول يُدعى هُك-دونغ.
ثم في أحد الأيام بدأ ما سُمّي بـ “الشق العظيم”.
شقوق ظهرت في كل مكان في وقت واحد، وكانت تبتلع الناس أو تقذف بالوحوش إلى الخارج.
وفي غضون أسبوع واحد فقط من بداية الكارثة، اختفى نصف البشر.
والداي، جيراني، أصدقائي…
معظم من كنتُ أعرفهم رحلوا دون أن يُعثر حتى على جثثهم.
العالم الذي عرفته حتى ذلك الحين لم يعد موجودًا.
الشقوق لم تكتف بابتلاع الناس بل استمرت في التكوّن بلا توقف، وكأنها لن تتوقف حتى تنقرض البشرية بأكملها.
لكن في تلك اللحظة، وُلد الأمل.
بعض الأشخاص الذين استوفوا شروطًا معينة حصلوا على قوى خارقة.
هؤلاء هم المستيقظون.
بفضلهم تمكّن ما تبقّى من البشر من مواجهة الشقوق ومنع الانقراض.
تأسست هيئة لإدارة المستيقظين والشقوق، ووضعت نظامًا جديدًا للعالم.
ورغم أن الأرض غرقت في الفوضى، إلا أن الاستقرار عاد بسرعة مدهشة.
وبعد أن استقرت الأوضاع، بدأت الهيئة بعمليات “التطهير”.
أعادوا السيطرة على المناطق التي استولت عليها الوحوش، وشرعوا في إعادة بناء المدن.
لكن بعض الأماكن كانت خارج السيطرة، فصُنّفت على أنها مناطق خطرة وأُغلقت نهائيًا.
شروط تصنيفها منطقيان:
أولًا: كثافة الوحوش كبيرة جدًا لدرجة يستحيل القضاء عليها.
ثانيًا: مناطق تتكرر فيها الشقوق بشكل مفرط.
وللأسف، هُك-دونغ مسقط رأسي كان ينتمي إلى الفئة الثانية.
منذ وقتٍ ما، بدأت الشقوق تظهر هناك بوتيرة غير طبيعية، ومعظمها كانت شقوقًا طارئة يصعب التنبؤ بها.
رغم أن ظهور شق طارئ مرتين في المكان نفسه يُعتبر أمرًا نادرًا جدًا…
أخيرًا، قررت الهيئة أن تتخلى عن المنطقة وأعلنتها منطقة خطر.
فاضطر السكان لترك بيوتهم لينجوا بحياتهم.
وأنا أيضًا، منذ ست سنوات، حين بلغت الثامنة عشرة، غادرتُها مع أخي.
حتى بين المناطق الخطرة، كانت هُك-دونغ مشهورة.
والسبب؟ يوتيوبر متهور زارها قبل عدة أعوام طمعًا في زيادة المشاهدات.
「مشاهدينا الكرام! هل ترون؟ هذه محطة هُك-دونغ! هذا هو المكان سيئ السمعة الذي لطالما سمعتم عنه!」
「يُقال إنه احتُلّ من قبل الوحوش… لكن هل هذا صحيح فعلًا؟ حتى الآن لا أرى شيئًا…」
「هاه؟ ألم أسمع صوتًا؟ ربما أتوهم. ماذا؟ المحادثة سريعة جدًا… ماذا؟ خلفي؟」
「لماذا تمزحون معي~؟ لا يوجد أي شيء… أواه! آهآآآ!! لااا!! أنقذوني!!」
عاد في النهاية جثةً هامدة.
وزاد الطين بلة أنه كان يبثّ مباشرًا.
فشاهد عدد لا يُحصى من الناس اللحظة المرعبة التي مزقته فيها وحشية هائلة وهو حي.
صحيح أن الفيديو حُذف بسرعة، لكن محبّي الإثارة تناقلوه بلا توقف حتى انتشر في كل مكان.
ومن ثم تضاعفت سمعة هُك-دونغ المرعبة.
‘لا بد أنها ما زالت ملكي ما دام لم يجرؤ أحد على المساس بها بعد ذلك.’
فحتى مسألة عدم دفع رسوم الإدارة لن تُشكل مشكلة.
إذ لا يوجد أصلًا مَن يدير المكان.
بالنسبة لشخص عادي، العودة إلى هناك أشبه بالانتحار.
لكن أنا الآن… ألن يكون الأمر مختلفًا؟
فقد ورثتُ قدرات الزعيم الأخير للبرج.
ولم تعد بضع وحوش تثير خوفي.
لأول مرة منذ أن نلتُ هذه القوة الغريبة شعرتُ بالامتنان لها.
‘نعم… سأذهب إلى هُك-دونغ.’
هناك لن أحتاج لإخفاء هويتي كثيرًا، ولن أخشى أن ألتقي بأعضاء نقابة “التوشين”.
لن يفيدني أن يعرف أولئك الأوغاد أنني لا زلت على قيد الحياة.
وسأعود إلى منزلي.
ليس غرفة مستأجرة، ولا مسكنًا للنقابة…
بل بيتي أنا، ملكي وحدي.
***
كما توقعت، كان المدخل المؤدي إلى حي هُك-دونغ محاطًا بحواجز حديدية ضخمة مكدّسة بعشوائية.
بما أنه مصنَّف كمنطقة خطرة، فقد بُذلت الجهود لمنع أي شخص من الدخول.
وكانت الحواجز عالية وخشنة بحيث يستحيل تسلقها، كما أنها بدت وكأنها ستنهار إن لمستها.
حاولت أن أستكشف مداخل أخرى، لكن النتيجة كانت نفسها في كل مكان.
‘كيف يمكنني الدخول إذن؟ ألا توجد طريقة إطلاقًا؟’
لكنني تذكرت أن هيئة الإدارة كانت تُرسل صيادين إلى المناطق الخطرة من وقت لآخر.
فلو انفجرت شقوق كثيرة في الداخل واندفعت الوحوش إلى الخارج، ستكون الكارثة عظيمة، لذا كانوا يوفدون صيادين بشكل دوري لتنظيف المنطقة.
إذن لا بد من أن هناك مدخلًا ما.
وبينما كنت أفكر في طريقة للدخول، قفزت إلى ذهني فجأة مقاطع الفيديو الخاصة بذلك اليوتيوبر الشهير.
صحيح! أول مكان دخل منه كان محطة هك-دونغ.
‘بالطبع… المترو.’
صحيح أن حي هُك-دونغ مُغلق كمنطقة خطر، لكن لا يمكن سدّ الأنفاق التي تمرّ بها خطوط المترو، لذا كانت القطارات تمرّ هناك دون توقف.
ومع اقتراب غروب الشمس، أسرعت الخطى متوجهًا إلى المحطة السابقة مباشرة لمحطة هُك دونغ.
المكان كان شبه خالٍ.
صحيح أن المترو ما زال يعمل حتى بعد أن انقلب العالم رأسًا على عقب، لكن عدد مستخدميه انخفض بشكل كبير.
‘فلو هاجم الوحوش المترو فجأة، فذلك يعني النهاية.’
الموت قد يواجهك في أي مكان، لكن تحت الأرض نسبة النجاة أقل بكثير من سطح الأرض.
لذا قلّ عدد الركاب، ومعه قلّ عدد الموظفين المناوبين أيضًا.
وقفت في نهاية الرصيف وكأني أنتظر القطار، ثم قفزت بهدوء إلى السكة.
ربما رصدتني كاميرات المراقبة، لكن لن يأتي أحد لمعاقبتي على الفور، فلا يوجد موظفون دائمون هنا.
صحيح أن موعد مرور القطار ما زال بعيدًا، لكنني عبرت المسار بخطوات سريعة احتياطًا.
‘لم أظن أبدًا أنني سأمشي فوق سكك المترو في حياتي.’
شعرت بشيء غريب، لكنه بدا تافهًا مقارنة بما مررت به من مواجهة وحوش وحديثي معهم بعد أن أصبحت زعيم البرج.
وكان من المفترض أن أرى رصيف محطة هُك دونغ الآن… لكن النفق ظلّ مظلمًا.
‘غريب… هل خطواتي بطيئة إلى هذا الحد؟’
لكن بما أنني كنت مرهقه من الأحداث الأخيرة، تجاهلت الأمر وأكملت السير.
عندها أحسست باهتزاز خفيف.
ظننت أولًا أن هاتفي يهتز، لكن الاهتزاز ازداد شيئًا فشيئًا حتى صار لا يُحتمل.
‘مستحيل… هل القطار قادم؟’
لقد تأكدت من جدول الرحلات، وكان يفترض ألا يمر الآن.
وبينما يدور هذا السؤال في رأسي، بدأ النفق يهتز بعنف حتى صار الوقوف مستحيلًا.
سقطت على الأرضية وبدأت أشعر بدوار وغثيان.
رأسي يدور بجنون. قبضت يدي بقوة محاولة استعادة وعيي، لكن لم ينفع.
وبينما يشتد الإحساس المشؤوم داخلي… انشقت القضبان والأرض معًا، وابتلعتني هوة سوداء.
᯽᯽᯽᯽᯽᯽᯽᯽
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع

📢 المنتدى العام عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.

🎨 إمبراطورية المانجا عـام
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...

📖 نادي الروايات عـام
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 8"