“لم أندهش، فأبي يرفعني إلى الأعلى أكثر من هذا أيضًا! هيهي.”
“……حقًّا؟ إلى أيّ مدى يرفعكِ؟”
“أمم، أعلى من هذا…….”
عندها رفعني الجدّ إلى أعلى دفعة واحدة.
اتّسعت عيناي من شدّة الدهشة.
“إلى هذا الحدّ؟”
[آه، يا إلهي! أيّتها الصغيرة! ستسقطين!]
“أ… أواه! يا دوق، هذا عالٍ جدًّا……!”
[أنزلها! قلتُ أنزلها فورًا!]
اهتزّ “إكس” خلف ظهري مرتجفًا وهو يوجّه إلى الجدّ كلماتٍ غاضبة.
ولمّا بدأتُ ألوّح بذراعيّ وساقَيّ ارتبك الجدّ أيضًا فأنزلني على عجل.
وطئتُ الأرض ببطء شديد.
“اوه.”
“إيفي، هل أنتِ بخير؟ أعتذر. لقد تسرّع جدّكِ عبثًا…….”
كان الجدّ يتفقّدني بعينين مملوءتين بالاعتذار الصادق.
‘لا داعي لتعتذر إلى هذا الحدّ……!’
‘أنا أيضًا استمتعتُ…….’
[أيّتها الحمقاء، وماذا لو سقطتِ؟]
‘لكنني شعرتُ أنّه لن يُسقطني أبداً.’
رفعتُ بصري إلى الجدّ الذي كان يبدو في غاية الأسف.
“هيهي، لا بأس. لقد كان ممتعًا! كان أعلى من أبي.”
“……حقًّا؟ استمتعتِ إذًا؟”
“نعم، كان ممتعًا. لذلك! لا تقلق، ولا تحزن إلى هذا الحدّ!”
“حسنًا، سأفعل. هيا يا إيفي. فلنذهب الآن. المكان هنا متّسخ فلنذهب إلى مكان آخر لنتحدّث…….”
كان الجدّ يمدّ يده ليحملني حينها.
وإذا برجلٍ في منتصف العمر بشَعرٍ أشيب يهرع من بعيد نحونا.
أمال أبي رأسه مستغربًا، فيما ضيّق الجدّ عينيه وهو ينظر إليه.
‘من يكون هذا؟’
كان الرجل يرتدي قميصًا أنيقًا مع صديريّة، وعلى صدره شارةٌ ذهبيّة.
إنّها الشارة الذهبيّة نفسها التي كانت عند شارلوت!
إذًا فربّما هذا الرجل ذو منصب رفيع أيضًا؟
ركض نحونا وهو لا يجد وقتًا لالتقاط أنفاسه، فانحنى أمام الجدّ.
“سيد.”
“ما الأمر يا بيتر؟ إن لم يكن عاجلًا فإلى وقت لاحق…….”
“إنّه عاجل، عاجل جدًّا! الآن…… أوه؟ أوه، لحظة. هذه…….”
رفع الرجل الذي دُعي بيتر نظّارته إلى أعلى أنفه ونظر إليّ.
انتهزتُ الفرصة وانحنيتُ قليلًا ملوّحةً بتحيّة.
“مرحبًا، أنا إيفي رويس، عمري ثماني سنوات.”
“أوه! إذًا هذه هي الآنسة إيفي! أنا كبير خدَم هذا القصر، بيتر. أعتذر عن عدم تمكّني من تقديم تحيّة تليق بالمقام بسبب الظرف الطارئ.”
حيّاني بيتر بسرعة ثم همس بشيء للجدّ.
كنتُ قريبةً جدًّا منهما لكن صوته كان منخفضًا للغاية حتّى إنّي لم أسمع منه إلا كلماتٍ متقطّعة.
“……الآن. يجب، ……عاجلًا…….”
وصلت الكلمات متقطّعة إلى أذني، لكن يبدو أنّها وصلت واضحة للجدّ.
“……ماذا؟ الآن؟”
“نعم، ينبغي أن تذهب سريعًا!”
“……لا مفرّ إذًا.”
زفر الجدّ زفرةً عميقة وأمسك يدي برفق.
كانت يد الجدّ كبيرة جدًّا، مغطّاة بالندوب، لكنّ لمسته على خشونتها كانت حذرةً إلى حدٍّ بدت معه لطيفة.
قال لي الجدّ وهو يمسك بي:
“إيفي، يبدو أنّ عليّ الذهاب الآن.”
“نعم، لا تقلق بشأنـي واذهب سريعًا.”
“سأعود قبل العشاء. لنتناول العشاء معًا. ما الطعام الذي تحبّينه؟”
“أحبّ اللحم. اللحم المشويّ جيّدًا من الخارج.”
“حسنًا، سأخبر الطاهي. أراكِ لاحقًا.”
مسح الجدّ على رأسي بيده الكبيرة ثم انطلق مسرعًا مع بيتر إلى مكانٍ ما.
أصبح الممرّ فارغًا إلّا منّي وأبي وخادمة واحدة لم تَسْتَطع المغادرة في الوقت المناسب.
نسمة.
هبّت نسمة ريحٍ من حيث غادر الجدّ بسرعة، فداعبت شعري ولَسَعت خدّي بلطف.
***
“ألم أقل لك؟ كنن يراقبنني من بعيد ويقولن إنّي لا أشبه أمّي أبدًا…….”
آه، ما أجمل الطقس.
كنتُ أجلس بجوار أبي في الحديقة، أحدثه بكلّ تفاصيل ‘تصرّفات الخادمات’ واحدةً تلو الأخرى.
أخبرته أيضًا بأنّهنّ قُلن إنّي لا أشبه أمّي، وأخبرته أنّه بعد رحيل شارلوت لم يأتي أحدٌ ليأخذني.
“……إيفي، هل تتذكّرين وجوه أولئك الناس؟”
“همم؟ طبعًا. كيف أنسى؟ أنا لا أنسى وجوه الذين أساءوا إليّ أبدًا.”
الإحسان أردّه مضاعفًا، والعداوة أردّها عشرة أضعاف!
فما يقع عليّ يجب أن أردّه عشرة أضعاف.
هذا هو شعار حياتي في سنّ الثامنة.
لذلك كنتُ أتذكّر وجوه الخادمات اللواتي تجرّأن على قول كلماتٍ بغيضة أمامي.
“هل سيتعبكِ لو طلبتُ منك أن نذهب الآن عن البحث عنهن د؟”
“همم؟ همم، ذلك سيكون قليلًا…….”
لكن في قلب العدوّ يجدر بي تأجيل الثأر قليلًا.
لم يكن من الحكمة أن اثير المشاكل في الدوقية لأنّي أريد البحث عن الذين شتموني.
ثمّ إنّ أبي مجرّد رجلٍ من العامّة.
أما أنا فأكاد أكون نصف نبيلة الآن، لكن أبي ما يزال عامّيًا تمامًا.
وفي هذه الإمبراطوريّة، حياة العامّي أمام النبيل كشمعةٍ في مهبّ الريح.
ماذا لو أغضبهم أبي فحاول الدوق إيذاءه؟
‘كما رأيتُ قبل قليل، لا يبدو أنّه يحبّ أبي كثيرًا…….’
كنتُ أكره أن يصبح أبي في خطر أكثر من أيّ شيءٍ في الدنيا.
هززتُ رأسي نافيةً، فابتسم أبي ابتسامةً فيها مرارة ومسح على رأسي.
“حسنًا، لكن حين تمرّين بهنّ صدفةً عليكِ أن تخبريني فورًا، أتفهّمين؟”
“همم، حاضر. أستطيع فعل ذلك بالتأكيد!”
كنتُ أبتسم ابتسامةً مشرقة وأنا أتلقّى لمسة أبي حينها.
“ها؟”
وصلني صوتُ ضحكةٍ سخيفة من خلفي.
……ما هذا الآن؟
“سمعتُ أنّ ابنة آيرين قد عادت مسرعًا، لكنّك لا تشبهين أختي أبدًا.”
همم؟ ما هذا فعلًا؟
هذا الصوت السخيف……؟
التفتُّ بسرعة إلى الخلف.
كان هناك رجلٌ يقف شامخًا ينظر إليّ وإلى أبي، ملامحه كثيرة الاستفزاز.
شَعره الذهبيّ وعيناه المتعجرفتان تتنقّلان بيني وبين أبي.
“هذه لا شيء، صغيرةٌ كالفأر فلا يمكن أن تُشكّل تهديدًا.”
مدّ يده نحوي وكأنّه يقيس طولي وهو يتكلّم.
[من هذا الإنسان هذه المرة؟]
قال إكس بجانبي بنبرةٍ تعبَت من الضجر.
نعم، يا إكس.
من يكون هذا الإنسان هذه المرّة؟
‘هذا ما يثير فضولي أكثر من أيّ شيء.’
أسرعتُ أنظر إلى وجه أبي. كان يبتسم ابتسامةً محرجة بعض الشيء.
أعرف هذا الوجه!
إنّه وجه أبي حين يلتقي شخصًا لا يريد لقاءه لكن عليه التعامل معه مجبرًا.
يعني أنّه يعرفه إذًا.
أطبقتُ فمي ولم أردّ التحية ونظرتُ إلى الرجل الوقح.
أما هو فظلّ يتمتم غير آبهٍ بي:
“ما دامت ذات دماء نبيلة مختلطةً، ولم تتعلّم المبارزة أبدًا، فبالطبع سيكون وريث فيرديناند هو كلود خاصتنا…….”
أيّ كلامٍ وقحٍ هذا؟
صحيح أنّ أبي عامّي.
وصحيح أنّ دماء العامّة تجري في عروقي.
لكن هل يقول هذا الكلام في وجهي هكذا؟
كان الأمر مستفزًّا للغاية.
ويبدو أنّ أبي و”إكس” كانا منزع
جين مثلي.
[من هذا الحقير؟ أتريد أن تموت؟]
“هاهاها…… يا سيّد سيلفستر. إنّها لا تزال طفلة. ليتك تخفّف من كلماتك قليلًا.”
شدّني أبي برفق إلى حضنه وسدّ أذنيّ بكفّيه.
كانت يدا أبي الكبيرتان الدافئتان تغطّيان أذنيّ بإحكام.
التعليقات