4
عندما فتحت إيشا عينيها، وجدت نفسها محبوسةً في قبوٍ ضيّقٍ قذرٍ تفوح منه رائحة العفن.
“ما… ما هذا؟!”
هل هي تجارة البشر التي سمعت عنها؟ حاولت جاهدةً فكّ الحبال التي تقيّدها، لكن دون جدوى. ومع فمها المكمّم، لم تستطع حتى إطلاق صرخة.
“هل استعدتِ وعيكِ؟”
عندما استدارت نحو الصوت المفاجئ، رأت رجلاً يحدّق بها.
شعرٌ فضيّ طويلٌ مضفورٌ بعنايةٍ حتى خصره، عينان ذهبيّتان متّقدتان كالشمس، وملامح وجهٍ متناسقةٍ بشكلٍ مذهل.
‘إنه وسيم.’
حتى في تلك اللحظة، لم تستطع إيشا إلا أن تفكّر هكذا.
‘لكن، من يكون هذا الرجل بحقّ خالق السماء؟’
هل انتشرت إشاعةٌ بأنني أتتبّع النبلاء؟
“لقد بحثت عنكِ هنا وهناك، يا آنسة. آه، هل يمكنني مناداتكِ إيشا؟”
“أم… أمم…”
“اسمعيني أولاً. سأزيل الكمّامة قريبًا.”
قال الرجل وهو يهزّ كتفيه.
“لآنسةٍ من عائلةٍ نبيلة، كنتِ تقومين بأمورٍ غريبةٍ جدًا.”
“…”
“تتجسّسين هنا وهناك، تجمعين معلوماتٍ مشبوهة.”
يبدو أنّ النبلاء قد لاحظوا الأمر. هل أرسلوه ليقتلني؟ لكن المجلّة لم تُنشر بعد!
“الآن، لديّ سؤالان فقط.”
اقترب الرجل من إيشا حتى أصبح على بُعد خطوةٍ منها، وأزال الكمّامة عن فمها ثم استطرد:
“أوّلاً، لمَ كنتِ تقومين بهذه الأفعال الغريبة؟ ثانيًا، ما السبب الذي جعلكِ تتردّدين على تلك الحانة يوميًا؟”
“هذا… هذا…”
“أحذّركِ مسبقًا، إن لم تكوني صادقة، فلن يكون الأمر ممتعًا. هنا، لا أحد يلاحظ إن مات شخصٌ ما.”
أن يتحدّث بمثل هذا الهدوء بوجهٍ لطيفٍ عن أمورٍ مرعبةٍ كهذه، إنها موهبةٌ بحدّ ذاتها.
‘من حديثه عن الحانة، لا يبدو أنه مرسلٌ من النبلاء…’
في تلك اللحظة القصيرة، دارت عجلات دماغ إيشا بسرعة.
ثم أدركت فجأة. ربما هذا الرجل…
“هل… هل أنتَ من نقابة رون؟”
“…..”
“سأكون صادقة، لذا أجبني بصدقٍ أيضًا.”
“ولمَ يجب أن أفعل ذلك؟”
“لأنني سأكون مصدرًا هائلاً للمال.”
“لا تبدين ثريةً لهذه الدرجة.”
أغلقت إيشا فمها بإحكام.
“بمجرّد هروبكِ من المنزل، انتقلتِ إلى منزلٍ جديد، أليس كذلك؟ حياةٌ فقيرة في حيّ هارلم، تنفقين ما تبقّى من أموالكِ القليلة في الحانة.”
كان كلامه صحيحًا.
“يبدو أنكِ لا تدركين وضعكِ، يا آنسة.”
“…”
“أنتِ الآن لستِ في موقفٍ يسمح لكِ بالتفاوض. هل تفهمين قصدي؟”
مع كلماته، لاحظت إيشا فجأة خنجرًا قصيرًا يتدلّى من خصره.
‘حسنًا، لا يهم. إما هكذا أو هكذا.’
جمعت إيشا شجاعتها وتحدّثت بسرعة:
“أريد إصدار مجلّة.”
“مجلّة؟”
ضحك الرجل بسخرية.
“هل تقصدين صحيفة؟ تلك التي لا تفعل شيئًا سوى تمجيد القصر؟ من سي قراءة شيءٍ كهذا؟”
“لا، ليس هذا! إنها مختلفةٌ تمامًا!”
بدأت إيشا تشرح خطتها بهدوء. هذه المجلّة ليست صحيفةً عاديّة، وبالتالي، محتواها ليس عاديًا.
إنها قذرة، مشينة، ومثيرةٌ بما يكفي لجذب اهتمام الناس…
“مجلّة متخصصة في النميمة. هل فهمتَ قصدي؟”
همم.
ارتسمت ابتسامةٌ خفيفة على شفتي الرجل. بدا وكأنه يفكّر للحظة، ثم نظر إلى إيشا وهو يمسح ذقنه.
“إذن، لمَ كنتِ تتردّدين على الحانة باستمرار؟”
“كما تعلم، لا يوجد سوى مطبعةٍ واحدة في العاصمة. ومع هذا النوع من المحتوى، كيف يمكنني الوثوق بهم؟”
“هذا صحيح.”
“كنتُ أنوي مقابلة أحد أعضاء نقابة رون لتكليفهم بأمور النشر.”
“بمجرّد الكلام؟”
“بالطبع لا.”
أضافت إيشا بسرعة:
“سأعطيكم عشرين بالمئة من الأرباح…”
“خمسين.”
“إذا أعطيتكم خمسين، ماذا سأأكل أنا؟ ثلاثين.”
“إذن أربعين؟”
“الأربعون كثيرةٌ أيضًا. خمسة وثلاثون. مهلاً، لمَ أناقش هذا معك؟ هل أنتَ حقًا من نقابة رون؟ إذن، اطلب من رئيسكِ الحضور!”
“أنا هنا.”
ضرب الرجل صدره برفق وقال:
“أنا هو. زعيم رون الذي كنتِ تبحثين عنه بشدّة.”
“ماذا…؟”
“لمَ؟ هل فوجئتِ لأنني وسيمٌ أكثر ممّا توقّعتِ؟”
يا لها من شخصيّةٍ مزعجة. لا بدّ أنه مصاب بمرض الأمراء. وإن لم يكن كذلك، فهذه مشكلةٌ بحدّ ذاتها.
“يبدو أنها ستكون تجارةً مربحة. قلتِ إنكِ ستنشرينها كلّ أحد، أليس كذلك؟ سأعطيكِ خمسة أسابيع. لكن إن لم تحقّقي مبلغًا معيّنًا من المبيعات خلال هذه المدّة، سينتهي تعاوننا.”
“ينتهي…؟”
“ستطالبكِ رون بثلاثة أضعاف التكاليف التي تكبّدناها حتى ذلك الحين. وإن لم تستطيعي دفعها، حسنًا…”
ماذا سيحدث؟
شعرت إيشا برغبةٍ في السؤال وخوفٍ من سماع الجواب في الوقت ذاته.
‘لا، أنا من أنا؟ هذا سيُنجح بالتأكيد. لا يمكن أن يفشل.’
لكن، إن فشل…
‘لا يهم. سأفكّر في ذلك لاحقًا. وإن لم ينجح، يمكنني بيع ليوريك، على الأقل.’
“حسنًا، موافقة.”
“اتّفاقٌ إذن.”
مع موافقة إيشا، أطلق الرجل الحبال التي كانت تكبّلها.
بعد قليل، ظهر النادل الذي رأته في الحانة، ممسكًا بأوراقٍ في يده. بدأ الرجل يكتب بنود العقد بسهولةٍ وكأنه معتادٌ على ذلك، بينما حدّقت إيشا في الورقة بوجهٍ متوتر.
“يدكِ.”
“ماذا؟”
“مدّي يدكِ.”
“لمَ يدي… آه!”
أخرج الرجل خنجره بسرعة وأحدث خدشًا صغيرًا في إبهام إيشا. ثم أمسك معصمها بقوة ووضع بصمتها على الورقة.
“تفضّلي.”
أخذ الرجل نسخةً من العقد وأعطى النسخة الأخرى لإيشا بإهمال، بينما تذمّرت وهي تنظر إليه:
“لا اسم، وتتصرّف كما يحلو لك. تهدّدني و…”
“الاسم مكتوبٌ هناك. تيل.”
كان مكتوبًا بالفعل.
“هذا اسمٌ مستعار، أليس كذلك؟”
“لا داعي لمعرفة المزيد.”
“حسنًا… أسألكَ فقط من باب الفضول، هل تفكّر في أن تكون بطل إحدى مقالات المجلّة…؟”
“إن حدث ذلك، سأقتلكِ على الفور.”
“حسنًا، فهمت.”
مؤسف، لكن لا بأس. أصدرت إيشا صوتًا بالتذمّر وهي تقوم من مكانها، بينما نظر إليها تيل وقال:
“أرسلي المواد إلى بول بحلول الغد. سننجز المنتج خلال ثلاثة أيام.”
“حسنًا.”
“ولا تنسي مهلة الخمسة أسابيع. إن كنتِ تهتمّين بحياتكِ.”
“فهمت!”
تذمّرت إيشا وهي تفتح الباب، وبدأت تمشي دون أن تلتفت وراءها.
“يبدو أنها امرأةٌ مجنونة.”
تمتم تيل وهو يهزّ رأسه، بينما بقي بول بجانبه يبتسم موافقًا.
“ضع أحدهم لمراقبتها باستمرار. لا نعلم متى قد تهرب.”
“حسنًا، سيدي.”
كانت تجارةً واعدة، لكن نجاح أيّ عملٍ يعتمد على قدرات من يديره. هل ستتمكّن هذه المرأة المجنونة من إنجاح هذا المشروع؟
“إن نجحت، سنحصل على المال بسهولة. وإن فشلت…”
سنتخلّص منها ونأخذ المشروع لأنفسنا.
مع هذه الأفكار، خبّأ تيل العقد في صدره.
لكن قلقه كان لا داعي له.
فقد حقّقت «فضائح الأحد» عشرة أضعاف المبيعات المتوقّعة.
وكان ذلك إنجازًا تحقّق في غضون أسبوعين فقط من النشر.
— ترجمة إسراء
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع

📢 المنتدى العام عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.

🎨 إمبراطورية المانجا عـام
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...

📖 نادي الروايات عـام
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 4"